الشرع وفورد: ما وراء النفي الرسمي والسرديات المتضاربة

السبت 24/مايو/2025 - 01:35 ص
طباعة الشرع وفورد: ما وراء حسام الحداد
 
في مشهد يعكس تحولات جذرية في مسار الصراع السوري، فجّر السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد، مفاجأة من العيار الثقيل حين كشف عن سلسلة لقاءات جمعته بأحمد الشرع، المعروف سابقًا بأبي محمد الجولاني، الزعيم الجهادي الذي أصبح اليوم رئيسًا انتقاليًا لسوريا. تصريحات فورد، التي جاءت خلال محاضرة في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، لم تمر مرور الكرام، إذ أعادت فتح ملف العلاقات الغربية مع قادة الجماعات المسلحة، وأثارت جدلًا واسعًا حول حدود البراغماتية السياسية، ومشروعية "إعادة تأهيل" شخصيات مثيرة للجدل.
فبين ماضٍ حافل بالانتماء إلى تنظيم القاعدة، وحاضر سياسي يسعى إلى بناء شرعية جديدة، يقف الشرع عند تقاطع حساس بين الصورة التي تسعى أطراف دولية لترويجها، وواقع لا يزال يثير انقسامًا داخل سوريا وخارجها. في هذا التقرير، نغوص في خلفيات هذه العلاقة، سياقها التاريخي، ردود الفعل التي أثارتها، والدلالات الأعمق التي تختزنها.

خلفية عن روبرت فورد
روبرت فورد هو دبلوماسي أمريكي مخضرم، شغل منصب السفير الأمريكي في سوريا بين عامي 2011 و2014، وهي فترة شهدت بداية الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد. كان فورد معروفًا بدعمه لتسليح فصائل المعارضة السورية المعتدلة، وهو ما جعله شخصية بارزة في السياسة الأمريكية تجاه سوريا. قبل ذلك، عمل فورد في مناصب دبلوماسية أخرى، بما في ذلك سفير الولايات المتحدة في الجزائر (2006-2008) ونائب رئيس البعثة الأمريكية في بغداد (2008-2009). خبرته الواسعة في المنطقة جعلته مرشحًا للتعامل مع قضايا حساسة مثل إعادة تأهيل شخصيات مثيرة للجدل.

خلفية عن أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)
أحمد حسين الشرع، المولود في 29 أكتوبر 1982 في الرياض بالسعودية لعائلة سورية سنية من مرتفعات الجولان، هو قائد عسكري وسياسي سوري يشغل منصب الرئيس الانتقالي لسوريا منذ 29 يناير 2025. بدأ مسيرته كمقاتل في تنظيم القاعدة في العراق قبل الغزو الأمريكي عام 2003، وتم اعتقاله من قبل القوات الأمريكية بين 2006 و2011. بعد إطلاق سراحه، أسس جبهة النصرة في سوريا عام 2012 كفرع لتنظيم القاعدة، ثم قطع علاقته بالتنظيم عام 2016 ليؤسس جبهة فتح الشام، ولاحقًا هيئة تحرير الشام في 2017. قاد الشرع هجومًا خاطفًا في ديسمبر 2024 أدى إلى سقوط نظام الأسد، وأصبح رئيسًا انتقاليًا لسوريا. خلال السنوات الأخيرة، حاول الشرع تقديم صورة أكثر براغماتية، مركزًا على الحكم المحلي بدلاً من الجهاد العالمي.

تفاصيل العلاقة بين فورد والشرع
في محاضرة ألقاها في 5 مايو 2025 أمام مجلس العلاقات الخارجية في بالتيمور بولاية ميريلاند، كشف روبرت فورد عن تفاصيل لقاءاته مع أحمد الشرع، موضحًا أن مؤسسة بريطانية غير حكومية متخصصة في حل النزاعات دعتْه في عام 2023 للمساعدة في "إعادة تأهيل" الشرع لتحويله من زعيم جماعة متطرفة إلى سياسي.

اللقاءات: التقى فورد بالشرع ثلاث مرات:
مارس 2023 في إدلب.
سبتمبر 2023 في إدلب.
يناير 2025 في القصر الجمهوري بدمشق، بعد تولي الشرع الرئاسة الانتقالية.
هدف اللقاءات: بحسب فورد، كانت هذه اللقاءات جزءًا من جهود دولية لدمج الشرع في العملية السياسية، حيث خضعت هيئة تحرير الشام لتدريبات مكثفة أشرف عليها خبراء وسفراء وضباط استخبارات أمريكيون وبريطانيون. الهدف كان تحويل الشرع من قائد عسكري إلى شخصية سياسية قادرة على إدارة مرحلة انتقالية في سوريا.
تفاصيل اللقاء الأول: فورد وصف تجربته الأولى مع الشرع بمزيج من التوتر والفكاهة، قائلاً: «كنت مترددًا في البداية، وتخيلت نفسي مرتديًا بدلة برتقالية والسكين على رقبتي، لكنني قررت المحاولة بعد التحدث مع آخرين سبق لهم التعامل معه». عندما جلس إلى جانب الشرع، قال له بالعربية: «خلال مليون سنة لم أكن أتخيل أنني سأكون جالسًا بجانبك»، فأجاب الشرع بهدوء: «ولا أنا».
موقف الشرع: أشار فورد إلى أن الشرع لم يعتذر عن أعماله السابقة المرتبطة بجبهة النصرة أو القاعدة، لكنه أبدى وعيًا بأن أساليب حرب العصابات غير مناسبة لإدارة منطقة مثل إدلب التي تضم 4 ملايين نسمة. هذا يعكس تحولاً براجماتيًا في نهج الشرع.

