عودة "البلاك بلوك".. من الهجوم على الإخوان إلى محاربة الدولة!!

الأربعاء 27/مايو/2015 - 09:10 م
طباعة عودة البلاك بلوك..
 
بعد غياب طويل عن الساحة السياسية امتد لعدة شهور عادت حركة بلاك بلوك للظهور مرة أخرى، ولكن هذه المرة ليس ضد الإخوان بل مع التنظيم الإرهابي، حيث أعلنت الحركة مسئوليتها عن العملية الإرهابية التي شهدتها محافظة الإسماعيلية منذ أيام من حرق لـ5 أتوبيسات بموقف الإسماعيلية، مع وجود محاولات لحرق الموقف ككل.
عودة البلاك بلوك..
وأكدت الحركة في بيان لها مسئوليتها عن تلك الأعمال، وقالت: "نعلن مسئوليتنا الكاملة عن اشتعال النيران بموقف الأتوبيسات الجديد بالإسماعيلية، ردًا على الاشتباكات التي دارت مؤخرًا مع مجموعات تابعة لنا وإصابة أحد الشباب بجراح خطيرة، كما نؤكد أن هذا بداية تصعيدية والعين بالعين والبادئ أظلم".
وكانت حركة بلاك بلوك قد أعلنت عن وجودها بشكل رسمي في بيان نشرته على صفحتها بعنوان الكتلة السوداء، أكدت فيه على انطلاق الحركة من جديد، ولكن هذه المرة ليس ضد جماعة الإخوان المسلمين ولكن معهم بسبب إهانة ثورة 25 يناير، وفقا لما جاء في بيان الحركة، وبعد هذا البيان طالبت الحركة مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي وحركات 25 يناير بإعلان الانضمام إلى الحركة، والبدء في التصعيد ضد الدولة، والذي ظهر بشكل رسمي في الإسماعيلية بعد حرق 5 أتوبيسات نقل، ومن بعدهم حرق سيارة تابعة للشرطة.

البدايات:

البدايات:
شكل ظهور جماعة "البلاك بلوك" – التي ربطها البعض بأحداث العنف في الذكرى الثانية لثورة الـ 25 من يناير- متغيرا جديدا في الساحة السياسية المصرية بعد الثورة، إذ عبرت تلك الجماعة عن نموذج لحركات العنف غير التقليدية التي ليست لديها ذات الأطر الفكرية والأيديولوجية لحركات العنف التقليدية، مثل: تنظيم القاعدة، والسلفية الجهادية، التي ظهرت بصورة ملحوظة داخل سيناء خلال الأشهر الأخيرة لعام 2011.
حيث شكلت الأوضاع السياسية والاقتصادية التي مرت بها الدولة المصرية، عقب الثورة، بيئة مواتية لبزوغ حركات العنف غير التقليدية. وعلى وجه الخصوص، تراجع دور الدولة، وعدم قدرتها على التفاعل مع معطيات ما بعد الثورة، وهى الإشكالية التي تداخل معها معضلة الثنائيات المدنية– الدينية الحائرة، والمهيمنة على الواقع السياسي. وعطفاً على هذا، باتت هناك أسئلة مفتاحية مطروحة حول طبيعة حركات العنف غير التقليدية في مصر، وأسباب نشوئها، واحتمالات حدوث امتدادات إقليمية لهذه الحركات لدول الجوار العربي.

النشأة الغربية والحضور إلى مصر:

