مجددًا.. تقرير دولي يكشف جرائم الميليشيات الشيعية في العراق

الأحد 31/يناير/2016 - 03:34 م
طباعة مجددًا.. تقرير دولي
 
تقرير جديد يكشف استمرار جرائم عدد من الميليشيات الشيعية المتطرفة ضمن قوات الحشد الشعبي في العراق، وهو ما يشير إلى استمرار سياسة هذه الجرائم في المخالفين لهم في المذهب.

تقرير دولي

تقرير دولي
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش": إن "عناصر من ميليشيات شيعية، ضمتها الحكومة إلى قوات الجيش، اختطفت وقتلت العشرات من السُّنة المُقيمين في بلدة تقع وسط العراق، وهدموا منازل ومتاجر ومساجد سُنية في أعقاب تفجيري 11 يناير 2016 التي أعلن "تنظيم الدولة"، مسئوليته عنهما، فيما أكدت أن المسئولين لم يُقدموا أيا من عناصر الميليشيات هؤلاء إلى العدالة.
وكان تفجيران مُتعاقبان وقعا في مقهى ببلدة المقدادية، بمحافظة ديالي، في 11 يناير، أسفرا عن مقتل 26 شخصًا على الأقل، العديد منهم من السُّنة، بحسب مُعلم يقطُن قرب المقهى، فيما أعلن تنظيم الدولة مسئوليته عن التفجيرين، وفقًا لما ذكرته المنظمة في تقريرها.
وأوضح مصدر "هيومن رايتس"، بحسب تقرير لها، أن التفجيرين استهدفا ميليشيات شيعية محلية، معروفة باسم "قوات الحشد الشعبي"، والتي تقع رسميًّا تحت إمرة رئيس الوزراء، بينما رد عناصر اثنين من الميليشيات المُهيمنة على المقدادية، هما "فيلق بدر" و"عصائب أهل الحق"، بمُهاجمة السُّنة في منازلهم ومساجدهم؛ ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص على الأقل، وربما أكثر بحسب سكان محليين.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب تقرير المنظمة: "يدفع المدنيون مرة أخرى ثمن إخفاق العراق في إحكام السيطرة على الميليشيات المُنفلتة. على الدول التي تدعم قوات الأمن العراقية وقوات الحشد الشعبي أن تُصرّ على أن تضع بغداد حدًّا لهذه الانتهاكات القاتلة".
وشدد جو ستورك على أن "الاختبار الحقيقي للسلطة القضائية وقوات الأمن في العراق هو تقديم المسئولين عن تلك الهجمات المُريعة إلى العدالة في مُحاكمات نزيهة وعلنية. يجب أن يكون إحراز تقدم في تحديد هوية المُشتبه بهم وتسليمهم إلى القضاء مؤشرا هامًّا؛ من أجل تواصل الدعم العسكري للقوات العراقية".
وبحسب المنظمة الحقوقية، فإن "قتل المدنيين عمدًا، ونهب وتدمير ممتلكاتهم على نحو غير مُبرر، في سياق نزاع مُسلح، يُعد بمثابة انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، الذي ينطبق على كافة الأطراف المُتحاربة في العراق، وقد يرقى إلى جرائم حرب. تتحمل الحكومة العراقية المسئولية عن أفعال قوات الحشد الشعبي، منذ ضمها رسميًّا إلى الجيش العراقي في 7 أبريل 2015".
ونقل تقرير "رايتس ووتش" عن أحد السُّنة القاطنين في المقدادية ويدعى "عباس"؛ حيث إنه لم يستخدم اسمه الحقيقي مثل غيره من الذين قابلتهم "هيومن رايتس ووتش"؛ من أجل سلامتهم: "أنا أعرف اسم أحد عناصر الميليشيا (حُجب الاسم) وغيره من الذين يجوبون شوارعنا، إنهم من المنطقة، ربما كانت داعش خلف تفجير المقهى، إلا أن عصائب أهل الحق هي التي هاجمت السُّنة ومنازلهم ومساجدهم في منطقتنا".
وقال عباس إنه يعرف 30 شخصًا بالاسم، بعضهم جيرانه، وبعضهم من الحي، قتلوا بأيدي الميليشيات، أغلبهم في ليلة 11 يناير.
بينما أرسل "واثق"، وهو سُّني آخر من المقدادية، صورة لجثة شقيقه المُشوهة إلى "هيومن رايتس ووتش"، وقد ذهبت قوات عصائب أهل الحق إلى منزل عائلته في 11 يناير، وأخذت شقيقه. وقال إن أمه أخبرته بأن عناصر الميليشيا كانوا يبحثون عن السُّنة، وإنه يعرف أسماء خمسة من عناصر الميليشيا الذين ذهبوا إلى منزل عائلته في تلك الليلة، لافتًا إلى أن أمه أحضرت الجثة من المشرحة في اليوم التالي للتفجيرين.
ولقي المراسل الصحفي سيف طلال، مصرعه مع المصور حسن العنبكي، وكانا يعملان في قناة "الشرقية" العراقية يوم 12 يناير في بعقوبة، على يد من أسمتهم القناة "ميليشيا مُنفلتة"، في رسالة إلكترونية إلى "هيومن رايتس ووتش".
من جانبه قال الناشط السُّني "جمال": "لم يعد يعيش في المقدادية"، وفيما لفت إلى أنه جمع معلومات من شهود محليين بشأن 15 شخصًا، كلهم من السُّنة، خُطفوا أو قتلوا منذ 11 يناير في المقدادية، فقد أكد أنه عُثر على 6 جُثث مجهولة الهوية عند نقطة تفتيش الإمام عبد الله بن علي في بعقوبة يوم 12 يناير.

