تساقط خلايا داعش يقوض استراتيجية الذئاب المنفردة

الثلاثاء 07/يوليو/2015 - 06:45 م
طباعة تساقط خلايا داعش
 
تساقط خلايا داعش
استغل تنظيم الدولة "داعش" الصراعات والفتن التي تغوص فيها منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد ما سمي بالربيع العربي وصعود تيار الإسلام السياسي على سطح الأحداث، وكم التناقضات الموجودة بين أبناء هذا التيار، وما تموج به المنطقة من صراع طائفي ومذهبي، والاستبداد والفقر والبطالة، والانهيار السياسي والفوضى، ليخاطب تنظيمات كانت هامشية الى حد كبير وإعادتها مرة أخرى للحياة على سطح الأرض، وتغذيتها بالدعم المادي والعسكري، وكل ذلك حتى يقدم نفسه للعالم على أنه «أيقونة» إفساد مخطط «سايكس – بيكو".
يسعى التنظيم إلى كسر الحدود، وتوحيد الدول، لإقامة دولة «الخلافة»، وفقاً لمزاعمه وكتبه والفيديوهات والبيانات التي ينشرها ويروّج لها، ولا يكتفى بالقتال في سوريا والعراق، بل يجذب جماعات كانت موالية لتنظيم القاعدة فيضمها إلى صفوفه، لإثبات هيمنته على التنظيمات المتطرفة حول العالم، وإنهاء «القاعدة»، ولضمان إشغال الدول الساعية إلى حربه بالدفاع عن نفسها وداخل أراضيها.
يقول «بيل بارك»، المحلل الدولي لشئون الجماعات المتطرفة، في إحدى دراساته المنشورة في بريطانيا، إن التنظيم أشبه بالصلصال، كلما حاولت الضغط عليه من جانب، يظهر من جانب آخر.
تساقط خلايا داعش
ووفقاً للعدد الثاني من مجلة «دابق»، «الداعشية»، فإن التنظيم لم يعد يفرق بين الدول الغربية (العدو البعيد)، والدول العربية (العدو القريب)، وبات يُكفّر حكام العالم دون استثناء، وباتت له استراتيجية مختلفة في كل دولة له عناصر فيها، أو يسعى لتشكيل خلاياه من «الذئاب المنفردة» داخلها، ففي أمريكا يعتمد على مخاطبة الجمهور الأمريكي المضطهد، نتيجة العنصرية في بعض الولايات، واهتم بتوجيه خطابه لـ«السود» في أمريكا، لتشكيل كيانات وخلايا عنقودية، ظهر تأثيرها من خلال عدة عمليات، منها ما استهدف مؤخراً معرضاً للرسوم.
وفى فرنسا وبريطانيا، يعتمد التنظيم على المهاجرين العرب والأفارقة من الجيل الثاني والثالث الذين يشعرون بحالة من الاغتراب والعنصرية في الدول الأوروبية، إضافة إلى أن بريطانيا، على سبيل المثال، كانت حاضنة لقيادات السلفية الجهادية منذ السبعينات، لدرجة أن المسئولين الغربيين، أصبحوا يسمونها «لندنستان»، لكثرة أعداد الشخصيات البارزة من السلفية الجهادية المقيمة في ضواحي لندن.
ويقول «جون بيار فيليو»، المؤرخ المختص في تاريخ الشرق الأوسط، إن التنظيم عبارة عن مجموعة من الشبكات المترابطة، ذات التسلسل الهرمى للقيادة، فهناك دائماً من يعطى الأوامر في جميع مناطق سيطرته، ويكون عادة على اتصال بالقيادات المركزية في سوريا والعراق، والمبدأ الأساسي للتنظيم هو مركزية اتخاذ القرار ولامركزية التنفيذ، وهو ما يترك المجال للأفراد والمجموعات المسلحة المبايعة للتنظيم، في كل أنحاء العالم، للارتجال وتطبيق مخططاته بأي طريقة متاحة لهم، لذلك فإن خطر التنظيم بات يتجاوز الرقعة الجغرافية المحدودة التي يسيطر عليها بين سوريا والعراق، وقد وصل بالفعل للكثير من الدول الأوروبية من خلال تنفيذ عمليات مسلحة، إضافة إلى عمليات تجنيد المقاتلين الذين يقدر عددهم بـ5 آلاف مقاتل، منتشرين بين سوريا والعراق، من مختلف الجنسيات الأوروبية.
