ضربات بلا ضمانات.. هل تنجح النيجر في القضاء على الإرهاب دون خسارة الداخل؟

الإثنين 29/سبتمبر/2025 - 09:23 ص
طباعة الإرهاب الإرهاب محمود البتاكوشي
 
في سياق حرب معقدة تخوضها النيجر ضد الجماعات الإرهابية، وجدت السلطات العسكرية نفسها أمام واقع أمني شديد الالتباس، فرض عليها استخدام أدوات عسكرية "غير تقليدية"، وفي مقدمتها الضربات الجوية، كوسيلة ردع حاسمة في معركة غير متكافئة، تختبئ فيها الجماعات المتطرفة داخل القرى وتتحرك بين السكان المدنيين بمرونة تكتيكية كبيرة. 

تفتح هذه العمليات، وإن بدت ناجعة من حيث قدرتها على تحجيم خطر المسلحين، فإنها في المقابل جراحًا سياسية واجتماعية لا تقل خطورة عن التهديد الأمني ذاته.

فقد لجأت القوات النيجريّة، في ظل تصاعد هجمات الجماعات التابعة للقاعدة وداعش، خاصة في غرب البلاد، إلى تكتيك الضربات الجوية الدقيقة، مستهدفة ما تصفه بـ"أوكار الإرهاب المتنقلة"، بما فيها قوافل الدراجات النارية التي غالبًا ما يستخدمها المسلحون في تحركاتهم الهجومية. 

ورغم تسجيل هذه الضربات كمكاسب ميدانية للجيش، فإنها أدت أيضًا إلى سقوط ضحايا مدنيين، ما أثار حالة من القلق المجتمعي، وطرح أسئلة ملحّة حول مشروعية هذه العمليات وحدودها الأخلاقية والسياسية.

تثبيت الشرعية

كما تأتي هذه العمليات في وقت حساس سياسيًا، إذ لا يزال المجلس العسكري الذي تولى السلطة قبل عامين يسعى إلى تثبيت شرعيته محليًا وإقليميًا، وأي خلل في توازن القوة والقبول الشعبي قد يؤدي إلى انفجار داخلي، خصوصًا في المناطق الحدودية المتوترة.

وقد عبر سكان فيلينغي، الواقعة على الحدود مع بوركينا فاسو ومالي، عن مخاوفهم المتكررة من تحولهم إلى ضحايا محتملين في هذه الحرب، خاصة مع تكرار استهداف التحركات الميدانية التي يصعب أحيانًا التمييز فيها بين المسلحين والمدنيين.

بحسب الخبراء يعد استخدام الضربات الجوية ضرورة فرضتها طبيعة المواجهة مع عدو غير تقليدي، إلا أن الخطورة تكمن في ما بعد الضربة، أي في إدارة آثارها على المدنيين، وفي توضيح سياقاتها القانونية والميدانية، كي لا تتحول إلى وقود لحركات الاحتجاج أو محفز لغضب السكان، ما يعيد إنتاج حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد.

تقويض الشرعية

وحذر الخبراء من أن أي تجاهل لأثر هذه العمليات على الرأي العام المحلي قد يفهم كاستهداف متعمد للمجتمعات المتأثرة، وهو ما يغذي سرديات المعارضة الداخلية والجهات الإقليمية غير المتعاطفة مع النظام العسكري، ويمنحها فرصة لتقويض شرعيته. 

وعلى الجانب الآخر، إن نجح المجلس في إدارة ملف الضحايا المدنيين بشفافية وإثبات كفاءته في مكافحة الإرهاب، فقد يتحول إلى قوة موحدة للرأي العام ومصدر لتعزيز الاستقرار الداخلي.

كما لا يقل الخطاب الرسمي المرافق للضربات أهمية عن العملية نفسها، مشيرة إلى أن تكرار الحوادث دون مساءلة واضحة قد يؤدي إلى عزل المجلس العسكري محليًا ودوليًا، ويفتح الباب لضغوط سياسية واقتصادية من القوى الإقليمية والدولية.

وفي حادثة حديثة، استهدفت ضربة جوية قافلة دراجات نارية يشتبه في كونها تابعة لمسلحين في قرية إنجار، ما أدى إلى سقوط ضحايا، بينهم جرحى، من دون إعلان دقيق عن أعدادهم، وظهر حاكم المنطقة، العقيد ماينا بوكار، على التلفزيون الرسمي يعزي الأهالي، مؤكدًا أن التمييز في الميدان ليس دائمًا ممكنًا، خصوصًا في ظل حالة الطوارئ السارية منذ 2017 والتي تمنح الجيش صلاحيات واسعة.

تهديد التماسك الداخلي

لكن اعتراف بوكار بوجود "ضبابية ميدانية" يعكس بدوره طبيعة الإشكال الأكبر، كيف يمكن الانتصار في حرب غير متكافئة من دون أن تتحول العمليات العسكرية إلى مصدر تهديد جديد للتماسك الداخلي؟ وهل بمقدور الجيش النيجري الموازنة بين الصرامة الأمنية والحساسية المجتمعية في بلد يئن تحت ضغط الجماعات المتطرفة منذ أكثر من عقد؟.

وتعد منطقة تيلابري، التي وقعت فيها أحدث الضربات، من أكثر المناطق نشاطًا للجماعات الإرهابية المرتبطة بداعش في الساحل، وقد شهدت خلال الأشهر الماضية عمليات استهداف ممنهجة ضد المدنيين والعسكريين على حد سواء، وكان من اللافت أن الضربات الجوية لم تنجح بعد في إضعاف هذه الجماعات بشكل نهائي، بل أحيانًا ما تستغل إعلاميًا من قبل المتطرفين لتجنيد أنصار جدد، عبر تصويرها كدليل على "عدوان الدولة".

وفي الجنوب الشرقي للنيجر، يضاف تهديد بوكو حرام وفصيلها "داعش في غرب أفريقيا" إلى تعقيدات المشهد، ما يجعل من النيجر جبهة مشتعلة من عدة أطراف، تواجه فيها الدولة المركزية أعداء متنوعين، يتكاثرون في بيئة اجتماعية هشة واقتصادية مضطربة.

شارك