الجهاديون بين سرقة الآثار وتدمير التراث

السبت 02/أغسطس/2014 - 12:10 م
طباعة الجهاديون بين سرقة
 
في الثاني عشر من مارس 2001، قامت ميليشيا طالبان بأمر من القائد الملا عمر، الذي كان يعد بمثابة الرئيس الفعلي لأفغانستان آنذاك، بنسف تماثيل بوذا في باميان. وكانت طالبان قد أخفقت، على مدى حوالي شهر بالكامل، في تدمير تماثيل بوذا بالدبابات والمدافع والصواريخ.
ومنذ أن أحكم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش'' السيطرة على مدينة الموصل- بدأت الأخبار تتوارد حول قيامه بحملة ممنهجة لتدمير الآثار الموجودة بالمدينة، الدينية والفنية، ففي 19 يونيو الماضي، التقطت كاميرات المصورين فيديو لمسلحي داعش في العراق، وهم يقومون بتحطيم تماثيل لرموز دينية وثقافية عراقية مرموقة بمدينة الموصل، وتظهر في اللقطات ثلاثة تماثيل ملقاة على ظهر شاحنة، بعد تحطيمها ورفعها على السيارة. وحصل على الفيديو صحفيون من وكالة "أسوشيتد برس" في مدينة الموصل، الذين تحققوا من صحة الفيديو بمطابقة المواقع التي جاءت فيه، والتحدث مع الأشخاص الذين صوروا اللقطات. ويعود أحد التماثيل إلى عثمان الموصلي، وهو عازف وملحن عراقي مشهور، ويعود تمثال آخر إلى شاعر العصر العباسي العراقي المشهور أبو تمام، كما قام التنظيم بإزالة مرقد ديني سني، غربي مدينة الموصل يعود للشيخ فتحي بن سعيد. 

محو آثار التراث غير الإسلامي

محو آثار التراث غير
وهذا أمر كان متوقعا لدى المهتمين بالشأن الجهادي فالمسألة ليست جديدة، وأفغانستان ومالي وليبيا وسوريا كلها ما زالت شاهدا قويا على سلوك التنظيمات الجهادية تجاه الآثار والتراث بكل تنوعه الفني والديني والطائفي وبغض النظر عن قيمته المادية والتاريخية "فلا صوت يعلو فوق صوت التفسير الفقهي الجامد"، فالتيار الجهادي دأب منذ قامت حركة طالبان الأفغانية بتدمير تماثيل بوذا بذريعة مخالفتها للشريعة الإسلامية "كأصنام تعبد من دون الله" وهي نفس الحجة التي تعتمدها كل الحركات الجهادية في العالم لاستهداف الآثار والتراث المادي في المناطق التي تسيطر عليها، فهي الحجة التي نسف بموجبها تمثال آشوري عمره ثلاثة آلاف سنة الشهر الماضي في محافظة الرقة السورية على يد عناصر من تنظيم "داعش".
تشكل الآثار المقدسة في وجدان الكثيرين من المؤمنين بقداستها أمرا عظيما والعبث بها أو استهدافها يشكل عبثا بالوحدة والتجانس داخل المجتمعات ذات التنوع الاثني والديني والطائفي، فحين دوت تفجيرات مرقد ضريح العسكريين في فبراير 2006 والتي استهدفت ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء في العراق الذي له قدسية لدى الطائفة الشيعية، انطلقت معها الحرب الطائفية فردت بعض الميليشيات الشيعية الفعل بإحراق مساجد سنية وهدمها وحدثت أعمال قتل عشوائي وأعلن الوقف السني أن ما يقرب 168 مسجداً سنياً تعرض للهجوم وتم قتل 10 أئمة في المساجد وخطف 15 آخرين في بغداد وحدها. 
الجهاديون بين سرقة
وفي تونس وليبيا عصفت الحرائق المدبرة والاستهداف الممنهج بعشرات المراقد والأضرحة التاريخية، إذ بلغت في تونس الحصيلة 150 ضريحا بين سنتي 2012 و2013، فقد كاد حرق مقام "سيدي بوسعيد الباجي"، العالم المتصوف الذي منح اسمه للقرية التي تطل على خليج تونس بالضاحية الشمالية للعاصمة وهي قبلة السياح الوافدين من مختلف دول العالم، أن يشعل أزمة في البلاد بسبب اتهامات لحكومة حركة النهضة الإخوانية آنذاك بعدم تحمل المسئولية في حماية المراقد والأضرحة.
وتقول وسائل إعلام محلية: إن جماعات "سلفية متطرفة" شرعت منذ الإطاحة في 14 يناير 2011 بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، في هدم أضرحة صوفية بكامل أنحاء البلاد وفي دعوة المواطنين إلى الكف عن زيارتها؛ لأن في ذلك "شركا بالله". 
الأمر نفسه في ليبيا المجاورة، ففي أغسطس 2012 قامت عناصر جهادية بهدم مسجد "سيدي الشعاب الدهماني"، القريب من وسط العاصمة طرابلس، والذي يزوره الناس للتبرك به، وقاموا بانتهاك حرمة القبر. قبل ذلك قامت مجموعة سلفية جهادية بتفجير ضريح للعالم الصوفي الشيخ عبد السلام الأسمر، الذي عاش في القرن التاسع عشر، وأضرمت النار في مكتبة مسجد في مدينة زليتن، كما ظهر في شريط فيديو بثته شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، ويظهر في التسجيل تفجير الضريح بحضور عشرات المتشددين وسط هتافات "الله أكبر". 

