في مؤتمر التنوع الديني والثقافي بأثينا.. الأقليات لم ترَ من الربيع سوى الدم
الخميس 22/أكتوبر/2015 - 08:58 م
طباعة
مع تكرار المؤتمرات التي تقام حول مستقبل الأقليات في الشرق والأخطار التي تهددهم أصبح الامر شبه متكرر في الاعلام بصورة جعلت هذه المؤتمرات لا تحظى بالتغطية الكافية والمتابعة المطلوبة فالأمر في النهاية لا يزيد على الكلمات المتشابه ترثي واقع سيء وتتردد بلا طال من هنا لم يحظ مؤتمرا (التنوع الديني والثقافي والعيش المشترك في الشرق) الذي نظمته وزارة الخارجية اليونانية بأثينيا وشارك فيه عدد كبير من ممثلي المكونات والاقليات الثقافية والدينية في الشرق الاوسط بالاهتمام الإعلامي الكافي وقد ترأس فضيلة المستشار السيد علي الهاشمي مستشار الشؤون الدينية والقضائية في وزارة شؤون الرئاسة وفد الامارات وفد الدولة بالمؤتمر وضم الوفد سعادة سلطان محمد ماجد العلي سفير الدولة لدى الجمهورية اليونانية وسعادة الدكتور محمد مطر سالم الكعبي رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف.
وناقش المؤتمر أبعاد وجوانب التطورات والصراعات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط وبحث أفضل السبل لحماية الحقوق والحريات لمختلف الطوائف الدينية والثقافية في الشرق الأوسط بهدف تعزيز التعايش السلمي بين الطوائف الدينية والثقافية المختلفة على أساس مبادئ الاحترام والتفاهم المتبادل وإثبات قدرة اليونان نظرا لموقعها على الوساطة بالتطورات الإقليمية بالمنطقة لخلق الظروف الإيجابية لتحقيق الاستقرار علاوة على إنشاء مرصد دولي لمراقبة الحريات الدينية والثقافية ومتابعة شؤون المضطهدين دينيا.
وشارك في المؤتمر فخامة بروكوبيس بافلوبولوس رئيس الجمهورية اليونانية وعدد كبير من القيادات والشخصيات والعلماء المسلمين والمسيحيين وممثلون عن الأوساط السياسية والأكاديمية الدولية.
وأكد المستشار السيد علي الهاشمي في كلمته على تسامح الإسلام واحترامه عقائد وشعائر أهل غير المسلمين.. مشيرًا إلى ما سنه الإسلام من مبادئ لتنظيم العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين ودعوة القرآن الكريم إلى تعزيز المناقشة والحوار والتفاهم من أجل العمل المشترك في ظل القيم والأخلاق.
وشدد سماحته على أن القرآن الكريم بريء كل البراءة من سمات التعصب ومظاهره وينهى نهيا باتا عن الإكراه في الدين ولا يعتد إلا بالعقيدة المنبعثة عن يقين واقتناع.
كيف نواجه الإرهاب
أكدّ رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام في كلمته بالمؤتمر أنّ المطلوب أن نعرف كيف نواجه الارهاب الذي يقتلع كل المكونات ويعيد الشرق الى عصور الظلام والحقد والى تفتيت دول وتغيب أنظمة ومحو مكونات وقال في أثناء مشاركته في مؤتمر دعت اليه وزارة الخارجية اليونانية في أثينا أننا نرحّب باليونان بكل ما ترمز اليه تلعب دوراَ في تثبيت قيم ومبادئ، تحاول المساعدة في فهم أعمق لمشاكل الشرق وفي اطلاق حوار قد يساعد في وقف جنون العنف، ونؤيد بشكل تام اقامة مرصد حول الانتهاكات في حقوق الفرد والجماعات القومية والدينية والمذهبية في الشرق المتنوع.
وأضاف لكن المطلوب ليس فقط أن نعرف أكثر ما يحصل بلْ
لماذا يحصل هذا؟ وكيف نواجهه؟
-1- لماذا؟ لأننا نخاف أن نتكلم عن أمراضنا. لدينا نكران. نهرب من الحقيقة الى اختراع تاريخ باهر، والى التعلق بنصوص، هي بحاجة الى مواكبة العصر. هل يمكن أن تبقى ثقافة الحقد والقتل والذبح والتكفير والجهاد ملائمة لهذه الايام؟ هل يمكن أن نكفّر الآخر، في القومية كالأكراد في الدين كالمسيحيين في المذهب كالشيعة. هلْ يمكن أن نتكلم عن عقد أهل ذمة كما في القريتين في السبي كاليزيديين عن شريعة فوق الأوطان والدساتير، عن فتاوى الجهل؟ كل هذا التكفير السياسي خطر على كل الاوطان والبشرية. ان اصلاحاً عميقاً في وعي الكتلة الاسلامية السنية صار ضرورة.
