الدعوة السلفية وحزبها ومطامع "اختطاف مصر" عبر البرلمان

الأربعاء 16/سبتمبر/2015 - 09:04 م
طباعة الدعوة السلفية وحزبها
 
حزب النور هو الذراع السياسية للدعوة السلفية والتي يتحكم فيها مجلس أمنائها وتوزع المهام فيما بينهم لمحاولة السيطرة على مقاليد الامور داخل الدعوة والحزب معا، وقد تناولنا في تقرير الامس الثلاثاء 15 سبتمبر 2015، كيفية تقسيم الادوار فيما بينهم لمحاولة السيطرة على البرلمان المقبل لتشكيل حكومة سلفية، وسوف نحاول هنا تتبع الدعوة السلفية قبل ثورة 25 يناير 2011، ومواقفها السياسية التي تتميز ببرجماتية ليس لها مثيل وحتى الان.

السلفيون في عهد مبارك

السلفيون في عهد مبارك
قبل ثورة 25 يناير 2011، ظل التيار السلفي «وديعًا» لا يعادى رئيس الجمهورية أو أحدًا من ضباط وزارة الداخلية، بل كانت هناك اتفاقات حتى قبل صعود أي من الشيوخ كبار أو صغار المنابر، بأن يتم إبلاغ الأمن أولا وإلا أدخلوا أنفسهم في أزمات أو مشاكل مع الأمن.
وعلى مذهب الشيوخ الأبرز في التيار السلفي «محمد حسان، ياسر برهامي، محمد عبدالمقصود» ظل الرئيس الأسبق حسنى مبارك لـ30 عامًا وليًا شرعيًا للبلاد ولا يجوز الخروج عليه، لأن الخروج مفسدة أكبر من الإصلاح، فضلا عن أنه لا يمكن إزالة حكم مبارك، وكانت هذه هي الفتوى الرسمية لشيوخ التيار السلفي بشكل عام، إلى أن حرم الشيخ ياسر برهامي منظر الدعوة السلفية الدخول في الانتخابات البرلمانية، متهمًا البرلمان الذي لا يطبق الشريعة الإسلامية بالكفر.
"برهامي" ذكر في بحث له بعنوان «السلفية ومناهج التغيير»، قبل ثورة يناير، أن البرلمان مخالف للشريعة فالتشريع حق من حقوق الله وليس العباد وتشريع غير الله كفر والمجالس التشريعية قوانينها كفرية، كما أن الأحزاب تقوم على أساس علماني ديمقراطي اشتراكي ليبراليين، فكيف تشرع إذًا؟ مطالبًا المسلمين بالتبرؤ منها.
وفى فتوى للشيخ محمد عبدالمقصود، أحد أهم الرموز السلفية، طالب طلاب الجامعات بوقف التظاهرات، لأنها أضرت بالدعوة وخلقت تضييقًا أمنيًا، مشددًا على ضرورة الابتعاد عن التظاهر حاليًا؛ لأنه لا يجوز الخروج على الحاكم، بينما طالب الشيخ محمد حسان الموجودين في ميدان التحرير خلال ثورة يناير بضرورة مغادرة الميدان حتى لا يتسببوا في إراقة الدماء.
لم يدخل أي من أبناء التيار السلفي أي انتخابات برلمانية ككيانات ولا يوجد هناك سابقة لبرلماني سلفي قبل 25 يناير، باستثناء «الإخواني الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، بحسب وصف القيادات السلفية نفسها، والذي دخل انتخابات مجلس الشعب على قوائم الإخوان في انتخابات 2005، لكنه لم ينجح.
وبشكل عام، اتسمت العلاقة بين نظام مبارك والسلفيين بالكثير من الود في أغلبها، وتحديدًا مع الأجهزة الأمنية باستثناء تيار معين وهو ما عرف بالتيار السروري نسبة إلى الشيخ رفاعي سروري وهو تيار «قطبي إخواني» أقرب إلى السلفية الجهادية، بينما كانت العلاقة بين الدعوة السلفية ومشايخ التيار البارزين جيدة، ولم تشهد أي أزمات على مدى 40 عامًا من تاريخ الدعوة السلفية، وربما كان السبب الرئيسي هو ابتعاد التيار السلفي عن الدخول في منافسة انتخابية حتى الذهاب للتصويت لم يكن السلفيون يقتربون منه لقناعتهم بحرمة الانتخابات.

