العنف في الجزائر.. شبح الماضي المظلم هل يعود؟
السبت 11/يوليو/2015 - 03:56 م
طباعة
قبل يومين قتل 22 شخصًا على الأقل في مواجهات بين عرب وبربر في جنوب الجزائر عند تخوم الصحراء حسبما ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية. وهذه أعلى حصيلة منذ عامين في مواجهات بين العرب والبربر. وكانت الأنباء قد تواردت عن مقتل ثلاثة اشخاص في المواجهات. وقالت الوكالة: إن 19 شخصًا توفوا متأثرين بإصابتهم؛ ما رفع عدد القتلى إلى 22 في المواجهات التي دامت يومين بين الشعانبة وهم من العرب والمزابيين وهم من البربر. وأصيب العشرات بجروح في أعمال العنف هذه، كما نقلت الوكالة عن مصادر طبية ومسئولين محليين. وتم إحراق منازل ومحلات تجارية وسيارات في منطقة غرداية على بعد 600 كلم جنوب الجزائر. وقالت الوكالة: إن وزير الداخلية نور الدين بدوي توجه إلى المنطقة. وأفاد مصدر أمني لوكالة فرانس برس أن الشرطة أرسلت تعزيزات إلى المنطقة. وكانت الجولة الأخيرة من المواجهات وقعت الأسبوع الماضي؛ ما أدى إلى نشر قوات مكافحة الشغب التي أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود. وتم تخريب ونهب مئات المنازل والمحلات التابعة للشعانبة في غرداية منذ أن تراجعت العلاقات الجيدة بين العرب والبربر في المنطقة في ديسمبر 2013 خصوصًا بسبب خلافات حول أملاك، وبعد تخريب معلم بربري تاريخي في الشهر نفسه.
وفي سياق العنف المتصل في الجزائر كرر وزير الشئون الدينية والأوقاف الجزائرية، محمد عيسى مؤخرًا تصريحاته بخصوص عزم الحكومة على استعادة السيطرة على كل المساجد في الجزائر من الأئمة السلفيين.
وقال الوزير الذي تم تعيينه في هذا المنصب قبل سنة ونصف سنة: "إن هناك "هجمة فكرية وأيديولوجية تهدف إلى اقتلاع الشباب من حاضنتهم الدينية والوطنية وتوجيههم إلى مفهوم تدين افتراضي على غرار ما يعرف بتنظيم داعش". والمرجعية الدينية للجزائر هي الإسلام السني وفق المذهب المالكي (نسبة لمالك بن انس) وهو مذهب دول المغرب العربي. وتخشى الحكومة عودة الجزائر إلى الحرب الأهلية في سنوات 1990 التي أسفرت عن أكثر من 200 ألف قتيل بين ضحايا مدنيين وإسلاميين متطرفين وقوات الأمن.
وازدادت المخاوف في بلد يقع في منطقة تعيش اضطرابات بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا وتونس اللتين شهدتا عمليتين قتل فيهما 59 سائحًا في أقل من ثلاثة أشهر.
وتمكن الجيش الجزائري الذي يحارب المجموعات الإسلامية المسلحة من القضاء على تنظيم جند الخلافة الذي أعلن موالاته لتنظيم الدولة، وأعلن نفسه من خلال خطف وذبح سائح فرنسي في سبتمبر الماضي. وتشرف الحكومة على نحو 50 ألف موظف منهم نحو 17 ألف إمام يعملون في أكثر من 20 ألف مسجد، بحسب نقابة الأئمة التي تأسست في العام 2013.
ومنذ تأسيسها أكد رئيسها الشيخ جلول حجيمي أن هدفها "حماية الإمامة من الأفكار الخارجية سواء السلفية أو غيرها". وبحسب حجيمي فإن التخلص من المتطوعين شيء صعب التحقيق؛ لأن الوزارة ليس لديها المال ولا الموظفون لملء الفراغ الذي يمكن أن يتركه منع أئمة السلفية من المساجد.