رد الرئاسة السورية
نفت الرئاسة السورية تصريحات فورد، مؤكدة أن اللقاءات التي أشار إليها كانت ضمن زيارات بروتوكولية عامة لعرض تجربة إدارة إدلب بعد النزاع. وأوضح مصدر رسمي في الرئاسة لقناة الجزيرة أن فورد كان ضمن وفد تابع لمنظمة بريطانية للدراسات والأبحاث، وأن الجلسات اقتصرت على نقاشات عامة دون أي طروحات لتأهيل الشرع سياسيًا.
وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، رد على تصريحات فورد عبر منصة إكس، مؤكدًا أن ما تحقق في ديسمبر 2024 كان "إنجازًا سوريًا بامتياز" نتيجة صمود الشعب السوري، وليس بفضل تدخلات خارجية.

ردود الفعل والجدل
أثارت تصريحات فورد ردود فعل متباينة:
في سوريا: اعتبر البعض تصريحات فورد دليلاً على تدخل غربي في صياغة القيادة السورية، مما أثار انتقادات من أوساط معارضة للشرع ترى أن دوره ارتبط بأجندات خارجية.
على منصة إكس: تفاعل مستخدمون مع تصريحات فورد، حيث وصفها البعض بـ"الفضيحة"، مشيرين إلى أنها تكشف عن تدوير شخصيات مثيرة للجدل لخدمة مصالح غربية. آخرون شككوا في مصداقية الرئاسة السورية بنفيها لهذه اللقاءات، متسائلين عن طبيعة وجود فورد في إدلب إذا لم تكن هناك أهداف سياسية
في الإعلام الدولي: تناولت وسائل إعلام مثل BBC وCNN هذه التصريحات، مشيرة إلى أنها تسلط الضوء على التحولات في صورة الشرع من زعيم جهادي إلى سياسي براغماتي.

السياق التاريخي والتحولات
تحول الشرع: منذ عام 2016، بدأ الشرع بإعادة صياغة صورته، متخليًا تدريجيًا عن خطاب الجهاد العالمي. أعلن قطع علاقاته بتنظيم القاعدة، وأسس هيئة تحرير الشام التي ركزت على الحكم المحلي في إدلب. هذه الخطوات جعلته مرشحًا محتملاً للتعامل معه من قبل جهات دولية.
دور الغرب: تصريحات فورد تشير إلى استراتيجية غربية لدمج شخصيات مثل الشرع في العملية السياسية، خاصة بعد فشل المفاوضات مع نظام الأسد. هذا يتماشى مع سياسات سابقة لدعم فصائل معارضة معتدلة، كما دعا فورد خلال عمله كسفير.
إدلب كمركز للتجربة: كانت إدلب، التي سيطرت عليها هيئة تحرير الشام، نموذجًا للحكم المحلي الذي حاول الشرع من خلاله إثبات قدرته على إدارة مناطق مدنية، مما جعلها نقطة جذب للقاءات مع جهات دولية.

التداعيات المحتملة
سياسيًا: تصريحات فورد قد تعزز الجدل حول شرعية الشرع كرئيس انتقالي، خاصة بين الأوساط التي ترى أن دوره ارتبط بتدخلات خارجية. هذا قد يؤثر على قبول الحكومة الانتقالية داخليًا وخارجيًا.
دبلوماسيًا: قد تثير هذه التصريحات توترات مع دول مثل روسيا وإيران، اللتين كانتا داعمتين لنظام الأسد، خاصة إذا رأت أن الغرب لعب دورًا مباشرًا في صعود الشرع.
اجتماعيًا: في سوريا، قد تؤدي هذه التصريحات إلى تعميق الانقسامات بين مؤيدي الشرع ومعارضيه، خاصة أن ماضيه كقائد لجبهة النصرة لا يزال مثيرًا للجدل.

الخلاصة
علاقة روبرت فورد بأحمد الشرع تُظهر مدى تعقيد التفاعلات السياسية والدبلوماسية في سوريا خلال المرحلة الانتقالية. تصريحات فورد تكشف عن جهود غربية لتحويل الشرع من زعيم عسكري إلى سياسي، لكن نفي الرئاسة السورية لهذه الرواية يعكس حساسية الموضوع. بينما تستمر التحولات في سوريا، تبقى هذه العلاقة محط نقاش حول دور القوى الخارجية في تشكيل المستقبل السياسي للبلاد.

شارك