ترامب يلوّح بتصنيف حركة "أنتيفا" كمنظمة إرهابية وسط جدل حول قانونية الخطوة

الخميس 18/سبتمبر/2025 - 02:41 م
طباعة ترامب يلوّح بتصنيف حسام الحداد
 
أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خلال زيارته الرسمية إلى المملكة المتحدة، عن نيته تصنيف حركة "أنتيفا" كجماعة إرهابية. وجاء الإعلان في منشور على منصات التواصل الاجتماعي قبيل الساعة الواحدة والنصف من صباح الخميس بالتوقيت المحلي، واصفًا الحركة بأنها "كارثة يسارية متطرفة ومريضة وخطيرة".

ما هي "أنتيفا"؟
تُعرف حركة "أنتيفا" بأنها اختصار لعبارة "مناهضو الفاشية" (Anti-Fascist)، وهي ليست منظمة تقليدية ذات قيادة مركزية أو هيكل تنظيمي واضح، بل أقرب إلى شبكة فضفاضة تضم مجموعات صغيرة ومتفرقة من الناشطين اليساريين. هؤلاء يتبنون أفكارًا راديكالية في مواجهة ما يرونه تهديدًا متناميًا من الفاشيين، النازيين الجدد، والجماعات المؤمنة بتفوق العرق الأبيض في الولايات المتحدة وأوروبا.
تنشط هذه المجموعات في العادة خلال المظاهرات والتجمعات العامة، حيث تقوم بتنظيم مسيرات مضادة، وأحيانًا بالاشتباك المباشر مع جماعات اليمين المتطرف. وتؤمن "أنتيفا" بأن المواجهة مع الفكر الفاشي لا يجب أن تقتصر على السجال السياسي أو الإعلامي، بل يمكن أن تمتد إلى أشكال من "المقاومة المباشرة" التي تشمل تعطيل فعاليات خصومها أو حتى اللجوء إلى العنف المادي.
أحد أبرز سمات الحركة هو اللامركزية؛ فلا توجد قيادة وطنية أو مجلس موحد يوجه عملها، بل تعمل عبر مجموعات محلية مستقلة تمامًا، لكل منها أساليبها الخاصة في التنظيم والتحرك. وغالبًا ما يعتمد ناشطوها على وسائل التواصل الاجتماعي للتنسيق، ما يجعلها مرنة وصعبة الاختراق بالنسبة للأجهزة الأمنية، لكنها أيضًا عرضة للتشتت وعدم القدرة على توحيد المواقف أو تبني استراتيجية شاملة.
هذا الطابع الشبكي والافتقار إلى هيكل تنظيمي واضح أثار جدلًا واسعًا حول إمكانية التعامل معها ككيان واحد. فبينما يراها خصومها حركة متطرفة تتبنى العنف كأداة سياسية، يجادل كثير من الخبراء القانونيين بأن "أنتيفا" أقرب إلى أيديولوجية أو تيار فكري يساري راديكالي، وليس منظمة بالمعنى القانوني الذي يسمح بتصنيفها على قوائم الإرهاب.

عقبة أمام التصنيف
تصنيف الجماعات كمنظمات إرهابية في الولايات المتحدة عادة ما يتم عبر وزارة الخارجية، وهو يقتصر على الكيانات الأجنبية مثل تنظيم "داعش" و"القاعدة". أما داخليًا، فلا يوجد قانون مشابه يمنح الحكومة الفيدرالية صلاحيات مماثلة، بسبب الحماية الواسعة التي يكفلها التعديل الأول للدستور للمنظمات المحلية.
ويرى خبراء أن غياب هيكل هرمي لحركة "أنتيفا" يجعل من الصعب إدراجها ضمن قوائم الإرهاب، وهو ما أكده مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق كريستوفر راي عام 2020 عندما وصفها بأنها "أيديولوجية وليست منظمة".

دعم من الجمهوريين
لاقى إعلان ترامب بشأن تصنيف حركة "أنتيفا" كجماعة إرهابية صدى إيجابيًا لدى عدد من أعضاء الحزب الجمهوري، وفي مقدمتهم السيناتور بيل كاسيدي عن ولاية لويزيانا. فقد اعتبر كاسيدي أن الحركة قامت باستغلال احتجاجات ذات طابع مشروع لتحويلها إلى ساحة للفوضى وأعمال العنف، مؤكدًا أن نشاطها يضر بمبدأ العدالة للجميع ويقوّض الاستقرار الاجتماعي. هذا الموقف يعكس رؤية قطاع واسع من الجمهوريين الذين ينظرون إلى "أنتيفا" باعتبارها خطرًا داخليًا لا يقل في تأثيره عن تهديدات الإرهاب الخارجي.
ولم يقتصر الدعم على التصريحات الأخيرة، بل يعود إلى ما قبل ذلك بسنوات. ففي يوليو 2019، تقدم كاسيدي إلى جانب السيناتور تيد كروز، ممثل ولاية تكساس، بمشروع قرار في مجلس الشيوخ لإدانة أعمال العنف التي تُنسب إلى "أنتيفا"، والدعوة إلى تصنيفها رسميًا كمنظمة إرهابية محلية. ورغم أن المشروع لم يتحول إلى قانون ملزم، إلا أنه عكس رغبة جمهورية متكررة في الدفع نحو مواجهة الحركة بأدوات قانونية أشد، وهو ما منح تصريحات ترامب الأخيرة زخمًا سياسيًا إضافيًا داخل معسكره.

تكرار للجدل مع احتجاجات جورج فلويد
لم يكن إعلان ترامب الأخير بشأن "أنتيفا" الأول من نوعه، فقد سبق أن طرح الفكرة عام 2020 خلال الموجة الواسعة من الاحتجاجات التي اجتاحت الولايات المتحدة عقب مقتل جورج فلويد على يد الشرطة في مينيابوليس. في ذلك الوقت، حمّل ترامب الحركة مسؤولية كبيرة عن أعمال الشغب التي رافقت بعض التظاهرات، واعتبرها المحرك الأساسي للفوضى التي شهدتها المدن الأمريكية. وقد تحولت تصريحاته حينها إلى محور سجال سياسي وإعلامي واسع، حيث رأى أنصاره أنها خطوة لحماية الأمن الداخلي، بينما اعتبرها معارضوه محاولة لتشويه حركة احتجاجية سلمية واسعة ضد العنصرية وعنف الشرطة.
غير أن هذه الدعوات واجهت عقبات قانونية ودستورية حالت دون ترجمتها إلى قرار رسمي. فالنظام القانوني الأمريكي لا يتضمن إطارًا موحدًا لتجريم الإرهاب المحلي على غرار القوائم المخصصة للجماعات الأجنبية، كما أن التعديل الأول للدستور يحمي أشكالًا متعددة من النشاط السياسي حتى لو كانت مثيرة للجدل. وإضافة إلى ذلك، لم يكن هناك توافق داخل الأجهزة الأمنية والقضائية حول توصيف "أنتيفا"، حيث أكد مسؤولون، بينهم مدير الـFBI كريستوفر راي، أن الحركة تمثل أيديولوجية أكثر من كونها منظمة قائمة بذاتها، وهو ما جعل خطوة ترامب تبقى في حدود التصريحات السياسية دون تطبيق عملي.

شارك