نزوح جماعي من نيجيريا إلى الكاميرون بعد هجوم إرهابي.. تصاعد خطير في تهديدات بوكو حرام

الأحد 05/أكتوبر/2025 - 10:28 ص
طباعة بوكو حرام بوكو حرام محمود البتاكوشي
 
في مشهد متكرر يعكس هشاشة الوضع الأمني في شمال شرق نيجيريا، أجبر هجوم إرهابي جديد شنته جماعة بوكو حرام آلاف السكان على الفرار من منازلهم، في واحدة من أسوأ موجات النزوح خلال العام الجاري.

فقد شنت الجماعة المتطرفة، مؤخرا هجومًا عنيفًا على مدينة كيراوا الحدودية التابعة لولاية بورنو، حيث سعت إلى السيطرة الكاملة على المنطقة؛ ما أدى إلى تدمير منازل واسعة النطاق وفرار جماعي للسكان.

وبحسب مصادر محلية أسفر الهجوم عن إحراق عدد كبير من المساكن، ما دفع قرابة خمسة آلاف مدني إلى مغادرة المدينة بشكل قسري وقد تمكن نحو ثلاثة آلاف شخص من عبور الحدود إلى الكاميرون، بمن فيهم الزعيم التقليدي للمنطقة، بينما لجأ الآخرون إلى قرى نيجيرية مجاورة.

الإرهاب في شمال نيجيريا.. مشهد لا ينتهي

الهجوم الأخير ليس استثناءً بل يأتي في سياق تصاعد مستمر للعنف الذي تمارسه بوكو حرام، التي تنشط منذ أكثر من عقد في شمال شرق نيجيريا الجماعة، التي أعلنت في عام 2014 مدينة غووزا "عاصمة لخلافتها" بعد السيطرة عليها، لا تزال تمثل تهديدًا مزمنًا رغم استعادة الجيش النيجيري للمدينة بدعم من القوات التشادية في 2015.

ومنذ ذلك الوقت، تواصل كل من بوكو حرام وتنظيم داعش في غرب أفريقيا شن هجمات مباغتة انطلاقًا من المناطق الجبلية والحدودية؛ ما يؤدي إلى موجات نزوح متكررة، وخطف للمدنيين، خاصة النساء والأطفال، وترويع دائم للمجتمعات المحلية.

مخاطر استراتيجية وإنسانية متفاقمة

يحمل هذا التصعيد في أعمال العنف الإرهابي عدة مخاطر:
تفاقم أزمة اللاجئين إذ أن استمرار موجات النزوح نحو الكاميرون والدول المجاورة يضع ضغوطًا إضافية على موارد هذه الدول وقدرتها على الاستجابة الإنسانية، خصوصًا في المناطق الحدودية التي تفتقر للبنية التحتية.
اتساع رقعة عدم الاستقرار الإقليمي، حيث تشكل الحدود المفتوحة والضعيفة الرقابة بين نيجيريا والكاميرون ملاذًا آمنًا للجماعات المتطرفة؛ ما يهدد بانتقال العنف عبر الحدود وتأجيج التوترات في مناطق أخرى من حوض بحيرة تشاد.

فشل جهود نزع التطرف، إذ أنه على الرغم من الضربات العسكرية المتكررة، لا تزال الجماعات الإرهابية قادرة على إعادة التموضع وتنفيذ عمليات نوعية؛ ما يشير إلى قصور في استراتيجيات مكافحة الإرهاب التي تركز على البعد العسكري دون علاج جذور الأزمة الاجتماعية والاقتصادية.

خطر التجنيد القسري، حيث تخلق الأوضاع الفوضوية بيئة مثالية لتجنيد الأطفال والشباب من المخيمات والقرى المتضررة؛ ما يهدد بتكريس دائرة العنف عبر الأجيال.


بوكو حرام.. جذور العنف وخطر التمدد الإقليمي

تعد جماعة بوكو حرام واحدة من أخطر التنظيمات الإرهابية في القارة الإفريقية، وقد تركت بصماتها الدامية على شمال شرق نيجيريا منذ تأسيسها مطلع الألفية الجديدة. 

نشأت الجماعة في ولاية بورنو، وتحديدًا بمدينة مايدوغوري، على يد رجل الدين محمد يوسف، الذي روج لأفكار سلفية متشددة ترفض التعليم الغربي وتعتبر الدولة النيجيرية كيانًا كافرًا يجب محاربته، من هنا جاء اسمها الشائع "بوكو حرام" الذي يعني بلغة الهوسا "التعليم الغربي حرام".