تساقط خلايا داعش
ولم يكتف التنظيم باحتلال رقعة واسعة من أراضي سوريا والعراق منذ يونيو 2014، فقد سيطر على الجنوب واتخذ من الرقة في سوريا معقلاً، بالإضافة إلى الموصل في العراق وأتبع ذلك بالسيطرة على تدمر والحدود السورية العراقية، ونظيرتها السورية الأردنية، ووسّع من نفوذه بشكل كبير خلال عام من إعلان قيام دولته في سوريا والعراق، وتزايد هذا النفوذ بدعم بعض الجماعات الإرهابية الأخرى، وإعلانهم الولاء له، وهو ما ساعده على تنفيذ عدة هجمات في جميع أنحاء العالم.
وفى لبنان أعلنت حركة «أنصار السنة» في بعلبك، المناهضة لحزب الله، ولاءها للتنظيم عقب إعلانه الخلافة، وذكرت تقارير أن التنظيم لديه خلايا نائمة في لبنان، وحاول السيطرة على بعض القرى اللبنانية في أوائل عام 2015، إلا أن حزب الله تمكن من إحباط هجوم له على الحدود السورية اللبنانية.
وتقوم استراتيجية التنظيم في لبنان على محاربة حزب الله من خلال خطاب مذهبي طائفي يهدف لإشعال البلد بالفوضى لضمان وجوده.
وفى السعودية، قالت السلطات السعودية إنها ألقت القبض على 93 شخصاً انضموا إلى «داعش» في الشهور الأخيرة، وإنها منعت العديد من الهجمات، إحداها كادت أن تضرب السفارة الأمريكية، فيما زعم «داعش» أن له العديد من الخلايا النائمة في المملكة، وأعلن مسئوليته عن العديد من الهجمات على المساجد الشيعية، فيما قال أبوبكر البغدادي، زعيم التنظيم، في نوفمبر الماضي، إن التنظيم أسس لدولته في السعودية.
تساقط خلايا داعش
واستراتيجية التنظيم في السعودية هي استهداف الشيعة، لهدفين: الأول متمثل في إحراج المملكة العربية السعودية من خلال دفعها لدعم الشيعة على أراضيها، نتيجة للهجمات الإرهابية ضدهم، وهو ما يظهرها بمظهر يناقض مبادئها، فضلاً عن دفعها للانكفاء على مشاكلها الداخلية، والهدف الثاني هو جرّ إيران إلى السعودية بحجة الدفاع عن الشيعة، في صورة أشبه بصب البنزين على حطب الصراع بين الطرفين.
و في الكويت، لم يظهر للتنظيم مكان كبير، ولم يظهر لهم نشاط سوى في تفجيرهم لمسجد شيعي قبل أيام، وهو الحادث الذى راح ضحيته 27 شخصاً، لكن استراتيجيته في السعودية، هي نفسها في الكويت، أما في اليمن فقد أعلن التنظيم عن خلافته، مطلع العام الحالي، وللتنظيم نشاطات في وسط وجنوب وشرق اليمن، خصوصاً في حضرموت التي داهم فيها عدة مواقع عسكرية، ونشر فيديو لأنصاره وهم يرفعون رايته السوداء في العاصمة صنعاء مؤخراً، كما نفّذ عدة هجمات انتحارية ضد المساجد الشيعية، ومقار للحوثيين، واستغل الفوضى المنتشرة هناك وحالة الارتباك، لضمان موضع قدم، في وسط البلد المهترئ سياسياً.
