شرقا وغربا.. الشعوب تدفع ثمن أخطاء الحكام!

الخميس 19/نوفمبر/2015 - 10:25 م
طباعة
 
كما كان متوقعا عقب أحداث باريس الارهابية، زادت مشاعر الكراهية في أوروبا تجاه العرب والمسلمين، وتم مراجعة تدفق اللاجئين السوريين والعراقيين إلى الغرب، حيث قرر البرلمان الفرنسي تمديد حالة الطوارئ في فرنسا لمدة ثلاثة أشهر، وقرر مجلس النواب الأمريكي تعليق قرار السماح باستقبال اللاجئين السوريين والعراقيين، بالرغم من اعلان البيت الأبيض بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سوف يستخدم حق الفيتو ضد هذه القرار.
الغريب في الأمر هو ما تمر به القارة العجوز من ارتباك في التعامل مع الارهابيين، وقلة الحيلة التي اصبحت عليها أجهزة الاستخبارات الغربية تجاه مواجهة خطر هذه الجماعات الارهابية، في ضوء غياب استراتيجية واضحة لمكافحة الارهاب، بعيدا عن الأجندات الخاصة، ففي الأزمة السورية تحديدا، وبسببها نما وترعرع تنظيم داعش وأصبح يسيطر على أكثر من ثلثي الأراضي السورية، بالرغم من مئات الغارات الجوية التي شنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة منذ اغسطس 2014، وبالرغم من الغارات المكثفة التي شنتها روسيا منذ نهاية سبتمبر الماضي، وهذا يعود إلى عدم اتفاق القوى الكبرى على كيفية حل  هذه الأزمة، في ظل رغبة معسكر يضم أمريكا والسعودية وقطر وتركيا وآخرين في ازاحة نظام بشار الأسد، ثم الاتفاق مجددا عن البديل، في مقابل معسكر تقود روسيا وايران يدعو لبقاء الأسد والتركيز على مواجهة خطر الجماعات الارهابية أولا.
ولكن، السؤال الأهم هنا، من يدعم تنظيم داعش؟، ومن يموله، ومن أن يحصل هذا التنظيم على مصادر تمويل تجعله ينفذ عملياته في مختلف بلدان الشرق الأوسط، والآن يقوم بنقل عملياته إلى قلب أوروبا، وكانت البداية فرنسا.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محقا حينما اتهم دول مشاركة في قمة الـ 20 الأخيرة في تركيا بدعم الجماعات الارهابية، مقدما بالصور والأدلة اعتماد التنظيم الارهابي على ترويج البترول الذى يحصل عليه من أماكن يسيطر عليها في العراق وسوريا عبر هذه الدول، وبالرغم من التحذيرات التي أطلقها الكثيرون بشأن تورط تركيا في دعم الارهابيين، إلا أنه لم ينصت أحد لهذه الاتهامات، حيث تتراخى عن ملاحقة العناصر الارهابية، كذلك لم تتخذ الخطوات اللازمة لمنع تدفق الارهابين من أوروبا إلى سوريا والعكس، لتصبح تركيا متهمة في تدفق الارهابيين وكذلك دعمهم بالمال تحت سمع وبصر المجتمع الدولى.
وأصابع الاتهام تنحصر في تركيا، لأن براميل البترول التي يتم سرقتها من سوريا إما سيتم بيعها عبر العراق أو الاردن أو تركيا أو اسرائيل في ضوء الحدود الجغرافية التي تربط سوريا بهذه البلدان، فإذا كان التنظيم يستخدم العراق للتهريب فهذا معناه أن إحدى دول الخليج تستخدم هذه البراميل وتقوم ببيعها للخارج عبر وسيط، وإذا كان يستخدم التنظيم الأراضي الأردنية في تهريب البترول ما اختارت الدول الغربية الأردن ليكون منسقا لحصر الجماعات الارهابية في سوريا، ولو استخدم داعش اسرائيل فى تهريب البترول لتم فضحه امام العالم الإسلامي، لذا لم يعد إلا تركيا في بؤرة الاتهام، ومع ذلك لم يتم اتخاذ أي اجراءات معها، بالعكس يتم منحها ملايين الدولارات تحت مزاعم استضافة اللاجئين السوريين، فى الوقت الذى تشعل فيه تركيا نيران الحرب السورية بتمويل الجماعات المسلحة بالسلاح، وتوفر للإرهابيين الملاذ الامن وضمان عدم ملاحقتهم.