ثورة 25 يناير

ثورة 25 يناير
فتحت ثورة يناير سراديب الظلام السلفي المغلقة لتخرج الدعوة السلفية وتتزايد الأحزاب السلفية، بداية من حزب النور الابن الشرعي للدعوة السلفية، حيث قررت مجموعة من قيادات الدعوة بزعامة الدكتور عماد عبدالغفور ومجموعته الأولى الدكتور يسرى حماد وعدد آخر تبنى فكرة دخول التيار السلفي إلى العمل السياسي مع مساحة الحرية التي فتحت بعد ثورة يناير.

ورغم تحفظ الشيخ ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة على دخول العمل السياسي، فإن الاحتكام إلى قيادات الدعوة وبالاستناد إلى الرأي القائل وفقًا لإحدى الفتاوى تقول إن «تدشين حزب النور كان بغرض تطبيق الشريعة يعد من الطاعات ويجوز المشاركة بذلك في البرلمان، خاصة أن المشاركة لدرء المفاسد أعظم من العزلة وزيادة مساحات الحرية «والفساد الأخلاقي»، وانتهى الأمر بإنشاء حزب النور وتلاه عدد من الأحزاب السلفية مثل الأصالة وبعدهم البناء والتنمية عن الجماعة الإسلامية.
وكان استفتاء 19 مارس 2011 أول الاحتكاك المباشر بين أضلاع الكتلة السلفية والتي كانت كتلة واحدة قبل الانفصال، بسبب خلافات المنهج، وسعى السلفيون بالاتفاق مع المجلس العسكري إلى تمرير التعديلات الدستورية الجديدة، أملًا منهم في البدء بانتخابات البرلمان بما يسمح لهم بأغلبية في المستقبل.
وتضمنت التعديلات الحفاظ على المادة الثانية الخاصة بالشريعة الإسلامية وهو ما دفع السلفيين إلى تحويل المعركة بشكل عام إلى «غزوة الصناديق واللي مش عاجبه يروح كندا»، وكان خطاب الشيخ محمد حسين يعقوب دليلًا على ذلك، فالتصويت بـ«نعم» في استفتاء مارس يعد تأييدًا للشريعة الإسلامية، وما دون ذلك فهو مخالف، وهو ما واجهته القوى الثورية وشباب الميدان بالرفض.
وبالفعل وقفت الدعوة السلفية وحزب النور موقفًا قويًا إلى جوار الإخوان والمجلس العسكري لتمرير التعديلات الدستورية والتي اعتبرها البعض سببًا رئيسيًا في تشويه ثورة يناير بسبب أطماع الإسلاميين.
فيما كانت الشهور الأخيرة من عام 2011، شاهدًا على مفاوضات مكثفة بين جماعة الإخوان والدعوة السلفية وباقي الأحزاب السلفية التي وصل عددها إلى 11 حزبًا أبرزها «البناء والتنمية والأصالة والنور»، للدخول ضمن قائمة انتخابية واحدة، غير أن النسبة التي حددها مجلس شورى الإخوان للدعوة السلفية لم تقنع برهامي ورفاقه، إذ عرض الإخوان 6% فقط من قوائمه لحزب النور.
في حين تمسك «سلفيو برهامي» بقدرتهم على المنافسة وحسم أصوات ومقاعد أكثر بكثير من فتات الإخوان، فقررت الدعوة السلفية الدخول في تحالف مع عدد من الأحزاب السلفية أسفرت عن فوز الدعوة وحدها بـ21% من مقاعد البرلمان، وبالاشتراك مع كل الأحزاب بـ27%، وهى نسبة كبير جدًا بالنسبة لتيار لم يكمل عامًا واحدًا في ممارسة السياسة، في حين لم تنجح باقي الأحزاب التي مارست السياسة في الحصول على أكثر من 10% كانت لتحالف حزب الوفد.

