"المغرب" بين طموح السلفية الجهادية وسيطرة الحكومة الإخوانية
الإثنين 01/يونيو/2015 - 09:51 م
طباعة
تشهد الدولة المغربية حالة من الشد والجذب بين السلفية الجهادية المغربية وجماعة "الإخوان المسلمين"، وعناصرهم الذين يديرون دفة الحكم في المغرب منذ شهور، ولذلك لم يكن مستغربا ان يقوم أحد رموز ما سمي بـ"السلفية الجهادية"، عبد الكريم الشاذلي، مع عدد من السلفيين بالانضمام الى حزب "الحركة الديمقراطية الاجتماعية"، وليس حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، وذراع جماعة الإخوان في المغرب
وسبق هذا الأمر منذ عامين، إعلان بعض رموز السلفية وقادة "الشبيبة الإسلامية" بالمغرب على رأسهم محمد عبد الوهاب رفيقي، الذي عين نائبا للأمين العام لحزب "الشمس"، إلى جانب هشام التمسماني، وعمر الحدوني، وجلال المودن، وقبلهم الشيخ عبد الباري الزمزمي، الذي مثل الحزب في الانتخابات السابقة، قبل أن يعلن استقالته الانضمام إلى حزب "النهضة والفضيلة"، الذى يقوده حاليا محمد خليدي، بالإضافة الى أن المعتقلون الاسلاميون الذين تم إدانتهم في قانون مكافحة الإرهاب، وفي مقدمتهم حسن خطاب زعيم خلية "أنصار المهدي"، والذين أدين بالسجن 30 سنة، وعبد الرزاق سوماح، المدان بـ20 سنة لتزعمه "حركة المجاهدين بالمغرب"، قد أعلنوا قرب الافراج عنهم م، على إثْر إصدارهم لوَثائق تهم "المراجعة والمصالحة". وانهم بصدد الإعلان، عن تأسيس "تيار سلفي إصلاحي" من داخل السجون، سوف يفضي إلى تأسيس حزب سياسي جديد.
كشف هذا الأمر عن خلاف عميق بين الإخوان الحاكمين حاليا بالمغرب وبين السلفية الجهادية هناك، والتي اختار قياداتها الأحزاب بعيدة عن الإخوان على الرغم من مرجعيته الدينية المشابهة.
النظام الملكى المغربي دخل على الخط لتأجيج الصراع بينهم وقام يوم 29-3- 2014 م بقبوله أن يأمّ الشيخ محمد الفيزازي، أحد رموز السلفية الجهادية بالمغرب، الملك محمد السادس نفسه في صلاة الجمعة بمدينة طنجة، شمال البلاد وفسر الأمر على انه محاولة ملكية لضرب النفوذ الإخوانى في الحكم
وهو ما اعتبره مصطفى المعتصم الأمين العام لحزب البديل الحضاري المحظور إشارة إضافية وتتويج لحالة الانفراج بين الدولة وأتباع السلفية الجهادية ، بعد أن انتقلت العلاقات من المواجهة إلى التهدئة منذ فبراير 2012، إثر العفو الملكي الذي صدر عن عدد من رموز السلفية ومنهم الشيخ حسن الكتاني والشيخ محمد رفيقي، الملقّب بأبي حفص والشيخ عمر الحدوشي ، الذين اعتُقِلوا مع مئات غيرهم، وحمَّلتهم الدولة مسؤولية الهجمات الإنتحارية التي استهدفت مدينة الدار البيضاء يوم 16 مايو 2003 وراح ضحيتها 45 قتيلا وعشرات الجرحى.
وتابع: الدولة شجّعت أحد الأحزاب السياسية (حزب الفضيلة) على استقطاب رموز السلفية الجهادية، وشرَّعت لهم أبواب وسائل الإعلام، الرسمية منها وغير الرسمية، وتمّ استدعاءهم إلى المحاضرة والمناظرة والمُرافعة في كل القضايا التي تُطرح في الساحة، بمناسبة وبغير مناسبة، وهو أمر ذو دلالة وأبعاد كثيرة، سياسية ومذهبية، بانتظار ظهور إشارات الإرادة السياسية لإنهاء هذا الملف، لأن فيه يكمُن الحلّ وخدمة لخيار الإصلاح الذي تبنّاه المغرب في ظل الربيع العربي وإن الانفراج في العلاقة بين الدولة والسلفيين شيء إيجابي ولا يمكننا إلا التّنويه به، وأملنا في أن تُطوى صفحة السلفيين وأن ينجح المغرب في إدماجهم".
ولكنه أشار الى أن التقارب بين السلفيين والإخوان لمواجهة التيارات اليسارية والقومية والليبرالية، كان موجودًا ولكن بدون أرضية فاعلة، إلا أنه تباعُدا خلال السنوات الأخيرة، ليُتوّج بالقطيعة بعد ما حدث في مصر في يوليو 2013 ولتظهر آثاره، ليس فقط في مصر، بل بين الفصائل الإسلامية التي تقاتل ضد نظام الرئيس بشار الأسد وبالتالي الخشية الحقيقية أن يكون الانفراج بين الدولة والسلفية الجهادية مندرجا في إطار الصراع بين السلفية والإخوان المسلمين بالمغرب، وفي إطار توظيف السلفيين في مواجهة إيران والمد الشيعي، وأيضا لإضعاف حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان، على غرار ما يجري في مصر من وقوف السلفيين ضد الإخوان المسلمين، رغم ما عرفته السنوات الماضية من مُراجعات فِكرية داخل التيارات ذات المرجعية الإسلامية، حيث "تسلَّـف الإخوان المسلمين وتأخْـوَن السلفيون.
