المسلمون في أمريكا بين الانغلاق على الذات ومواجهة العداء

السبت 18/مايو/2019 - 02:40 م
طباعة المسلمون في أمريكا
 
الكتاب- مكة والاتجاه العام حياة المسلمين في أمريكا بعد الحادي عشر من سبتمبر
التأليف – جنيف عبده 
الترجمة – ليلى زيدان 
الناشر- الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية – القاهرة 
الإسلام في أمريكا من أسرع الديانات انتشارا؛ حيث يوجد أكثر من ستة ملايين مسلم في أمريكا، ما زالوا يعانون من الحياة في ظل الحادي عشر من سبتمبر، ففي أعقاب تلك الأحداث أصبح أغلب الناس في أمريكا يعتنقون وجهة نظر واضحة "المسلمون إرهابيون"، و"الإسلام دين عنف"، و"المسلمون متأخرون يشعرون برغبة في الانتقام من الغرب".. وهكذا أصبح إيجاد هوية أمريكية إسلامية متميزة أكثر إلحاحا عما كان في الماضي فبعد 11 سبتمبر أصبح المسلمون في وضع دفاع عن النفس، بينما كان آخرون يحددون بصورة مستمرة هويتهم وديانتهم، فبالنسبة للعديد من المسلمين أصبح 11 سبتمبر صيحة استيقاظ إما أن يعتنقوا ويشرحوا معنى العقيدة الحقيقية، أو ينضموا إلى التفجيرات الانتحارية في قطاع غزة أو الدواعش في بغداد.. من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يعد رحلة شخصية لجنيف عبدة، وهي مؤلفة وصحفية أمريكية عربية مشهورة أفاقت في 11 سبتمبر على هوية جديدة فرضت عليها صبغة عربية أكثر وأمريكية أقل، الكتاب يقع في 247 صفحة من الحجم الكبير ويقع في 8 فصول، جاء الأول تحت عنوان أئمة لجيل جديد، والثاني "الطفلة العروس ومسجد ديكس"، والثالث "جذور الإسلام في أمريكا"، والرابع "الخروج إلى الشارع"، والخامس "أصوات المسلمين"، والسادس "المرأة في المسجد المتطور"، والسابع "التنبه للنداء"، والأخير "مستقبل العقيدة".
من الجذور 
أول ما يشار إليه عن دخول الإسلام للولايات المتحدة الأمريكية أنه دخل في القرن السادس عشر وكان أول مسلم هو ايستفانكو أوف اذامورا وهو عبد مسلم بربري من شمال إفريقيا جاء كمستكشف لمنطقتي أريزونا ونيو مكسيكو لصالح الإمبراطورية الإسبانية، تحت راية المستكشف الفريز دي فاكا 1539م، ولكن ما يقال بعيد عن ذلك؛ حيث إنه لم يعلن إسلامه هروبا من ملاحقه محاكم التفتيش الإسبانية ضد مسلمي شبه الجزيرة الإيبيريه بعد خروج عرب الأندلس منها. وفي نهاية القرن الثامن عشر الميلادي استوطن مجموعه من المغاربة في جنوب كاليفورنيا كنوع من التبادل الدبلوماسي، وفي عام 1778م أعلن سلطان المغرب الاعتراف الكامل بالولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لأن سلطنة مراكش مطلة على المحيط الأطلنطي، والمغاربة كانوا عنصرا فعالا في الاستكشافات الإسبانية.
وفي عام 1796 وقع جون ادمز على معاهده مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس لديها اتجاهات عدائيه للدين الإسلامي.
وفي عام 1893م كان ألكسندر راسيل ويب الوحيد الذي مثل الإسلام في البرلمان الأول لأديان العالم. وكان لوجود السود في أمريكا دور كبير في انتشار الإسلام، وفي النصف الأول من القرن العشرين عدد قليل من الأمريكيين السود تحول إلى الإسلام، وبذكر الأمريكيين السود لا بد من ذكر أمة الإسلام أكبر المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تأسست عام 1903م على يد والاس فرد محمد، والتي جذبت العديد من الناس للانضمام إليها، بالرغم أنها اتخذت اتجاها آخر للإسلام؛ حيث إنها أعلت من شأن الجنس الأسود، واعتبرت الجنس الأبيض مرادفا للشيطان، ويرى بعض المفكرين أنه طبيعي مع موجة الاضطهاد البيضاء للسود طوال عدة قرون، وأنهم أتوا كعبيد، وقد استوحى ولاس محمد مبادئ أمة الإسلام من أفكار نوبل درو علي، وهي "الله هو الرب"، "الرجل الأبيض هو الشيطان". 