الدعوة السلفية وحزبها
في 28 أبريل 2012، قررت الدعوة السلفية بإجماع قيادات مجلس الشورى العام دعم الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح رئيسًا للجمهورية في 2012، بعد المفاضلة بينه وبين الدكتور محمد مرسي والدكتور محمد سليم العوا، وأكدت الدعوة أنه بخضوع الثلاثي لمناظرة وأسئلة من شيوخ الدعوة السلفية كان الاستقرار على رئيس حزب "مصر القوية".
سخرت الدعوة في بداية دعمها للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لجنتين من أعضائها، تكونت من فريقين الأول للدعاية عن طريق الإنترنت وتوعية الشباب ببرنامج أبو الفتوح وفريق للدعاية لتعليق البوسترات والمطبوعات وعمل قوافل دعائية لدعم «حملة أبو الفتوح الانتخابية»، بالإضافة إلى مشاركة ممثل عن حزب النور والدعوة في الانتخابات واختير نادر بكار، المتحدث باسم الحزب وقتها وعضو الهيئة العليا بسام الزرقا.
ونظمت الدعوة السلفية أكثر من 50 مؤتمرًا في مختلف القرى والمحافظات للتعريف بالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ومسيرات تأييد عقب كل صلاة جمعة من جميع مساجد محافظات الجمهورية، وقوافل داعمة له في كل منطقة للتعريف بالمرشح وبرنامجه وسط مشاركة جماهيرية بالسيارات تحمل بانرات للمرشح، إضافة إلى لوحات تأييد باسم الدعوة السلفية.
لكن سقوط أبو الفتوح في الجولة الأولى بالانتخابات كان ضربة قوية للدعوة، وتحديدًا أن كثيرين راهنوا على دعم الدعوة له سيجعله يفوز بالرئاسة، وتبين فيما بعد أن الدعم كان مجرد حبر على ورق.

الدعوة السلفية وحزبها
وفى لحظات معدودة، اتجهت بوصلة الدعوة السلفية نحو الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان، وذلك بعد الاتفاق بين الاثنين على عدد من المطالب، في مقدمتها مشاركة الدعوة وحزب النور في القرارات التي يتخذها الإخوان شريكًا سياسيًا، بالإضافة إلى 9 مناصب وزارية ومساعدين للرئيس ونائب سلفي لرئيس الجمهورية واعتبار الدعوة شريكًا أساسيًا في الحكم، وكللت الجهود هذه المرة بنجاح مرسي، وخرج «الشيخ يعقوب» قائلا: «أبشروا.. رئيسكم ملتح»، ثم جاءت الخلافات مرة أخرى بسبب توزيع التركة بين الاثنين وانتهى شهر العسل.

فتاوى سلفية

فتاوى سلفية
لعب شيوخ التيار السلفي بفتاواهم الشهيرة دورًا مهمًا بنقل مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي من حضيض التيار الإسلامي إلى قمته، وبالرغم من دعم الدعوة السلفية والشيخ حازم أبو إسماعيل والجماعة الإسلامية للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، فإنهم لم يتمكنوا من جذب الكتل السلفية الأكثر انتشارًا.

بدورها راهنت جماعة الإخوان على عددٍ من الشيوخ الكبار، أمثال: «محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحويني ومحمد عبدالمقصود»، ورغم إعلان مجلس شورى العلماء السلفي دعم أبو الفتوح، فإن وجود غالبية أعضاء شورى العلماء في الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التي أسسها نائب المرشد خيرت الشاطر، جعل هؤلاء الشيوخ يظهرون على منصة الإخوان في الدعاية لمرسي وجذب أنصار التيار الإسلامي وحسم أصواتهم لصالح مرشح الإخوان.

