التباين الروسي- الإيرانى حول "الأسد" وفرص تقويض التحالف بينهما حول سوريا
الثلاثاء 03/نوفمبر/2015 - 10:31 ص
طباعة
على ما يبدو بدأت المصالح الروسية الايرانية تتعارض في سوريا حول مستقبل النظام السورى نفسه ام مستقبل الاسد بشخصه ففى الوقت لذى الذى تعلن فيه الدولتين دعمهما العلنى للنظام السورى ضد المعارضة المسلحة نجدهما مختلفين على مستقبل هذا لنظام ورئيسه وفق مصالحهم الاقليمية والدولية .
ايران بدأت ترسل رسائل تحمل هذا المعنى فقد شكك الجنرال محمد علي جعفري القائد العام للحرس الثوري الإيراني، ، في موقف موسكو تجاه مستقبل بشار الأسد، قائلا " أن الرفيق الشمالي الذي جاء مؤخرا إلى سوريا للدعم العسكري بحث عن مصالحه وقد لا يهمه بقاء الأسد كما نفعل نحن ولكن على أية حال إنه موجود الآن هناك وربما مجبر على البقاء "حرجا" أو لأسباب أخرى و إن إيران لا ترى أي بديل للأسد والبعض لا يفهم هذا فيتحدث عن بديل للأسد وأن بلاده تدعمه بقوة عبر تقديم الاستشارة له و بعض الإجراءات التي لا يمكن الحديث عنها هنا."
تصريحات جعفري تعد الأقوى في الدفاع عن الأسد والإصرار على عدم رحيله مما يؤكد بجلاء حالة التعارض التى خلقها التدخل السورى بين حليفتي الأسد روسيا وإيران وعد اتفاقهما حول مستقبله بعد أن غيّرت روسيا مؤخراً نوعية تدخلها في الحرب الدائرة على الاراضي السورية، عبر زيادة الانخراط في الدعم العسكري بما يؤشر بوضوح الى خشيتها المتزايدة من قرب انهيار نظام بشار الأسد وهو ما دفعها لهذا الانخراط العسكري المتزايد في إطار السعي إلى حل عسكري ينقذ نظام الأسد، من خلال تحسين شروط التفاوض على حل سياسي باعتباره المخرج الوحيد الممكن، وفي إطار الحفاظ على مصالحها المهددة بانهيار النظام والحفاظ على قاعدتي طرطوس واللاذقية البحريتين الوحيدتين في المياه الدافئة.
وبالنظر الى كلا الدولتين نجد انهما يشتركان بعلاقات متوترة مع الغرب، وطيبة مع النظام السورى الأولى بسبب نشاطها في أوكرانيا وشرق أوروبا والثانية بسبب برنامجها النووي (فيما قبل الاتفاق)، وبسبب عدم قدرة روسيا على مجاراة التحركات الأمريكية فإنها غالبا ما تلجأ إلى اتخاذ تدابير بديلة عبر تكثيف التعاون مع معارضي واشنطن وأوروبا إلا أن روسيا في المقابل لا تحمل التزاما استراتيجيا تجاه حق إيران في امتلاك السلاح النووي كما قد يبدو في ظاهر الأمر، بل في واقع الأمر فإن مخاوف روسيا من امتلاك إيران لأسلحة نووية ربما لا تقل عن مخاوف الغرب، حيث إن الموقع الجيوستراتيجي لإيران يتيح لها بعضا من النفوذ والسيطرة في أقاليم بحر قزوين والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط والخليج وهو ما قد يخل بتوازن القوى في هذه المنطقة، ولكن روسيا تحمل مخاوف مماثلة من انخراط كامل لإيران في الفلك الأمريكي بما تحمله من مفاتيح جيوستراتيجية في مناطق النفوذ الروسي.
وعند نقطة الاتفاق حول نظام الاسد نجد أن إيران أبدت ، في المعلن على الأقل، التزاما راسخا تجاه نظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ اندلاع الأحداث في سوريا وإلى الآن، ولكن الموقف الروسي، وحتى ما قبل التدخل العسكري الأخير قد شهد منعطفات عدة، ربما كان أبرزها اتفاق جنيف 1 في 30 يونيو/ حزيران 2012 ، الذي نص على تشكيل حكومة ائتلافية تتضمن المعارضة السورية وبعض رموز النظام السوري في حين لا تشمل الرئيس الروسي بشار الأسد.
ورغم أن بيان جنيف 1 لم يحو تفصيلا دقيقا لهيئات المعارضة السورية المنتظر مشاركتها في الحكم الانتقالي أو لمستوى مشاركة نظام الأسد فيها إلا أن ما يعنينا في هذا الصدد أن التزام موسكو تجاه الأسد لم يكن مفصليا وحاسما وأنها قد أبدت استعدادا للإطاحة به ضمن اتفاق كلي، في حين أن إيران في ذلك التوقيت رفضت الاعتراف بما تمخضت عنه نتائج اجتماع جنيف 1 كما رفضت الاعتراف به كشرط مسبق حين تمت دعوتها لاجتماعات جنيف 2 قبل أن يتم إلغاء الدعوة في وقت لاحق.
ولم يكن جنيف 1 هو المحطة الوحيدة التي لم تبد خلالها روسيا ذات الالتزام الصارم تجاه الأسد، بل إن روسيا عرضت على أميركا في نهاية عام 2012 الإطاحة بالأسد ضمن خطة شاملة وقال الرئيس الفنلندي الأسبق وقتها مارتي أهيتساري، " إن الدول الغربية فشلت في انتهاز الفرصة والموافقة على الخطة و أن السفير الروسي فيتالي تشريكين قد تقدم خلال هذه المحادثات بخطة تتكون من 3 نقاط تتضمن تنحي الأسد وعقد مباحثات بين المعارضة والنظام ولكن واشنطن وحلفاءها الغربيين قرروا ببساطة تجاهل الخطة نظرا لثقتهم المفرطة في سقوط الأسد في ذلك التوقيت.