وأعتبر أحمد راكز رئيس هيئة محامين التصالح الوطني والمتابع لملف سجناء "السلفية الجهادية" ، أن حزب العدالة والتنمية الإخوانى كان يستطيع أن يحتوي المعتقلين السلفيين المفرج عنهم، لخلفيته الإسلامية، لكنه فشل حاليا لأسباب متعددة، يبقى أبرزها أنه يناقض نفسه، وتنكر لبرنامجه السياسي الذي ينهل من المرجعية الإسلامية وأنه لا يستطيع أن يستوعب السلفية الجهادية لأنه ارتكب أخطاءً وذكر مثال وزير العدل والحريات الإخوانى الحالى الذى كان مسئول عن ملف المعتقلين قبل تجربته الحكومية الحالية وظل يترافع في الملف كحقوقي و بصفته رئيسا لمنتدى الكرامة، إلا أنه لما أصبح وزيرا تخلى عن الملف نهائياً".
وأشار إلى أن المغرب رغم ذلك حقق مكتسبات في محاربة الإرهاب والتطرف، ويسعى منذ فترة للريادة على المستوى الدولي، عبر تسويق نموذجه في تلك الحرب و يحاول أن ينتزع اعترفا دوليا في نجاحه في احتواء الإرهاب و على الدولة أن تشرك مختلف الشركاء السياسيين والحقوقيين في محاولتها السياسية مع المعتقلين لان هؤلاء المعتقلين يتحفظون على عدم وجود أي تحرك في ملفهم ولذلك يجب الدفع بمعتقلي السلفية الجهادية إلى مصالحة أعمق، عبر تطبيق شامل وحقيقي لسياسة الإدماج في المجال العقابي، وحقوق الإنسان في المحاكمات مع ضرورة أن تسلك الدولة "التواصل الديني" داخل السجون، ويجب إدخال العلماء والأئمة لفتح حوار ديني وعقلاني مع رموز السلفية، مثلما حصل مع التجربة السعودية".
وتحاول السلفية الجهادية المغربية التقرب من القصر الملكى المغربى للتخفيف من الأجواء المشحونة ضدها بعـد هجمات الدار البيضاء، من خلال الحضور بالمشهد السياسي المغربي وأحيانا تقدم الصفوف في التظاهرات والمسيرات وبعض اللقاءات مع كبار المسؤولين من أجل تحقيق بعض المكاسب للإفراج عن معتقليها من أتباع السلفية الجهادية و ولكن يواجه مسألة إدماجهم بشكل رسمي في الحياة السياسية المغربية وجود حزب العدالة والتنمية الإخوانى
الإخوان اعتبروا ان تحركات السلفية الجهادية موجهة ضدهم كمشروع إسلامي إصلاحي، ودعا عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية الإخواني المعتقلين السلفيين الى إعلان براءتهم من الإرهاب، لترد عليه مجموعة السلفيين المعتقلين في السجون المغربية تطلق على نفسها "صوت الأحرار في المعتقلات المغربية"، برسالة شديدة اللهجة واصفا إياه ب " المنافق والخبيث"، والمناور والمخادع، الذي يعرف من أين ومتى تؤكل الكتف ووصفت الرسالة حكومة بنكيران بـ "المتاجرة" في ملفات أزمات المغاربة، وانه تاجر أيضا ملف معتقلي السلفية الجهادية في الإعلام ، جاعلا منه ضلعا محوريا في أوراق ضغطه وأبواق دعايته، وان حكومة بنكيران هي أسوا حكومة عرفها تاريخ المغرب، بحيث تحولت سجون المعتقلين السلفيين في عهد بنكيران إلى مختلف أشكال التعذيب النفسي والجسدي، وسياسة التقتيل الممنهج
وكشفت عن مقتل ثلاثة معتقلين سلفيين وفي ظرف وجيز جدا، أولهم عبد المالك عبد الصمد ثم الجزائري احمد بن ميلود وكان أخرها جريمة قتل محمد بن الجيلالي وبدم بارد"، وهو مالم تشهدها أي حكومة سابقة وبالتالي فأن بنكيران كذب على الشعب المغربي حين كان يوزع الوعود يمينا و شمالا، دون الوفاء بتلك الوعود، واختمتت الرسالة بالقول:" لن تعدو قدرك فقد علمنا أنك مجرد زعيم دمى في غابة تتوغل فيها الوحوش الضارية، وأن ملفنا أكبر من أن يبث فيه من لا يملك حتى صلاحيات تغيير حارس مبنى وزارته".
ولكن تبقى الحقيقة المؤكدة في المغرب وهى ان مواقِف الحركات السلفية من الدولة تتباين تبايُنا كبيرا، إذ نجد مَن هو مقرّب جدا من الدّعوة إلى إطاعة أولياء الأمور وعدم معارضتهم، ومنهم مَن يذهب إلى مستوى تكفير الحاكمين وإخراجهم من الدِّين، لذلك "نحن أمام تيارات تذهب من أقصى التطرّف بالموقف من الأنظمة والحكّام إلى الحد الأدنى من الاقتراب"، حسب المعتصم.