الدستور السلفي الإخواني

الدستور السلفي الإخواني
استحوذ الإخوان والسلفيون على أكثر من 70% من لجنة إعداد الدستور في 2012، وشهدت الجمعية التأسيسية جدلا واسعًا، بسبب مواد السلفيين والصراع الذي دار بسبب المادة الثانية وبعض المواد التي أصر السلفيون على إدراجها بمواد الدستور، مثل تحريم سب الصحابة أو العودة إلى الأزهر في كل ما يخص الشريعة الإسلامية.
وانتهت اللجنة بالفعل من وضع الدستور وتقرر الاستفتاء عليه في 15 ديسمبر 2012، بعدما دعا الرئيس المعزول محمد مرسي إلى هذا الاستفتاء، ونظم أبناء التيار الإسلامي بالتنسيق بين الإخوان والسلفيين أكبر حملة دعاية لهذا الدستور، خاصة عبر شاشات القنوات الإسلامية، تخطت كثيرًا مراحل استفتاء 19 مارس.

بمجرد الانتهاء من التصويت على دستور 2012، انتهى شهر العسل بين الإخوان والسلفيين، وبدأت الدعوة السلفية الكيان الأهم والأبرز في التيار السلفي، البحث عن مصالحها، مما أدى إلى غضب جماعة الإخوان، ونظم حزب النور العديد من اللقاءات والحوارات مع جبهة الإنقاذ الوطني وطرح مبادرة سياسية، لم يوافق عليها الإخوان، وكان لحزب النور الأسبقية في طرح مصطلح «أخونة الدولة» وذلك في تصريح لرئيس الحزب الدكتور يونس مخيون، رئيس الحزب، أمام الرئيس المعزول في اجتماعه برؤساء الأحزاب.
وفى هذا الوقت، طالب «النور» أكثر من مرة بضرورة إقالة النائب العام المستشار طلعت عبدالله وإنهاء الاحتقان، إلا أن دعوات حزب النور وهجومه المستمر على الإخوان لم يرض جماعة البنا، التي عمدت على مهاجمة التيار السلفي وتفتيت حزب النور، إلا أن استمرار النقد وزيادة الصراع أسقطت في النهاية مرسي وخرج النور سليمًا من معركة سقوط التيار الإسلامي بتأييده للعزل في ثورة 30 يونيه.