جرائم الميليشيات الشيعية

جرائم الميليشيات
وفي الفترة ما بين 2005 و2008 قتل مئات الآلاف من السُّنة العراقيين، على يد تلك الميليشيات، إضافة إلى عمليات التطهير الطائفي بالتهجير القسري، والتغييب في السجون، والتعذيب الذي وثقته تلك الميليشيات ووضعته على أشرطة اليوتيوب في عدد مهول من المشاهد التي لم يعد بالإمكان تحمل مشاهدتها. ناهيك عن جرائم الاضطهاد، ومصادرة أو تدمير الممتلكات، وتفجير المساجد ودور العبادة، واستخدام «الدريلات» التي وجدت في سجن سري كان يشرف عليه وزير الداخلية العراقي الأسبق بيان جبر صولاغ، في قبو تحت مكتبه في الوزارة. كل ذلك موثق، وتضاف إليه جرائم السحل وحرق الأشخاص أحياء، وقتل المعتقلين والمختطفين حتى بعد أن يتم دفع مبالغ مالية كفدية تصل إلى عشرات آلاف الدولارات، التي تؤخذ من قبل زعماء تلك الميليشيات الذين يأخذون المبالغ ويرسلون الجثث إلى ذويها. أما ملايين العراقيين (سنة في معظمهم) الذين شردتهم تلك الميليشيات خارج العراق فقصة أخرى يطول شرحها.
وعملت الميليشيات الشيعية تحت أغطية مختلفة، لكنها ظلت غير بعيدة عن معرفة السلطات السياسية والأمنية ومتداخلة معها، حتى تم تأسيس الحشد الشعبي في صيف 2014 بناء على فتوى المرجع الشيعي السيد علي السيستاني لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"؛ حيث أصبح هذا الحشد هو الغطاء القانوني لهذه الميليشيات التي ازداد عددها منذ ذلك الوقت إلى أكثر من أربعين ميليشيا.
وقد وثق عدد كبير من المنظمات الحقوقية الدولية ارتكاب هذه الميليشيات جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد السنة في العراق، ومكتب الأمم المتحدة على اطلاع تام بحقيقة تلك الجرائم. يورد تقرير لمنظمة العفو الدولية عدداً من الوقائع والجرائم التي رصدتها المنظمة لهذه الميليشيات. ويذكر التقرير المعنون بـ»إفلات تام من العقاب: حكم الميليشيات في العراق» تفاصيل مروعة للهجمات الطائفية التي تشنها الميليشيات الشيعية في بغداد وسامراء وكركوك، على أساس طائفي. ويؤكد التقرير العثور على «جثث مجهولة الهوية في مختلف مناطق البلاد، وقد قُيدت أيادي أصحابها خلف ظهورهم، ما يشير إلى وجود نمط من عمليات قتل على شاكلة الإعدامات الميدانية».
وفي يونيو 2015، قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي: "إن ميليشيات الحشد الشعبي جزء من منظومة أمنية عراقية، ورفض وصمها بالطائفية، مؤكدًا أن تمويلها يأتي من الحكومة".
وتحول الحشد الشعبي إلى ميليشيات نظامية ترعاها الحكومة العراقية وتدربها، لكنها بقيت تنظيمات مسلحة منفصلة لكل منها قياداته وهيكله التنظيمي الخاص. وظلت السلطات العراقية تدفع عن ميليشيات الحشد الاتهامات المتواصلة بارتكاب جرائم حرب في مناطق مختلفة ضد السكان العرب السنة، وارتكاب انتهاكات في المناطق التي تستولي عليها من تنظيم الدولة.

