"قانون أمريكي مشبوه" يكرس للطائفية بالعراق
الخميس 30/أبريل/2015 - 01:13 م
طباعة
لا تكف الولايات المتحدة الأمريكية عن إثارة النعرات الطائفية داخل العراق منذ احتلالها عام 2003م وحتى بعد انسحابها في عام 2011م، بل وتسعى حاليا إلى تكريس الانقسام من خلال قانون لا يخدم سوى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش" من خلال قانون صوتت عليه لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي يوم الأربعاء 29-4-2015م ينص على تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 715 مليون دولار للجيش العراقي والقوات الأخرى المرتبطة بالحكومة العراقية "الحشد الشعبي"، على أن يذهب ما نسبته 25 % منها إلى قوات البيشمركة الكردية وقوات الحرس الوطني السُّنِّية، مع إمكانية تزويد البيشمركة والسُّنَّة بالمساعدات بشكل مباشر، في حال لم تف الحكومة العراقية بالتزاماتها بموجب مشروع القرار.
وفي محاولة من واشنطن للضغط على الحكومة العراقية فرض القانون شروطا على بغداد لقاء الحصول على هذه المساعدات تمثلت فيما يلي:
1- أن تعطي الحكومة العراقية للأقليات غير الشيعية دورا في قيادة البلاد في غضون ثلاثة أشهر.
2- أن تنهي بغداد دعمها للميليشيات الشيعية، وإلا فسيتم تجميد 75 % من المساعدات لبغداد.
3- إرسال أكثر من 60 % من المساعدات مباشرة للأكراد والسُّنَّة.
القانون بشروطه أثار حالة من الاستنكار والجدل داخل العراق؛ حيث رفضه حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي ودعا إلى وقف المشروع الذي سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات في المنطقة، وقال "إن أي تسليح لن يتم إلا عن طريق الحكومة العراقية وفقا لما تضعه من خطط عسكرية، وإنه في الوقت الذي ترحب فيه الحكومة العراقية بجهود جميع الدول التي تقف إلى جانب العراق في حربه ضد تنظيم داعش الإرهابي وتقدم له المساعدات العسكرية، فإنها تُطَمْئِن الجميع إلى أن التعامل مع الحكومة العراقية كان وما زال واضحا ضمن احترام السيادة العراقية، وهو ما وضعته ضمن ثوابتها وتأكيداتها المستمرة في مباحثاتها مع هذه الدول، وليس هناك من تعامل بازدواجية معها من قبل الأطراف الخارجية.
وأضاف: "العراق بجميع مكوناته وأقلياته يواجه عصابات داعش، وقد أثبتت الوقائع أن جميع هذه المكونات تواصل معركتها؛ من أجل تحرير جميع الأراضي العراقية من "داعش"، وإعادة النازحين إلى مناطقهم، واستعادة الحياة الطبيعية في ظل الحكومة التي اشترك الجميع في تشكيلها، وهناك انتصارات عديدة تحققت بفضل هذا التلاحم، ونحن سائرون بمعركتنا العادلة لتحرير كل شبر من أرض العراق".
وانقسم السياسيون العراقيون بين مؤيد ورافض للمشروع؛ حيث شدد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري على ضرورة اتخاذ موقف حكومي صارم وبرلماني حاسم ضد قرار التقسيم، الذي ينوي إصداره مجلس النواب الأمريكي ويقضي بجعل كل طائفة مستقلة عن الأخرى، وهذا ما سيكون بداية للتقسيم العلني، وبما أن أمريكا أظهرت سوء نيتها ضد عراقنا الحبيب، وكشرت أنيابها فلنا عدة تعليقات على ذلك، منها: "يجب أن يكون هناك رد حكومي عراقي صارم وبرلماني حاسم ضد استصدار هذا القرار، وعلى الشعب حماية أرضه وطوائفه من خلال بيان رفضه وشجبه، فإن الشعب ملزم بذلك وإلا وقعت الطامة الكبرى".
وهدد قائلا: "في حال استصدار قرار من مجلس النواب الأمريكي فإننا ملزمون لرفع التجميد عن الجناح العسكري المتخصص بالجانب الأمريكي ليبدأ عمله بضرب المصالح الأمريكية في العراق بل وخارجه مع الإمكان، وذلك ببيان لاحق، ولتعلم أمريكا أنها وإن عملت على تأجيج النفس الطائفي، إلا أننا سنبقى على ما عهدنا عليه الشعب من دعاة الوحدة، وإنها إن أججت ذلك فيكون مصيرها إلى زوال عما هو وعد الله جل وعلا بزوال كل ظالم ومعتد أثيم".
واعتبر عبد العزيز الظالمي النائب عن كتلة الأحرار النيابية أن مشروع قانون مجلس النواب الأمريكي الذي يتعامل مع البيشمركة والسُّنَّة كـ"بلدين" مرفوض، وأن ما تدعمه أصوات شاذة تطالب بتقسيم العراق، وأنه مرفوض جملة وتفصيلا من قبل الحكومة العراقية ومجلس النواب حتى وإن كانت هناك أصوات تطالب بالتقسيم، إلا أنها لا تستطيع أن تفرض رأيها على الشعب العراقي وإن رغبة الولايات المتحدة في تقسيم العراق ليست جديدة.
