صيحات التجديد الديني (21)

الخميس 11/يونيو/2015 - 06:57 م
طباعة
 
ونمضي مع معركة "الإسلام وأصول الحكم" في مواجهة شيوخ متزمتين وملك ملأه الغرور، فأراد أن يكون خليفة وأميرا للمؤمنين. وسرعان ما لجأ هؤلاء الشيوخ إلى حيلة تجيز لهم أن يقوموا بترشيح خليفة على أشلاء السلطان عبد المجيد الذي نصبه الكماليون، قائلين أن الإسلام لا يعرف الخلافة بالمعنى الذي قبلها به، فقد قبلها منفصلة عن السلطة المدنية ناسين أن قرونا عديدة مضت على تحول منصب الخلافة إلى منصب شكلي لا علاقة له بالسلطة السياسية والمدنية الفعلية. والمهم أنهم أسرعوا بتوجيه الدعوة [19 شعبان 1342-25 مارس 1924] لممثلي جميع الشعوب الإسلامية إلى مؤتمر يعقد في القاهرة برئاسة شيخ الأزهر للبحث فيمن تسند إليه الخلافة. ومكان وجوده وتحدد شهر شعبان 1343 [أي بعد عام] لانعقاده [راجع الأهرام – 27 مارس 1924 وأيضا: المنار المجلد 25 – الجزء 4 – 19 شعبان 1324].. وبدأ صراع معلن وخفى بين ملوك وأمراء الشعوب الإسلامية حول منصب الخليفة، وكان الأكثر فيهم أحمد فؤاد فهو ملك مصر بحضارتها وثقلها وأزهرها، والملك حسين بن على ملك الحجاز والملك أمان الله ملك الأفغان، وفي ربيع أول 1343هـ [أكتوبر 1924] صدرت نشرة "المؤتمر" بهدف تنظيم عملية للمؤتمر والسعي لإنجاحه. وفي صفحتها الأولى كان مقال لمحمد رشيد رضا مليء بالحماس لعقد المؤتمر "لأنه أول مؤتمر إسلامي عام يشترك فيه علماء الدين والدنيا من كل الأمم الإسلامية، خصوصا أن مهمته هي قواعد للحكومة الإسلامية المدنية التي يظهر فيها علو التشريع الإسلامي، ووضع قواعد للتربية والتعليم نجح بين هداية الدين ومصالح الدنيا واختيار خليفة وإمام للمسلمين" [المؤتمر – ربيع أول 1343هـ- وأيضا المنار – مجلد 25 – الجزء 7 – صـ525]. وفي ذي القعدة 1344 [13 مايو 1926] عقد المؤتمر متأخرًا عن موعده المقرر وأتى هزيلًا بصورة مخجلة، فالحضور هزيل جدًا، والنتائج أشد هزالًا لأسباب عدة منها التنافس على المنصب وتسارع الدول الإسلامية بعد انفراط عقد الخلافة إلى إعلان كياناتها الوطنية. ومعرضة سعد زغلول رئيس وزراء مصر آنذاك والأحرار الدستوريين رغم علاقاتهم الوثيقة بالملك والعديد من المثقفين والقوى الليبرالية لمبدأ الخلافة. ونشرت جريدة السياسة [الأحرار الدستوريين] مؤكدة أن مسألة الخلافة تسمى سياسة الدولة العليا، لأن الدستور ينص على أنه لا يجوز للملك أن يتولى مع ملك مصر أمور دولة أخرى بغير رضاء البرلمان، ومن ثم يتعين ترك بحث هذه المسألة للسياسيين، وأن يعدل علماء الأزهر عن الدعوة للمؤتمر. كما نشرت مقالًا للشيخ علي عبد الرازق كشف فيه وبصراحة كل أوراق اللعبة، مؤكدًا أن حماسه للخلافة ليس دفاعا عن الدين وإنما استجابة لمطامع الملك فؤاد في تولى الخلافة". [السياسة – مارس 1926]. وانهالت عشرات المقالات ما بين مؤيد ومعارض لفكرة الخلافة وضرورة إقامة خليفة وذلك رغم فشل المؤتمر الذي كان ضروريًا لبيعه الخليفة. ولعل أبرز ما أسفرت عنه هذه المعركة الفكرية عدة كتب لعل أهمها في الجانب المؤيد للخلافة كتاب الشيخ محمد رشيد رضا "الخلافة أو الإمامة العظمى" [1923] وكتاب آخر للشيخ مصطفى صبري توقادي وهو "النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة". [1924] وكتابان معارضان أحدهما لمؤلف تركي لم يذكر اسمه، وإنما صدر دون اسم واتخذ عنوان "الخلافة وسلطة الأمة، ترجمة من التركية إلى العربية عبد الغني بك سنى [1924] لكن ما يعنينا هو الكتاب الأكثر شهرة والأكثر تعبيرًا عن فكر تجديدي للدين وهو كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق" [1925[.
وهو ما سنحاول مطالعة بعض مما ورد فيه من الآراء والأفكار.

شارك