معهد ألماني: السلفية المصرية بين الجمود الديني والبراجماتية السياسية

الأربعاء 21/مايو/2014 - 04:01 م
طباعة
معهد ألماني: السلفية
 
اختلفت الآراء بشدة حول التيار السلفي في مصر، فالبعض يرى أن دوره السياسي أثر على مصداقيته الدعوية، بينما يرى آخرون أن تخبط قرارته يرجع إلى غياب الخبرة السياسية. وبغض النظر عن تلك الرؤى والتفسيرات، فمن المؤكد أن الجماعات السلفية أسهمت بشكل أو بآخر في المشهد السياسي المصري، خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011، وهو ما جعل المعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية (SWP)- أحد أهم المراكز البحثية في ألمانيا التي تهتم دوما بالمشهد السياسي في الشرق الأوسط- يقدم بحثا بعنوان: "السلفية بين السياسة والدعوة" وإليكم ترجمة ما جاء فيه:
                                  SWP       stiftung wissenschaft und politik                                               
كان ظهور الجماعات السلفية في الحياة السياسية أمرا مفاجئا للعديد من المحللين السياسيين؛ فعندما اندلعت الثورة في الخامس والعشرين من يناير رفض العديد من قادة الحركات السلفية المشاركة في المظاهرات، متبنين مبدأ طاعة ولي الأمر وتجنب أي فتنة من شأنها أن تؤثر على وحدة المسلمين. وبالرغم من ذلك فإن بعض المنتمين للجماعات السلفية قد شارك في الثورة، مستندا إلى الآراء التي تؤكد دعوة الإسلام لمكافحة الظلم.

معهد ألماني: السلفية
وما إن نجحت الثورة، حتى بدأ التيار السلفي التواجد في الحياة السياسية؛ ففي 29 يوليو 2011 أظهر التيار السلفي قدرته على الحشد بتنظيم مظاهرة كبيرة اقتصرت على التيارات الإسلامية دون غيرها. لم تكتف الجماعات السلفية بإظهار قوتها من خلال المظاهرات، فقامت بالمشاركة في انتخابات مجلس الشعب. في الوقت الذي حصل فيه حزب الحرية والعدالة على نسبة 37.5%، وهو حزب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، والتي أنشئت عام 1928 ولها شعبية كبيرة بسبب ما عانته من اضطهاد في فترات عدة- حصل التحالف السلفي على 27.8% ليحل ثانيا بالرغم أن التحالف لم يكن له أي خبرة سياسية سابقة. وأبدى التحالف استعداده للتعامل مع تيارات سياسية تختلف جذريا مع الفكر السلفي، وهو ما أظهر براجماتية التحالف. 

الجماعات السلفية قبل الثورة

مبارك
مبارك
كانت أغلب الجماعات السلفية لا تحفل بالسياسة، فاشتغلت بالدعوة إلى الدين والأخلاق، ودائما ما كانت ترفض التطرق إلى أي مواضيع سياسية لتجنب حدوث أي اختلافات وانشقاقات بين المسلمين. لم يحاول مبارك التضييق على تلك الجماعات، طالما لم تتدخل في أي أمور سياسية، وفي نفس الوقت استغلها في بعض الأحيان لمناهضة الإخوان؛ كتيار ديني منافس يسعى إلى الإصلاح دون البحث عن السلطة كما هو الحال مع الإخوان.
لم يكن انتشار الفكر السلفي في مصر تعبيرا عن نزعة المواطن المصري للتدين فقط، فقد أثرت الأنشطة الخيرية والاجتماعية، خاصة في المناطق الفقيرة، على انتماء العديد من المصريين إلى الجماعات السلفية، خاصة في ظل تراجع اقتصادي واضح، وارتفاع معدل البطالة. لم تكن لتلك الأعمال الخيرية أن تقوم، ولم يكن للقنوات السلفية أن تبث، لو لم يكن هناك تمويل ضخم، وقد كان التمويل قادما من بعض دول الخليج؛ لأن المصالح تلاقت، حتى وإن اختلفت النوايا والأغراض.