-2- كيف نواجه؟ لا يمكن أن يكون عندنا انفصام في النظرة الى الإرهاب. ندعمه ونموله ونرعاه اذا كان ضدّ خصم لنا. ثم نريد محاربته في داخل أوطاننا اذا ضربنا، انها علاقة حب وكراهية بنفس الوقت، كأنه ابن غير شرعي. ننكره لكنه من دمنا، ولا يمكن للعالم أن يستغبي شعوبنا. يعرف الاميركيون أين المياه في المريخ ولا يعرفون أين قيادات داعش، الحل بالقوة يحتاج الى حلف حقيقي عربي اسلامي غربي روسي لكنه غير كاف دون نهضة ثقافية فكرية تقتلع العنف من العقول في البيت والجامع والمدرسة والإعلام،. كما فعلت الامارات في مؤسسة هداية والسعودية في مركز حوار الأديان.
أما نحن مسيحيي الشرق، فنحن الضحايا. اننا نحتفل خاصة الارمن والسريان بذكرى مئة عام على مجازر العثمانيين، ولا يعترفون. ونحن نباد من جديد في العراق وسوريا ينتهي دورنا وتراثنا، ولم يعد لدينا ترف انتظار حلول.
أيها الاخوة أسرعوا في حلول عملية، في استنهاض يقتلع الارهاب ويجلب السلام ويؤكد في الدساتير المساواة والعدالة، واحترام كل انسان.
ونحن مازلنا نظن أن لبنان نموذج - رغم مشاكله- لحياة مشتركة واحدة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، بين 12 طائفة مسيحية و4 طوائف اسلامية، ونضع امكاناتنا بتصرف هذا المرصد المرتقب للمتابعة واختراع حلول وآمال. لكن ماذا سيفعل المرصد؟ كيف يحضر سياسات جديدة أوروبية وعالمية لحماية التنوع والتعدد في الشرق؟
الطريق إلى دمشق
وشارك بالمؤتمر البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس الثامن والخمسون بعد المئة، في المؤتمر
.وقال أنا أعيش بجوار الكنيسة المريمية في دمشق على بعد كيلومترات قليلة من مناطق أضحت، كما كثيرٌ من المناطق، مرمى للهاون وأبناؤنا في تلك المناطق يدفعون ضريبة الدم غالية، يدفعونها من دم الشيوخ والكهول والفتية والصبية والرضع.
كل ذلك والعالم كله يتغنّى بالحلول ويدغدغ أسماعنا ببشرى الحل فيما نبكي نحن مع أولادنا، سلاماً عجز أو تعاجز الكبار عن الوصول إليه....
....أقول كل هذا لأنقل لكم وجع أبنائي، لأنقل وجع السوريين جميعاً واللبنانيين وكل أبناء هذا الشرق من كل الأطياف، وجع أهلي وناسي الذين بُشروا زيفاً بربيعٍ لم يروا منه إلا حمرة شقائق النعمان ممتزجة بدم الشهداء والأبرياء ولم يعهدوا فيه إلا عودةً إلى جاهليةٍ غابرة لفظتها المدنيّة بكل مشاربها، ووسط ما سمّي بالربيع، نحن المسيحيين، كما غيرنا من سائر الأطياف، كسرت صلباننا، خطف مطارنتنا، دمرت كنائسنا، وهنا نقول أيضاً، ومن خبرة تآخينا الإسلامي المسيحي، دُمّرت مساجدنا. جُرفت أديارنا وحُمّلنا الجزية وهجّر أبناؤنا وأمطرنا بالصواريخ يوم الفصح في حلب، وفي غيرها، بدل أن نمطر بالرياحين. وكل ذلك تحت شعارات واهية وبيارق عريضة وتكفير وإرهاب أعمى، أنكره كثيرون ثم تسابقوا لمكافحته، إرهابٍ يُستخدم في كثير من الأحيان لبلوغ مآرب لم تعد تخفى على أحد...
...كفانا دماراً فنحن نحنّ إلى أجراس السلام المشرقية، ما يحدث يا سادة في الشرق عموماً هو وأد حضارة بشرية بالمعنى الكامل. هو بالأحرى طمس لهوية التاريخ. أرضنا لم تخلق لتكون مرتعاً لصراع أحد وإنساننا لم يولد ليموت في أرض اللجوء وأطفالنا لم يخلقوا لتلفظهم الأمواج.
