تشابهار تحت النار.. إحباط مؤامرة إرهابية دامية جنوب شرقي إيران
الأربعاء 09/يوليو/2025 - 03:21 ص
طباعة

في تصعيد لافت يكشف أبعاد المعركة المستمرة بين إيران والجماعات المسلحة التي تنشط في المناطق الحدودية، أعلن مقر "قدس" التابع للحرس الثوري الإيراني عن تفكيك خلية إرهابية خطيرة كانت تتحرك في مدينة تشابهار، الواقعة بمحافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي البلاد، في عملية وصفتها السلطات الإيرانية بالمعقدة والحاسمة. العملية لم تكن وليدة صدفة، بل جاءت تتويجًا لجهود استخباراتية دقيقة، حيث اعتمد الحرس الثوري على بلاغات ومعلومات سرية وردته من المواطنين المحليين، الذين لعبوا دورًا محوريًا في كشف هذه الشبكة.
بحسب البيان الرسمي، الذي بثته وسائل الإعلام الإيرانية، فإن القوات الخاصة التابعة لاستخبارات الحرس الثوري نفذت عملية مباغتة وخاطفة ضد أفراد الخلية، ما أسفر عن مقتل واعتقال ستة من عناصرها، وضبط كميات ضخمة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمواد المتفجرة المعدّة لتنفيذ سلسلة هجمات دامية.
اللافت في هذا التطور أن العملية تزامنت مع مناورات أمنية واسعة النطاق تُعرف باسم "شهداء الأمن"، تُجريها طهران في جنوب شرقي البلاد، حيث تأتي هذه الخطوة كجزء من الاستراتيجية الإيرانية لتعزيز السيطرة الأمنية في المناطق المتوترة.
هذه المناورات، التي غالبًا ما تترافق مع حملات أمنية ضد الجماعات المسلحة، تُعد بمثابة رسالة مزدوجة: ردع داخلي وإيصال تحذير واضح للأطراف الخارجية التي يُعتقد أنها تدعم تلك الجماعات.
ووفق الرواية الرسمية، فإن الخلية كانت في مراحل متقدمة من التحضير لشن هجمات إرهابية متزامنة تستهدف مناطق عامة وأسواقًا مكتظة بالمدنيين، في محاولة لإحداث أكبر قدر من الفوضى وسفك الدماء، الأمر الذي يكشف خطورة المخططات التي كانت ستُنفذ لو لم يتم إحباطها في الوقت المناسب.
وتُبرز هذه العملية حجم التحديات الأمنية التي تواجهها إيران، خصوصًا في المحافظات الحدودية ذات الغالبية السنية، والتي تعاني من هشاشة أمنية بسبب النشاط المتزايد للجماعات المسلحة التي ترتبط، وفق السلطات الإيرانية، بجهات إقليمية ودولية معادية لطهران.
سيستان وبلوشستان، التي تشتهر بوعورة تضاريسها وتنوعها العرقي والمذهبي، تعد منذ سنوات مسرحًا لصراع خفي بين أجهزة الأمن الإيرانية وجماعات مسلحة تصفها طهران بالإرهابية والانفصالية.
وغالبًا ما توجه إيران أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الإقليمية، متهمة إياها بدعم وتسليح هذه المجموعات كجزء من سياسة "الحرب بالوكالة" لإضعاف أمن إيران الداخلي وزعزعة استقرارها.
ورغم ما تنشره وسائل الإعلام الإيرانية من بيانات حول نجاحات أمنية متكررة، فإن الخبراء يرون أن تفكيك مثل هذه الخلايا لا يعني نهاية التهديد، بل يكشف عن بيئة خصبة قد تنمو فيها هذه الجماعات من جديد، خصوصًا مع تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بعض المحافظات المهمشة، ما يجعل سكانها عرضة للاستقطاب من قبل التنظيمات المتشددة، سواء بدافع مالي أو بدافع الاحتجاج السياسي.
ويُبرز هذا التطور الميداني معركة أكثر عمقًا، تدور في الظل، بين أجهزة الأمن الإيرانية وشبكات معقدة من الجماعات المسلحة العابرة للحدود، التي تستغل الثغرات الأمنية وتداخل القبائل وتجارة التهريب لتوسيع نفوذها.
كما أن هذه الجماعات، وفق تقديرات أمنية، باتت تمتلك خبرات قتالية متقدمة، سواء بفعل صلاتها بتنظيمات إرهابية دولية أو من خلال حصولها على الدعم اللوجستي والتقني من جهات خارجية، ما يضفي على المعركة طابعًا استخباراتيًا شديد التعقيد.
الحرس الثوري، عبر مقر "قدس"، شدد في بيانه على أن الحفاظ على الأمن في المناطق الحدودية هو "أولوية إستراتيجية لا تقبل المساومة"، ملوّحًا بردود فعل سريعة وحاسمة ضد أي محاولة لزعزعة الاستقرار.
هذا الموقف يعكس قلقًا متصاعدًا في أروقة صنع القرار الإيراني من تصاعد موجات الإرهاب في منطقة تقع ضمن نطاق استراتيجي حساس، حيث تمر عبرها طرق التهريب والشبكات الإجرامية، فضلًا عن كونها قريبة من الحدود مع باكستان وأفغانستان، اللتين تشهدان بدورهما وضعًا أمنيًا هشًا.
ومن الملاحظ أن إيران تعتمد بشكل متزايد على إشراك الأهالي في جهود الإبلاغ والمتابعة، في محاولة لخلق شبكة أمنية مجتمعية قادرة على كشف التحركات المشبوهة مبكرًا، إلا أن هذا النهج، رغم نتائجه الظاهرية، يكشف عن عمق الفجوة بين الدولة والمجتمع في تلك المناطق، إذ يُظهر مدى استحكام الإرهاب في الحياة اليومية لبعض السكان، الذين يجدون أنفسهم عالقين بين مطرقة الإرهاب وسندان الأجهزة الأمنية.
ويري مراقبون أن الرسالة السياسية الكامنة خلف هذه العملية واضحة؛ فإيران تريد أن تبعث بإشارة إلى الداخل والخارج معًا بأنها قادرة على ضبط أمنها في أصعب المناطق، وبأن أي محاولة لزعزعة استقرارها ستُواجه بردود فعل صارمة، حتى وإن اضطر الأمر إلى عمليات عسكرية داخلية قاسية، لكنها في الوقت ذاته، تدرك أن الإرهاب في تلك المناطق ليس مجرد خلايا معزولة، بل هو جزء من معركة أشمل تتداخل فيها الأبعاد المذهبية والسياسية والاقتصادية والإقليمية، ما يجعل المواجهة مرشحة لمزيد من التصعيد في قادم الأيام.
وفي خضم كل ذلك، تبدو إيران عالقة في معادلة معقدة، كيف يمكنها مواصلة بسط نفوذها الإقليمي مع احتواء التهديدات الداخلية المتزايدة، والتي باتت تتخذ طابعًا أكثر تنظيمًا ودموية؟ الجواب لا يزال معلقًا، لكن المؤكد أن الحرس الثوري بات يتعامل مع ملف الإرهاب في تلك المناطق باعتباره ساحة حرب حقيقية لا تقل خطورة عن أي جبهة خارجية.