الجيش السوداني يتصدى لهجوم عنيف على الفاشر وسط تصاعد النزاع وتفاقم الكارثة الإنسانية

الأربعاء 10/سبتمبر/2025 - 01:48 م
طباعة الجيش السوداني يتصدى أميرة الشريف
 
 تصدى الجيش السوداني لهجوم عسكري واسع شنته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في عملية وُصفت بأنها من أعنف المعارك التي شهدتها المدينة منذ بداية النزاع في أبريل 2023، يأتي ذلك في ظل التصعيد الخطير ضمن الحرب الدامية التي تعصف بالسودان منذ أكثر من عامين.
وبحسب بيان صادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، فإن الهجوم بدأ في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء، حين تقدمت وحدات قتالية تابعة لقوات الدعم السريع من المحورين الشمالي والشمالي الشرقي للمدينة، مدعومة بحوالي 40 مركبة قتالية من بينها عربات دفع رباعي مجهزة بالمدافع الرشاشة الثقيلة ومصفحات قتالية، بالإضافة إلى وحدات من المشاة الهجومية.
معركة امتدت لسبع ساعات
أوضح البيان العسكري أن المعركة استمرت قرابة سبع ساعات متواصلة، استخدم فيها الطرفان مختلف أنواع الأسلحة، من المدفعية الثقيلة إلى الاشتباك المباشر. 
وأسفرت المعركة عن سقوط عشرات القتلى في صفوف المهاجمين، بينهم عناصر طبية كانت ترافق القوات المهاجمة، بالإضافة إلى تدمير عدد من المركبات التابعة للدعم السريع وانسحاب ما تبقى من القوة المهاجمة باتجاه المناطق الواقعة جنوب غرب الفاشر.
وأضاف البيان أن القوات المسلحة السودانية كانت قد رفعت من جاهزيتها خلال الأيام الماضية بعد رصد تحركات مشبوهة لقوات الدعم السريع حول محيط المدينة، ما مكّنها من التصدي للهجوم بكفاءة وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين والبنية التحتية.
استراتيجية الهجوم
تتمتع مدينة الفاشر بأهمية استراتيجية بالغة في خارطة الحرب السودانية، فهي تعتبر آخر المدن الكبرى في دارفور التي لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني، وسط تمدد واسع لقوات الدعم السريع في باقي مدن الإقليم مثل نيالا والجنينة وزالنجي.
 وتعد الفاشر مركزًا لعمليات الإغاثة الدولية في الإقليم، مما يجعل أي تهديد أمني لها بمثابة كارثة إنسانية إضافية.
ويرى مراقبون أن محاولة السيطرة على الفاشر تمثل هدفًا طويل الأمد لقوات الدعم السريع، ضمن سعيها لفرض واقع ميداني يمكنها من تقوية موقفها التفاوضي، في ظل انسداد الأفق السياسي وتدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد.
كارثة صحية تهدد الملايين
وفي موازاة التصعيد العسكري، يتفاقم الوضع الإنساني في السودان بشكل ينذر بانهيار شامل للقطاع الصحي. 
فقد كشف مركز الطوارئ الاتحادي التابع لوزارة الصحة السودانية عن تسجيل أكثر من 1300 إصابة جديدة بحمى الضنك خلال أسبوع واحد فقط، في خمس ولايات من بينها الخرطوم، فيما تم تسجيل 1500 إصابة بالكوليرا في 13 ولاية على امتداد البلاد.
وفي إقليم دارفور، حيث تشتد المعارك وتتزايد معاناة السكان، أعلنت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين عن تسجيل 137 إصابة جديدة بالكوليرا خلال الأيام الماضية، بينها 4 حالات وفاة.
 وارتفع بذلك إجمالي الإصابات في الإقليم إلى أكثر من 10 آلاف حالة مؤكدة، مع 423 حالة وفاة، في ظل نقص حاد في الإمدادات الطبية ومياه الشرب النظيفة، وغياب شبه كامل للخدمات الصحية في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات.
حرب مدمرة تدخل عامها الثالث
منذ اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023، إثر تصاعد الخلاف بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، تحول السودان إلى مسرح لنزاع مفتوح، أودى بحياة عشرات الآلاف وتسبب في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة، فقد تجاوز عدد القتلى المباشرين للنزاع 20 ألف شخص، فيما اضطر أكثر من 15 مليون سوداني للنزوح أو اللجوء داخل البلاد وخارجها. غير أن دراسة حديثة أعدتها مجموعة من الجامعات الأميركية قدّرت عدد الضحايا بأكثر من 130 ألف قتيل، في ظل صعوبة توثيق الوفيات في المناطق النائية ومناطق الاشتباك المباشر.
خارطة نفوذ ممزقة
أدى النزاع المسلح إلى تقسيم البلاد فعليًا إلى مناطق نفوذ متناحرة؛ حيث يسيطر الجيش السوداني على أجزاء واسعة من شمال وشرق البلاد، بما في ذلك مدن مثل بورتسودان، عطبرة، ودنقلا، بينما تفرض قوات الدعم السريع سيطرتها على معظم مدن إقليم دارفور في الغرب، بالإضافة إلى مناطق استراتيجية في وسط وجنوب البلاد مثل الأبيض ونيالا.
ورغم مرور أكثر من عامين على اندلاع الحرب، لم تنجح أي من المبادرات الدولية والإقليمية، سواء من الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي أو الوساطة السعودية-الأميركية، في التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار أو الشروع في عملية سياسية شاملة.
مجاعة تلوح في الأفق
إلى جانب النزوح والدمار، بدأت المجاعة تهدد حياة الملايين، مع انهيار سلاسل الإمداد الغذائي وارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل غير مسبوق.
 وتشير تقارير المنظمات الإنسانية إلى أن أكثر من 24 مليون شخص في السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بينما يعيش نحو 5 ملايين شخص في ظروف شبيهة بالمجاعة، خصوصًا في مناطق النزاع والقرى المعزولة.
وتتعقد مهمة وكالات الإغاثة بسبب انعدام الأمن، إذ أصبحت القوافل الإنسانية هدفًا متكررًا للهجمات والنهب، ما دفع العديد من المنظمات الدولية إلى تقليص عملياتها أو تعليقها بالكامل.
تحذيرات دولية وخشية من تفكك الدولة
حذرت منظمات حقوقية ومراكز أبحاث دولية من أن استمرار الحرب على هذا النحو ينذر بتفكك الدولة السودانية وتحولها إلى ساحة صراع دائم، على غرار السيناريو الليبي أو الصومالي. 
كما أن اتساع رقعة النزاع لتشمل مناطق جديدة يهدد بإشعال نزاعات عرقية وقبلية كامنة، خصوصًا في مناطق التماس بين المكونات السكانية المختلفة في دارفور وكردفان.
وفي ظل هذا الوضع، يواصل المدنيون السودانيون دفع الثمن الأغلى، بين من سقطوا ضحايا للقصف والرصاص، ومن يقبعون في المخيمات وسط الجوع والمرض، دون أفق لحل سياسي يُنهي المأساة.

شارك