يحيون عيد الازدهار.. الصابئة المندائيون بين الهجرة وصراع البقاء

الثلاثاء 03/نوفمبر/2015 - 03:17 م
طباعة يحيون عيد الازدهار..
 
تعتبر الديانة المندائية من أقدم الديانات التي ما زال معتنقوها أحياءً في العراق، وينظر المندائيون لبلاد الرافدين كموطنهم الأصلي حيث تقدس مياه نهري دجلة والفرات كما ورد في بعض نصوصهم الدينية.  وعرف عنهم مسالمتهم واندماجهم بين العراقيين من بقية الديانات الاخرى، لكن عقب الاحتلال الامريكي ومع تدهور الأوضاع الامنية واندلاع الحرب المذهبية بين عامي 2005و2006، ثم ظهور تنظيم الدولة "داعش" في يونيو2014 وسطرته علي الموصل، هاجر عدد من الصابئة كباقي الاقليات في العراق من بلاد الرافدين.

عيد الازدهار:

عيد الازدهار:
أحيا الصابئة المندائيون في البصرة، الأحد الأول من نوفمبر، عيدهم الصغير (عيد الازدهار) من خلال تبادل التهاني فيما بينهم واستقبال المهنئين من المسلمين في مندي (معبد) الطائفة، فضلاً عن إقامة طقوس التعميد على ضفاف شط العرب، فيما كان طعامهم الرز واللبن الرائب كجزء من تلك الطقوس.
وقال رئيس مجلس شؤون طائفة الصابئة المندائيين في البصرة سعد مجيد الزهيري إن "أبناء الطائفة يحتفلون منذ فجر (اليوم) أمس بحلول عيد الازدهار أو العيد الصغير (دهوا هنينا) من خلال تبادل التهاني فيما بينهم، ومشاركة معظمهم في طقوس الاصطباغ بمياه شط العرب في جزيرة السندباد"، مبيناً أن "عشرات المواطنين المسيحيين والمسلمين من السنة والشيعة توافدوا نهاراً على مندي (معبد) الطائفة الوحيد في المحافظة لتقديم التهاني، وكان باستقبالهم شيوخ وشباب الطائفة" وفق ما جاء في موقع "السومرية نيوز".
ولفت الزهيري الى أن "المندائيين تناولوا اليوم الرز واللبن الرائب كجزء من الطقوس الدينية الخاصة بإحياء المناسبة"، موضحاً أن "اللبن يرمز الى البياض الناصع، بينما يعد الرز من النباتات المقدسة باعتباره أول نبات نبت في الأرض وفقاً للديانة المندائية".
من جانبهم احتفل الصابئة المندائيون في محافظة ذي قار، أمس، بعيد الازدهار "دهوا هنينا".
وقال رئيس شؤون مندي الصابئة في ذي قار سامر نعيم، إن "الصابئة يحتفلون (اليوم) أمس بعيد الازدهار أو ما يسمى أيضا باللغة المندائية دهوا هنينا، ويطلق عليه العيد الصغير وهو أحد الأعياد المندائية الأربعة الكبيرة للصابئة والذي ازدهرت فيه الأرض وانتصر عالم النور على عالم الظلام".
وأوضح أنه "في هذا التعميد يحتفل الصابئة من خلال تبادل الزيارات والتهاني بين أبناء الطائفة والجلوس على مائدة إفطار بتناول الرز واللبن كتقليد فولوكلوري سنوي ما زلنا نحافظ عليه"، مضيفا أن "أهم الطقوس التي تمارس في هذا العيد هو إجراء التعميد وإعداد طعام الغفران على أرواح موتى الطائفة وتقديم التهاني وتبادل الزيارات في مبنى المندى في الناصرية".
للمزيد عن الصابئة المندائيون اضغط هنا 

ماذا يعني "دهوا هنينا"؟

ماذا يعني دهوا هنينا؟
وتبلغ مدة عيد "دهوا هنينا" يوماً واحداً إلا أن الاحتفاء به يستمر لمدة ثلاثة أيام، تقام خلالها مراسيم التعميد وقراءات اللوفاني، ويحتفل الصابئة المندائيون في هذا العيد بعودة الملاك الرسول "هيبل زيوا" –جبريل- إلى عوالم النور من عالم الظلام.
وتشير الكتب المندائية إلى أن ملاك النور "هيبل زيوا" نزل إلى الأرض "تيبل" بأمر من الحي العظيم، ثم عاد إلى السماء مبشرا بازدهار الكروم وانتشار النور واندحار الظلام.
ويعد عيد الازدهار (دهوا هنينا) واحدا من أصل أهم أربعة أعياد سنوية لدى الصابئة، والأعياد الأخرى هي عيد التعميد الذهبي (دهفا ديمانا)، والعيد الكبير (دهواربا)، وعيد الخليقة (برونايا)، كما يحتفل المندائيون سنوياً داخل العراق وخارجه بثلاث مناسبات دينية أخرى، هي (أبو الفل)، و(أبو الهريس)، و(شيشان عبد).

