البيان العربي العام والدفاع عن إيران: بين الانحياز الأيديولوجي وتجاهل الواقع
الثلاثاء 17/يونيو/2025 - 06:49 م
طباعة
صدر عن "المؤتمر العربي العام" الجمعة 13 يونيو 2025، بيان يدين العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويعبّر عن "تضامن كامل" مع طهران في مواجهة ما وصفه بـ"العدوان الثلاثي الصهيوني - الأمريكي - الأوروبي". ويتضمن البيان دفاعًا صريحًا عن مواقف إيران في المنطقة، مع تحميل الغرب وإسرائيل كامل المسؤولية عن التصعيد. إلا أن هذا البيان، رغم ما قد يبدو من التزام بقضية فلسطين والدفاع عن الأمة، يثير العديد من الأسئلة والتحفظات، ويستدعي تفنيدًا نقديًا من جوانب متعددة: سياسية، أخلاقية، واستراتيجية.
غياب التوازن وتحول التضامن إلى انحياز أيديولوجي
البيان لا يكتفي بإدانة العدوان – وهو موقف يمكن تفهمه في السياق الإنساني والقانوني – بل يتحول إلى تبنٍّ شبه كامل للموقف الإيراني، وكأنه بيان صادر من طهران نفسها. هذا الانحياز يتجاهل تمامًا حقيقة أن السياسة الإيرانية، على مدى العقود الأربعة الماضية، لم تخلُ من تدخلات مباشرة في الشؤون الداخلية للدول العربية، من العراق وسوريا ولبنان إلى اليمن. فكيف لمنظمة تسمي نفسها "العربي العام" أن تتجاهل هذه الوقائع وتُغفل معاناة الشعوب العربية من وكلاء إيران وسلاحها وأذرعها؟
من مقاومة الاحتلال إلى شرعنة الهيمنة
يدافع البيان عن إيران باعتبارها "داعمة للمقاومة"، خاصة الفلسطينية. لكنّه يتجاهل أن هذا الدعم لم يكن يومًا خالصًا أو نزيهًا، بل مرتبطًا باستراتيجية إيرانية توسعية واضحة، توظف فلسطين أداة لتبرير نفوذها في المشرق العربي. المقاومة الحقيقية لا تُدار من قم أو من غرفة عمليات إيرانية، بل تنبع من الإرادة الوطنية الحرة. كما أن اختزال إيران في صورة الحليف "المبدئي" للمقاومة يطمس الدور التخريبي الذي لعبته في تفكيك المجتمعات العربية ودعم الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة بذريعة "محور المقاومة".
التناقض الصارخ في الخطاب
البيان يتحدث عن "الهيمنة الصهيو-غربية" بوصفها الخطر الأكبر، لكنه يغفل الهيمنة الإيرانية الواضحة على بلدان عربية عدة، وهي هيمنة مسلحة وطائفية في جوهرها. كما أن الحديث عن "استقلال القرار الوطني الإيراني" مثير للتساؤل، فإيران هي الدولة الوحيدة التي تعلن رسميًا امتلاكها لمليشيات مسلحة في دول أخرى، وتتباهى بولائها للولي الفقيه خارج حدودها الوطنية.
تسييس الحداد وتوظيف الدم
من غير المقبول سياسيًا وأخلاقيًا أن يُقدّم ضحايا المواجهة العسكرية في إيران بصفتهم "شهداء على طريق فلسطين والأمة"، في وقت تئن فيه شعوب عربية من الميليشيات المدعومة إيرانيًا، وتشهد ساحات عربية سقوط آلاف الضحايا بسبب تدخل طهران. هذا التوظيف السياسي للموت لا يعبر عن تضامن بقدر ما يعكس محاولة للمتاجرة بالقضية الفلسطينية وتوظيفها ضمن أجندة إقليمية.
من هو المؤتمر العربي العام فعلًا؟
يضم البيان توقيعات من كيانات مثل "المؤتمر القومي العربي" و"مؤسسة القدس الدولية" و"الجبهة العربية التقدمية"، وهي جميعًا جهات ذات طابع أيديولوجي قومي - إسلامي، تُعرف بولائها السياسي الواضح لإيران أو لمشروع "الممانعة". هذا يجعل من البيان جزءًا من خطاب سياسي منحاز ومؤدلج، لا يعكس موقف الشارع العربي أو المزاج الشعبي المتألم من جميع أطراف الصراع، لا من طرف واحد فقط.
من أجل بيان عربي مستقل فعلاً
في لحظةٍ تتطلب الحكمة والاتزان، جاء البيان ليعمّق الاستقطاب، ويستثمر في المحاور لا في المصالحة، ويستدعي أحقاد الماضي بدلًا من استشراف مستقبلٍ أكثر توازنًا. المطلوب اليوم ليس التماهي مع إيران ولا الانخراط في مشاريع الغرب أو "إسرائيل"، بل بناء موقف عربي مستقل، يرفض جميع أشكال العدوان، ويُدين كل انتهاك لسيادة الدول والشعوب، سواء جاء من تل أبيب أو من طهران.
بكلمة واحدة: لا يمكن بناء مستقبل عربي حر عبر تحالفات انتقائية مع قوى إقليمية تمارس بدورها ما يُمارَس ضدنا، وإن ارتدت عباءة "المقاومة".