كاهن كاثوليكي يقدم حصاد نصف قرن من الحوار.. يوحنا بولس قدم 1259 مداخلة مع الآخر

الإثنين 02/نوفمبر/2015 - 11:32 ص
طباعة كاهن كاثوليكي يقدم
 
ي إطار الاحتفال بمرور نصف قرن على إصدار الفاتيكان وثيقة "في عصرنا" والتي أعلنت الانفتاح الكاثوليكي على الأديان المختلفة وفتح باب الحوار معها؛ الأمر الذي تمثل فيما بعد في المجلس البابوي للحوار بين الأديان الذي يعقد العديد من الندوات والمؤتمرات للبحث في ثمار وتجليات الحوار خلال الخمسين سنة الماضية. وعقدت في بيت لحم ندوة تحدث فيها الأب رفعت بدر المسئول عن المركز الكاثوليكي الإعلامي بالأردن والذي قدم كشف حساب إحصائي رائع لدور الفاتيكان في الحوار بين الأديان، والحوار مع الأديان الأخرى بالأرقام أظهر من خلاله أن البابا يوحنا بولس الثاني قدم 1259 مداخلة في الحوار بين الأديان، وفي البداية أكد الأب رفعت على أن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني "ثورة وثروة": هو ثورة على الصورة القاتمة للدين، والتي كان يميزها الانغلاق، والانحسار في الشئون الروحية والعقائدية، وقد جاءت لتثور كذلك على "الصورة النمطية" للمجامع المسكونية السابقة، التي كانت بمثابة هيئة فتاوي، تبين الجائز والمحرّم عقائدياً وأخلاقياً. وقد أتت الثورة لتكون اليوم "ثروة" بين يدي الكنيسة في العالم، بروحها ووثائقها وانفتاحها، وما زالت الكنيسة إلى اليوم، ترجع إلى ثروتها تلك، إلى جانب كلمة الله في الكتاب المقدس، لتقول بأن لها صوتًا تقوله، ودورًا تؤديه، كعلامة للوحدة وأداة للسلام وسط العالم وبين الشعوب.
ووصف وثيقة "في عصرنا" بأنها الوثيقة التي فتحت الأبواب واسعةً لتعاون الكنيسة مع الأديان الأخرى، كما شرعتها كذلك مع الكنائس الأخرى والعالم وثقافاته وأبعاده.
كاهن كاثوليكي يقدم
وأشاد الأب رفعت بقداسة البابا القديس يوحنا بولس الثاني الذي عمل 
طوال فترة جلوسه على كرسي الفاتيكان (1978-2005) على المطالبة من أجل اتباع "ثقافة الحوار" أفراداً ومجتمعين، ومن أقواله: "علينا أن نُظهر بأن الإيمان الديني، يلهم السلام، ويشجع التضامن، وينمي العدالة، ويدعم الحرية" (28/10/1999).
ولا غرابة أن يصدر "المجلس البابوي للحوار بين الأديان" في عام الرحيل كتاباً خاصاً حول مداخلات الكنيسة في مجال حوار الأديان منذ عام 1965-2005. أي على مدار أربعين عاماً انتهت بموت البابا يوحنا بولس الثاني. 
ويهدف هذا الكتاب (الموسوعة) إلى تزويد المسيحيين وإخوتهم في الأديان الأخرى، بمجمل تعليم الكنيسة الرسمي حول إسهامها الجلي والواضح بالحوار مع الأديان الأخرى وتابعيها.
ويقول الأب رفعت: "رجعت إلى الكتاب فوجدت أن الكنيسة لم توفر يوماً واحداً، دون أن تشير إلى أهمية "التقارب نحو" و"التعاون مع" والاحترام المتبادل لأتباع الديانات، سواء أكان في التعليم الشفوي أو المكتوب أو في الزيارات التاريخية التي قام بها البابوات- وبالأخص يوحنا بولس الثاني- فأدخل اللقاءات مع رؤساء الأديان وممثليها جزءاً لا يتجزأ من أي رحلة رسولية.
الذي قال في زيارته إلى الأردن في مارس عام 2000 في مستهل زيارته إلى الأرض المقدسة: "إن الكنيسة الكاثوليكية، دون أن تنسى أن رسالتها الأساسية هي رسالة روحية، إلاّ أنّها مستعدة لأن تضع يدها للتعاون مع الدول ومع جميع الناس من ذوي الإرادة الحسنة، لكي تدعم وتنمي الكرامة الإنسانية". هذا هو الأساس الذي بنت الكنيسة أعمالها في الفترة الأخيرة عليه، إذ إنّ الكرامة الإنسانية هي الهاجس الأكبر للمسيحية في علاقاتها مع شقيقاتها الأديان التوحيدية الأخرى.
وأحصى الأب رفعت دور الكنيسة في الحوار خلال الخمسين عامًا الماضية كما يلي: 
82 مداخلة في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني حول الحوار مع الأديان الأخرى.
66 مداخلة للبابا بولس السادس.
1259 مداخلة للبابا يوحنا بولس الثاني.
223 مداخلة لدوائر الفاتيكان المتعددة.
39 نص في القوانين الكنسية.
11 وثيقة للجنة اللاهوتية العالمية.
كاهن كاثوليكي يقدم
ويتضح من هذا الإحصاء الدور الكبير الذي قام به بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني".وأكد الأب رفعت أن اللقاء الفعلي مع الناس من مختلف الجنسيات والأعمار والأديان، هو الذي جعل من حبرية يوحنا بولس الثاني حبرية الكلمة المؤثرة واللقاء الشخصي المؤثر والذي ساهم في بناء حضارة المحبة التي كان يكرّرها كذلك.
وأن الزيارات البابوية إلى الأرض المقدسة وإلى بعض البلدان العربية قد أسهمت بدون شك بتقريب أتباع الديانات، وهنا نؤكد على أهمية زيارة البابا بولس السادس التي عقبها تأسيس المجلس البابوي للحوار، وبدون شك قد أثرَت وأثَّرت في صياغة وثيقة "في عصرنا". 
أمّا زيارة يوحنا بولس الثاني في عام اليوبيل 2000، فقد كان لزيارته للمسجد الأقصى وقع كبير في النفوس. وبعد أحداث سبتمبر 2001 الإرهابية، تجرأ ودعا إلى المسامحة بالرغم من الجراح، ذلك أن: "لا سلام بدون عدالة، ولا عدالة بدون حقيقة، ولا حقيقة بدون مسامحة".
وفي الفترة من 2005 إلى 2015: دعوات إلى الحوار بالرغم من أخطار الإرهاب
كاهن كاثوليكي يقدم
البابا بندكتس
بغض النظر عن المحاضرة التي ألقيت في 12/9/2006م وأثارت ضجة عالمية، إلاّ أن البابا بندكتس قد أسهم في تعزيز الحوار الديني، وبالأخص بين المسلمين والمسيحيين. فتم تأسيس المنتدى الكاثوليكي الإسلامي الدائم. وزار مسجد الحسين بن طلال في الأردن كما المسجد الأقصى في القدس والجامع الأزرق في تركيا. ومنذ توليه الكرسي البابوي قال في لقائه الأول مع ممثلي الديانات المتعددة: "أؤكد لكم أن الكنيسة تريد متابعة بناء جسور من الصداقة مع أتباع مختلف الأديان؛ من أجل البحث عن الخير الأصلي في كل شخص على حدة وفي كل مجتمع بشكل عام" (25/4/2005).
ومن المهم هنا ذكر إدخال اللغة العربية، في نصوص الفاتيكان الرسمية، وفي لقاء البابا الأسبوعي يوم الأربعاء. كما أنّ البابا بندكتس هو الذي دعا إلى سينودس الكنيسة في الشرق: شركة وشهادة، وفيه قال: "إن الحرية الدينية هي تاج الحريات كلها". وكذلك: "الشرق الأوسط بدون مسيحيين، أو فقط بعدد قليل منهم، ليس الشرق الأوسط". وبذلك يقول: إنّ التعددية الراقية قد زينت الشرق، ولا يمكن السماح بزوال تعدديته الاثنية وبالأخص الدينية. وفي الإرشاد الرسولي، النابع عن السينودس، اقتبس من وثيقة "في عصرنا" لتأكيد أهمية الاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين في عالم اليوم والغد.
كاهن كاثوليكي يقدم
البابا فرنسيس
في أول لقاء مع الإعلاميين (16/3/2013) وكذلك عندما وقف على شرفة الكونجرس، قال: "صلوا لأجلي، وإن وجد فيكم غير مسيحيين فعلى الأقل أرسلوا لي أمانيكم الطيبة Your best wishes". وهذا يدل على احترام مشاعر، ليس المؤمنين فحسب، بل غير المؤمنين أيضاً.