هذا الامر ادى الى ان الموقف الروسي في سوريا قد ازداد تصلبا على إثر متغيرين رئيسيين، أولهما يتعلق بتطورات الأحداث في أوكرانيا والعقوبات التي تم فرضها على روسيا من قبل الغرب إثر قيامها بضم شبه جزيرة القرم، أما التطور الآخر فيتعلق بقيام النظام السوري بتجاوز الخط الأحمر الأميركي باستخدام الأسلحة الكيميائية في هجومه على الغوطة في أغسطس 2013 حيث لعبت روسيا وقتها الدور الأبرز في اتفاق مع واشنطن على تصفية الترسانة الكيماوية لنظام الأسد بحلول منتصف عام 2014 وهو الاتفاق الذي رفع من أسهم روسيا كلاعب فاعل في المسألة السورية.
على الجانب الاخر ووفقا لرواية وكالة رويترز للأنباء، فإن الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني هو من قام بجهود إقناع روسيا بالتدخل في سوريا لدعم نظام بشار الأسد، وبفرض التسليم بهذه النظرية فإنها لا تعني بالضرورة أن إيران تبارك التدخل الروسي بشكل كامل وهو ما تؤيده مؤشرات وأسباب عدة يمكن رصدها تجعلنا نذهب إلى القول إن التدخل العسكري الروسي في سوريا يشكل خطرا على إيران تمثلت فيما يلى :
1- في مطلع أكتوبر عام 2015م ، وبعد أيام من إعلان روسيا دخولها رسميا في سوريا، دفعت ايران بمئات الجنود الإيرانيين إلى سوريا خلال أسبوعين فقط وفسر الامر بان التعزيزات الإيرانية تأتي في سياق الاستفادة من الضربات الجوية الروسية في تعزيز التقدم البري او أن إيران تحمل مخاوف من تعاظم النفوذ الروسي في سوريا والمزاحمة في الكعكة السورية.
2- انتقال ما بين 2000 إلى 2500 مقاتل من مقاتلي الحشد الشعبي المدعوم من ايران من العراق إلى سوريا وقد جرى نقل الميليشيات عبر طائرات تابعة للخطوط الجوية العراقية والسورية والايرانية .
3- قلق ايران من التمدد الروسي على الأرض باعتبار ان الخطة الإيرانية تسير وفق مقاربة (الأرض لإيران والجو لروسيا) ولكن التقارير الميدانية تشير إلى أن روسيا تنشر قواتها على الأرض أيضا ليس فقط في قواعدها في اللاذقية وطرطوس ولكن أيضا في حماة، فوفقا لمدير "مركز حماة الإعلامي" يزن شهداوي، فإن القوات الروسية أنشأت خلال الأسبوع الماضي مركزاً لقواتها العسكرية البرية في معسكر الفروسية، الواقع بين حيي الصابونية وجنوب الملعب في مدينة حماة، وتم إخلاؤه من القوات السورية ورفع العلم الروسي على المبنى وقد بلغ عدد القوات الروسية في حماة أكثر من 1000 جندي وفقاً للتقديرات ولم تقتصر الأمور على ذلك، بل تم إخلاء اللواء 47، الواقع جنوبي حماة، لتحويله إلى معسكر كبير للقوات الروسية الآتية مستقبلاً إلى حماة، هذه التطورات في التحركات الروسية تفقد إيران مكانتها كمتفرد بالقرار نيابة عن نظام الأسد وتجعله شريكا في الكعكة السورية وهو ما ترفضه إيران التي ترى أنها دفعت وحدها ثمن دعم النظام السوري طوال 4 سنوات.
4- المصالح المتعارضة لإيران وروسيا في المنطقة أيضا، فمن ناحية فإن النفط الإيراني الذي ينتظر أن يغرق الأسواق قريبا ينظر إليه على كونه منافسا للنفط الروسي، أما المخاوف الأهم فتتعلق بالغاز الطبيعي، حيث تخشى إيران أن تسعى روسيا لاستغلال نفوذها في سوريا لنقل الغاز عبر المتوسط.
5- قيادة العمليات في سوريا ومخاوف من تمدد روسي في العراق فمع قدوم روسيا إلى أرض المعركة كان من الطبيعي أنها لن تقبل العمل تحت قيادة ميدانية إيرانية. فكان البديل هو إنشاء مركز قيادة مشترك يضم كلا من روسيا وإيران وسوريا والعراق و تقرر أن تقام هذه القاعدة في بغداد وتتناوب على قيادتها الدول الأربعة بشكل دوري بمعدل 3 أشهر لكل منها على أن تكون العراق القائد الأول وبدت فيه إيران متشككة ومتحفظة.
وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني "طلب مني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل شخصي تشكيل تحالف استراتيجي معه ضد الإرهاب في سوريا ومع ذلك لا يوجد الآن تحالف استراتيجي بين طهران وموسكو" .
مما سبق نستطيع أن نؤكد أن هناك تتمايز بين موسكو وطهران فيما يخص مستقبل الصراع السورى وان إنجاز الاتفاق على النووي الإيراني، تخشى روسيا منه توافقاً ما أميركياً-ايرانياً على حل يحفظ للطائفة العلوية مكانتها ويقوم على مقايضة بين اعتراف أميركي بنفوذ إيراني مقابل التخلي عن شخص الأسد في المقابل مقابل أن مصالح موسكو تندفع نحو سوريا الموحدة في حال الفشل في الحفاظ على الأسد وهو ما يجعل إيران لا تتفرد بالسيطرة على دولة علوية محتملة.