وفى قفص الاتهام ايضا، الازدواجية الغربية في التعامل مع الشرق الأوسط، فمنذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وهناك تركيز على حماية الأنظمة التي تقدم المزيد من الخدمات للغرب، في إعادة لما كان يحدث في عهود سابقة وحماية أنظمة مستبدة، وكأن هناك اصرار على اعادة استنساخ نظام بنى على ومبارك، وتجاهل رغبات شعوب الشرق الأوسط في الرخاء والتنمية، وحينما تفرز صناديق الانتخاب شخصيات ليست على هوى الغرب ويتم اثارة الحديث عن حقوق الانسان والديمقراطية، في الوقت الذى تعانى فيه بلدان الشرق الأوسط من جحيم الحروب وانعدام الحياة الانسانية، بأي منطق ننتصر للديمقراطية في الوقت الذى مزقت فيه الحروب كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن، أضف إلى ذلك  التحديات الاقتصادية التي تواجه كل من مصر وتونس.
كيف توقعت أوروبا أنها ستكون بأمان بعيدا عن نيران الارهاب وهى تعمل على تزكية الخلافات السياسية في ليبيا ومد الجماعات الارهابية بالسلاح، وهو ما يحدث في سوريا، وكذلك الصمت على الجرائم التي ترتكب ضد الانسانية في اليمن تحت مزاعم حماية الشرعية، في الوقت الذى لا يدخر فيه المجتمع الدولي أي جهد في التنديد بما يحدث في الاراضي الفلسطينية وادانة حالات الطعن التي انتشرت مؤخرا.
لابديل عن وقف هذه الازدواجية، ومنح الشعوب حقها فى التنمية والرخاء، والربط بين المعونات وتحسين أوضاع حقوق الانسان تدريجيا وليس كليا، والتوقف عن اثارة النعرات الطائفية تحت ادعاء الديمقراطية، ووضع حل حقيقي وجذري لمعاناة اللاجئين السوريين الذين اغلقت امامهم كل أبواب الحياة، فلم يعد الداخل بأمان ولم يعد هناك في الخارج من يفتح أبوابه لهم، فهل يتركون وحدهم يدفعون ثمن الديمقراطية التي سبق ووعدهم البعض بتحقيقها فى سوريا حتى ولو على أنقاض الدولة السورية؟!     
نعم هناك فقر وتخلف ورجعية في الشرق الأوسط نعترف بذلك، ولكن هذا بسبب دعم الغرب للأنظمة الاستبدادية خلال العهود السابقة، وما يحدث من انتشار للجماعات الارهابية بالشرق الأوسط سببه خلل فكرى وايماني يتطلب معه وقفة من الداخل، فالإرهاب فكرة قبل ان يكون تنظيم، فربما يختفى تنظيم القاعدة وربما تنجح الحرب على داعش، ولكن من يضمن عدم ظهور جماعات اخري بمسميات مختلفة في ظل تلكؤ الغرب عن وقف الازدواجية وضخ الاستثمارات والمشروعات التنموية في البلدان التي تحقق مصالحه فقط دون النظر لمصالح شعوب المنطقة.     
للأسف.. الشعوب الأوروبية أكثر تسامحا من أنظمتها، ومع ذلك هم من يدفعون ثمن خطا هذه الأنظمة في التعامل مع بلدان الشرق الأوسط، كانوا يعيشون بحرية ولكن خطا الحكام فرض عليهم أن يعيشون فى حالة طوارئ وتقييد حرياتهم، ويشعرون بكراهية الاخرين لهم، مثل تفعل الأنظمة العربية المستبدة المدعومة من الغرب، فهي تبقي فى الحكم بسبب فقر وتخلف وتطرف شعوبها! 
كلمة أخيرة.. كيف نجحت أجهزة الاستخبارات الغربية في رصد مكالمات هاتفية بين أفراد من تنظيم داعش في سيناء مع عناصر داع شفى سوريا قبل وبعد سقوط الطائرة الروسية في سيناء، وفشلت في رصد أي مكالمات بين عناصر التنظيم قبل وبعد تنفيذ عمليات باريس الدامية؟،  أليس هذا مؤشرا على استمرار الازدواجية  أم هناك انتقائية في تتبع التنظيمات الارهابية؟، وهل خلخلة التحالف المصري الروسي بسبب حادث الطائرة أهم من حماية أمن وسلامة المواطن الاوروبي؟!        

شارك