بعد دعمها للإرهاب.. تركيا بين مقصلة "داعش" وسندان الأكراد

السبت 15/أغسطس/2015 - 02:23 م
طباعة  بعد دعمها للإرهاب..
 
لا زالت تركيا تدفع حتى الآن ثمن دعمها للتنظيم الإرهابي الدموي "داعش"، وسوء تقديرها لنفوذ الأكراد في سوريا والعراق؛ حيث وقعت حكومة أردغان الإخوانية بين مقصلة "داعش" وسندان حزب العمال الكردستاني "pkk" الذي قتل 4 جنود أتراك، في هجوم شنه عناصره، مساء الجمعة  14-8-2015 بولاية هكاري، جنوب شرقي تركيا؛ حيث أطلق مسلحوه  النار على عناصر الجيش في منطقة يوكسيكوفا التي تبعد 45 كيلومتراً عن مركز الولاية، وجرت اشتباكات بين الجانبين أدت لمقتل الجنود وإصابة ستة آخرين في حصيلة أولية.
 بعد دعمها للإرهاب..
وعلى الفور نُقل الجنود الجرحى بطائرة هيلكوبتر تابعة للجيش التركي إلى المشفى المركزي في الولاية، بينما أرسل الجيش تعزيزات عاجلة إلى المنطقة، وتشارك مروحيات لسلاح الجو التركي في عمليات البحث عن عناصر الـ PKK الذين نفذوا العملية هذه الواقعة سبقها بـ24ساعة قتل جندي تركي متأثراً بإصابة ناجمة عن تفجير عبوات ناسفة تم وضعها بجانب سكة للحديد في ولاية بينغول شرقي البلاد، وتفجير خبراء أتراك لسيارة مفخخة كانت مركونة على جانب أحد الطرقات بين ولايتي باتمان وديار بكر، بعد اشتباه الشرطة التركية بالسيارة، حيث قطعت قوات الأمن التركية الطرق المؤدية إلى مكان تواجد السيارة المفخخة قبل أن يتم تفجيرها عن بعد.
هذه التفجيرات من جانب الـ PKK تؤكد على أن تركيا تدفع ثمن دعمها لتنظيم داعش الذي بدأ الحرب ضدها بتنفيذ هجوم سروج بولاية شانلي أورفا التركية، والذي راح ضحيته ما لا يقل عن 28 شخصًا، وإصابة نحو 100 آخرين، ونفذه انتحاري في حديقة المركز الثقافي، وكان 300 من ممثلي جمعيات الشباب موجودين في المركز وقت الانفجار كانوا متطوعين في المدينة وينوون العبور إلى عين العرب (كوباني) غرب كوردستان للمشاركة في نشاطات إعادة إعمار المدينة، ليتهم المسئولون الأتراك تنظيم داعش بالأمر، وأن منفذ الهجوم الذي استهدف مركزًا ثقافيًّا ببلدة سروج جنوبي شرقي تركيا يدعى الشيخ عبد الرحمن الاغوز، ويتحدر من ولاية أديمان جنوبي تركيا، وأشارت إلى أن شقيقه كان يعمل بمقهى يتردّد عليه موالون لتنظيم الدولة.
 بعد دعمها للإرهاب..
وبدأت الحرب التركية على داعش بتعهد الحكومة بملاحقة أتباع تنظيم الدولة داخل تركيا، وتجميد موارده المالية، عقب الاجتماع الأمني الذي عقد في أنقرة وترأسه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، والذي جاء فيه أيضا أن السلطات التركية ستقوم بتعيين طواقم استخباراتية إضافية لملاحقة هؤلاء وإقرار ميزانية خاصّة لهذا الأمر، واعتبر التفجير ردّة فعل لداعش ضد تركيا التي اعتقلت خلال الأشهر الستة الأخيرة ما يزيد على ستمئة شخص يشتبه برغبتهم في الالتحاق بصفوفه، كما قامت بإلقاء القبض على أكثر من 150 من عناصر التنظيم داخل البلاد.
وتعود الأزمة التركية الحالية المتمثلة في وقوعها بين مقصلة "داعش" وسندان حزب العمال الكردستاني إلى ما يلي:
1- حاولت تركيا لعب دورٍ غير نزيه في تشكيل المستقبل السوري من خلال دعم قوى معارضة مختلفة، ويغلب عليها الطابع الإسلامي. 
2- سماح تركيا لمقاتلي المعارضة بالعبور من خلال حدودها، حتى أصبحن القوى المهيمنة على المعارضة هي داعش وجبهة النصرة. 
3- دعم تركيا لصعود داعش أدى إلى صعود المتشددين في مواجهة الحكومة السورية الطائفية التي يسيطر عليها العلويون.
4- اعتقاد تركيا بأنها بوجود حليف جديد في المشهد السياسي المتغير في المنطقة وهو داعش قد يسمح لتركيا بلعب دور، وهو ما فشلت فيه وانقلب السحر على الساحر. 
5- محاولة تركيا السيطرة على القوى السنية في المنطقة بما فيها الأكراد وداعش أدى إلى عدم قدرتها على السيطرة عليهم، وتحولت الحرب عليها بديلا عن العكس. 
6- المخاطرة بدعم الجماعة المسلحة جعلت تركيا جزءًا من الحرب السورية، وتحول المقاتلين الأجانب من داعش والمتعاطفين معها إلى عناصر ضد الدولة التركية، حتى وإن وفرت لهم قاعدة للتدريب وإعداد للحركة والمناورة .