النشأة الغربية والحضور
وتمثل جماعة "البلاك بلوك امتدادًا عالميا لحركات عنف في عدد من الدول الغربية، ظهرت للرد على قضايا بعينها، فلقد كان أول بزوغ لتلك الجماعة في منتصف الثمانينيات في ألمانيا الغربية، احتجاجا على استخدام الشرطة الألمانية للعنف المفرط، أثناء محاولة إخلاء سكان بعض المناطق من أجل إنشاء محطة للطاقة النووية، وامتدت الحركة إلى الولايات المتحدة في التسعينيات أثناء التظاهرات ضد حرب الخليج عبر نشطاء "الأناركية" واللا سلطوية، كما شاركت في المظاهرات المناهضة العنيفة للرأسمالية ضد منظمة التجارة العالمية في العام 1999. وبدت "البلاك بلوك" أكثر عنفا في عام 2011، أثناء احتجاجاتها على غلاء الأسعار، وخربت الكثير من المحال التجارية في لندن.
وبشكل عام، ترتبط "البلاك بلوك" عالميا بصورة أو بأخرى بفكر الأناركية، وهى فلسفة سياسية ترى الدولة غير مرغوب فيها، وغير ضرورية، وتعارض السلطة، كما أن تأسيس مجتمع متساو قائم على العدالة والمساواة يعد من الأفكار الرئيسية لهذه الفلسفة.
أما في مصر، فسعت "البلاك بلوك"، من خلال ظهورها كعنصر جديد في المعادلة السياسية، إلى التفاعل مع معطيات ما بعد الثورة عبر نهج أكثر عنفاً في محاولة لتغيير الحالة السلمية التي كانت السمة الغالبة لثورة 25 يناير ، وتوجه عنفها بالأساس للنظام القائم الذي لا يعبر ، من وجهة نظرهم، سوى عن جماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم فإن عنف الحركة كان موجه ضد الجماعة والداخلية التي تدعم هذا النظام وتواجه المتظاهرين. فالحركة كانت تحاول استدعاء أفكار ثورة يناير، وتحاول تطبيقها، ولكن بأدوات أكثر عنفاً، حيث تروج لفكرة إسقاط النظام الإخواني، خاصة مع تواتر الأخبار عن مسئولية الحركة عن الاعتداء على  مقرات تابعة لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة.

السمات الأساسية للبلاك بلوك:

السمات الأساسية للبلاك
ومن خلال المعلومات المتاحة - وهي قليلة نظرا لحداثة الظاهرة في السياق المصري- يتبين عدة سمات لحركة البلاك بلوك في مصر:
-  تؤمن البلاك بلوك بالعنف، وتستخدم قنابل المولوتوف والحجارة، وتميل لتخريب الممتلكات العامة والدخول في حرب شوارع مع الأمن، ثم تنصرف سريعا بعد تحقيق هدفها من الموقع المستهدف، الأمر الذي يدفع البعض إلى توقع أنها تنتمي لتنظيم غير معلن يحرك تلك المجموعات في الشارع، بينما يرفض آخرون هذا التفسير، معتبرين أنها تمثل ذراع تيارات سياسية معلنة لمواجهة الخصوم، ولموازنة القوة في الشارع.
 -   اللجوء إلى العنف النوعي الذي يحدث تأثيرا في قطاعات عريضة من المجتمع ، مما يجعل الحركة مناط الحديث إعلاميا، عبر محاولة قطع طرق رئيسية، كما حدث في الإسكندرية في طريق الكورنيش، أو قطع طريق الترام، أو غيرها في ظل حكم الاخوان.
 -  التخفي أثناء أعمال العنف خلف قناع أسود على الطريقة الغربية، ولغة مشفرة خاصة بها على غرار حركات العنف غير التقليدية السرية، وبالتالي يصعب تصويرهم خلال الأحداث، الأمر الذي دفع البعض في مصر إلى الدعوة إلى إصدار تشريع يمنع تغطية الوجه في التظاهرات.
تتركز الشريحة العمرية للبلاك بلوك بين 16 و25 عاما، بحسب المعلومات المتداولة، مما قد يشير إلى أنها فئة شباب غاضب، ومتحمس في الوقت نفسه، بما يسهل من توجيهه في الشارع. كما أن لدى الجماعة قدرة أكبر على التعامل مع الفضاء الإلكتروني والترويج لأفكارها، عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وتمتلك قدرات تنظيمية تقترب بها من حركات العنف التقليدية، وإن كانت ليست على الدرجة نفسها من التسليح ، حيث أشار قائد البلاك بلوك بالإسكندرية- في حوار له مع صحيفة الوطن المصرية  29/1/2013 ، إلى أن "المجموعة تعمل في إطار منظم، وتتشكل الحركة من مجموعات لكل منها قائد، وهناك قائد عام للمجموعة في المحافظة، ويعمل بالتنسيق مع مجموعات أخرى في المحافظات. 
- غياب إطار فكري أو أيديولوجي محدد لجماعة البلاك بلوك ، فهي مثلها مثل حركات العنف غير التقليدية التي ترتبط بمجموعة متغيرات داخلية معينة، وهو ما قد يجعلها قابلة لعدم الاستمرار، على العكس من التنظيمات التقليدية ذات الطابع الجهادي كتنظيم القاعدة التي تؤمن بأيديولوجية توفر لها الاستمرار، وبالتالي فـ"البلاك بلوك" تطرح نفسها كنموذج منافس لمواجهة ما تسميه "الميليشيات الدينية"، والمحسوبة من وجهة نظرهم على الإخوان المسلمين.

