مستقبل "النور": ما بين مواقفه المتحولة من الإخوان... وتأييد 30 يونيو... والرفض الشعبي لنهجه.

الإثنين 26/مايو/2014 - 08:34 م
طباعة قيادات حزب النور قيادات حزب النور
 
بعد أن توفرت على الساحة المعطيات التي تؤكد قُرب انهيار تنظيم الإخوان، خاصة بعد احتدام حالة الرفض الشعبي، للممارسات العنيفة والإقصائية التي قام بها التنظيم، خلال فترة توليه مقاليد الحكم، من هنا أدركت أغلب قوى الإسلام السياسي أن الرهان على استمرار الجماعة، هو درب من دروب الحماقة، والتي كشفت الأيام اللاحقة لـ30 يونيو أن مساندة الجماعة في تلك الفترة كانت انتحارا سياسيا، لكن بعض القوى التي ارتبط استمرارها بوجود الإخوان، وهي القوى المؤسسة لتحالف دعم الشرعية، لم تجد أمامها مفرا من تقديم الدعم، لكن حزب النور السلفي اتخذ موقفا أقرب ما يكون للحياد، وفضل أن يمارس دور المشاهد عن كثب؛ لما له من حسابات يتحكم فيها الطموح السياسي.
ومع احتشاد الرأي العام ضد الإخوان مطالباً بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فضلت قيادات حزب النور السير في موكب الشعب، في محاولة منهم لإنقاذ أنفسهم من "مقصلة الشعب المصري"؛ ليظهروا في قرار عزل مرسي، ضمن الفئات المؤيدة لخارطة الطريق التي أعلنها حينها الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع، بتأييد المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية والقوى المدنية والشباب، إضافة لحزب النور ممثلاً لقوى الإسلام السياسي. 