عقد من الاضطهاد:

عقد من الاضطهاد:
منذ الاحتلال الامريكي، وابناء  الديانة المندائية يعانون من اضطهاد وقتل وتهجير من الاماكن التي يقمون بها في بلاد الرافدين.
قبل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 كان عدد الصابئة في العراق يقدر بحوالي 70 ألفا أما الآن فأفضل التقديرات تشير إلى ان عددهم تراجع إلى اقل من عشرة آلاف بعد اضطرار غالبيتهم العظمى إلى الهجرة إلى خارج العراق بسبب تعرضهم للقتل والتهجير والخطف في مختلف أرجاء العراق.
وخلال سنوات العنف الطائفي في نهاية 2005 وبداية 2006 حتى نهاية العام 2008 تقريباً، وهي الموجة التي تميزت بالقتل على الهوية وخاصة الهوية السنية والشيعية، ولكنها لم تستثن أتباع الديانات الأخرى بالقتل فقد  تعرض الصابئة المندائيين الي القتل والتهجير، وتشير الإحصاءات التي ذكرتها الرابطة الوطنية للمندائيين إلى حجم العنف والجرائم المرعبة التي تعرض لها الصابئة خلال الفترة من أكتوبر 2003 إلى مارس 2006 ومنها مقتل 504 منهم وخطف 118 ومغادرة 4663 عائلة إلى خارج العراق وكان عدد العائلات الباقية في العراق شهر مارس من عام 2006 فقط 1162, فعلى سبيل المثال كان عدد عائلاتهم في بغداد قبل الغزو 1600 عائلة لم يبق منهم حتى ابريل 2006 سوى 150 عائلة.
ويقارب عدد المندائيين الصابئة 600 الف نسمة، لم يتبقي منهم ما يقرب من 10 الاف في العراق.
وفي البصرة كان يسكن آلاف المواطنين المندائيين، لكن غالبيتهم هاجروا بعد عام 2003، ولا تتوفر إحصائية رسمية بعدد المندائيين في المحافظة، إلا أن التقديرات تفيد بوجود ما لا يزيد عن 300 أسرة معظمها تسكن في مناطق مثل الحكيمية والعباسية والطويسة، والأخيرة يقع فيها المندي (المعبد) الوحيد للطائفة في المحافظة.
وأشارت دراسة منظمة الشعوب المهددة بالانقراض الألمانية عام 2006 إن المليشيا لم تعد تطلب من الصابئة اعتناق الإسلام أو مغادرة منازلهم في البصرة بل لجأت إلى القتل لأنه اقل كلفة بعد أن مرت جرائمها السابقة دون عقاب.

الصابئة و"داعش":

الصابئة وداعش:
وعقب ظهور تنظيم "داعش" ورغم عدم التواجد الكبير للصابئة المندائيين في اشمال العراق، الا ان ابناء الطائفة الموجودين في شمال العراق وخاصة في المول، هربوا من المدنية الي جنوب العراق، ويقول عضو مجلس النواب العراقي خالد الرومي عن الصابئة المندائيين، انه “ليس لدى الصابئة المندائيين وجود كثيف في المناطق الشمالية من العراق على غرار المسيحيين والايزيديين والشبك وبالتالي فان مخاوفنا كاقلية كانت تتتاتي من تمدد "داعش" وخاصة الي وسط البلاد والعاصمة بغداد، ” موضحا ان “لدينا عائلة صابئية واحدة في الموصل تمكنت من الخروج قبل ان تحصل التداعيات الامنية بالكامل كما كانت لدينا عائلتان في الفلوجة وقد تمكنتا من النزوح قبل احتلال داعش الفلوجة”. الرومي يقول ان “الفترة الوحيدة التي عشنا فيها كصابئة على سبيل المثال وضعا مثاليا هي فترة الزعيم عبد الكريم قاسم (1958 – 1963) حيث اصبح الدكتور عبد الجبار عبد الله، وهو صابئي اول رئيس لجامعة بغداد”. 
وفي يناير 2015، دعت رئاسة مجلس شؤون طائفة الصابئة المندائيين في البصرة، الحكومة العراقية والقوات الأمنية الى توفير الحماية الى بعض الشخصيات الدينية المندائية البارزة على خلفية تلقيها تهديدات بالتصفية الجسدية من قبل مجهولين.
وقال رئيس المجلس سعد مجيد الزهيري، إن "عدة تهديدات بالقتل تلقيتها في غضون الشهرين الماضيين بصيغة رسائل نصية عبر الهاتف المحمول من أشخاص مجهولين، وآخر رسالة وصلتني قبل ساعات"، مبيناً أن "الزعيم الديني للطائفة في المحافظة الشيخ مازن نايف تلقى هو الآخر قصاصة تهديد وضعها مجهولون قرب باب منزله، كما طال التهديد أيضاً أحد أعضاء مجلس شؤون الطائفة علاء صدام".
ولفت الزهيري الى أن "التهديدات المتكررة اضطرتني الى عدم الإقامة في بيتي بشكل مؤقت حرصاً على سلامة أفراد عائلتي"، مضيفاً أن "مجلس شؤون الطائفة يناشد الحكومة العراقية والقوات الأمنية الإسراع بتوفير الحماية للشخصيات التي تعرضت الى التهديد".

المشهد العراقي:

المشهد العراقي:
لقد لعب الاحتلال والنظام الطائفي ومحاصصاته دوراً أساسيا في هجرة الاقليات، في ظل النظام السياسي الإسلامي الطائفي ومحاصصاته الطائفية والأثنية ما بعد 2003، وفي ظل حكومات علاوي والجعفري والمالكي حتى الوقت الحاضر، قتل مئات ألوف البشر وجرح وعوق مئات ألوف أخرى، كما جرى تهجير أكثر من مليوني إنسان أضيفوا للملايين السابقة. كما هدم ودمر الكثير من التراث الحضاري العراقي الأصيل، تراث الحضارة الآشورية على نحو خاص والكثير من المكتبات ودور العبادة والمزارات والأديرة التاريخية، ومع بروز "داعش" اصبح هناك تهديد حقيقي للأقليات في العراق، فهل سيكون هناك ابناء من طائفة الصابئة المندائيون العامل المقبل يحي عيد"الازدهار"، في موجهة من القتل والارهاب تقضي علي وجود ابناء الطوائف العراقية أم سيختفي الصابئة المندائيون من معقل ديانتهم؟

شارك