في بدايتها، بدت الجماعة أشبه بحركة دعوية متشددة، لكن مقتل مؤسسها عام 2009 على يد قوات الأمن النيجيرية، غير مسارها بالكامل، فدخلت مرحلة العمل المسلح بقيادة أبو بكر شيكاو، وتحولت إلى تنظيم إرهابي يهاجم مؤسسات الدولة والمدنيين على حد سواء، مستخدمًا أساليب بالغة العنف كالهجمات الانتحارية، واقتحام المدن، وخطف النساء والأطفال.

كما شهد عام 2014 ذروة تمدد الجماعة، حيث سيطرت على عدة مدن شمال شرقي نيجيريا، من بينها مدينة غووزا، وأعلنت منها "خلافتها الإسلامية"، ما أثار ذعرًا داخليًا ودوليًا واسعًا. 

وفي 2015، أعلنت الجماعة مبايعتها لتنظيم داعش، وغيرت اسمها إلى "ولاية غرب إفريقيا الإسلامية"، لكن هذا التحول أدى إلى انقسامات داخلية، حيث انشق جناح بقيادة أبو مصعب البرناوي مدعومًا من داعش، بينما تمسك شيكاو بخطاب أكثر تطرفًا وفوضوية.

على الرغم من خسارتها الكثير من الأراضي نتيجة الضغط العسكري النيجيري، لا تزال بوكو حرام تنفذ هجمات مباغتة، وتتحصن في الغابات والمناطق الجبلية مثل غابة سامبيسا، مستغلة وعورة التضاريس وضعف الرقابة الحدودية. 

وتواصل الجماعة استهداف المدارس والمؤسسات التعليمية، وتستخدم النساء والأطفال في تنفيذ العمليات الانتحارية، ما يعكس تحللًا تامًا من القيم الإنسانية والدينية.

تداعيات إنسانية

التداعيات الإنسانية لهذه الحرب لا تقل كارثية عن الخسائر الأمنية. فقد أدى العنف المستمر إلى مقتل أكثر من 35 ألف شخص، وتشريد ما يزيد على 2.5 مليون داخل نيجيريا وحدها، فضلًا عن لجوء مئات الآلاف إلى الكاميرون والنيجر وتشاد. 

كما تعطلت الحياة التعليمية في مناطق بأكملها، وتحولت المجتمعات إلى أهداف دائمة للخوف والتجنيد القسري.
الأخطر أن نشاط بوكو حرام لم يعد محصورًا في نيجيريا، بل تجاوز حدودها إلى دول الجوار، ما خلق تهديدًا إقليميًا متعدد الأوجه فالتنظيم أصبح عنصرًا مزعزعًا للاستقرار في حوض بحيرة تشاد، وأدى إلى استنزاف قدرات عسكرية واقتصادية هائلة في كل من الكاميرون وتشاد والنيجر، رغم محاولات التصدي له عبر القوة الإقليمية المشتركة (MNJTF) إلا أن هذه الجهود لا تزال تصطدم بمشكلات كضعف التنسيق الاستخباراتي، والفساد المؤسسي، والتداخلات القبلية والسياسية في مسرح العمليات.

بوكو حرام ليست مجرد تنظيم مسلح، بل تجسيد لفشل التنمية، وتراكم التهميش، وغياب العدالة في توزيع الموارد. لذلك، فإن المواجهة العسكرية وحدها لا تكفي. ثمة حاجة ملحة لاعتماد مقاربة شاملة تتضمن تعزيز التعليم، وتوفير فرص العمل، وإعادة تأهيل المقاتلين المنشقين، بالإضافة إلى بناء ثقة حقيقية بين الدولة والمجتمعات المهمّشة التي شكلت الحاضنة الأولى للجماعة.

ومع الانقسامات الداخلية المتزايدة بين فصائل بوكو حرام من جهة، وصعود جناح داعش في غرب إفريقيا من جهة أخرى، تتعقّد المشهدية الأمنية وتبرز الحاجة إلى تعامل دولي أكثر جدية مع الملف، خصوصًا مع خطر تحوّل هذه الجماعات إلى شبكات إجرامية منظمة تمارس التهريب والاتجار بالبشر والأسلحة، بما يتجاوز البعد العقائدي التقليدي.

شارك