موقف النور من الإخوان بعد السيطرة على الحكم

حزب النور
حزب النور
مثلت القاعدة التصويتية للتيار السلفي، هدفا مهما لجماعة الإخوان، في معارك الدستور والبرلمان والرئاسة، ومن هنا نشأت متلازمة المساندة التصويتية، والمشاركة في الحكم بينهما، إلا أن الإخوان استشعرت خطورة تنامي التواجد السياسي للتيار السلفي، التابع لحزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية، بعدما حصد 96 مقعدا في البرلمان، كما أدرك النور قوته الحقيقية، والتي رأى أنها تؤهله لحكم مصر، بعد النجاحات التي حققها خلال عام من ولادته السياسية، إلا أنه لم يفطن إلى أن شعبيته قادمة من الخلفية الأيديولوجية للمنتمين لتياره الفكري، وأن جماهيريته تقتصر عليهم فقط، ولا وجود لمؤيدين له من خارج دائرة سيطرته الفكرية، والتي تزامنت مع صعود أسهم التيار الإسلامي، في فترة كان الشعب المصري يبحث عن بديل لنظام أسقطه، وقد رأوا لفترة قصيرة أن الخلاص قد يأتي من وعاظ المنابر، ليتأكد لهم بعد حين أنهم وعاظ السلاطين.
لقد استطاع حزب النور أن يمارس السياسة ببراجماتية كبيرة، فقد قام الحزب بعقد تحالفات سياسية، منذ نشأته مع العديد من الأطراف، فتحولت الخصومة الشديدة مع بعض الكيانات والأفكار إلى تقاربات وتحالفات في العديد من مراحله، وهو ما اعتبره سياسيين وخبراء أن النور مارس اللعبة بحسابات سياسية وليس باعتبارات أيديولوجية، حيث أقام تحالفا انتخابيا، نافس تنظيم الإخوان في الانتخابات البرلمانية، ثم عاد لعقد الصفقات مع الجماعة لتوزيع المناصب في لجان البرلمان، ثم عاد النور ليلتحم بالجماعة أثناء عمل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وازداد التحالف قوة خلال أزمة الإعلان الدستوري، ثم عمل الطرفان جنبا إلى جنب في دعم التصويت لصالح الدستور في الاستفتاء الشعبي، ثم خرج النور بعدها مباشرة ليعلن رفضه سياسات مرسي، واتهام الجماعة بأخونة الدولة.
وبعد أن حاول النور الجلوس على طاولة تقسيم الغنائم مع تنظيم الإخوان، باحثاً عن دور في دولة “الإخونه"، تيقن أن الجماعة لن تسمح له بأن يقوم بدور فعال وحيوي، لكن بعدما همشت الجماعة رجاله في مناصب لا طائل منها، ولا سلطة ولا يخول لهم اتخاذ أي قرارات مؤثرة، بالرغم من أن دوائر قريبة ووثيقة الصلة بقيادات النور "السلفي"، أكدت أن الجماعة وعدتهم بأن يكون من نصيبهم حقيبة وزارية سيادية، وثلاثة أخرى من الوزارات الخدمية، كما سيكون منهم ما لايقل عن 3 مشاركين في الفريق الرئاسي، إلا أن الجماعة تملصت مراراً وتكراراً من وعودها للنور، وتأرجحت العلاقة بينهما صعوداً وهبوطاً اتساقاً بقدر الهبات التي تقدمها الجماعة للحزب السلفي، والتي قليلاً ما كانت تسترضي النور أو تشبع شغفه لارتياد السلطة.
وقد شهدت العلاقة بين النور والجماعة توترات شديدة، خاصة بعد أن قررت الجماعة إقصاء النور عن صدارة المشهد السياسي، بعد العديد من المواقف التي اختلفت فيها رؤى النور عن رؤى الجماعة، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو العقائدي، والتي اعتبرها قيادات في الجماعة "مزايدات" يمارسها النور عن عمد، مثل رفضه تمديد رخص بيع الخمور لسنتين بعدما كانت لسنة واحدة، وكذلك السماح بالسياحة الإيرانية لدخول الأراضي المصرية، والعديد من المواقف الأخرى.
كما أن سعي النور لتسويق نفسه على المستوى الدولي، وخاصة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، قد أقلق تنظيم الإخوان بشدة، حيث توفرت المعلومات للتنظيم بأن النور يروج نفسه كبديل إسلامي لجماعة الإخوان، مستنداً إلى تراجع القاعدة المؤيدة للتنظيم، وكذلك الحالة الإعلامية والصحفية التي سلطت الضوء على فشل الإخوان، ودخلت في صراع بقاء معها، وقد طالب النور من شخصيات مقربة من النظام الأمريكي، أن تفتح لها قنوات اتصال مع القيادات السياسية؛ من أجل طرح رؤية الحزب التي تختلف عن ما يروج ضدها، من التطرف والتشدد والرجعية ورفض التنوع واستهداف غير المسلمين، وكان الراعي الأول لتلك الاتصالات حسب تصريحاته الشخصية للإعلام، هو الدكتور "سعد الدين إبراهيم" رئيس مركز ابن خلدون للأبحاث الإنمائية، وأحد من وطدوا علاقة الجماعة من النظام الأمريكي، وتولى "نادر بكار" أحد قيادات النور، مهمة التواصل مع البرلمان الأوروبي والولايات المتحدة، لتلميع الحزب سياسياً وتبييض صورته والتأكيد على مبادئ الديقراطية، التي تتبناها تلك الدول وتوليها اهتماما بالغا في التعاون السياسي.
ويعتبر عدد من المحللين أن النور بدأ في استشعار الخطر من الوقوف في صف الإخوان أمام رغبة الشارع، والتي كانت تزيد كل يوم عن سابقه، كما أن تواجده بالقرب من مطبخ صنع القرار للتيار الموالي للإخوان، جعله يطلع على أسلوب اتخاذ القرار، وكيف تدار الأمور داخل مؤسسة الرئاسة، وكذلك سيطرة التنظيم على الدولة بما يعرف بخطة "التمكين"؛ لذا فقد كان موقفه متخذا من قبل ذلك، ليس بحثاً عن مصلحة عامة، بل لطرح نفسه كبديل لأنصار الحاكمية وتطبيق الشرع المسيس.