دعوة لفتح تحقيق

دعوة لفتح تحقيق
من جانبه قال رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري: "إن على الدولة نزع سلاح الميليشيات الشيعية الموجودة في محافظة ديالي، شمال شرق بغداد، وحماية العراقيين السُّنة هناك من جرائم القتل التي ترتكبها من وصفها بـ الميليشيات المنفلتة".
وحذر الجبوري من أن الخيار البديل هو أن تحمي كل فئة نفسها بنفسها من جرائم القتل التي ترتكبها ميليشيات تسعى لبث الفتنة، وهو ما يعني وجود كانتونات داخل العراق، و"هو ما لا نرضاه.. وما نريد هو دولة تفرض نفسها على الجميع بقوة القانون".
وقال رئيس البرلمان العراقي، إنه يجب إنقاذ الدولة من محاولات سرقتها من الميليشيات المنفلتة التي يتستر بعضها بعباءة العشيرة، والبعض الآخر بالعباءة الحزبية، وفئة ثالثة مندسة داخل أجهزة الدولة.
فيما دعا تحالف القوى العراقية- ذو الأغلبية السنية- الخميس، إلى فتح تحقيق "فوري" بشأن تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي تحدثت عن وقوع "انتهاكات" و"إخفاء قسري" أثناء عمليات تحرير المدن من سيطرة تنظيم "داعش"، فيما انتقد دور الأمم المتحدة إزاء تلك "الانتهاكات".
وقال عضو الهيئة السياسية للتحالف النائب فارس الفارس: إن "تقرير هيومن رايتس ووتش تحدث عن انتهاكات خطيرة يندى لها جبين الإنسانية من قبل بعض الميليشيات المنفلتة، مما يتطلب من الحكومة إجراء تحقيق فوري بصددها"، مبينًا أن "تحالف القوى العراقية شخص خلال الفترة الماضية تلك الجرائم والانتهاكات وطلبنا من الحكومة التصدي لمرتكبيها ومنعهم ومحاسبتهم ولكن دون جدوى".
وأضاف الفارس، أن "التقرير المذكور لم يكن مفاجئا لنا فسبقته الكثير من التقارير من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان المحلية والدولية التي شخصت الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، والتي يتعرض لها المكون السني من قبل داعش وبعض الميلشيات المنفلتة"، لافتاً إلى أن "السنة العرب أصبحوا، اليوم، بين مطرقة داعش وسندان الميليشيات".
وطالب الفارس، لجنة حقوق الإنسان النيابية والمفوضية العليا لحقوق الإنسان بـ"القيام بواجبهما الشرعي والدستوري من خلال توثيق تلك الجرائم الممنهجة، وإحالة مرتكبيها إلى القضاء العراقي لكي يتسنى محاسبتهم، وعدم الاكتفاء بالاستنكار أو الوقوف بموقف المتفرج"، منتقدًا "دور بعثة الأمم المتحدة في العراق حيال الانتهاكات التي حدثت في مجال حقوق الإنسان والتي تصل إلى جرائم حرب كما ثبتها تقرير هيومن رايتس ووتش".

جرائم الميليشيات- المشهد الآن

العراق أصبح أرض الميليشيات الأولي، وهو دعاوى فتح التحقيقات أو نزع السلاح، في ظل ضعف الدولة العراقية الحالي، وإنها رهن الميليشيات الشيعية وخبراء الحس الثوري الإيراني، وإن استمرار العنف والتطهير العرقي والمذهبي أمر واقع في العراق رغم عشرات التقارير الدولية التي توثق هذه الانتهاكات.
العراق دولة ميليشيات الآن، وتحتاج إلى إرادة قوية وحقيقية من جميع الأطراف والقوى السياسية العراقية؛ من أجل إنقاذ ما تبقى من وطن يتمزق على فوهات بنادق المذهبية.. فهل سينجح القادة العراقيون في إنقاذ بلاد الرافدين؟ أم أن العراق سيتحول إلى كونتات طائفية؟

شارك