وقال لوكالة فرنس برس: "نحن أصلًا لدينا عجز في عدد الأئمة، فهناك 22 ألف مسجد و7 آلاف في طور الإنجاز، ونقدر العجز بنحو سبعة آلاف إمام". وتابع: "لا نفهم تصور الدولة فهي لا تبني المساجد ولا توظف سوى أربعة أو خمسة أئمة ومؤذنين في كل ولاية (نحو 200 في كل أنحاء البلد)، وتريد أن تمنع المتطوعين".. وتريد الوزارة تعويض الأئمة السلفيين بالدفعات الجديدة من الطلاب المتخرجين من المعاهد الدينية التابعة لها، إلا أن لا شيء يضمن أن "الذين يتخرجون من معاهد الدولة لا يحملون الفكر السلفي" كما يشير حجيمي.
وينشط بعض هؤلاء الأئمة على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الخاصة، بدون أن تتمكن الوزارة من السيطرة عليهم، ومنذ تحرير القطاع السمعي بصري في 2012 وصل عدد القنوات الفضائية إلى أكثر من أربعين، إضافة إلى بعض الإذاعات التي تبث عبر الإنترنت، وأصبح لكل قناة برنامجها الديني، ومنها ما يتضمن برامج للفتوى خارج سيطرة وزارة الشئون الدينية، التي كثيرًا ما تنتقدها لكنها عجزت عن وقفها، وفي بلد ينص دستوره على أن "الإسلام دين الدولة" يغيب منصب مفتي الجمهورية في انتظار إنشاء أكاديمية للفتوى تضم 50 إمامًا بالتعاون مع جامعة الأزهر في مصر.
وفي انتظار المفتي الرسمي فإن الجزائريين يلجئون عادة إلى إمام المسجد، بدون أن ينتبهوا إن كان إماما معينًا من الوزارة أو من المتطوعين السلفيين، وفي رأي الباحث في التصوف سعيد جاب الخير فإن "القضاء على الفكر السلفي أكبر وأقوى من برنامج الوزير".. وأضاف مؤسس ملتقى الأنوار للفكر الحر أن "السلفية لديها خلفية اجتماعية، كما أنها مدعومة من أشخاص في السلطة والمعارضة وحتى في الخارج"، واستخدمت السلطة هؤلاء الشيوخ الذين يعارضون ممارسة السياسة وتأسيس الأحزاب لمواجهة اليساريين خصوصًا في الجامعات خلال سنوات 1980، ثم استخدمتهم في سنوات 1990 لإقناع (الجهاديين) بترك السلاح.
وحذر الباحث جاب الخير من "الخطاب المزدوج" للسلفيين، "خطاب معلن لعامة الناس وفيه التسامح والوسطية وخطاب غير معلن موجه لتنظيمات سرية أكثر تطرفا"، وأشار إلى أنه في بعض المرات تتسرب أشياء من هذا الخطاب المتطرف "فيقومون بإنكارها عبر وسائل إعلامهم وحتى بتأليف الكتب"، وذكر أن فتاوى (الجهاد) في الجزائر صدرت من شيوخ السلفية، "ولما شاهدوا النتائج الكارثية أنكروها".. كما أن المد السلفي بالنسبة إليه هو "رءوس أموال تتحرك في الأرض.. فهذا الشباب ليس مستوعبًا فقط بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية" بل "بالأموال من خلال السيطرة في الجزائر مثلًا على سوق الهاتف النقال والملابس الداخلية النسائية"، وقال: "هناك تقارير اطلعت عليها تحدثت عن ذلك، ونحن نلاحظ ذلك في الواقع"، ويظهر بعض المنتسبين إلى السلفية بلحاهم الطويلة وجلابيبهم القصيرة في وسائل الإعلام مدلين بتصريحات نارية، كالشيخ حمداش الذي دعا الحكومة إلى تطبيق حد القتل على الكاتب كمال داود، ووعد في حديث إذاعي بفتح سفارة لتنظيم الدولة في الجزائر في حال أصبح رئيسًا.
