من أفشار إلى كابول 2024: الهزارة في أفغانستان ضحايا إبادة جماعية ممنهجة
الثلاثاء 09/سبتمبر/2025 - 06:20 م
طباعة

كشف معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسات، في تقرير قانوني شامل، عن تعرض أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان لانتهاكات جسيمة ومنهجية ترقى إلى الإبادة الجماعية، وفقا للمعايير القانونية الدولية المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948.
يحمل التقرير، الذي أعده فريق دولي من خبراء القانون وحقوق الإنسان، أدلة موثقة تظهر نمطا متكررا من العنف، يشمل القتل الجماعي، والتهجير القسري، واستهداف المدارس والمستشفيات، ما يشكل جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان بحسب التحليل القانوني الوارد فيه.
جذور ممتدة.. وعنف لا يتوقف
يبرز التقرير أن العنف ضد الهزارة ليس حديث العهد، بل يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين ارتكب الأمير عبد الرحمن مجازر جماعية أودت بحياة ما يقدر بـ60% من سكان الهزارة آنذاك. واستمر هذا النمط في القرن العشرين، من مجزرة أفشار (1993) التي قتل فيها نحو 1000 مدني، إلى مجزرة مزار الشريف (1998) التي راح ضحيتها ما بين 2000 و8000 من المدنيين، وسط خطاب تكفيري وتحريضي من قادة في حركة طالبان.
كما وثق التقرير مجازر أخرى مثل قيزيل آباد (1997)، باميان (1999)، روباتاك (2000)، وياكاولانغ (2001)، حيث لم يقتصر العنف على القتل، بل شمل التشويه، وترك الجثث في الشوارع، والاختطاف، ومنع دفن الضحايا.
ما بعد 2021: إبادة في ظل حكم طالبان
منذ عودة طالبان إلى السلطة في أغسطس/آب 2021، تصاعدت الهجمات على الهزارة بشكل ملحوظ، بحسب التقرير. وكانت معظم هذه الهجمات من تنفيذ تنظيم "داعش-خراسان"، إلا أن طالبان نفسها تورطت في بعض منها، إما بشكل مباشر أو عبر التواطؤ.
استهدفت الهجمات المدارس، والمراكز التعليمية، والمساجد، والمستشفيات، والأسواق العامة، في مناطق تقطنها غالبية من الهزارة. وأشار التقرير إلى تفجير حافلة ركاب في يناير 2024، أعلن تنظيم داعش-خراسان مسؤوليته عنها، تحت شعار "اقتلوا الكفار حيث وجدتموهم" في إشارة صريحة للهزارة.
التقرير أكد أن هذه الأفعال ليست معزولة، بل تشكل نمطا منظما ومنهجيا يهدف إلى تدمير هذه الجماعة جزئيا أو كليا، بما يحقق شروط وأركان جريمة الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي.
سقوط الحماية... وتواطؤ السلطة
رغم أن طالبان لا تحظى باعتراف دولي كحكومة شرعية، إلا أنها تعد "سلطة فعلية"، وبالتالي تقع عليها مسؤوليات قانونية تجاه السكان المدنيين. لكن التقرير يوضح أن:
طالبان فشلت في منع هجمات داعش، أو التحقيق فيها، أو ملاحقة الجناة؛
في بعض الحالات، شاركت طالبان مباشرة في هجمات على الهزارة؛
لم يحاسب أي مسؤول عن هذه الانتهاكات، مما عزز ثقافة الإفلات من العقاب.
وحذر التقرير من أن هذا التقاعس لا يؤدي فقط إلى تكرار الجرائم، بل يسهم في ترسيخ نية التدمير الجماعي لجماعة محمية بموجب القانون الدولي.
توصيات التقرير: خطوات عاجلة للمجتمع الدولي
طالب التقرير المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات فورية على مستويين:
1. دوليا:
إنشاء آلية أممية مستقلة لجمع وحفظ الأدلة على غرار ما جرى في سوريا وميانمار؛
إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية؛
رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية بشأن انتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
2. داخليا (في الدول الأعضاء):
التحقيق بموجب الولاية القضائية العالمية في الجرائم المرتكبة؛
محاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة؛
فرض عقوبات ماغنيتسكي على مرتكبي الإبادة الجماعية؛
توفير التعويض والدعم النفسي وإعادة التأهيل للضحايا، وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
نداء أخير للعدالة
اختتم التقرير بمقدمة للورد ديفيد ألتون، رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان البريطاني، وصف فيها التقرير بأنه "توثيق حاسم للفظائع المرتكبة ضد الهزارة"، داعيا إلى "تحرك دولي حقيقي لوقف الإبادة وضمان المساءلة".
وأكد ألتون أن:
"التقرير لا يترك مجالا للشك في أن أفغانستان أخفقت في واجبها القانوني، والمجتمع الدولي مطالب الآن باستخدام كل الوسائل المتاحة لحماية الهزارة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم".