الصومال على شفا الانهيار.. انقسامات الداخل تنعش تمدد حركة الشباب وتهدد العاصمة
الثلاثاء 07/أكتوبر/2025 - 10:35 ص
طباعة

في مشهد أمني وسياسي يتسم بالهشاشة والارتباك، تستغل حركة الشباب الصومالية حالة الانقسام المتفاقمة بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، لتوسّع من نطاق سيطرتها، في تكرارٍ مأساوي لدورات الانتكاس التي يعيشها الصومال منذ عقود. ووسط عجز تنسيقي مزمن بين القوى الوطنية والدولية، تزداد قدرة الحركة على استعادة المناطق وخنق ما تبقى من قبضة الدولة.
انقسام داخلي.. وثغرات قاتلة
تشير تقارير عدة، منها تقرير صحيفة الغارديان البريطانية، إلى أن "ضعف الحكومة الفيدرالية" هو السبب الجوهري وراء تمدد نفوذ حركة الشباب فالدولة الصومالية اليوم تعاني من انقسامات عمودية بين المركز والولايات، ما يجعل أي جهد موحد لمكافحة الإرهاب هشًا ومتأخرًا في الغالب.
يتأثر "الوضع الأمني مع حركة الشباب مباشرة بالبيئة السياسية المتفككة"، ويضيف أن تمويل قوة الاتحاد الأفريقي – البالغ 160 مليون دولار سنويًا – غير مضمون، ما ينعكس سلبًا على فاعلية العمليات العسكرية ضد الحركة.
سقوط متتالٍ وتوسع سريع
بعد سقوط مدينة موكوري، سيطرت الحركة على بلدة ماكساس، وهي نقطة استراتيجية أحدث سقوطها صدمة في أوساط الصوماليين ومع تكرار هذه المشاهد، تسارعت وتيرة النزوح، وخلت المنازل والأسواق، بينما امتلأت الطرق بشاحنات الهاربين، كما في قصة "نيمو عبدي بري" التي فرت مع أطفالها إلى بلدوين.
ورغم الجهود الحكومية، تبقى حركة الشباب في موقع الهجوم. منذ فبراير 2025، أعادت الحركة السيطرة على معظم الأراضي التي كانت قد خسرتها خلال عمليات عسكرية قادتها القوات الصومالية بدعم من الطيران الأميركي والتركي عام 2023، بل ووسعت من رقعتها الجغرافية وفي يوليو الماضي، اقترب القتال من العاصمة مقديشو إلى مسافة 40 كيلومترًا، ما أثار مخاوف حقيقية من سقوطها.
العاصمة تنجو.. ولكن إلى متى؟
على الرغم من الطفرة العمرانية التي تشهدها مقديشو مؤخرًا، فإن الثقة في قدرة الدولة على الصمود لا تزال محل تشكيك فقد استقرت خطوط المواجهة مؤقتًا، لكن الجيش لا يزال في موقف دفاعي، والقوة المعنوية في تدهور.
أما الولايات المتحدة، فرغم تكثيف غاراتها الجوية، فإنها لا تعتزم إعادة نشر مئات القوات الخاصة التي انسحبت خلال رئاسة ترامب، ما يترك فراغًا حرجًا بالمقابل، تستمر دول مثل تركيا ومصر في تقديم دعم عسكري ولوجستي مهم، فيما لا تزال قوات الاتحاد الأفريقي تشكّل الدعامة الرئيسية للحكومة.
الاعتماد على الدعم الخارجي.. هشاشة مستدامة
وبحسب المحللين يجب أن تحذر الحكومة الصومالية قد تنهار دون الدعم الأجنبي، مشيرة إلى أن "حركة الشباب لا تسعى للسيطرة على مقديشو بقدر ما تستثمر في تآكل سلطة الدولة في المناطق الريفية والبلدات الصغيرة"؛ ما يجعل البلاد عالقة في مأزق استراتيجي مفتوح.
تدهور الروح المعنوية لدى الجنود
وكان أحد قدامى المحاربين في الجيش الوطني الصومالي، قال: "لقد فقدت 20 صديقًا، وأصبت مرتين.. وكل المناطق التي قاتلت فيها سقطت بيد حركة الشباب"، يقول الجندي، مضيفًا أن مقاتلي الحركة يقاتلون بعقيدة الموت في سبيل الجنة، بينما يقاتل الجنود الحكوميون من أجل راتب لا يكفي لعيش كريم.
ويحذر هذا القائد من أن الحركة باتت تملك حرية الحركة والتموين، بعد سيطرتها على مناطق حيوية في إقليم هيران، ما يهدد بسقوط مدن إضافية في جنوب ووسط الصومال خلال أشهر.
الدولة العاجزة والمعركة المفتوحة
بينما لم تعد أزمة الصومال اليوم مجرد تمرد مسلح لحركة إرهابية، بل صارت انعكاسًا مريرًا لانهيار بنية الدولة وفشلها في بناء عقد سياسي موحد الانقسام الداخلي، هشاشة القيادة، وتضاؤل الاعتماد على النفس في معركة الوجود، يجعل من البلاد ساحة مفتوحة أمام حركة الشباب، التي تقاتل وفق أجندة طويلة الأمد، بينما تعيش الدولة على دعم خارجي مشروط ومؤقت.
في ظل هذه المعطيات، تبقى معركة الصومال مع الإرهاب مرهونة بإرادة سياسية وطنية حقيقية، تبدأ بإصلاح الانقسام الداخلي، وإعادة بناء الثقة بين المركز والأقاليم، وتأسيس جيش وطني موحد يقاتل من أجل وطن، لا من أجل راتب.