مع زيادة توسعه في البلاد.. داعش ليبيا باقٍ ويتمدد
السبت 30/يناير/2016 - 01:42 م
طباعة
لا زال التنظيم الإرهابي "داعش"، يتنامى في ظل الأجواء التي تشهدها ليبيا الآن، وبالأخص مع تعنت الأطراف الليبية في الوصول لحل سياسي يدفع بالبلاد إلى الاستقرار.
تمدد داعش
بدأ التنظيم الإرهابي يتوغل في البلاد منذ عام وبالأخص عقب الفوضى التي سادت في أعقاب الإطاحة بمعمر القذافي؛ حيث استغلت الجماعات المسلحة حالة الفوضى واستطاعت التوغل وتهريب أسلحتها؛ ما جعل البلاد شبه معقل للإرهاب، ومع مواصلة استقطاب داعش للمزيد من العناصر، تحولت المناطق الليبية إلى معاقل للتنظيم الإرهابي، وبينما استطاع التنظيم أن يتخذ من مدينة سرت مقرًا رئيسيًا له، والتي تعتبر مسقط رأس الزعيم الراحل معمر القذافي والمعروفة بأنها غنية بالنفط وموقعها استراتيجي لأهداف التنظيم.
وأعلن التنظيم الإرهابي إنشاء فرعه في ليبيا: ولاية درنة، في أكتوبر 2014، قبل أن يسيطر على مدينة سرت في مايو 2015.
وترددت أنباء عن بدء تنظيم "داعش" بنقل مقاتليه وإدارته إلى مدينة سرت الليبية بعد كثافة الضربات الجوية التي يوجهها له التحالف الدولي في العراق وسوريا.
وكان التحالف الدولي قد أعلن على لسان مسئوليه أنه تمكن من قتل 22 ألف مقاتل للتنظيم بسوريا والعراق.
وتحدثت مصادر استخباراتية أمريكية، بحسب صحف أمريكية، عن إرسال أمير التنظيم أبوبكر البغدادي قياديًّا بارزًا في التنظيم إلى سرت الليبية لتعزيز وجود التنظيم وإدارته في ليبيا.
ويرى مراقبون أن نقل "داعش" لأعماله القتالية إلى ليبيا لا تنحصر أسبابه في فقدان عدد كبير من مقاتليه بسوريا والعراق فقط، ولكن أيضاً بهدف تعويض مصادر تمويله التي فقدها جزئياً هي الأخرى.
وكان التنظيم في ليبيا قد شن هجمات على مواقع للنفط في الهلال النفطي الخصب وسط البلاد أكثر من مرة كان، آخرها الأسبوع الفائت بهدف السيطرة عليها.
ويسعى التنظي- بحسب تسجيل مرئي ظهر فيه قيادي يدعى أبو عبد الرحمن الليبي- لاستهداف مواقع نفطية أخرى في البريقة وطبرق شرقا والسرير والكفرة جنوبًا.
وبعد أن كانت درنة "شرق ليبيا" المركز الرئيس للتنظيم، تحول هذا الأخير ليركز نشاطه في سرت "وسط البلاد" المتاخمة لمنطقة الهلال النفطي، وبحسب تقارير عديدة، أصبح التنظيم يسيطر على ما لا يقل عن 300 كم شرق وغرب سرت، بل سيطر فعليًّا على منطقة بن جواد التي لا يفصلها عن السدرة، أولى مناطق الهلال النفطي، سوى بضعة كيلو مترات.
وتشكل سرت أهمية كبيرة بالنسبة للتنظيم، فبالإضافة لكونها مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي وتركز مؤيديه فيها، مما قد يشكل حاضنة لـ"داعش" على غرار حاضنة حزب البعث في العراق، تشكل سرت موقعا استراتيجيًّا يطل بشكل مباشر على عمق الصحراء عبر شبكة من الطرق يصعب مراقبتها، إضافةً لشريط ساحلي طويل غني بالخلجان والتعرجات الساحلية التي توفر حماية طبيعية لقوارب الهجرة غير الشرعية إلى شواطئ أوروبا.
