"ذهنية التكفير".. محاولات للإجابة عن ظاهرة العنف وتزايدها في العالم المعاصر

السبت 27/أكتوبر/2018 - 02:39 م
طباعة ذهنية التكفير.. محاولات حسام الحداد
 
اسم الكتاب: ذهنية التكفير.. الأصوليات الاسلامية والعنف المقدس 
المؤلف: د. حسن حماد
الناشر: العربية للنشر والتوزيع 2014
يحاول الدكتور حسن حماد في كتابه "ذهنية التكفير" والذي لم يتجاوز 160 صفحة من القطع المتوسط أن يجيب على أسئلة هامة تشغل الرأي العام المحلي والعالمي على حد سواء، وتدور تلك الأسئلة حول ظاهرة العنف والإرهاب التي اجتاحت العالم المعاصر، خصوصا بعد ما يسمى بالربيع العربي والذي كانت شرارته الاولى في تونس وسرعان ما انتقلت الى بعض الدول العربية الأخرى ومن ثم تحولت إلى خريف لبعض هذه الدولة بعدما وصل تيار الإسلام السياسي إلى سدة الحكم وصولا إلى إعلان تنظيم الدولة "داعش" في العراق والشام بقيادة أبو بكر البغدادي.
الدكتور حسن حماد
الدكتور حسن حماد
الأسئلة التي طرحها الدكتور حماد في كتابه تتمثل في:
1- لماذا يتصدر التيار الأصولي الإسلامي المشهد السياسي المعاصر بهذه الصورة المرعبة؟
2- لماذا ينشغل العالم بهذا الضجيج أو الصخب الذي لا ينتهي حول الخطر الإسلامي؟
3- لماذا لا نجد مثيلا لذلك في الديانات الأرضية؟
ويُرجح حماد أن السبب الرئيس يعود الى الاسلام وغيره من الاصوليات الابراهيمية الأخرى والتي تستمد قداستها من خلال انتسابها للأصل الإلهي او ان شئنا الدقة على حد قوله في إيمانها بألوهية كتابها المقدس، وهذا ما يضفي على ممارساتها السياسية طابعا جهاديا إرهابيا وتسلطيا، حيث إن كل ديانة من هذه الديانات الإبراهيمية تعتقد أنها الحائزة وحدها على الحقيقة المطلقة، وأنها الديانة الصحيحة بإطلاق.
وينتقل هذا الاعتقاد بالتالي إلى تلك الفصائل والجماعات التي تنتمي إلى الإسلام، والتي تتخذ من الوهابية منطلقا ومرجعية بداية من المودودي وسيد قطب وجماعة الإخوان في مصر والجماعة الإسلامية في باكستان انتهاء بالقاعدة وداعش، فإن كل فرقة من هذه الفرق تعتقد أنها الفرقة الناجية وأنها امتلكت الحقيقة المطلقة ويدخل ضمن اطار هذا الاعتقاد ايضا المؤسسات الدينية الرسمية في الدول العربية، مما يؤدي في النهاية الى ان تتصور كل فرقة او مؤسسة  باقي الفرق والمخالفة لها اقل تدينا وجماعات ضالة ومارقة او هالكة تنتمي الى حزب الشيطان.
ويؤكد حماد على أن هناك عوامل اقتصادية وسياسية وثقافية ونفسية تقف وراء تزايد وتجذر ظواهر التطرف والعنف والارهاب في واقع الثقافة المصرية، وهذه العوامل تساعد على إعادة انتاج الخطاب الاصولي المتشدد لجماعات الإسلام السياسي بفصائلها المختلفة، ويقسم الكاتب تلك العوامل الى عوامل ذاتية وعوامل موضوعية، ولا شك ان هناك تفاعل جدلي بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي، اذ يصعب الفصل بينهما تماما، ولكن هذا التداخل حسب الكاتب لا يمنع من عرضها بطريقة مستقلة.
