خبير ألمانى لدويتشه فيله: الفكر الجهادي أيديولوجية شمولية شبيهة بالستالينية"

الإثنين 26/يناير/2015 - 08:29 م
طباعة خبير ألمانى لدويتشه
 
مدير المعهد الألماني للتنمية، ديرك ميسنر، يرى في حوار مع دويتشه فيله أن الفكر الجهادي هو إيديولوجية شمولية شبيهة بالستالينية والشيوعية ويقترح حزمة من الخطوات والإجراءات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لمواجهة التطرف الإسلامي. 
ـ سيد ميسنر، منذ عدة سنوات ونحن نراقب في العالم الإسلامي صعود الفكر الجهادي. والذين يمثلون هذا الفكر، وأولهم عناصر تنظيم "داعش"، يطالبون بتنفيذ أفكارهم بصورة وحشية لم نشهدها من قبل. ما أسباب هذا التطور؟
ديرك ميسنر: هذا يعتمد كثيرا على التغييرات الديناميكية في العالم الإسلامي. الفكر الجهادي نشأ نتيجة الصدام مع الحكومات، وهذه الحركات هي جميعها تقريبا حركات ذات خلفيات شمولية. والمعارضة الوحيدة الممكنة للأنظمة نشأت كحركات إسلامية دينية، أما الحركات المعارضة الأخرى، كالحركات الليبرالية، فلم يسمح لها بالعمل. وبعض هذه الحركات الإسلامية اتجهت نحو التطرف الديني، كتنظيم القاعدة و"داعش"، وغيرها من الحركات التي نعرفها اليوم.

الدول الغربية تعرف ظاهرة الإرهاب، لأنها عرفتها سابقا عن طريق بعض الجماعات المسلحة، كمنظمة "راف" في ألمانيا. لكن ما هو السبب الذي يجعل المجاميع المشابهة في الوقت الحالي في الشرق الأوسط تنادي أغلبها بإيديولوجية دينية؟
لأن إمكانيات المعارضة الأخرى كانت محدودة ومستهلكة، وعلى المرء أن يتذكر أنه في ستينات وسبعينات القرن الماضي كان هنالك الكثير من القادة الذي يعتبرون أنفسهم اشتراكيين. وهنا نتذكر الرئيس جمال عبد الناصر في مصر، وهؤلاء القادة عملوا في الوقت نفسه على إقامة أسس حكم شمولية في بلدانهم، وهذا يعني أن أسهم وفرص الحركات الاشتراكية في عيون الرأي العام العربي كانت قد استهلكت واحترقت. بالإضافة إلى ذلك لم يكن بالإمكان تشكيل حركات معارضة ليبرالية ديمقراطية في هذه البلدان، لأن المجتمعات الغربية في أوروبا وفي الولايات المتحدة دعموا القادة الشموليين من أجل الحفاظ على الأمن في المنطقة أثناء الحرب الباردة. لذلك ينظر سكان العالم العربي إلى أن الدول الغربية هي دول داعمة لأنظمة الحكم في بلدانهم. وبسبب ذلك هناك اعتراضات كبيرة على الليبرالية في هذه المنطقة. 

 عندما نرى الوضع في أوروبا، أو ما حدث في فرنسا، كيف يمكننا أن نوضح هنا الفكر الجهادي؟
هنالك الكثير من الأسباب. الكثير منها يرتبط بالمجتمعات المحلية. والهجمات المسلحة في باريس تعكس التمييز الحاصل ضد الكثير من المسلمين المهاجرين من قبل المجتمع والاقتصاد في فرنسا. من جانب آخر يربط هؤلاء الناس المضطهدين في الغالب بين البطالة والعنصرية. أي أن هناك الكثير من المشاكل السياسية الداخلية، والتي يمكن علاجها باتخاذ سياسات داخلية صحيحة.
ونحن نعاني من مشاكل مشابهة في ألمانيا. هنا يعيش الكثير من الشباب المسلمين الذين يجدون صعوبات كبيرة في سوق العمل. وفي هذه المواقف علينا التساؤل عن الطريقة التي سيتخذها هؤلاء الناس للاعتراض على وضعية حياتهم. وبعضهم يتجه إلى اتخاذ مواقف راديكالية في مثل هذه الحالات. وأنت تحدثت عن الاحتجاجات في سبعينات القرن الماضي والتي كانت من قبل القوى اليسارية والاشتراكية. هذه استهلكت كلها اليوم، ولذلك يُطالب باستخدام الدين كوسيلة لتنفيذ الاحتجاجات، لأن الاحتمالات الأخرى كلها استهلكت.

