القبضة الحديدية في إب.. الحوثيون يحولون المحافظة إلى سجن مفتوح
السبت 26/يوليو/2025 - 12:54 م
طباعة

تشهد محافظة إب اليمنية منذ مطلع العام 2025 تصعيدًا غير مسبوق في الانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الحوثي الإرهابية، في واحدة من أوسع حملات القمع الممنهجة التي تستهدف المجتمع المحلي بكافة أطيافه، يأتي ذلك في ظل صمت دولي مريب وعجز مستمر عن لجم آلة البطش الحوثية، التي باتت تتعامل مع السكان كرهائن في معركتها للبقاء، وسط تهاوي حلفائها الإقليميين، وتنامي الرفض الشعبي في الداخل اليمني لمشروعها الطائفي والقمعي.
ففي محافظة إب، التي تُعرف بتاريخها الوطني والجمهوري، تُمارس الجماعة الحوثية حملة اختطافات وإخفاء قسري طالت العشرات من الأكاديميين والتربويين والأطباء ورجال الدين والوجهاء والمشايخ، بهدف إسكات كل صوت معارض، وترويض المجتمع بقوة الحديد والنار.
ويعكس تصريح وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني بوضوح خطورة ما يجري في إب، حين أشار إلى أن مليشيا الحوثي تواصل حملة هستيرية من الاختطافات والإخفاءات القسرية منذ مايو الماضي، طالت أكثر من 65 مواطنًا بينهم نخبة من الشخصيات العامة في المحافظة، واعتبر الإرياني أن هذه الحملة تأتي في سياق حالة من الارتباك والهلع تعيشها الجماعة، في ظل ما وصفه بتساقط الأذرع الإيرانية في المنطقة، وخشية الحوثيين من أن يلقوا مصير نظام الأسد الذي انهار أمام إرادة السوريين.
كما أكد الوزير اليمني على أن محافظة إب، التي أنجبت رموز الثورة كعلي عبدالمغني والدكتور عبدالعزيز المقالح، لن تكون إلا مع الجمهورية، ولن تنكسر أمام أدوات المشروع الإيراني، ودعا الإرياني مشايخ ووجهاء إب وكل القوى السياسية والمجتمعية إلى تحمل مسؤولياتهم والوقوف في وجه هذه الحملة القمعية، محذرًا من أن التاريخ لن يرحم المتخاذلين، ومطالبًا المجتمع الدولي باتخاذ مواقف حاسمة تجاه هذه الانتهاكات، ودعم الحكومة اليمنية في بسط سلطتها على كامل الأراضي اليمنية.
تطابق هذا التصريح الرسمي مع ما وثقه ميدانيًا تقرير الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، الذي أكد أن المليشيات الحوثية اختطفت واعتقلت 83 مدنيًا في إب منذ مطلع مارس وحتى 20 يوليو الجاري، بينهم 9 حالات إخفاء قسري، و22 تربويًا، و12 طالبًا، و3 أطفال، و14 بائعًا متجولًا، و4 تجار ورجال أعمال، و6 خطباء ووعاظ، و5 شخصيات اجتماعية، و17 من الكوادر المهنية.
وأشار التقرير إلى أن هذه الحملة تأتي في سياق تصعيد واضح ضد المجتمع المدني، ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تكميم الأفواه وبث الرعب في الأوساط المجتمعية، دون أي مسوغات قانونية، كما وثق التقرير تنفيذ 342 عملية مداهمة لمنازل المواطنين، و18 حالة نهب، فضلًا عن استحداث 12 سجنًا سريًا تمارس فيها أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، حيث تُنتزع الاعترافات من المختطفين تحت وطأة التهديد والتعذيب، ووصفت الشبكة هذه السجون بأنها "مصانع للرعب" لا تخضع لأي رقابة، وتشكل انتهاكًا صارخًا لكل المواثيق الدولية.
ما يجري في إب اليوم يُظهر أن المليشيا لا تكتفي بسياسة الإقصاء بل تتجه إلى عسكرة المجتمع بالكامل، وضرب كل مقومات الحياة المدنية عبر تحييد المعلمين، وإرهاب الأطباء، وتصفية الشخصيات الاجتماعية، وتفريغ المجتمع من نخبته، ليتحول إلى فضاء خانع خالٍ من المقاومة الفكرية أو المجتمعية.
ويرى مراقبون أن هذا التصعيد يعود إلى إدراك الحوثيين لطبيعة محافظة إب التي تُعد من أكثر المحافظات وعيًا سياسيًا وثقافيًا، ومن أقلها خضوعًا للفكر الطائفي الحوثي، ما يجعلها هدفًا استراتيجيًا لحملات الإرهاب المنظم التي تهدف إلى إعادة تشكيل المجتمع بقوالب خاضعة للفكر السلالي.
ويذهب بعض المراقبين إلى أن استمرار هذا النمط من القمع دون ردة فعل فاعلة من المجتمع الدولي سيُفضي إلى كارثة إنسانية ومجتمعية، حيث تُنتهك يوميًا كرامة المواطنين وتُداس القوانين، وتُدار مناطق بأكملها بقوة الأجهزة الأمنية الخارجة عن كل الأطر الدستورية، فالصمت الدولي لا يُفسر سوى كتشجيع غير مباشر للجماعة على المضي في مشروعها القمعي، ويُفاقم من عزلة المدنيين ويدفع باتجاه تفكيك النسيج المجتمعي بما لا يمكن ترميمه لاحقًا، كما أن غياب الضغط الجاد على الجماعة للكشف عن مصير المخفيين قسرًا، ووقف حملات الاعتقال العشوائي، يؤكد أن المجتمع الدولي لم يضع حتى الآن حجم المعاناة الإنسانية في اليمن ضمن أولوياته.
إن ما تتعرض له محافظة إب ليس شأنًا محليًا يمكن تسويته بحوارات داخلية، بل هو امتداد لمشروع إقليمي يقوده النظام الإيراني بأدوات يمنية، ويرتكز على الترويع والتهميش والإقصاء، ويستهدف روح الجمهورية والثقافة الوطنية التي لا تقبل بالكهنوت والعبودية.
ومن هذا المنطلق، فإن حماية إب هي حماية لليمن، وصمودها في وجه هذه الحملات هو صمود لكل المناطق الحرة التي تقاوم المشروع الحوثي، وعلى القوى الوطنية أن تدرك أن معركة إب اليوم هي معركة الجميع، وأن الوقوف إلى جانب أهلها واجب لا يحتمل التأجيل، كما أن على المجتمع الدولي أن ينتقل من مرحلة البيانات إلى مرحلة الفعل، فالكارثة التي تتسع كل يوم لا يمكن احتواؤها بالصمت أو الانتظار.