قطع الكابلات البحرية في البحر الأحمر.. اتهامات للحوثيين وتهديد لأمن الإنترنت العالمي
الثلاثاء 09/سبتمبر/2025 - 12:18 م
طباعة

شهد البحر الأحمر خلال الأيام الماضية حادثة أثارت قلقًا عالميًا واسعًا بعد الإعلان عن تعرض عدة كابلات إنترنت بحرية دولية للقطع، وهو ما انعكس بشكل مباشر على خدمات الاتصال في مناطق واسعة من العالم، لا سيما في قارتي آسيا وأوروبا.
وبحسب تقديرات شركات التقنية العالمية، تمر عبر البحر الأحمر شبكة حيوية تضم أكثر من 16 كابلًا رئيسيًا للاتصالات الدولية، تنقل ما بين 17% و30% من حركة الإنترنت العالمية، مما يجعل أي استهداف لهذه البنية التحتية تهديدًا خطيرًا للأمن الرقمي العالمي وللاقتصاد الدولي.
وكانت شركة مايكروسوفت الأمريكية، وهي ثاني أكبر مزود للخدمات السحابية في العالم، أعلنت عن انقطاع عدة كابلات بحرية في البحر الأحمر، مؤكدة في بيان رسمي أن هذا الخلل قد يؤدي إلى بطء ملحوظ في الخدمات الرقمية لعملائها، خصوصًا مستخدمي منصة "مايكروسوفت آزور".
وأوضحت الشركة أن الفرق الهندسية لديها رصدت أعطالًا في أنظمة كابلات أساسية مثل (SMW4) و(IMEWE)، وتعمل على إعادة توجيه حركة الإنترنت عبر مسارات بديلة للحد من التأثير، لكن عملية الإصلاح قد تستغرق أسابيع نظرًا لصعوبة الوصول إلى مواقع الأعطال تحت سطح البحر، وازدحام الممر المائي بحركة السفن، فضلًا عن المخاطر الأمنية التي فرضتها الظروف الإقليمية المضطربة.
في السياق ذاته، أكدت تقارير شركات مراقبة الإنترنت، مثل "NetBlocks"، حدوث سلسلة من الانقطاعات التي أثرت بشكل كبير على جودة الاتصال في دول عربية وآسيوية وأوروبية، وأشارت إلى أن الأضرار طالت كابلات رئيسية تربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، بما في ذلك كابلات AAE-1 وSeacom وEIG وTGN، وهي شرايين رقمية لا غنى عنها لضمان انسيابية البيانات العالمية.
هذه التطورات أعادت إلى الأذهان الحوادث السابقة المرتبطة بميليشيا الحوثي الإرهابية، التي سبق وأن تسببت في تلف ثلاثة كابلات بحرية في البحر الأحمر العام الماضي، بعد غرق السفينة "روبي مار" عقب استهدافها من قبل الحوثيين، وهو ما أدى إلى تعطيل خدمات الإنترنت في مناطق واسعة من العالم.
ومع تصاعد هذه التهديدات، توجهت أصابع الاتهام مجددًا إلى الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران، خصوصًا مع استمرار هجماتها ضد السفن التجارية وناقلات النفط في البحر الأحمر، وما رافق ذلك من تهديدات علنية أطلقتها في فبراير 2024 باستهداف الكابلات البحرية العابرة لمضيق باب المندب، بالتزامن مع تصريحات مشابهة من مليشيات إيرانية أخرى مثل حزب الله اللبناني وفصائل عراقية.
وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية وعدة تقارير إعلامية أخرى معلومات تشير إلى وجود شبهات قوية بضلوع الحوثيين في هذه العملية، معتبرة أنها جزء من استراتيجية إيرانية للضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي لوقف العمليات العسكرية في غزة.
ورغم هذه الاتهامات، سارع الحوثيون إلى نفي أي علاقة لهم بالحوادث الأخيرة، حيث أصدرت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات التابعة للجماعة بيانًا قالت فيه إن هذه المزاعم تأتي في سياق ما وصفته بـ"الحملات الإعلامية المعادية" التي تستهدف تشويه صورة الجماعة.
وفي خضم هذه التطورات، أصدر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني تصريحًا شديد اللهجة، أكد فيه أن تعرض عدة كابلات بحرية دولية للقطع في البحر الأحمر، وما ترتب على ذلك من بطء كبير في خدمات الإنترنت بين قارات آسيا وأوروبا، يعكس الدور التخريبي الذي تلعبه مليشيا الحوثي الإرهابية في تقويض البنية التحتية الرقمية العالمية، وتهديد أمن الإنترنت وحرية الحركة البحرية.
وأوضح الإرياني أن هذه الحوادث لا يمكن فصلها عن سلسلة الهجمات التي استهدفت الكابلات البحرية سابقًا، فضلًا عن أنشطة الميليشيا العدائية التي جعلت البحر الأحمر وباب المندب بيئة غير آمنة، ما دفع شركات التأمين البحري إلى تصنيف المنطقة كـ"منطقة حرب"، وإلغاء تغطيتها لسفن الصيانة العاملة في المياه الإقليمية اليمنية، وهو ما عرقل عمليات الإصلاح الدورية للكابلات وأدى إلى تفاقم الأزمة.
وأشار الإرياني إلى أن هذه الممارسات الإجرامية أسهمت في ارتفاع رسوم التأمين البحري بشكل غير مسبوق، كما ألقت بظلالها على حركة التجارة العالمية وأمن الطاقة، مؤكدًا أن استمرار المجتمع الدولي في التهاون مع هذه التهديدات يمنح إيران وأذرعها المسلحة، وفي مقدمتها الحوثيون، الفرصة لمزيد من العبث بأمن المنطقة والعالم.
ودعا الوزير المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حاسم بتصنيف مليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية دولية، وتجفيف منابع تمويلها، وتقديم الدعم الكامل للحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ويرى المراقبون أن ما حدث في البحر الأحمر ليس حادثًا عرضيًا، بل مؤشر خطير على تصاعد الحرب غير التقليدية التي تستهدف البنية التحتية الرقمية العالمية كأداة ضغط سياسي وعسكري.
وأكدوا أن إيران تستخدم الحوثيين ضمن شبكة أوسع تضم وكلاء آخرين في المنطقة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، الأمر الذي يجعل البحر الأحمر نقطة ارتكاز في صراع النفوذ الإقليمي، وحذر المراقبون من أن أي تقاعس دولي عن مواجهة هذا التهديد سيؤدي إلى مزيد من الهجمات التخريبية، ما يهدد بانهيار الثقة في أمن الاتصالات العالمية، ويعمّق من أزمة الاقتصاد الرقمي والتجارة الدولية في واحدة من أكثر الممرات البحرية استراتيجية في العالم.