وقد لخص الكاتب العوامل الذاتية للتطرف في اربعة عوامل تتصدرها الأزمة الاقتصادية والخواء السياسي والتي كانت بدايتها مع العهد الساداتي حيث سيطر مُناخ الانفتاح الاقتصادي الاستهلاكي على الاقتصاد المصري، فأغلقت المصانع الكبرى ابوابها وتحولت الصناعة الى المنتجات الاستهلاكية وتضخمت القروض التي نحصل عليها من الدول الغربية وخاصة امريكا، وازدادت بالتالي معدلات التضخم وتدنت قيمة الجنيه المصري وتخلت الدولة عن مسئولياتها تجاه الفقراء، وكان من الطبيعي ازدياد معدلات البطالة في صفوف الشباب وتزايدت الهوة اتساعا بين الاغنياء والفقراء، كذلك تحول الأحزاب السياسية والتي كانت تسمى معارضة الى احزاب ورقية بسبب صراعاتها على نيل رضى السلطات فأصبحت الساحة السياسية خالية ومهيأة لاستقبال اي اتجاهات دينية سياسية أو فاشية.
وثاني تلك العوامل هيمنة الخطاب الأبوي وغياب الحرية فالبيئة الخارجية للحداثة لم تستطع أن تحجب البيئة القبلية الأسطورية التي تعشعش بأعماق الإنسان العربي خاصة لدى البرجوازية الصغيرة، ولا يقتصر أمر السلطة الأبوية على مسألة العلاقة بين الحاكم والمحكومين وبين النخبة والجمهور أو بين الرجل والمرأة، ولكن تظهر هذه العلاقة بصورة جوهرية في نطاق اللغة، والتي يمثل النص الديني أهم وأروع تجلياتها السلطوية.
والعامل الثالث من العوامل الذاتية للتطرف تدني السياسة التعليمية وتفشي الجهل والخرافة، حيث النظام التعليمي المتدني والتسلطي التلقيني هو المسئول عن اغتراب العلم وانفصاله عن الحياة اليومية من المجتمعات الفقيرة والنامية ويكون الفرد مؤهلا في تلك المجتمعات لاستقبال الخرافة، والإيمان بها.
ورابع هذه العوامل تزايد مشاعر اليأس والخوف والتطلع لمجيء المخلص، حيث تتمثل المشاعر السلبية حسب الكاتب كاليأس والخوف والإحباط والإحساس باللاجدوى شرطًا ضروريا لترويج الافكار والمبادئ الفاشية ومنها "الاصوليات الدينية" التي تلعب على مشاعر الجماهير المحبطة البائسة وتغازل رغبتها المتأججة للبحث عن مخلص يأخذ بأيديها وينقذها من عثراتها.
أما عن العوامل الموضوعية للتطرف والتي حسب الكاتب تنتمي للعالم الخارجي وهي عادة ما تقع خارج السيطرة بالنسبة للدول الفقيرة فمنها سقوط النظام الشيوعي، حيث لم يكن سقوطه مجرد سقوط دولة او عدة دول وانما كان بمثابة اعادة هيكلة واعادة صياغة للواقع السياسي والاقتصادي والثقافي للعالم، فالتحولات التي احدثها هذا السقوط لا تقل بحال من الاحوال عن تغيرات الحربين العالميتين الأولى والثانية.
فانتعشت كل القوى العنصرية القديمة وامتزجت بالأصوليات الابراهيمية فتوارى الصراع السياسي ليتحول الى صراع لاهوتي تارة بين المسيحيين والمسلمين، وتارة بين اليهودية والاسلام، وتارة بين الشيعة والسنة.
أما العامل الثاني فهو الغزو الأمريكي للعراق، حيث شكل هذا الغزو بداية مرحلة جديدة من تاريخ التطرف والارهاب الدينيين والعامل الثالث من العوامل الموضوعية للتطرف هو عولمة الإرهاب بداية من 11 سبتمبر حيث إن تلك الأحداث ترجع أهميتها إلى أنها كانت تعبيرًا عن تحولات عديدة في أسلوب وأداء وأهداف الحركات الأصولية المعاصرة، وهي تحولات تفجر عشرات الأسئلة المرعبة حول المستقبل المجهول الذي ينتظر هذا العالم كاتساع نطاق العمليات الإرهابية واجتذاب التنظيمات الإرهابية المعاصرة عناصر شبابية جديدة تمثل الجيل الرابع في الحركات الأصولية وحضورها في دول عدة، كما استدعت هذه الأحداث الكبت الديني في اللاوعي الجمعي للجماهير سواء في الشرق أو الغرب وأظهرت ان اثار الماضي لم تندثر بعد.