نماذج للفقر والجهل
نماذج للفقر والجهل
لقد توفرت كل الظروف لنشر الفكر السلفي في المجتمع المصري، فبين مجتمع يعاني من جهل وفقر، ونزعة تاريخية تجعله يميل إلى الدين وأهله، ومصالح دول تسعى لنشر فكر معين، ومؤسسات دينية غابت عن الواقع فغاب عنها، استطاعت التيارات السلفية أن تغزو مصر بأفكارها، وأن تكون حاضرة تنتظر الفرصة، وقد جاءت لتقدم رؤيتها للمجتمع، بل وتحاول في بعض الأوقات أن تفرضها.
إن التيارات السلفية- على عكس ما يظن البعض- لا تتفق على نمط واحد بالنسبة لرؤيتها السياسية، والاختلافات ليست بسيطة؛ فالفكر السلفي يضم من يؤمن بمساواة جميع المواطنين، ويعجب بالعديد من الأفكار الليبرالية، ولا يرى حرجا في التعامل مع التيارات الأخرى، كما يضم من يصل بأفكاره إلى العنف والإرهاب. لقد انعكست هذه الاختلافات في ظهور أحزاب سياسية مختلفة، وتيارات لها رؤى خاصة، ولكل منها تصور خاص.
ثمة حركات سلفية منظمة تبتعد كل البعد عن السياسة، وتكرس نشاطها في الأعمال الخيرية والدعوة الدينية، وهو النمط السائد في الجماعات السلفية خاصة قبل الثورة. كما أن هناك حركات أخرى تتسم بالتنظيم الشديد، وتؤثر التواجد في الشارع أكثر من الانتخابات، بينما تميل تيارات ثالثة إلى الأفكار الليبرالية والانفتاح على العالم الغربي، على عكس أغلب الجماعات الأخرى.

معهد ألماني: السلفية
وتتنوع الاتجاهات داخل الفكر السلفي لتصل إلى الجماعات الجهادية، التي تؤمن وتمارس العمل المسلح لتحقق أهدافها. ظهر هذا جليا عقب ثورة يناير، حيث نشط العديد من تلك الجماعات في سيناء، ربما أعلنت أنها تستهدف إسرائيل ولا تعبأ بالشأن الداخلي، لكن الجيش اتهمها بالهجوم على مباني الدولة، ومقرات الشرطة. لقد جذب الخطاب العنيف الكثيرين من الشباب الذين يرفضون سياسات الجماعات السلفية الأخرى.
قد تختلف تلك الجماعات في العديد من الرؤى والأفكار، ومدى التطرف، لكنها بلا شك تتفق- من وجهة نظر الباحث - في حقيقة واحدة: هي الرغبة في الحفاظ على الهوية الإسلامية عن طريق تطبيق الشريعة، ومواجهة التيار الشيعي.

جمود ديني وبراجماتية سياسية

جمود ديني وبراجماتية
اتسمت الجماعات السلفية قبل الثورة بالانغلاق على أعضائها وعدم الانفتاح على تيارات المجتمع بتوجهاتها الفكرية المختلفة، لكن الموقف اختلف مع مشاركتها في العمل السياسي، فقد وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع كل التيارات السياسية، واختلفت آراؤها في العديد من الأمور، مثل: العلمانية، والمواطنة، والمرأة.
لقد كانت النظرة السلفية للتيارات العلمانية أنها تيارات معادية للإسلام، لكن مع المشاركة في البرلمان والتعامل المباشر مع تلك التيارات، تغيرت النظرة بشكل أو بآخر، حتى وصلت أنهم تعاونوا مع جبهة الإنقاذ في تأييد "انقلاب" يوليو 2013، ليكونوا غطاء مدنيا لما قام به الجيش.
لقد تضامن حزب النور مع الكثير من الأحزاب الاشتراكية في رفضهم لقرض صندوق النقد الدولي. بالطبع كان الرفض لدوافع مختلفة، فحزب النور تحفظ على القرض لأسباب دينية وعقائدية، بينما كان اعتراض الأحزاب الاشتراكية نابعا من الشروط التي يفرضها القرض وتأثيرها على المجتمع، لكن التأييد أكد تراجع فكرة التيارات السلفية بأن التيارات العلمانية معادية للدين، وأصبحوا ينظرون إليهم على أنهم خصم سياسي.