وفي عام 1934م تولى الحاج محمد قيادة أمة الإسلام، وقد اعتبر ولاس محمد رسول، ومن أشهر أعضاء أمة الإسلام مالكوم إكس كواجهة للمنظمة أمام المؤسسات الإعلامية، قبل أن ينفصل لاختلافه مع أفكار الحاج محمد وإنشائه منظمة مسليم موسك انك، والملاكم الخالد محمد علي وتركها أيضا، وأتت المرحلة الثانية لأمة الإسلام حدثت بعد وفاة الحاج محمد، وتولى ابنه دين محمد ذمام الأمور، وقام بإلغاء بعض مبادئ الجماعة، ومنها أن ولاس كان رسولا، ليس مبدأ، ولكنه صدر عن رئيس الجماعة فارتبطت بها، وأن الرجل الأبيض ليس شيطانا وإنما إنسان عابد، وقام بتغيير اسم المنظمة من أمة الإسلام إلى المجتمع العالمي للإسلام في الغرب، ثم تم تغييره مرة أخرى إلى المجتمع الأمريكي للإسلام، وفي عام 1976 م قدر عدد أعضائها بـ 70 ألف عضو؛ وبسبب ما قام به دين محمد من إصلاحات في المنظمة رآها آخرون انشقاقا.. قام لويس فاركان بإنشاء منظمة تحمل نفس الاسم أمة الإسلام بنفس المبادئ، وبالرغم من أن عدد أعضائها الآن لا يزيد عن 20 ألف، إلا أنها ذات تأثير كبير في المجتمع الأسود في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث إنها نظمت مسيرة المليون رجل 1994م أكبر مسيرة منظمة في واشنطن، وهي أيضا تقوم بدعم التعليم الأكاديمي والثقافي والاستقلال الاقتصادي والمسئوليات الاجتماعية، وقد وجهت لأمة الإسلام الحالية نقد لمعاداتها للبيض والمسيحية والسامية وصنفت كجماعة تدعوا للكراهية.
الانغلاق في الهوية 
يؤكد الكتاب من خلال استعراضه العديد من القصص الواقعية لرجال ونساء مسلمين أن أحداث 11 سبتمبر غيرت بالفعل من حياة المسلمين تغييرا ضخما، وهذه التغييرات تتحدى عقودا طويلة من تاريخ أمة المهاجرين، كما تشكك في المثال الأمريكي للثقافات المتعددة التي يربط بينها أهداف وأحلام مشتركة والعديد من المسلمين الأمريكيين على خلاف الجماعات الدينية والعرقية الأخرى التي تعمل على أن تصبح أمريكية تماما يشاركون فيما يطلق عليه أئمتهم حركة الرافضين، ولا سيما من بين الجيل الجديد من الملتزمين بتعاليم الإسلام، ورغم تمتعهم برخاء اقتصادي كأعضاء في القوى العاملة الأمريكية فإنهم يحاولون خلق عالم خاص بهم يشعرون فيه بالراحة في عقيدتهم ومجتمعاتهم، وهم يمزجون بين الرغبة في التمسك بالإسلام والتغلب على مشاق الحياة اليومية في أمريكا الحديثة، وتؤكد جنيف أن العديد من الأمريكيين المسلمين ولا سيما من الجيل الثاني يضعون هويتهم الإسلامية في المقدمة، بل إن شباب المسلمين الذين ولدوا أو نشئوا في أمريكا يكونون عادة أكثر التزاما بالممارسات الإسلامية من آبائهم، فالعديد من صغار النساء يرتدين الحجاب، حتى وإن كانت أمهاتهن غير محجبات. 
ولكن يميز هذا الجيل العقلانية حيث لا يطيعون الأئمة طاعة عمياء فإذا قال لهم الإمام: إن عزف الموسيقى حراما سوف يطالبون بالنص الديني الصريح الذي يحرم هذا العزف. 
ويصل الكتاب إلى أن دافع الجيل الجديد للاتجاه نحو الهوية الإسلامية يرجع إلى الصحوة الإسلامية أولا، التي تجتاح المسلمين من باكستان إلى مصر، فقد حدث إحياء إسلامي على مدى الثلاثين عاما الماضية في جميع أنحاء العالم، وثانيا وقوع هجمات 11 سبتمبر التي جعلت هذا الجيل محاصرا، خاصة باعتبار المسلمين هم العدو الجديد للغرب، وأدى هذا الحصار إلى مزيد من الانغلاق باللجوء إلى المساجد والمراكز الإسلامية. وأن أغلب العداء بالنسبة للإسلام والمسلمين يتركز في إطارين؛ الأول نسب العنف للإسلام، والثاني موقع حقوق المرأة في نصوصه؛ حيث التأكيد من خلال الأئمة الجدد على ابتعاد الإسلام عن العنف، وتعزيز الانتماء للوطن الأمريكي بالدعاء في المسجد "حفظ الله أمريكا" مع إبراز نماذج للنساء المسلمات الناجحات بالمجتمع الأمريكي، كل ذلك يعتبر من أهم أساليب مواجهة أي دعاية سلبية ضد الإسلام والمسلمين.

شارك