30 يونيه ومكاسب الدعوة والحزب

30 يونيه ومكاسب الدعوة
خرج التيار السلفي كله باستثناء حزب النور والدعوة السلفية إلى جوار الإخوان، في تظاهرات شهدتها شوارع القاهرة وعدد من المحافظات، قبل أن تستقر باعتصامين شهيرين في رابعة العدوية بالقاهرة والنهضة بالجيزة، وبقيت الدعوة تناوش من بعيد وتنتظر، كل ذلك رغم مشاركتها في اجتماع 2 يوليو الذي تم فيه عزل مرسي.
وظلت الدعوة السلفية لفترة طويلة تتسم بالميوعة، فإذا بها تؤيد عزل مرسي ثم ترفض فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة في 14 أغسطس 2013، وانتقدت الدعوة وذراعها السياسية حزب النور عملية فض الاعتصامين، لكنها شاركت في النهاية في كل الخطوات التي تلت فض الاعتصام.
هذا التضارب، أثار حملات سخرية على الدعوة السلفية، وأطلق السياسيون وصف «الدعوة العائمة والمائعة» على الدعوة السلفية وحزب النور، وشارك قيادات الدعوة في كل الخطوات التي تلت الفض وعزل مرسي، بينما وقف باقي التيار السلفي في تحالف مع الإخوان لا يستطيع العودة ولا يستطيع ترك الجماعة.
كان رهان حزب النور والدعوة السلفية هو الفائز، ولم تعبأ قيادات الدعوة بالهجوم المستمر من باقي حلفاء الأمس عليهم، وأكملوا مسيرة خريطة الطريق في 30 يونيه وشاركوا في لجنة الخمسين التي أعدت «دستور 2014»، رغم اعتراضهم المتكرر والمشاكل التي أثاروها خلال جلسات اللجنة.
ولكن فقدان الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور بريقهم وسط التيار الإسلامي والمشاكل المثارة بينهم وبين التيار المدني، لم يمنع الدعوة من تجييش رجالها لدعم الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 2014، ونظمت الدعوة أكثر من 120 مؤتمرًا وأنفقت ملايين الجنيهات لدعم الدستور والترويج له وتعرضوا لهجوم ونقد (رجال الدعوة السلفية) من قبل جماعة الإخوان وشركائهم.
ولعبت الدعوة السلفية أيضًا دورًا كبيرًا في مختلف المحافظات للحشد للدستور إلى أن تم تمرير الدستور بموافقة 98% من أصوات المشاركين، ثم قررت قادتها اللعب على رهان الحصان في انتخابات الرئاسة في 2014 وهو المشير السيسي، ورغم عدم إعلان ذلك صراحة، فإن العمل داخل قواعد الدعوة جرى على قدم وساق لتجهيز المقرات وأماكن الدعاية والترويج للسيسي.
وعمل الشيخ ياسر برهامي على ترويض كل المعارضين لدعم الفريق السيسي، ساعده في ذلك الهجوم المستمر من الإخوان والتيار الإسلامي على شباب الدعوة السلفية، إذ تمسك رجاله بموقف الدعوة الداعم لعزل مرسي، حتى لا تفتت الدعوة السلفية وتنهار.
وظهر بوضوح أنه لم تكن محاولات الشيخ ياسر برهامي، خلال تلك الفترة، لترويض الكتلة السلفية الثابتة من أبناء الدعوة سهلة، فقد عانى كثيرًا في ظل حملات التشويه المستمرة التي تعرض لها المشير عبدالفتاح السيسي والضغط الكبير والاتهامات المستمرة من الشيخ محمد عبدالمقصود ووجدي غنيم ومشايخ الإخوان والتيار الجهادي، لكنه كان أكثر إصرارًا على المضي قدمًا في توفير التماسك.