قواعد النور وموقفها منه بعد 30 يونيو

بيان السيسي في 6/30
بيان السيسي في 6/30
قدرت القدرة التصويتية للنور، حسب آراء المختصين في رصد العمليات الانتخابية، بحوالي 2.5 ملايين صوت، من ضمنها الأعضاء والمؤيدون، وبعض البسطاء الذين تم استقطابهم من خلال منابر المساجد، برغم الخلافات الفقهية الجذرية بين التيار السلفي المحافظ وجماعة الإخوان، إلا أنهما تلاقوا في ضرورة تنفيذ مشروع الخلافة والسيطرة على الحكم في مصر، ثم تقسم الأدوار بينهما؛ لذا فقد لاقت الجماعة دعما من النور في الانتخابات الرئاسية، على أمل المشاركة في الحكم، وقد روج قيادات النور لفكرة ضرورة الوحدة بين الطرفين من أجل هدف أسمى وهو تطبيق الشريعة، لدى قواعد الحزب، وخصوصا الكتلة الشبابية، حتى ترسخ بنسبة كبيرة لديهم أن الإخوان يسعون بقوة إلى دولة الإسلام الصحيح– حسب منهجهم– وأنهم حاملو رايتها، حتى جاء 30 يونيو، +وتجد تلك القواعد قياداتها ضمن من تصدروا المشهد في قرار عزل محمد مرسي، على عكس ما كان يعتقده أغلب القواعد والأعضاء العاديين، برغم الخلافات السياسية التي ضربت العلاقة بين الطرفين قبل 30 يونيو.
ولأن قواعد النور كانت تتجه قبل الانتخابات الرئاسية الماضية للتصويت لصالح مرشح سلفي، كان الأرجح أن يكون حازم أبو إسماعيل، وهو ما يفسر زخر حركة "حازمون" بالآف الشباب السلفي، حتى جاء خروجه من السباق بسبب جنسية والدته الأمريكية، وكان الممثل الأمثل لأحلام التيار السلفي وخاصة القواعد الشعبية هو مرشح الإخوان، خاصة بعد حالة التعبئة التي مارسها شيوخ التيار السلفي للتصويت لصالحه.
فقد تسببت تلك المتغيرات التي لم تتوقعها قواعد السلفيين، إلى إحداث حالة من التوتر والبلبلة داخل الحزب السلفي، وانخلاع أعداد هائلة من عباءته، بعد موقف النور المؤيد لخارطة الطريق، وتوافدوا بعدها على ميدان رابعة العدوية دعماً للإخوان، رغم تواجد المئات منهم في الميدان قبل إعلان خارطة الطريق.
وتؤكد مصادر على أن عددا ضخما من قواعد النور، خاصة التابعة لأمانات الحزب في المحافظات، انقلبت على سياسة الحزب بعد تخليه عن التنظيم الإرهابي، لأن المبررات التي أطلقهتا القيادات لم تكن مقنعة بالقدر الكافي، حيث اعتمدوا في مبرراتهم على دواعٍ سياسية والمصلحة العامة وتشويه عقيدة الإخوان، لكنها لم تكن كافية من الناحية العقائدية، التي كانت أقوى وقت الإقناع بالتصويت لصالح مرشح الإخوان، وهي الإشكالية التي تسببت في صنع قواعد سلفية مؤيدة للجماعة الإرهابية، وخروج أعضاء النور السلفي عن تعليمات مشايخهم والانقلاب عليهم. 

مستقبل النور السياسي بعد الانتخابات الرئاسية :