ويتناول الكتاب في فصله الثاني الاصولية كبنية منتجة للإرهاب والذي يحاول فيه الكاتب الاقتراب من تلك العلاقة المأزومة بين الدين والسياسة في مصر من خلال التعرف على فكر وايديولوجية جماعات الاسلام السياسي، وفي ضوء معايشة لحظة تاريخية فارقة شاءت الاقدار ان نحياها كتجربة حية ونعاينها كلحظة مخاض ويتأملها الكاتب برؤية فلسفية نقدية حيث يطرح تعريف لأيديولوجيا الاسلام السياسي، فرغم ان تعبير "الاسلام السياسي" ينتمي الى اصل اجنبي الا انه يعد صالحا للاستخدام على صعيد التحليل السياسي والثقافي لتوصيف القوى السياسية التي تتخذ من الاسلام ايديولوجية تتضمن نقدا للمجتمع القائم، وسببا لتحقيق المجتمع المنشود، وتحديدا للوسائل والادوات التي تساعد على الانتقال من المجتمع الراهن الى المجتمع الامثل سواء تضمنت تلك الوسائل العنف او غيره من الاساليب المقامة.
ويرتبط مصطلح الإسلام السياسي في العصر الحديث بظهور كل من جماعة الإخوان المسلمين في مصر وظهور الجماعة الاسلامية في باكستان.
ويؤكد الكاتب على أنه رغم الاختلافات في بعض الجوانب الفكرية للجماعتين إلا أنهما اشتركتا في عدة أهداف وغايات مثل:
1- أن الاسلام هو الايديولوجية الشاملة للحياة الشخصية وللحياة الجماعية للدولة والمجتمع
2- أن القرآن والسنة وقيم المجتمع الإسلامي الأول هي أسس حياة المسلم ودستور الحياة اليومية للمسلمين.
3- أن الشريعة تقدم المثال والمنهج للمجتمع الاسلامي الحديث والذي لا يعتمد على المعايير والتقاليد الغربية.
4- أن اهم اسباب تراجع المسلمين هو الابتعاد عن الاسلام والاعتماد على الغرب، وان العودة الى صحيح الدين هي الطريق الوحيد لاستعادة الهوية والمجد والنجاح وحيازة القوة والثروة واستحقاق الفوز بالأخرة.
5- يجب تسخير العلم والتكنولوجيا في اطار اسلامي وليس بالاعتماد على الثقافة الغربية، وذلك لتجنب تغريب وعلمنة المجتمع.
6- ان الجهاد واجب وفريضة على المستويين الشخصي والمجتمعي، وعلى مستوى الافكار والعمل وهو السبيل للثورة الاسلامية، ولتحقيق اسلمة ناجحة للمجتمع.
ثم يتناول الكاتب اهم النقاط الخاصة بالموضوع كالأصولية كرابط ايديولوجي لجماعات الاسلام السياسي، والكهنوت السياسي او الحاكمية لله، كذلك الطابع العنيف لجماعات الاسلام السياسي ثم يقدم الخصائص الذهنية للعقل الاصولي ويحددها في:
1- العقل الاصولي عقل نكوصي ماضوي، يقدس الماضي ويتحرق شوقا للعودة لأرحام المرجعية في الفقه واللغة والافكار
2- يتسم العقل الاصولي بعداواته للتفكير العلمي وانجذابه للاعقلي والأسطوري
3- الذهن الاصولي يعاني من احادية البعد، فهو يعجز عن ادراك ان للحقيقة عدة اوجه وليس وجها واحدا
4- العقل الاصولي عقل "دوجمائي" يعتقد دوما في امتلاك الحقيقة التي تعلو فوق النقد والشك.
وفي فصل الكتاب الثالث والخير يتناول الكاتب التحليل النفسي للعنف المقدس، والذي يقوم فيه بمناقشة الابعاد السيكولوجية للإنسان المتطرف والتي يوجزها الكاتب في التعصب الشديد والنزوع العدواني التدميري والنرجسية والتمحور حول الذات وكذلك الارتباط السادي المازوخي بالعالم. 
ويختتم الكتاب بكلمة اخيرة يقول فيها "ان ازمة الارهابي الاصولي ليست في امتلاكه لفكرة مطلقة فحسب، بل تكمن في انه يريد فرض مسلماته على الاخرين، أنه لا يطيق ان يحيا في عالم مختلف، ولا يتحمل ان يوجد في هذا العالم حقائق اخرى غير حقيقته، انه ذو ذهنية قمعية مسكونة بهوس الاصطفاء والنقاء والطهر والتحريم والاستعلاء على الاخرين، ولذلك من السهل جدا ان يدمر نفسه والعالم والاخرين معتقدا انه بذلك قد حقق خلاصه النهائي.

شارك