القضاء على التنوع

القضاء على التنوع
إلى جانب ما يخلفه استهداف الآثار من خسارة رمزية ومادية فإن الجانب الموجه منه نحو الأقليات موجب للقضاء على التنوع الديني والطائفي، والذي كان يشكل مصدر ثراء للمنطقة العربية سابقا وتحول لاحقا إلى أحد أهم مصادر التوتير والاحتقان، فمعاول الجهاديين لم ترحم كنائس المنطقة وأديرتها التاريخية، فقد تحولت كنائس سوريا مثلا في الفترة الأخيرة إلى مقرات عسكرية وشرعية للتنظيمات الجهادية المقاتلة هناك، ككنيستي البشارة والشهداء في محافظة الرقة وغيرهما.
فقد أكد الأب مكاريوس عطا من كنيسة القديس أنطونيوس الكبير ببني سويف، والذي قدم إلى مصر في أواخر 2012 آتيا من كنيسة السيدة العذراء بحمص: "إن معظم الكنائس السورية الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة الإسلاميين تعرض للتخريب والاحتلال، وبالتالي مُنعت إقامة الشعائر الدينية فيها، كما تم تدمير عدد من الكنائس بشكل كامل بعد أن تمركزت العناصر الإسلامية المتطرفة فيها، ومنها كنيسة حي الجديدة في حلب، وكنيسة السيدة في بستان الديوان، وكنيسة سيدة السلام وكنيسة أم الزنار والكنيسة الإنجيلية في حمص.
الجهاديون بين سرقة
وأضاف الأب ماركوس في مقابلة صحفية، وفي دير الزور رصد هدم كنيسة السريان وكنيسة اللاتين وكنيسة ودير الرهبان الفرنسيسكان الكبوشيين. والتعديات على الكنائس والأديرة فيها أيضا خسائر أثرية وتاريخية، وفقا للأب عطا الذي أوضح أن "الكثير من كنائس وأديرة سوريا تعود إلى القرون المسيحية الأولى، وأهمها كاتدرائية مار سمعان العامودي الواقعة على بعد حوالي 40 كيلو مترا من حلب والتي يعود تاريخها إلى القرن الرابع ميلادي، وهي من أجمل وأكبر الكنائس في العالم حيث تبلغ مساحتها 5000 متر مربع".
وقد أدرجت الكاتدرائية والقرية المحيطة بها على لائحة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2011، ولكنها تعرضت منذ فترة إلى التخريب على يد عناصر من جبهة النصرة، بحسب ما أوردته وكالة "سوريا الآن" في نوفمبر 2013.وتابع الأب عطا "كذلك هناك معلولا وأبنيتها الدينية خصوصا دير مار تقلا، بالإضافة إلى الكنيسة الأثرية الواقعة في حي الحميدية بحمص القديمة". 
وفي الموصل العراقية أقدمت عناصر الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" على تدمير وحرق 11 كنيسة ودير من أصل 35 موجودة في عموم المدينة التاريخية، ودمروا قبر نبي الله يونس ثم مقام نبي الله شيت وهم من الأنبياء المذكورين لدى المسلمين والمسيحيين على حد سواء. 