وأضاف أن "جميع الكتل السياسية ستقف أمام تنفيذ مشروع القانون، وأن هناك أطرافا من الكرد والسُّنَّة ينظرون إلى التحالف الدولي والولايات المتحدة الأمريكية بأنهم جاءوا من أجل مصلحة العراق وهذا غير صحيح، وأن التصويت على القانون تدخل في شأن العراق وليس في مصلحة العراق أن يتم التصويت على مشروع قانون للتعامل مع البيشمركة والسُّنَّة كبلدين".
وحذر علي الصجري النائب عن تحالف القوى العراقية من خطورة مشروع القرار المقدم للكونجرس الأمريكي والهادف إلى التعامل مع الكرد والسُّنَّة في العراق كدول في عملية التسليح، وأنه في الوقت الذي تسعى القوى الوطنية العراقية لترسيخ مبادئ الوحدة الوطنية والتصدي لقوى الإرهاب والتطرف الساعية لتقسيم المجتمع العراقي إلى طوائف ودويلات نفاجأ بمشروع قرار في الكونجرس الأمريكي يسعى عبره المشرّعون الجمهوريون إلى إقرار تزويد قوات البيشمركة الكردية والعشائر السُّنِّية العراقية بالأسلحة مباشرة دون التنسيق مع الحكومة العراقية.
وتابع: "القرار هذا بقدر ما يبدو ظاهريا ملائما للطروحات الكردية والعشائر السنية، إلا أن ما يخبئه من نوايا وأهداف يجعلنا نطالب كل الشرفاء بإعلان رفضهم له، مهما كانت الإغراءات فالدماء التي سالت والشهداء الذين سقطوا كان أمامهم هدف واحد هو وحدة العراق ووحدة شعبه، والوقوف بوجه المخطط الذي يعرف بمشروع بايدن، وعلى العشائر السٌّنَّية أن تعلن رفضها المطلق للمشروع، ورفض التعامل مع الأمريكان وفق هذا القرار، حتى وإن كانت الحكومة قد أخلفت وعودها بالتسليح؛ ذلك أننا لا نقبل أن نقبض رشوة فاسدة تكون مدخلا للتقسيم الطائفي وفصل غرب العراق وشماله عن جنوبه".
وفي محاولة لإحراج الحكومة العراقية دعا أثيل النجيفي محافظ نينوي التي تحتلها "داعش"- الحكومة العراقية، إلى توفير البديل الفوري، طالما تريد تفادي مشروع الكونغرس الأمريكي بدعم الكرد والسٌّنَّة للتصدي لتنظيم "داعش".
وقال: "إذا أرادت الحكومة العراقية تفادي مشروع الكونجرس الأمريكي بدعم الكرد والسٌّنَّة في محاربة "داعش" فعليها أن تقدم البديل الفوري والتسليح المباشر لهذه القوات بما يمكنها من تعزيز قدراتها في محاربة "داعش"؛ لأن العالم واثق بأنه لا بديل عن أهل الدار في محافظتي نينوي والأنبار في استعادة أرضهم واستقرارها، وكلما تأخرت الحكومة العراقية في تقديم الدعم الجدي والفعال فتحت الأبواب لحصول هذه القوى على الأسلحة من مختلف المصادر، فهناك رغبة دولية بطرد "داعش"، وإيصال المنطقة بسرعة إلى حالة الاستقرار والسيطرة".
الموقف الكردي جاء مرحبا بالقانون حيث رحب ريبوار طه عضو ائتلاف القوى الكردستانية بمشروع قانون لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، قائلا: "هذه المبادرة تبين للعالم أجمع بأن في العراق قوة مثل البيشمركة تقدم لها المساعدات والأسلحة، وتخوض معارك ضد تنظيم داعش الإرهابي، وأن هذه القوة واجهت داعش قبل جميع القوات المتواجدة في العراق وخاصة في كركوك وأطراف الموصل وصلاح الدين".
الولايات المتحدة حاولت التخفيف من وقع الجدل حول القانون، وقالت على لسان جيفري لوري المتحدث باسم سفارة الولايات المتحدة في العراق: إن سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق لم تتغير، ونحن ندعم ونؤيد عراقاً موحدا، وإن كل الدعم والمساعدات والمعدات العسكرية المقدمة من الحكومة الأمريكية يتم تسليمها للحكومة العراقية وقوات الأمن العراقية، وإن المشروع لا يستند إلى أية قوانين، ولا يعكس سياسة ومواقف الولايات المتحدة الأمريكية، وإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسئول عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
لتبقى الحقيقة المؤكد أن ما تقوم به الولايات المتحدة هو محاولة لترسيخ الانقسام في العراق على اللحمة الوطنية للدولة العراقية.