وإنّ عجْز الأسرة الدولية أو تعاجُزَها عن حل الأزمة السورية لهو فشل كامل لمنظومة حقوق الإنسان، لا بل هو فشل بالأحرى لكل منظومة القانون الدولي الذي يسخّر طبقاً للمصالح وتمسي فيه سيادة الأوطان قويةً كانت أم ضعيفة ألعوبة بيد الكبار....
...والأجدر بمن يتكلم عن حماية للمسيحيين ولسواهم أن يسعى وبكل قوته لإحلال السلام لهم ولغيرهم. والسلام والإرهاب لا يتعايشان، نحن طلّاب سلام ولسنا روّاد حماية. ودارنا الحنون الأولى والأخيرة هي أرضنا التي فيها ولدنا وفيها نبقى وفيها نثبت متسمّرين بقوة الرجاء، وفيها سنموت مهما قسى عليها وجه الزمن...
...آن للعالم أن يستفيق ويدرك أن إحقاق السلام هو الذي يطمئن وأن الهجرة، أو بالأحرى التهجير، ليست إلا عبئاً على المُهاجر وعلى المَهاجر وهي ليست أبداً جزءاً من الحل لا بل بالأحرى نتيجةٌ حتميةٌ للمعضلة. آن له أن يدرك أن التكفير والإرهاب والخطف الأعمى والنعرة الطائفية هي أول ما يهدد الأمن القومي لكل الشعوب وليس في الشرق الأوسط وحسب. أنا لا ألقي باللائمة على الآخر في حرب تحدث في الشرق ولا أدعي المثالية لشعبي وناسي ولا حتى لأنظمة الحكم في الشرق. ولا هي نفسها تدّعي ذلك. ولكن الوجه الخارجي للأزمة قد طغى لا بل تعدى كل شيء والخاسر الأكبر هو الإنسان البريء في سوق المصالح...
...نحن أقوياء بيسوع. ونحن مزروعون في أرضه. وإن يكن صليبٌ قد رسَمَ وجه المسيحية على الأرض إلا أن نور قيامةٍ قد جلل هام المصلوب وسكب الفرح في قلوب تلاميذ وفي قلوب كل الناس. نحن مؤتمنون على إيمان مسيحي رضعناه من صدور أمهاتنا، إيمانٍ حفظناه لألفي عام في أرضنا الأولى في الشرق، إيمانٍ لم نتقوقع يوماً به، إيمانٍ جسدناه ونجسده أخوّة حقَّ وعيشاً مشتركاً لا بل واحداً مع أخينا المسلم وذلك رغم كل صواعد ونوازل التاريخ ورغم صفحاته نيرةً كانت أم داكنة.
نحن كمسيحيين لم نكن يوماً ما فئويين ونرفض أن نكون ذميين. نحن لم نكن يوماً إلا في صلب أوطاننا وفي صلب قضاياها المصيرية.
نحن لسنا أقلية، ونرفض أن نسمّى أقليةً، لأن منطق الوطن لا يعرف أكثرية وأقلية بل يعرف خميراً يسيراً يخمر العجين كله. نحن من خمير هذا الشرق ونحن أجراس مسيحه. إن يبكِ عراقه تبكِ كنائسنا وإن يبكِ لبنانه تبكِ شاغورتنا وإن تبك سورياه تبك أجراسنا وإن تتنهد قدسه تزفر صدورنا. نحن منه وفيه. وهو منا وفينا هويةٌ وانتماءٌ وكينونة...
... وأمام كل ما يجري في الشرق، في أرض الكنيسة الأولى، لا يسعنا إلا أن نذْكر ذاك الطريق المستقيم المحاذي لدارنا البطريركية والذي تتناثر على جانبيه الكنائس وحتى الجوامع إلى يومنا هذا والذي تختصر جنباته زبدة "التعددية الدينية والحضارية والعيش الواحد السلامي في الشرق الأوسط" عنوانِ هذا المؤتمر. نذكره رمزاً لدرب هدايةٍ من بعد ضياع. نذكره قلباً لدمشق التاريخ ورمزاً للشرق بكل بقاعه وبلدانه وناسه الطيبين الأصلاء في الانتماء والأصلاء في المحبة. نذكره ونقول: ألا يكفي ما حصل ويحصل؟ إنساننا ليس سلعة في سوق السلاح. دعوا شعبنا في شرقه يعيش، فقد آن للعالم أن "يجد الطريق إلى دمشق"! وشكراً".