أما في تركيا، فقد رحّلت أنقرة في سبتمبر عام 2011 أكثر من 800 أوروبي حاولوا الانضمام إلى داعش، إلا أن تركيا لا تزال نقطة العبور الأكثر استخداماً للانضمام إلى صفوف التنظيم المتطرف، وهو ما يتسبب في اندلاع معارك بالقرب من الحدود التركية بين الميليشيات الكردية وعناصر داعش.
تساقط خلايا داعش
وفى ليبيا، سيطر «داعش» بشكل كامل على مدينة سرت الليبية، كما يحاول السيطرة على درنة ومصراتة للانتشار في جميع أنحاء البلاد، ويستخدم التنظيم البلاد كساحة للتدريب، كما أن هناك ما لا يقل عن 3 آلاف مقاتل منضمين لداعش على أرض ليبيا، ويقدم التنظيم في ليبيا دعماً عسكرياً وبشرياً لأنصاره في الدول المحيطة، من ذلك توفير مقاتلين لفرع «داعش» في سيناء، المعروف بـ«أنصار بيت المقدس».
وفى مصر، أعلن تنظيم «بيت المقدس» في سيناء ولاءه لـ«داعش»، وأصبح يسمى نفسه «ولاية سيناء»، حيث عمل على تنفيذ عمليات إرهابية ضد القوات المسلحة، وشارك في عمليات إطلاق النار والاغتيالات التي تجرى على أرض سيناء، ويتبع التنظيم استراتيجية قتالية وعسكرية في عملياته الإرهابية مشابهة لتلك التي استخدمها «داعش» لإسقاط مدن الموصل والأنبار والرمادي في العراق.
وفى الجزائر، أعلنت جماعة منشقة عن تنظيم القاعدة مسئوليتها عن قطع رأس هيرفيه جوردال، الصحفي الفرنسي، عام 2014، الجماعة المعروفة باسم «جنود الخلافة» أعلنت ولاءها لـ«داعش»، كما أنها قتلت 10 جنود في أبريل العام الماضي، ويعتمد التنظيم في نشاطه بالجزائر على الخلفية التاريخية للتنظيمات المتشددة هناك مثل تنظيم «أنصار الشريعة».
وتُعتبر تونس أكبر مصدر للجهاديين المنضمين لـ«داعش»، فهناك تقديرات ترجح انضمام أكثر من 2400 تونسي للتنظيم خلال عام 2011 فقط، حتى إن مدينة تطوان تُعتبر نقطة انطلاق للمتشددين للسفر من وإلى القواعد في ليبيا. وينفذ التنظيم بشكل دوري عمليات إرهابية في تونس، كان آخرها هجوم سوسة، قبل عدة أيام، وأعلن في وقت سابق، مسئوليته عن استهداف شخصيات مثل شكري بلعيد، اليساري التونسي المشهور.
تساقط خلايا داعش
ولضمان تمدده في جنوب أفريقيا، استطاع التنظيم الحصول على ولاء تنظيم «بوكو حرام»، أكثر فروع التنظيم دموية، الذى ينفذ عمليات إرهابية بشكل متواصل ضد المسيحيين والأقليات.
وظهر «داعش» في باكستان مع إعلان بعض عناصر طالبان المنشقين الانضمام للتنظيم الجديد، وسيطر التنظيم على المنطقة التاريخية خورسان التي تجمع مناطق من باكستان وأفغانستان والهند، وأعلن أحد قادته، الذى كان أحد قادة طالبان السابقين، حاكماً لتلك المنطقة.
وفى أفغانستان، ليس هناك وجود رسمي لـ«داعش»، إلا أن بعض الجماعات المسلحة أعلنت ولاءها له بعد أن استهدف التنظيم الجديد الشباب المصاب بخيبة أمل في صفوف القاعدة، كما أن بعض أنصاره رفعوا أعلام «داعش» بالقرب من كابول.

سقوط الخلايا:

سقوط الخلايا:
ونتيجة المواجهة الامنية لتلك الخلايا الداعشية المتواجدة في منطقة الشرق الاوسط تمكنت الأجهزة الأمنية السعودية بالتعاون مع نظيرتها الكويتية من ضبط ثلاثة من المشتبه بهم في جريمة مسجد الامام الصادق بالكويت.