أهداف التنامي
يرى متابعون أن للتنظيم هدفًا آخر يتمثل في تعويض خسائر أراضيه في العراق وسوريا، فليبيا بمساحتها الشاسعة وانقسام هياكل السياسة والأمن فيها والاقتتال المستمر بين فرقائها، يمكن للتنظيم الاتصال المباشر بالمنظمات الإرهابية المقربة منها، وعلى رأسها "بوكو حرام" وإمكانية جلب المزيد من المقاتلين من إفريقيا الذين يشكلون نسبة كبيرة من جنوده، كما أن إعلان التنظيم عن قرب نجاحه في دمج مقاتلي القاعدة في المغرب العربي ضمن مقاتليه، هو أيضاً سبب يجعل تواجده في ليبيا مهمًّا.
تقارير صحفية غربية كشفت أن التنظيم استفاد من موجات الهجرة القادمة من دول الجوار الليبي في تجنيد المزيد من المقاتلين، فقد أكدت هذه التقارير أن نصف مقاتلي التنظيم في ليبيا هم تونسيون والباقي من جنسيات عربية وإفريقية، وتمكن هؤلاء من الوصول عبر قوافل الهجرة، فليبيا تشترك بالحدود مع تونس والجزائر والنيجر وتشاد والسودان ومصر. بالإضافة لامتلاكها ساحلًا طوله 1600 كم يمكِّن مقاتلي التنظيم في سوريا من الوصول بسهولة ضمن اللاجئين السوريين.
وكانت نشرت مجموعة "سوفان غروب"، الأمريكية المتخصصة في الدراسات الاستراتيجية، الأربعاء 27 يناير الجاري، تقريرًا أمنيًّا حذر من تحول ليبيا إلى قاعدة جديدة للجماعات الإرهابية، وعلى رأسها داعش.
وقال التقرير: إن غياب سلطة مركزية، سمح للجماعات الإجرامية والمتشددة العنيفة بالازدهار، بما في ذلك تنظيم القاعدة وداعش، ويمثل توسع هذه الشبكات تهديدًا خطيرًا لأمن المنطقة وللمجتمع الدولي.
والجدير بالذكر أن العديد من دول الغرب، لوح أكثر من مرة باحتمالية التدخل العسكري في ظل تعاظم نفوذ داعش في ليبيا
فيما كشفت صحيفة "ﻧﻴﻮﻳﻮﺭﻙ ﺗﺎﻳﻤﺰ" الأمريكية، منذ يومين أن ﻭﺍﺷﻨﻄﻦ ﻛﺜفت من عمليات ﺟﻤﻊ المعلومات الاﺳﺘﺨﺒﺎﺭﺍﺗﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ، ورجحت الصحيفة أن تكون ﺇﺩﺍﺭﺓ الرئيس ﺃﻭﺑﺎﻣﺎ ﺗﺨﻄﻂ ﻟﻔﺘﺢ جبهة ثالثة ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻋﻠﻰ ﺩﺍﻋﺶ.
وفي ظل تعاظم نفوذ التنظيم في ليبيا، أدى ذلك إلى تخوفات الدول من تكرار سيناريو العراق وسوريا، حيث قال وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر: "إن تنظيم داعش يقيم مواقع تدريب في ليبيا ويستقبل مقاتلين أجانب في أسلوب مماثل لما فعله في العراق وسورية، خلال الأعوام المنصرمة"، مضيفًا: "لا نريد أن نكون على طريق يقودنا لوضع مثل سورية والعراق. وهذا ما يجعلنا نراقب الأمر عن كثب. هذا ما يجعلنا نطور خيارات لما قد نفعله في المستقبل."
محاولات التصدي للتنظيم
من جانبه أعلن البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما أصدر أول أمس 28 يناير 2016 توجيهات لمستشاريه في مجال الأمن القومي للتصدي لمحاولات تنظيم داعش التوسع في ليبيا.
وأصدر أوباما توجيهات لفريق الأمن القومي لمواصلة الجهود لتعزيز الحكومة ودعم الجهود الراهنة لمكافحة الإرهاب في ليبيا والدول الأخرى، التي يسعى داعش لتأسيس وجود له فيها.