ويمكن أن نلخص جبرية البابا فرنسيس في دعوة الحوار، وبالأخص الحوار الإسلامي المسيحي في الأهداف التالية:
1. تضامن أبناء – أو أتباع– الأديان من أجل خدمة الفقراء والمرضى والمحتاجين. وهذا هو الأمر الأهم في حبرية البابا؛ حيث إنّه ومنذ اليوم قال: "أريدها كنيسة فقيرة، في خدمة الفقراء".
2. تضامن في سبيل إشاعة الأمن والاستقرار.
3. تضامن للحفاظ على البيئة وهي البيت المشترك للجميع.
4. تضامن في عبادة الله الرحيم، وهو الأمر الذي ظهر في دعوته إلى سنة يوبيل الرحمة الإلهية.
ثقافة اللقاء:
بعد خمسين عاماً من المؤتمرت والندوات والسفريات والمحاضرات والخطابات، نجد أن الكنيسة وبالتعاون الوثيق مع كل إنسان من ذوي الإرادة الحسنة، قد جاهدت للوصول إلى تشكيل وإشاعة وتعزيز "ثقافة اللقاء"، وهي مصطلح يُراد به مقاومة "ثقافة الإلغاء" التي تعيشها مجتمعاتنا العربية مع كل أسف، وعلى كل صعيد. إننا بحاجة إلى تعزيز مؤسسات الحوار الإسلامي المسيحي، وصولاً إلى تحقيق الغاية المنشودة ألا وهي ثقافة المواطنة والمساواة، وعدم معاملة الإنسان على أساس الأقليات والأكثريات.
إننا بحاجة إلى تعزيز البحث العلمي في التاريخ، لاستنهاض ما تم بناؤه في الماضي، على أكتاف الآباء والأجداد، وبالأخص في عصر التراث العربي المسيحي المزدهر بين القرون الثامن والرابع عشر؛ حيث تركوا لنا إرثاً أدبياً؛ حيث كان الحوار يتم بطرق سليمة، وإن علِّق أحياناً بقوالب جدلية نراها اليوم عقيمة.
لكن لماذا كان الأجداد أوسع صدراً مما نحن عليه اليوم؟؟
علينا أخيراً أن نربي أجيالنا الصاعدة، ضمن مناهج تعليمية انفتاحية ومتقبلة للآخر. على نهج الحوار وثقافة اللقاء. وأول خطوة أنّ الحوار ليس هدفاً بحد ذاته وإنّما هو طريق أو محطة وصولاً إلى المحطة الكبرى ألا وهي المواطنة.

شارك