وقال المتحدث الأمني لوزارة الداخلية السعودية، في تصريحات صحفية، إنه "في إطار التحقيقات الجارية بالتعاون والتنسيق مع الجهات الأمنية المختصة بدولة الكويت الشقيقة، لتتبع أطراف جريمة التفجير الإرهابي الآثم الذي استهدف مسجد الإمام الصادق في الكويت، فقد أسفرت التحريات المشتركة وتبادل المعلومات بين الجهات الأمنية المختصة بالمملكة والكويت عن الاشتباه بعلاقة 3 أشقاء سعوديين بأطراف الجريمة الإرهابية بمسجد الإمام الصادق، منهم 2 اثنين من مواليد دولة الكويت، ولهم ارتباط بشقيق رابع يتواجد في سوريا ضمن عناصر تنظيم داعش الإرهابي".
وأضافت أنه "تم بالتنسيق مع الجهات الأمنية بدولة الكويت تم القبض على أحدهم لتواجده بالكويت وجار ترتيب تسليمه للجهات الأمنية بالمملكة، كما تم القبض على آخر بمحافظة الطائف، وأسفرت الجهود الأمنية في متابعة الثالث برصد تواجده بمنزل بحي المضخة بمحافظة الخفجي حيث تمت محاصرته".
وتابع أنه "أثناء مباشرة رجال الأمن في إجراءات القبض عليه ، وتوجيه النداءات إليه بتسليم نفسه بادر بإطلاق النار باتجاه رجال الأمن، مما اقتضى التعامل مع الموقف بموجب الأنظمة وتبادل إطلاق النار معه واقتحام المنزل بعد تحصنه فيه والقبض عليه، وقد نتج عن تبادل إطلاق النار إصابة اثنين من رجال الأمن ونقلهما إلى المستشفى
وعلى صعيد اخر نشرت صحيفة "ديلي ميل"، تقريرا أكدت فيه أن قائد الجماعة الإرهابية المسئولة عن تفجيرات تونس يوجد في بريطانيا ويعيش حياة هادئة بفضل الإعانات الاجتماعية في العاصمة البريطانية لندن.
وبحسب الصحيفة، فإن هاني السباعي-الذي وصف الهجمات الإرهابية في 7 يوليو 2005 على لندن بأنها "انتصار كبير"- يعيش هو وأسرته في لندن حياة طبيعية ويحصل على احتياجاته المعيشية من الإعانات الاجتماعية التي يحصل عليها من الحكومة البريطانية.
وتابعت الصحيفة "بلغ دخل هاني السباعي 50 ألف يورو في السنة من الإعانات ويعيش هو وزوجته وأطفاله الخمسة في منزل غرب لندن يعادل مليون يورو وشوهد بعد أيام من تفجيرات تونس يتنزه بجانب بيته في لندن"، وفي الآونة الأخيرة، خرجت أصوات عديدة تطالب الحكومة البريطانية بترحيل السباعي فورا من البلاد.
وكانت الصحيفة قد كشفت في الأسبوع الماضي وجود روابط بين منفذ الهجوم في تونس وبين الداعية المتطرف في بريطانيا.
وقال كيث فاز عضو مجلس البرلمان البريطاني معلقا على وجود هاني السباعي "لماذا السباعي ما يزال في البلاد؟".
وتابع "من الغريب أن الحكومات المتعاقبة في لندن فشلت في إبعاد شخص ذي أنشطة إرهابية وعلاقات مثيرة للقلق إلى الآن".
الجدير بالذكر أن الداعية المتطرف كان قد لجأ إلى بريطانيا عام 1994. وعلى الرغم من رفض السلطات البريطانية منحه اللجوء لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وتم سجنه عام 1998 لحين ترحيله، لكنه استغل قوانين حقوق الإنسان لعرقلة ذلك، إذ لا تسمح تلك القوانين البريطانية الخاصة بحقوق الإنسان بترحيل مشتبه به إلى أي بلد.

شارك