وقبل يومين، صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع بيتر كوك، قائلا: "نبحث خيارات عسكرية"، في ليبيا، موضحًا أن بلاده أرسلت بالفعل عددًا صغيرًا من العسكريين إلى ليبيا لمحاولة إجراء محادثات مع قوات محلية للحصول على صورة أوضح لما يحدث هناك على وجه التحديد.
يأتي هذا في وقت أعلنت إيطاليا استعدادها لتوجيه ضربات عسكرية لداعش في ليبيا، وكذلك فرنسا التي أعلنت احتمالية التدخل عسكريا في غضون 6 أشهر.
وتتخوف الدول الأوروبية من أن يؤدي شن غارات جوية على داعش، من دون موافقة ليبية رسمية، إلى إذكاء "الدعاية الجهادية" بحدوث "غزو غربي" جديد، بحسب تصريحات وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي.
وصرحت بينوتي، في اجتماع وزراء دفاع الدول الغربية المشاركة في التحالف ضد داعش، في باريس، الأسبوع الماضي، أن "هناك اتفاقًا كاملًا على أن أي حكومة موحدة تتشكل في ليبيا ستطلب المساعدة في قتال المتشددين لتفادي إذكاء الدعاية الجهادية بحدوث غزو غربي.
وحتى الآن يشهد الاتفاق السياسي فشلًا ذريعًا؛ حيث لم ينجح الفرقاء الليبيون في تشكيل حكومة موحدة.
ورفض البرلمان الليبي، المعترف به دوليا، اقتراح الأمم المتحدة لتشكيل حكومة موحدة في ليبيا في وقت سابق هذا الأسبوع.
ووفق ما قالت بينوتي، إن الوضع الطارئ، وفشل جهود تشكيل حكومة موحدة، قد يدفع الدول الغربية إلى تغيير استراتيجيتها، موضحة أن الدول الغربية مستعدة لقتال تنظيم داعش في ليبيا حتى إذا أخفق الليبيون في تشكيل حكومة موحدة قريبا.
وتدرس الإدارة الأمريكية، فتح جبهة جديدة ضد تنظيم داعش في ليبيا لمنع الجهاديين من اقامة معقل جديد لهم في هذا البلد الذي يشهد حالة من الفوضى.
تزايد عدد مقاتلي التنظيم
ووفق إحصائيات غربية فقد بلغ عدد مقاتلي التنظيم نحو ثلاثة آلاف، مطلع يناير هجومًا على منطقة "الهلال النفطي" حيث تقع مراكز النفط الرئيسية في ليبيا.
ودعا أوباما الذي يشعر بالقلق من الوضع، إلى اجتماع لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض خصيصًا لليبيا، حيث قال مسئول أمريكي في الدفاع الجمعة: "يجب التحرك قبل أن يصبح البلد ملاذًا "للجهاديين" وقبل أن يصبح من الصعب جدًّا طردهم".
وتعد وزارة الدفاع الأمريكية خيارات لتدخل عسكري من ضربات جوية إلى قوة مدعومة من قبل الأمم المتحدة، حيث أرسلت الولايات المتحدة في الأشهر الماضية مجموعات صغيرة من القوات الخاصة لتقييم الوضع ميدانيًّا وإقامة اتصالات مع القوى المحلية.
ووفق تصريحات أمريكا فإن الولايات المتحدة وحلفاءها تهتم بالمفاوضات حول تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، وقد تعهد فايز السراج رئيس الوزراء المعين بموجب اتفاق أبرم برعاية الأمم المتحدة تقديم تشكيلة حكومية جديدة في نهاية الأسبوع المقبل.
وفيما يبدو أن الأمريكيين لا يرغبون في تولي قيادة عملية محتملة في ليبيا، وكانت الولايات المتحدة تدخلت مرة واحدة على الأقل في ليبيا ضد تنظيم داعش، ففي نوفمبر الماضي قتلت في ضربة جوية أحد قادة الإرهاب في ليبيا وهو العراقي أبو نبيل.
ويتضح من الأسلوب الذي يتبعه التنظيم الإرهابي أنه باق ويتمدد، في ظل تناحر الأطراف الليبية، مستغلًا فشل الحكومات الحالية في إنقاذ البلاد مما آلت إليه.