التراث الإنساني يضيع في تمبكتو

التراث الإنساني يضيع
تعتبر تمبكتو- المصنفة ضمن التراث العالمي للبشرية من قبل منظمة اليونسكو- بوابة الصحراء والعاصمة الإسلامية الأشهر على الإطلاق في إفريقيا غير أنها لم تسلم من معاول الجهاديين، الذين تمكنوا من احتلال شمال مالي المتكون من مدن غاو  Gao، تومبكتو وكيدال في يناير 2012. وتتألف هذه المجموعات من تحالف متباين من الحركات الإسلامية مثل أنصار الدين، تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والحركة من أجل التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا. 
وفي يونيو 2012 قامت حركة أنصار الدين الجهادية بتدمير سبعة أضرحة ودور عبادة إسلامية في المدينة التاريخية، كما قاموا بإضرام النار في مكتبة مخطوطات قديمة في المدينة أثناء فرارهم منها قبل دخول القوات الفرنسية والمالية. 

ضيق الأفق أم محو لثقافة الآخر؟

ضيق الأفق أم محو
تعتتقد عالمة الآثار الألمانية زيمونه مول عن اعتقادها أن أعمال التدمير هذه تشكل جزءا من إستراتيجية شاملة؛ حيث إن الجهادي "لا يريد إبادة أديان أخرى فقط، بل أيضا القضاء على الهوية الثقافية للناس. وأفادت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة وجود دوافع أخرى خلف ما يقوم به تنظيم داعش من خلال التدمير، كما اتضح ذلك في سوريا؛ حيث إن التنظيم استفاد مما نهبه هناك عبر بيع التحف المسروقة. فبعد الاستيلاء على مدينة الرقة مثلا قام مقاتلو التنظيم بسرقة التحف المعروضة في متحف المدينة. ورغم ظهور بعض هذه التحف الثمينة في الأسواق السوداء، فلا زالت أكثر القطع الأثرية مختفية. ونشرت صحيفة جارديان البريطانية تقريرا جاء فيه أن تنظيم داعش حصل على حوالي 36 مليون دولار أمريكي من مبيعات الكنوز الأثرية التي سرقها مقاتلوها في منطقة جبل القلمون وحدها.
الجهاديون بين سرقة
تنطلق كل التبريرات الفقهية والشرعية التي تتخذها المجاميع الجهادية لتدمير الآثار والتراث في العالم الإسلامي من فكرة واحدة، ألا وهي "محاربة الشرك وعبادة الأصنام" فكرة تقوم على أمر متخيل غير واقعي وغير منطقي في دول تقوم على أغلبية إسلامية من المستحيل أن تعود إلى "طور الوثنية" إلى جانب نظرة قاصرة من هذا العقل الأصولي تجاه بقية المكونات الطائفية والدينية في المجتمع، بالرغم من أن النصوص الإسلامية الأصلية (القرآن والحديث) قد منحت هذه الأقليات حقوقا واسعة في ممارسة العبادات والاحتفاظ بآثارها وكنائسها ومعابدها. 
نموذج ليس ببعيد عايشته مصر في زمن الإخوان كشفه القيادي بالدعوة السلفية الجهادية في مصر، مرجان سالم الجوهري، حين دعا في إحدى اللقاءات التلفزيونية إلى تحطيم تمثال أبو الهول والأهرامات وكل التماثيل في مصر، وقال الجوهري: "يجب تحطيم الأصنام والتماثيل التي تمتلئ بها مصر، والمسلمون مكلفون بتطبيق تعاليم الشرع الحكيم، ومنها إزالة تلك الأصنام كما فعلنا بأفغانستان وحطمنا تماثيل بوذا". وأضاف: "نحن مكلفون بتحطيم الأصنام وسنحطم تمثال أبو الهول والأهرامات؛ لأنها أصنام وأوثان تعبد من دون الله". وأضاف الداعية السلفي أن الله عز وجل أمر نبيه محمدا (صلى الله عليه وسلم) بتحطيم الأصنام، مضيفاً: "عندما كنت ضمن حركة طالبان قمنا بتحطيم تمثال بوذا، رغم أن الحكومة هناك فشلت في تحطيمه".

شارك