رغم ذلك.. يمكن للمرء القول إن بعض المتطرفين يطالبون حسب نظرهم بمطالب دينية مشروعة؟
أنا أعتقد أن ذلك يعتمد على الهوية الشخصية للفرد، لأن الشخص، الذي هو فرنسي الجنسية ومسلم الديانة، لا تعطى له المكانة المطلوبة ولا يعتبر كمواطن كامل الحقوق، يبحث هذا الشخص عن إمكانيات أخرى لاستعادة هويته الشخصية، وهذه يجدها في الدين. جميع البشر يحتاج لهوية شخصية والاعتراف بهم من قبل الآخرين. والبحث عن الهوية قد يقود إلى أجوبة راديكالية.
وحتى جماعة "راف" (جماعة الجيش الأحمر الشيوعية المسلحة في ألمانيا، تأسست عام 1970ـ هذه إضافة من المحرر)عملت في أماكن وجدت فيها من يتعاطف معها ومع أهدافها، مثلا في أوساط المعترضين على حرب فيتنام آنذاك، أو المحتجين ضد الأسس الاجتماعية القديمة. وهنا يكمن التشابه بين هذه الجماعات والجماعات الدينية. في سبعينات القرن الماضي كانت حجج المعترضين سياسية، أما اليوم فحجج المعترضين دينية.

الدول الأوروبية سبل القضاء على الإرهاب. وعلى المدى القريب ألقيت مسؤولية القضاء على الإرهاب على المؤسسات الأمنية والجيش. أما على المدى البعيد فستأخذ الدول إجراءات اجتماعية. كيف ترى هذه الإجراءات؟
الفكر الجهادي ظاهرة عالمية، وقد استطاع الحصول على مكان له في الكثير من مناطق العالم. يمكنني أن أقارنه بالستالينية والشيوعية في القرن العشرين، وذلك من حيث الأسس الشمولية وعمليات تدمير الخصوم السياسيين التي كانت تتبعها هذه الأيديولوجيات. ولذلك فإن الوقاية من الإرهاب يجب أن يكون أولا عبر اتخاذ الإجراءات الأمنية، لأن الحوار مع هؤلاء الناس صعب جدا. وهذه الخطوات هي على المدى القريب.
أما الإجراءات على المدى البعيد فتعتمد على العلاقات بين المجتمعات الأوروبية الغربية والعالم الإسلامي، لأنها في حالة ديناميكية صعبة. وهناك الكثير من سوء الفهم والأحكام المسبقة من قبل المجتمعات الغربية تجاه الإسلام. وهنا يجب علينا عمل الكثير لحل هذه الإشكالية. ولا يمكن البدء بثقافة تعاون دولي على مستوى العالم عندما لا يحاول العالم الغربي والعالم المقابل، أي العالم الإسلامي، أن يفهما بعضهما الأخر.

وكيف ستكون الاستراتيجيات بعيدة المدى؟
يجب علينا التذكر دائما أن صورة الدول الأوروبية لم تكن جيدة عندما اندلعت الحركات المعارضة في "الربيع العربي"، لأنها دعمت الحكام الشموليين سابقا. علينا لذلك أن نظهر أننا مهتمون بالتغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية. وعلينا أن نتقبل القوى الجديدة وأن ندعم القوى الليبرالية. وأخيرا علينا اتخاذ مواقف تتناسب والوضع السياسي في كل بلد. فهناك بعض الدول المستقرة في المنطقة، كتونس والمغرب. وعلينا مثلا أن نقوي العلاقات معهم، كتقوية أواصر التعاون الاقتصادي من أجل الطاقة. وفي دول مثل العراق وسوريا وليبيا يجب التركيز أولا على الحفاظ على استقرار هذه الدول من الناحية السياسية والاجتماعية والحفاظ على أمنها. وعلينا الاهتمام ببناء المؤسسات وتقديم الدعم الكامل والسريع لتطوير المجتمعات في هذه المنطقة.
يضاف إلى ذلك يجب علينا الأخذ بالاعتبار أن جميع الحدود القائمة في المنطقة، والتي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، قد لا تدوم كما كانت في السابق. وعلى الاتحاد الأوربي القيام باتفاقيات دولية مشتركة لتنظيم شكل الدول في المنطقة. هذا بالطبع على المستوى بعيد الأمد. ومن المهم أن تطبق هذه الأجندات بأسرع وقت ممكن.

شارك