الفرار إلى لبنان.. الملاذ الآمن لمسيحيي الشرق الأوسط

الخميس 18/يونيو/2015 - 09:57 ص
طباعة  الفرار إلى لبنان..
 
على عكس القلق الذي أثاره تصريح بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام عن رغبة 60 % من مسيحيي لبنان في الهجرة أكد تقرير لجريدة الجمهورية اللبنانية اليوم أن لبنان ما زالت الملاذ الآمن للمسيحيين في الشرق الأوسط؛ حيث شكّل لبنان ملتقى المضطهدين والأحرار في الشرق على مرّ التاريخ. هذه البقعة التي تتنشّق حرية، وجد فيها مسيحيّو الشرق ملاذاً آمناً، مثل جميع المهجرين، ونفى التقرير القول: إنّ هذا الاحتضان ينبع من حسٍّ طائفي، هو كلام في غير مكانه؛ لأنّ لبنان احتضن ما يزيد عن مليوني نازح ولاجئ سوري وفلسطيني من لون ديني معروف، وفتح ذراعيه لاستقبالهم، على رغم أنهم باتوا يشكلون عبئاً عليه باعتراف المنظمات الدولية، ومشكلة يبدو أن لا حلّ لها في الأفق القريب.
يجتمع الآشوري والكلداني والسرياني والأرثوذكسي والكاثوليكي في رحاب لبنان، وقصّتهم واحدة: هُجّرنا لأنّ الهجوم كان قوياً، ولجأنا إلى لبنان. وقد حرَّكت الأحداث التي حصلت مع دروز إدلب، قضيّة الأقليّة المسيحية في سوريا، خصوصاً مع ما تشهده بلدات نهر الخابور الآشورية من معارك.
فالأخبار التي ترِد إلى الآشوريين الموجودين في لبنان تؤكّد أنّ المعارك ما زالت تدور على مسافة قريبة من البلدات الآشورية بين وحدات الحماية الكردية و«داعش». والآشوريّون ما زالوا مهجّرين في الحسكة، وبلداتهم فارغة من سكانها، ولا قدرة لهم على تأليف جيش دفاع؛ لأنّهم أقلية ويفتقدون إلى السلاح، أمّا «داعش» فتتفوّق عليهم عدّة وعدداً، بآلاف المرات.
لا يمكن لوم الآشوريّين وبقية الأقليّات على تَرك بلداتهم الساقطة عسكرياً، فهم يقولون: إنَّ وضعهم مغاير لوضع مسيحيّي لبنان، "ففي لبنان تجد كنيسة ومزاراً كلّ 10 أمتار، وقديساً في كل منطقة".
وجغرافياً، لبنان محسوب على المسيحيين الذين يملكون أكثر من نصف أراضيه من الشمال إلى الجنوب مروراً بالبقاع والجبل وبيروت، أمّا بقية الشرق فلم يعد لنا». ويُعبّر الآشوريون والكلدان والسريان المهجّرون عن إيمانهم الكبير بأنّ «المسيح لا يريد أن يخسر لبنان أرضاً للمسيحيّة»، وهم يراهنون على الموارنة ليُعيدوا إلى المسيحيين «أمانهم والقوة التي يحتاجون إليها ليصمدوا في هذا الشرق».
عودة الآشوريّين إلى قراهم تبدو شبه مستحيلة، لذلك تحرّكت قيادتهم الدينية الممثّلة برئيس أبرشيات لبنان وأستراليا ونيوزيلاندا المتروبوليت مار ميليس زيا، والخور أسقف يترون كوليانا، وزارت قيادات الدولة اللبنانية، وأبرزها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي عمل على خطّ مسيحيّي سوريا بتكليف من الدولة اللبنانية ونجح في إنجاز صفقة تحرير راهبات معلولا، وشكروا له الدعم الذي أظهره للآشوريين من خلال تسهيل الإجراءات لاستقبال المسيحيين المهجّرين. 
عباس إبراهيم
عباس إبراهيم
وقد سمع الوفد كلاماً واضحاً من إبراهيم، مفاده «إننا نعمل مع الفاعلين الكبار من أجل الحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق؛ لأنّنا لا نريد خسارتهم، ونسعى لإعادة الآشوريين إلى قراهم، لكن في حال لم نتمكن من ذلك، وإذا تطوّر الوضع أكثر في سوريا وزاد الخطر، فإنّ لبنان سيُرحّب بهم، وسيكون ملاذهم الآمن، وسيلقون كل الاستقبال الحار، وبالطبع سيكونون عاملاً مساعداً لبلدنا».
تركَ كلام إبراهيم أثراً طيباً في نفوس الآشوريين والاقليات المسيحية الأخرى، خصوصاً أنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق كان قد أعطى توجيهاته إلى الأجهزة الأمنية باستقبال الآشوريين وعدم معاملتهم كنازحين، وفي ذلك رسالة من الدولة اللبنانية إلى جميع مسيحيّي الشرق بأنّ لبنان يُرحّب بهم خصوصاً أنّ إبراهيم يعمل أيضاً على إطلاق مطرانَي حلب المخطوفين يوحنا إبراهيم وبولس اليازجي.
لكنّ القضية الثانية الأهمّ، تبقى طريقة عمل الكنائس بعضها مع بعض، فأصابع اليد هي خمسة والبطاركة الخمسة الذين جمَعتهم قمّة دمشق أخيراً، سيصبحون إذا اجتمعوا، «كفّا» يستطيع صَدّ من يهاجم المسيحيين. من هنا يجب تضافر جهود الإغاثة والإيواء واحتواء الصدمة، لا أن تنتظر أيّ بطريركية من البطريركيات الخمس أن تطلب رعية أخرى المساعدة، بل يجب أن تتحرّك تلقائياً لإنقاذ ما تبقى من وجود مسيحي في الشرق.
ومع تسارع الأحداث، ستَزداد موجة الهجرة المسيحية إلى لبنان، ما يزيد من مسئولية الرهبانيات التي تملك مساحات شاسعة من الأراضي لتستقبلهم وتهتمّ بهم وتحافظ عليهم.

شارك