العوامل التي أدت لظهور البلاك بلوك بعد 25 يناير:

العوامل التي أدت
ان تحليل ظاهرة حركة البلاك بلوك ينطلق من عدة عوامل رئيسية ترتبط بالسياق المصري بعد ثورة 25 يناير كالتالي:
- إن ثنائية الديني والمدني واحدة من الإشكاليات التي أضفت على الساحة السياسية المزيد من التعقيد ، فهي لم تكن غائبة عن المشهد في مجمله بصورة جعلت الاستقطاب في أقصى درجاته، ولكن المأزق الحقيقي أن هذه الثنائية تم استدعاؤها عندما تحولت الثورة من مسارها السلمي إلى مسار أكثر عنفاً .وهكذا، ظهرت في هذه السياقات حركة البلاك بلوك لتطرح نفسها كحركة موجهة ضد التيار الديني ، علاوة على محاولات استخدام الحركة من قبل بعض القوى السياسية كوسيلة للضغط على الإسلاميين، وهو ما اتضح بعد إصدار النائب العام قرارا بضبط المنتمين للحركة، حيث سعت قوى سياسية إلى مطالبة النظام بفتح كافة ملفات العنف، ومنها أحداث قصر الاتحادية في ديسمبر 2011، وأحداث الذكرى الثانية للثورة، وغيرها دون الاقتصار على التعامل الانتقائي مع البلاك بلوك.
وفي المقابل، قدمت مجموعة "الوايت بلوك" نفسها كمجموعة هدفها مواجهة عنف البلاك بلوك، بحسب ما أشار إليه مؤسس الحركة مصطفى فتحي بصحيفة الوطن المصرية ، 29/1/2013. يضاف إلى ذلك أن العنصر الديني كان حاضراً، لاسيما مع اتهامات من جانب محسوبين على تيار الإسلام السياسي للكنيسة بدعم حركة البلاك بلوك، واستخدامها كأداة سياسية للضغط على الإسلاميين.
-   فشل القوى السياسية، سواء من كانت في الحكم أو المعارضة، في استيعاب القوى الشبابية بعد الثورة ، الأمر الذي ولد شعورا بالإحباط من مجمل تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية بعد ثورة من الآمال التى لم تتحقق على أرض الواقع.
-  الاستقطاب والتراشق داخل المجتمع المصري، والذي تعدى حدود الخلاف السياسي إلى اعتداءات وسباب متبادل تورطت فيه التيارات السياسية بعد الثورة، مما مهد لبيئة ظهور جماعات تؤمن بالعنف لتحقيق أهدافها.
 - رخاوة الدولة المصرية بعد ثورة 25ينابر، لاسيما على صعيد وظائفها الأساسية كالأمن والقضاء والتنمية، الأمر الذي أحدث جرأة على هذه الدولة، لاسيما بعد كسر حاجز الخوف بعد ثورة 25 يناير، وبالتالي لا يمكن فصل " البلاك بلوك" عن مجمل الانفلات الأمني، وميل المجتمع إلى العنف ضد الدولة بعد الثورة.
فماذا يعني عودة البلاك بلوك الآن.. وما دوافعها للتحالف مع جماعة الإخوان الإرهابية؟ بعد إعلان الحركة مسئوليتها عن العملية الإرهابية التي شهدتها محافظة الإسماعيلية منذ أيام من حرق لـ5 أتوبيسات بموقف الإسماعيلية، مع وجود محاولات لحرق الموقف ككل.
يأتي هذا في ظل بحث جماعة الإخوان عن حلفاء وداعمين، بعد تخلي روابط الأولتراس عن دعمهم من ناحية، وتحلل تحالف دعم الشرعية من ناحية اخرى، بعد ان اعتمدت جماعة الاخوان الارهاب والعنف ضد المجتمع المصري بكل عناصره ومؤسساته من جيش وشرطة وقضاء واعلام، بل وسائر مؤسسات المجتمع الخدمية اصبحت هدفا لعنف وارهاب الجماعة (المدارس، ومحطات المترو، التجمعات السكانية .. الخ)، مما يشير إلى إمكانية محاولات تعاون جماعة الإخوان وسعيها لتجنيد "البلاك بلوك" لتحقيق أهدافها الإرهابية ضد الدولة، خاصةً أن طبيعة البلاك بلوك تسمح بذلك، من حيث السن الصغير وغياب الرؤية السياسية وحداثة التكوين وضعفها النسبي بعد القبض على رموزها.

شارك