تأييد حزب النور للسيسي
تأييد حزب النور للسيسي
أجمع الباحثون والمهتمون بشأن الحركات الإسلامية، على أن النور هو الوجه المتطور من الفكر الوهابي، إلا أن أعضاء تخلوا عن الجلباب القصير بالبدل الأرستقراطية، مع بعض التعديلات على لغة الخطاب والحوار، إلا أن العقيدة الوهابية ما زالت متجذرة في عقول أعضاء الحزب، لكنهم أدركوا الرفض الشعبي لمنهجهم العقائدي؛ لذا حاولوا التأقلم مع الواقع الجديد، وتغيير جلودهم بما يناسب تطورات المجتمع المصري، وبحثاً عن اكتساب ثقة الشارع، وتغيير الصورة الذهنية عن التيار السلفي، المحسوب على المشروع الإسلامي، خاصة بعد فشل المشروع على يد جماعة الإخوان.
إلا أن الواقع يؤكد على استحالة نجاح النور، في استقطاب أي كتلة جماهيرية، خارج التابعين له أيديولوجيا، فبرغم الرفض التام لجماعة الإخوان الإرهابية، إلا أنها أبدت ليونة فيما يتعلق بالمدانية وإن كانت ظاهرية، إلا أن النور يخفي تحت عباءته تشدداً فكرياً ودينياً، لا يضاهيه إلا الفكر التكفيري والسلفي الجهادي، والذي يعتبر مناظري السلفية الأصولية هم أساتذة رموز السلفية الجهادية، فلقد تتلمذ "+أبو النور المقدسي" زعيم السلفية الجهادية في غزة، والذي قتلته حركة حماس في قصف لمسجد ابن تيمية بالقطاع، أثناء تواجده فيه، على يد الشيخ ياسر برهامي زعيم الدعوة السلفية والأب الروحي لحزب النور، ونتيجة لحالة التثقيف التي يخضع لها المواطن المصري، نتيجة لحالة الزخم الإعلامي والسياسي التي تشهدها الساحة المصرية، فإن المواطن المصري أدراك بما لا يدع مجالاً للشك، أن النور لا يقل خطورة عن سابقه في تولي الحكم أو حتى المشاركة فيه.
لقد أثبتت التجارب المتلاحقة أن الأيديولوجية الوهابية التي يتبناها حزب النور، لن تجد في الواقع المصري تربة خصبة يترعرع فيها وينمو، لقد أثبتت تجربة وهابية الدولة فشلها بشكل مؤكد لا جدال فيه، إضافة إلى أن القواعد التي كانت مؤيدة للنور السلفي انقلبت عليه؛ لتصبح جميع الأدوات التي يسعى النور إلى امتلاكها، من أتباعه والمستقطبين غير متوفره له، إضافة إلى أن الظهير الفكري الذي استند إليه النور في معاركه السياسية منذ ظهوره، والمتمثلة في مشروع تطبيق الشرع، أصبحت مرفوضه من الشارع المصري، وشتان بين رفض الشرع نفسه ورفض القائمين عليه، خاصة وأن العقيدة الدينية متأصله في نفوس الشعب المصري، إلا أن رفضه للمشروع الإسلامي، جاء من رفضه للقائمين عليه وليس على المشروع ذاته.
يرى عدد من السياسيين أن حزب النور ينتظر مقابلا لتأييده خارطة الطريق، ويعتبرها فاتورة يجب أن تسدد من جانب النظام المقبل، وكذلك الشعب المصري في الوقت الذي ينكر فيه انخفاض شعبيته ومؤيديه بشكل كارثي، لكنه سيصدم من واقع مرير حينما يجد نفسه مهددا بالحل، حسب ما نص عليه الدستور المصري الجديد، الذي يمنع تأسيس أية أحزاب على أساس ديني، في الوقت الذي يجاهد الحزب في إنكار وهابية أيديولوجيته، وكأنه يتبرأ من إسلامه الذي يعتقده.
وعلى الجانب الآخر فإن فقهاء دستوريين أكدوا، أن مصير النور هو الحل في أول تنفيذ لبنود الدستور والقوانين المفسرة لمنع تأسيس الأحزاب الدينية، فلن ينطلي على القانون مراوغة الحزب وتملصه من أيديولوجيته العقائدية، والتي سعى إلى توكيد إنكارها خلال المشاركة في خارطة الطريق، مدعياً أن المسار السياسي يأتي في أولويات حساباته، وليست الميول الأيديولوجية، لكن الجميع يعلم أن تأسيس النور جاء ليعبر عن عقيدة الدعوة السلفية، وسعياً لتطبيق منهجها الفكري على الواقع السياسي المصري، وهو ما لن يستطيع النور الهروب منه. 

خاتمة

يونس مخيون
يونس مخيون
إن محاولة تكهن مستقبل حزب النور، يُلزم الباحث أن يجمع بين الحسابات السياسية والأيديولوجية؛ لأنهما من يصنعان الرؤية الواقعية لمحاولة الاستقراء لمستقبله، وفي تلك الحالة سنجد أن تراجع شعبية الحزب أمر لا مناص منه، حتى بين صفوف أتباع التيار السلفي والمؤيدين له؛ لأن البراجماتية التي أدار بها العملية السياسية، على حساب الأيديولوجية أفقدته توازنه الذاتي، وهدمت كل المبررات التي استند إليها خلال مشواره السياسي، حيث سعى جاهداً إلى أن يمارس العمل السياسي بالتوازي مع الحفاظ على هويته، وهما طريقان متناقضان لن يتقابلا أبداً؛ لذا فإن النور عاجز عن أن يكسب أياً من الأطرف السياسية، حيث إنه محسوب على التيار المتأسلم، وعلاقته بجماعة الإخوان في فترات اتسمت بالاتفاق بينهما، وبين فقدانه قاعدته الأيديولوجية التي تراه خارجا عن المنهج الذي تأسس من أجله.

شارك