معهد ألماني: السلفية
كانت المسألة الثانية التي توضح تراجع حدة التيارات السلفية في بعض الأمور هي مسألة المواطنة. فعندما بادر عدد من الدعاة بالهجوم على بعض المسيحيين، قامت حركة الدعوة السلفية بالتأكيد على أنهم مواطنون مصريون لهم الحق في ممارسة شعائرهم الدينية، بل إنهم رحبوا بمادة في الدستور تسمح برجوع غير المسلمين إلى شرائعهم في القضايا الشخصية والدينية. لكن تلك الآراء لم تصل إلى قبول تولي المسيحيين مناصب قيادية في الدولة، وهو الحال في معظم الدول العربية.
وفيما يتعلق بموقف التيارات السلفية من المرأة، فترى هذه الأحزاب أن المرأة غير مؤهلة لتولي منصب الرئاسة، كما أن الاتجاهات الإسلامية، باستثناء الإخوان، لم تدفع بممثلات لها في جمعية الدستور، بالرغم من وجود ناشطات في حزب النور. وفي نفس الوقت لم يعترض الحزب على تولي امرأة للجنة التحقيق الخاصة بأحداث الفتنة الطائفية التي حدثت بالإسكندرية في فبراير 2012.
لقد دفعت الحتميات السياسية والاقتصادية إلى جعل الجماعات السلفية تفرق بين المثالية الدينية والبراجماتية السياسية، لكنها في نفس الوقت لم تستطع أن تخالف مبادئ راسخة في العقيدة السلفية، وهو ما ظهر واضحا عندما رفضت عودة العلاقات مع إيران، خوفا من انتشار المذهب الشيعي في مصر، بل إن قتل عدد من الشيعة في قرية بالجيزة يرجع إلى الخطاب المتشدد من قبل بعض الجماعات السلفية.

المستقبل السياسي للسلفية السياسية

الربيع العربي
الربيع العربي
بعد الربيع العربي، شارك العديد من التيارات الإسلامية في المشهد السياسي. رغم رفض الجهادية السلفية- سواء في مصر أو في تونس- الدخول في العمل السياسي، وتفصيل استمرارها في العمل المسلح، إلا أن العديد من الجماعات السلفية الأخرى أنشئوا أحزابا سياسية.
إن حزب النور قد ظهر كفاعل مهم في المشهد السياسي المصري، واستثمر شعبية الدعوة السلفية في الإسكندرية. لكن بعد دعم "الانقلاب" ضد الرئيس السابق "محمد مرسي"، مَثَّلَ حزب النور غطاء سياسيا لما قام به الجيش، وهو الأمر الذي رفضه العديد من الأحزاب الإسلامية. 
ربما كان الخوف من العنف وعدم الاستقرار دافعين لتأييد الجيش في يوليو 2013، إلا أن كثيرا من الانتقادات قد وجهت لـ"النور"، وهو الأمر الذي سيؤثر عليه في الانتخابات المقبلة. فالحزب بالطبع لن يحصل على أصوات المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، كما أن العديد ممن أيدوه في السابق لن يدعموه مرة أخرى؛ لأنهم يعتبرونه مسئولا عن أعمال العنف التي تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين، حتى إن منهم من انضموا لمظاهرات الإخوان، ثم إنه من المستحيل أن يحصل على أصوات الليبراليين للاختلاف الأيديولوجي.

معهد ألماني: السلفية
إن كل هذه التداعيات ستؤدي إلى ذهاب الكثير من الأصوات إلى أحزاب سلفية أخرى، مثل حزب الأصالة، وحزب الوطن، وحزب البناء والتنمية، ليس فقط لأنها أقرب إلى جماعة الإخوان المسلمين، بل لأنها اتخذت موقفا واضحا ضد القوى الليبرالية، كما أنها انتقدت الكنيسة القبطية لموافقتها على مواجهة الإخوان.
لقد تفاعلت العديد من العوامل لتؤدي إلى نتيجة واحدة، وهي انقسام الأصوات السلفية، ومن ثم تعدد الأحزاب التي تتبع نفس المنهج. في نفس الوقت، أدت الأحداث الأخيرة إلى عزوف العديد من الشباب السلفي عن ممارسة السياسة. كل هذه الأسباب تؤدي- كما يرى العديد من المحللين السياسيين- إلى استبعاد فوز أي حزب سلفي بأي انتخابات ديمقراطية.

توصيات

توصيات
إن الاتحاد الأوروبي قد يملك الكثير من المعلومات عن السلفية الدينية في مصر، لكنه لا يملك نفس القدر من المعرفة عن تلك التيارات بعد مشاركتها في المشهد السياسي. إن فهم الحركات السلفية ورؤيتها أمر ضروري لكنه ليس كافيا؛ لأن فتح قنوات اتصال مباشرة مع كل الأحزاب والتيارات الدينية أمر لا بديل عنه، بالرغم من نظرتهم الضيقة إلى الديمقراطية.
إن عدم الاتصال المباشر مع كل الحركات السياسية- والأحزاب السلفية جزء منها- سيؤكد الانطباع السائد في الدول العربية، أن أوروبا كانت داعمة للدكتاتورية من قبل، وأصبحت تعادي الإسلاميين الآن.

شارك

موضوعات ذات صلة