الدعوة السلفية والتمكين

الدعوة السلفية والتمكين
ومن هنا نكتشف أن السلفيين كالإخوان تماما، يؤمنون بالدولة الدينية، و«التمكين»، ومن يشكك في ذلك ليس عليه إلا مطالعة صفحة قناة «الندى» الفضائية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، وتحديدا فيديو منشور بتاريخ ٧ سبتمبر الجاري للداعية السلفي أبو إسحاق الحوينى بعنوان «الحياد عن الطريق الصحيح يسبب المرض للدين.. الأحزاب وأثرها في الإسلام»، لكن قبل نقل تفاصيل المقطع عليك أن تدوّن عدة نقاط:
أولا: صفحة قناة «الندى» الفضائية متخصصة في نشر فيديوهات لشيوخ السلفية ممن هم على منهج وطريقة حزب «النور»، ومن ثم فأغلب متابعيها من السلفيين.
ثانيا: هذا الفيديو موجود على موقع «يوتيوب» منذ مايو الماضي، ودون عناء في التفكير، فإعادة نشر هذا الفيديو الآن على صفحة سلفية تعنى أنها محاولة من قِبل قيادات السلفية لتهدئة الشباب الغاضب جراء تنازلات حزب النور الأخيرة للمشاركة في انتخابات البرلمان، فقبول «النور» ترشيح «قبطي» و«امرأة» أحدث غضبا شديدا بين الشباب، فجاءت إعادة حديث الحويني إشارة من طرف خفى بأن القيادات السلفية على موقفها، وأن ما تم مجرد تنازل مرحلي ليس إلا.
ثالثا: لا يجادل أحد في أن التوجه الفقهي والعقائدي للحويني لا يختلف إطلاقا عن توجه برهامي ومخيون وصلاح عبد المعبود، فجميعهم شرب من نفس البئر، ونظرتهم للسياسة والمستقبل واحدة، لذلك فكلام الحوينى هو نفسه كلام برهامي ومخيون، لذلك فهذا الفيديو هو برنامج «النور» حال السيطرة على البرلمان المقبل.
فيقول الحويني نصا: «المؤهلون وحدهم - مش هحط حد جنبهم- لقيادة الأمة هم أهل العلم بالله دون غيرهم، وأما الآخرون فيستعملون لبقاء الناس في الدنيا»، ولا يترك الحوينى كلمة الآخرين مطلقة فيخصصها ويوضح أنه يقصد «أهل العلوم العسكرية وعلم الطب»، أي أن الرجل يرى أنه هو وأصدقاؤه في حزب النور المؤهلون وحدهم للقيادة والحكم وليس رجال القوات المسلحة أو الأطباء.
ثم يوضح أكثر فأكثر ويأتي بدليل من القرآن يؤكد أنهم هم المؤهلون للحكم والقيادة، فيقول نصا: الذى يقيم الناس على طريق الله هم أهل العلم بالله قال عز وجل «الرحمن فسأل به خبيرا»، أي لا تسأل عن الرحمن جاهلا به... «وواضح أن سياق الآية لا علاقة له بالحديث عن الحكم والسلطة، ولكن هكذا كان الإخوان يلعبون بنصوص القرآن والسلفيون سائرون على نفس الدرب".
لم يغب التكفير عن حديث الحويني، فالرجل كفّر مباشرة كل الأحزاب الموجودة فقال نصا: «الأحزاب الموجودة في بلاد المسلمين مرض طفح على جسد الأمة، وكل حزب نحّى الإسلام جانبا، وله برنامج خاص به إذا وصل إلى الحكم، كيف يحكم الدنيا، كأن الله ما أنزل كتابا ولا أرسل رسولا. كل حزب عنده تصور للحياة السياسية والحياة الاقتصادية والحياة الاجتماعية ما لهوش علاقة بالإسلام»، وهكذا فالرجل كفّر الأحزاب بوصفها بأوصاف ثلاثة أولها: نحت الإسلام جانبا، ثانيها: ولم تعترف بالقرآن والسنة، ثالثها: لديها تصور لا علاقة له بالإسلام.
ما كان يمكن أن يغيب «التمكين» عن وصلة «الحوينى» التكفيرية، وقد يظن البعض أن التمكين مصطلح إخواني، لكن الرجل قطع الشك باليقين، مطمئنا أتباعه وإخوانه في الجماعة الإرهابية أن نهج أهل العلم بالله هو الطريق المؤدى للتمكين.
لا يكشف هذا المقطع عن موقف الحوينى والسلفيين من أدوات الدولة المدنية، بل هناك فيديو آخر يكشف جوانب أخرى وقد تداولته بعض الصفحات السلفية بعنوان «علاج الهم»، وهى خطبة قديمة للحويني مدتها ٤٦ دقيقة، ورغم العنوان المضلل فإنها تصب في نفس الاتجاه السابق، حيث يهاجم الحوينى فيها نظام القضاء، ويعترض تحديدا على فكرة «المعارضة» والاستئناف» و«النقض»، لأنها ضد الشريعة وقادمة من الغرب، ومن ثم يرى أن الإسلام لا يعترف إلا بالحكم من أول درجة، ثم يأتي بالدليل الكاسح، وهو أن حكم الله يوم القيامة لا يكون إلا من أول مرحلة، لذلك ليس هناك استئناف ونقض ومعارضة.
هذه هي الدعوة السلفية وزراعها السياسية حزب النور اللذان يتأهلان للسيطرة على البرلمان القادم ومحاولين قدر استطاعتهم تحويل المجتمع المصري والدولة الى حكم القبيلة. 

شارك

موضوعات ذات صلة