صالح الجعفراوي: صوت غزة في زمن الحرب والسوشيال ميديا

الإثنين 13/أكتوبر/2025 - 01:23 ص
طباعة
 
في عصر يسيطر فيه السوشيال ميديا على السرديات العالمية، برزت أصوات فردية تحولت إلى رموز للصمود والشهادة. من بين هذه الأصوات، يبرز اسم صالح الجعفراوي، الصحفي والمصور الفلسطيني الشاب من غزة، الذي أصبح وجهاً مألوفاً لملايين المتابعين حول العالم. بعمر 26 عاماً فقط، وثّق صالح معاناة شعبه تحت قذائف الحرب الإسرائيلية على غزة، مستخدماً هاتفه الذكي كسلاح لكشف الحقيقة. لكنه لم يكن مجرد ناشط؛ كان بطلاً في عيون الكثيرين، و"كاذباً" في نظر الآخرين. هذا المقال يستعرض حياة صالح، مسيرته، وإرثه الذي انتهى باستشهاده في 12 أكتوبر 2025.
البدايات: من غزة إلى عالم السوشيال ميديا
ولد صالح عامر الجعفراوي في قطاع غزة، في أسرة فلسطينية عادية تعيش تحت وطأة الحصار والحروب المتكررة. منذ صغره، كان غزة بالنسبة له ليست مجرد وطن، بل ساحة للنضال اليومي. بدأ صالح مسيرته الإعلامية كمصور هاوٍ، يلتقط لقطات يومية للحياة في الشوارع الضيقة والأسواق المزدحمة. مع اندلاع حرب 7 أكتوبر 2023، التي أطلقت عليها إسرائيل "حرب السيوف الحديدية"، تحول هوايته إلى مهنة.على منصات مثل إنستغرام (حيث كان يُعرف بـ"السيد فافو")، يوتيوب، وإكس (تويتر سابقاً)، بدأ صالح في نشر فيديوهاته الحية. كانت لقطاته تعكس الواقع القاسي: أطفال يلعبون وسط الأنقاض، عائلات تفر من القذائف، وأصوات الطائرات المقاتلة تخترق الليل. بلغ عدد متابعيه ملايين، حيث حصد حسابه على إنستغرام أكثر من مليون متابع قبل حظره في مارس 2025، بسبب اتهامات إسرائيلية بـ"نشر معلومات مضللة ودعم حماس".  على يوتيوب، حيث يحمل قناته نصف مليون مشترك، كان يشارك قصصاً شخصية بلغة بسيطة، مزيج من العربية والإنجليزية، ليصل إلى جمهور عالمي. 
نجم الحرب: بين الإعجاب والتحريض
خلال عامين كاملين من الحرب، أصبح صالح واحداً من "نجوم السوشيال ميديا" في غزة، كما وصفته صحيفة "إيلاف". لم يكن يحمل بندقية، بل هاتفاً مزوداً بالإنترنت، يوثق جرائم الاحتلال ضد المدنيين. نشر آلاف المنشورات، بما في ذلك فيديوهات عن مذبحة 7 أكتوبر، وأشاد في بعضها بحركة حماس، مما أثار غضب إسرائيل. 
 في مقابلة مع "الجزيرة مباشر" في سبتمبر 2025، أكد صالح صموده في شمال غزة رغم التهديدات، قائلاً: "أنا هنا لأروي قصة شعبي، لا لأمتع الجمهور". 
لكن الشهرة جاءت مع ثمن باهظ. اتهمته إسرائيل بالكذب والمتاجرة بمعاناة الأهالي، ونشر المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي منشوراً يسخر من فيديوهاته، متهماً إياه بـ"مسرحية هزلية". 
 في عمود للكاتبة نغم زبيدات في "هآرتس" في سبتمبر 2025، عبرت عن مخاوف متابعيه من اغتياله، مشيرة إلى أن اتهامه بـ"عمالة لحماس" يجعله هدفاً مشروعاً للجيش الإسرائيلي. 
 كما حظرت شركة ميتا حسابه على إنستغرام، مما دفع صالح للانتقال إلى منصات أخرى مثل سناب شات وفيسبوك، حيث يحافظ على جمهور مخلص يتجاوز 100 ألف متابع.  رغم ذلك، لم يتوقف. كان يتعاون مع صحفيين آخرين مثل الشهيدين أنس الشريف وحسن إصليح، ويندد بصمت المؤسسات الدولية أمام استشهاد أكثر من 250 صحفياً في غزة.  في تغريداته على إكس، كتب: "الصوت الوحيد الذي يبقى هو صوت الشهداء، وأنا مستعد لأكون واحداً منهم".
الاستشهاد: نهاية مأساوية في فوضى غزة
في صباح يوم الأحد 12 أكتوبر 2025، انتهت قصة صالح الجعفراوي بطريقة لم يتوقعها أحد. أفادت مصادر فلسطينية باستشهاده برصاص مسلحين في حي الصبرة جنوب مدينة غزة، بعد إصابته بسبع رصاصات أثناء تغطيته لاشتباكات مسلحة بين عناصر من حركة حماس وعائلة دغمش. 
 فقد والده الاتصال به منذ الصباح الباكر، وسرعان ما انتشرت الأنباء عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية.كانت آخر منشوراته على إكس صورة له وسط الأنقاض، مع تعليق: "شاهدوني وأنا متبهدل ومتغبر"، في إشارة ساخرة إلى اتهامات أدرعي. 
 مراسلة "الجزيرة" نور خالد وصفت الحادث بـ"إعدام غدر"، مشيرة إلى أن المسلحين استهدفوا مجموعة من الشبان في الحي. 
 هذا الاستشهاد يأتي في سياق فوضى داخلية في غزة، حيث تتصاعد الاشتباكات بين الفصائل، وسط استمرار الحرب الخارجية.
الإرث: صوت لا يُسكت
يُعد صالح الجعفراوي رمزاً للصحافة المستقلة في مناطق النزاع، حيث استخدم السوشيال ميديا لتحويل الضحية إلى راوٍ. كما قال عنه "العربي الجديد"، اختار "لغة الصوت والصورة والموسيقى ليري العالم بشاعة المشهد في غزة". 
 رغم التحريض والحظر، نجح في إيصال رسالة أهل غزة إلى ملايين، محولاً الخوف إلى إلهام.اليوم، بعد استشهاده، يستمر إرثه عبر منشوراته المحفوظة ومتابعيه الذين يعدون بمواصلة الشهادة. في عالم يغلب فيه الضجيج على الحقيقة، كان صالح صوتاً نقياً للعدالة. رحمه الله، وجعله شاهداً على شعبه إلى يوم القيامة.

شارك