7- البراجماتية التركية التي تصورت أن انتصار الأكراد في معركتهم ضد داعش من الممكن أن يجعلهم ينقبلون ضدها؛ مما جعل طموح  الأكراد نحو الاستقلال يزداد؛ خاصة أن الحكومة التركية اعتبرتهم انفصاليين وإرهابيين ولا يمكن الثقة بهم.
8- مطالبة تركيا خلال مفاوضاتهم مع الولايات المتحدة للانضمام إلى التحالف الدولي ضد داعش أن يتم خلق منطقة عازلة تسمح للحكومة التركية بالسيطرة على الكانتونات الكردية، بل وضربها إن لزم الأمر. 
 بعد دعمها للإرهاب..
 بلال سمبور المحلل السياسي التركي فسر هذه الحالة بأنها "رسالة تخويف من قبل تنظيم الدولة لأكراد سوريا وتركيا مفادها أنه لن يسمح لهم بإقامة علاقة وطيدة فيما بينهم؛ لأن خسارة التنظيم أمام القوات الكردية المسلحة جعله يسعى إلى إشعال الصراع بين الحكومة التركية والحركات الكردية، وأنه بذلك يريد ردع تركيا عن مواصلة تقديم الدعم اللوجيستي لقوات التحالف الدولي التي تقصف أهدافه، خاصة مع تناقل أخبار عن إمكانية السماح لطائرات أمريكية بدون طيار لاستخدام قاعدة إنجيرليك الجوية التركية".
 وربط محمد كولات المحلل السياسي التركي الأمر بالأزمة السياسية للبلاد، وأن "أطرافًا داخلية وخارجية" تحاول قطع الطريق أمام حزب العدالة والتنمية؛ لكي لا يعود إلى تشكيل حكومة أغلبية من جديد خصوصًا وأن الوقت المحدد لتشكيل حكومة ائتلافية على وشك الانتهاء دون وجود مؤشر لنجاح المحادثات؛ ما يعني أن خيار الانتخابات المبكرة يلوح في الأفق وأن الانفجارات التي استهدفت تجمعات كردية قبيل الانتخابات التشريعية في السابع من يونيو الماضي، أدت إلى خسارة حزب العدالة والتنمية أصوات كثيرة مقابل ارتفاع أصوات حزب الشعوب الديمقراطي.
 بعد دعمها للإرهاب..
 واعتبر سرحات إركان الخبير في شئون الجماعات "الإرهابية" أن هناك "مؤشرا لتفاقم الصراع بين المنتمين لجماعات متطرفة مؤيدة لتنظيم الدولة والقاعدة في تركيا وبين أنصار حزب العمال الكردستاني"، واستبعد أن يكون تنظيم الدولة استهدف تركيا بهذا التفجير؛ بسبب ما يتداول عن إمكانية فتح قاعدة إنجيرليك أمام العمليات العسكرية الأمريكية ضد أهداف للتنظيم بسوريا؛ "لأنه كان بإمكانه تفجير مؤسسات حكومية تركية أو أهداف أمريكية بتركيا".
 التحليلات السابقة تؤكد عليها ما كشفته مجلة "نيوزويك" الأمريكية حول العلاقة بين تركيا وتنظيم داعش الممتدة؛ حيث كشفت شهادة لعضو سابق في التنظيم عن مدى التعاون الوثيق بين القوات التركية وحرس الحدود الاتراك وبين تنظيم داعش؛ مما يسمح لهم السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي العراقية والسورية، بالتنقل عبر الأراضي التركية، لتعزيز مقاتليهم الذين يحاربون القوات الكردية وغالباً ما أطلقت القوات التركية النار على أشخاص حاولوا عبور الحدود؛ من أجل نقل مؤن وأغذية للمقاتلين الأكراد ومنعت تركيا، عبور المقاتلين الأكراد لحدودها مع سوريا، من أجل مساعدة إخوانهم الأكراد السوريين، الذين يدافعون عن مدينتهم الحدودية، عين العرب (كوباني)، وهو ما أكده المتحدث باسم وحدات الحماية الكردية، بولات كان، بأن "القوات التركية تدعم داعش فعلياً داعش، ويتوفر أكثر من دليل على أن الجيش التركي قدّم الأسلحة والذخيرة لإرهابيي داعش، وسمح لهم بعبور المنافذ الحدودية التركية الرسمية؛ كي يشنوا هجماتهم الوحشية ضد الأكراد في روجافا، شمال شرق سوريا".
 بعد دعمها للإرهاب..
وبالتالي فإن الدولة التركية، وتحديدًا حزب العدالة والتنمية لعب لعبة خطيرة لم يستطع السيطرة على أدواتها، بغض الطرف عن وجود "داعش" طالما نجحت في تحجيم وجود الأكراد في سوريا، ولكن انقلب السحر على الساحر، وأصبحت تركيا الآن لا هي ضامنة للاستقرار والأمان داخل أراضيها ولا أصبحت آمنة من هجوم الأكراد على مواطنيها، ولا استطاعت أن تروض الوحش المتعطش للدماء داعش، فأصبحت بين مقصلته وسندان أكرادها. 

شارك