قوة الساحل الموحدة تدخل حيز التنفيذ.. قراءة في التحولات الأمنية وتحالفات العسكر غرب أفريقيا
الأربعاء 08/أكتوبر/2025 - 09:59 ص
طباعة

دخلت القوة العسكرية الموحدة لتحالف دول الساحل — الذي يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر — مرحلتها التشغيلية رسميًا في النيجر، في خطوة اعتبرت تحولاً نوعيًا في مسار التكتلات الأمنية الإقليمية في غرب أفريقيا.
ويأتي هذا التطور وسط استمرار تدهور الأوضاع الأمنية وتصاعد النشاط الإرهابي في منطقة الساحل، ما يفرض على الأنظمة العسكرية الحاكمة في الدول الثلاث البحث عن أدوات مشتركة لفرض الاستقرار بعيدًا عن الأطر التقليدية مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والتعاون الدولي بقيادة فرنسا.
السياق السياسي والأمني
تحالف دول الساحل لم ينشأ في فراغ، بل جاء كامتداد لاتفاق دفاعي ثلاثي وقّعته هذه الدول في سبتمبر 2023، عقب تعرضها لسلسلة من العقوبات من قبل إيكواس، على خلفية الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالحكومات المدنية فيها.
ومع الانفصال التدريجي عن التكتلات الإقليمية والدولية التقليدية، شرعت هذه الدول في بناء تحالف بديل يتمحور حول مقاربة "الأمن السيادي" ورفض التدخلات الخارجية، وخصوصاً الفرنسية منها.
في يوليو 2024، تم الإعلان رسمياً عن إنشاء تحالف دول الساحل، كإطار إقليمي لتنسيق الجهود السياسية والعسكرية والاقتصادية، وكنواة لقوة دفاع موحدة تحمل في طياتها مشروعاً لرد الاعتبار لدول لطالما اعتبرت "هشة أمنياً".
المرحلة التشغيلية.. من التنظير إلى الميدان
زيارة رئيس النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني إلى باماكو، والتي سبقتها لقاءات ثنائية مع قادة مالي وبوركينا فاسو، مثلت نقطة انطلاق رمزية للمرحلة التشغيلية من القوة الموحدة، والتي تمركز مقر قيادتها في قاعدة جوية سابقة كانت تستخدمها عملية برخان الفرنسية في نيامي — في دلالة تحمل أبعادًا رمزية على مستوى رفض الإرث الاستعماري العسكري.
وقد أُعلن خلال اللقاءات عن جاهزية مقر القيادة المشترك، وتشكيل الكتائب الأولى التي ستنطلق بمهامها الميدانية قريبًا، وتم تعيين العقيد البوركيني إريك دابيري قائداً عاماً للقوة، وهو ضابط ميداني ذو خبرة في المناطق الأكثر تضررًا من الإرهاب بشرق بوركينا فاسو.
كما أكد الرئيس البوركيني إبراهيم تراوري، في تصريحات لاحقة أن هيئة الأركان أصبحت جاهزة، مع بدء تجهيز الكتائب وتوزيع المعدات المطلوبة، في إشارة إلى تسريع وتيرة الاستعداد القتالي.
التركيبة والتطلعات العملياتية
تضم القوة في مرحلتها الأولى حوالي 5000 جندي من جيوش الدول الثلاث، على أن تُفعّل قدراتها الجوية والبرية بشكل تدريجي، مع تعزيز البنية الاستخباراتية المشتركة. وتكمن نقطة التحول هنا في إرساء قيادة موحدة وتنسيق استخباراتي مباشر بعيداً عن الاعتماد على الدعم الغربي أو قوات الأمم المتحدة.
بينما صرح وزير الدفاع النيجري ساليفو مودي بأن هذه القوة تمثل "البوابة نحو الأمن"، مشددًا على أنها ستكون جاهزة للتدخل السريع وشن عمليات متزامنة عبر الحدود ضد الجماعات الإرهابية.
وبحسب الخطط المعلنة، فإن هذه الكتائب ستنتشر في مناطق التماس الساخنة، خصوصًا الحدود الثلاثية بين الدول، والتي تشكل معقلًا رئيسيًا لجماعات مثل "داعش في الصحراء الكبرى" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين".
الخلفيات والدوافع: انسلاخ من الإطار التقليدي
كما يأتي إطلاق هذه القوة في ظل انسحاب تدريجي للقوات الدولية من مناطق الساحل، وعلى رأسها فرنسا، التي أنهت عمليتها العسكرية برخان، ومع تراجع فعالية بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما)، وشجع هذا الفراغ الأمني الدول الثلاث على بناء بديل قوامه الاعتماد الذاتي والشراكة الإقليمية الحصرية.
كما أن الأنظمة العسكرية الثلاث تسعى من خلال هذا التحالف إلى شرعنة بقائها في السلطة عبر تقديم إنجاز أمني ملموس لشعوبها، في ظل تآكل الثقة في الحلول الأممية والدولية التي فشلت طيلة العقد الماضي في وقف تصاعد الإرهاب.
المخاطر والتحديات
رغم الطابع الطموح للمشروع، إلا أن أمام القوة الوليدة تحديات كبيرة:
نقص التمويل والتجهيز: الدول الثلاث تعاني من أزمات اقتصادية خانقة، ما قد يعيق استمرارية العمليات.
التنسيق الميداني: رغم التقارب السياسي، يبقى التنسيق الميداني بين جيوش متباينة في التنظيم والخبرة تحدياً كبيراً.
احتمال العزلة الإقليمية: التوتر مع "إيكواس" قد يعمق عزلة التحالف عن الدعم الإفريقي الأوسع.
منطقة في قلب التهديدات
بحسب الأمم المتحدة، منطقة الساحل تعتبر اليوم من أكثر بؤر الإرهاب دموية في العالم، حيث قتل أكثر من 6000 شخص في عام 2024 وحده، معظمهم في بوركينا فاسو، التي تصدرت مؤشر ضحايا الهجمات الإرهابية عالميًا.
كما تعزز هذه المعطيات الحاجة إلى قوة فاعلة على الأرض، قادرة على إحداث تغيير ملموس في موازين القوى، لا سيما في ظل تمدد الجماعات المتطرفة وارتباط بعضها بشبكات جريمة منظمة وتهريب أسلحة وبشر.