قراءة في أزمة الخليج ولبنان

الخميس 25/فبراير/2016 - 10:45 م
طباعة
 
الخليج يصعد ضد لبنان، ترحيل عدد كبير من اللبنانيين إلى بلادهم سيناريو بدأ تنفيذه، والتحذيرات تتوالى للمواطنين المقيمين بلبنان من الخليج بالعودة إلى ديارهم فقط، التفكير في سحب السفراء وارد، قطع الرحلات الجوية إلى بيروت محتمل، وما المقابل؟ الاعتذار أولا، هكذا تطلب السعودية ومعها دول الخليج، لا تراجع عن هذه المواقف بعد وقف المساعدات المالية للجيش اللبناني والشرطة المدنية قبل الاعتذار، وإبعاد نفوذ حزب الله من المشهد اللبناني!
غريب هذا التصعيد السعودي في التوقيت والمطالب، فربما الأمر يتعلق بالمشهد السوري أكثر من الحديث على الموقف اللبناني من الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وخروج لبنان عن الاجماع العربي من إدانة هذه الجريمة ليس وحده المبرر، وهو ما ينذر بكثير من التطورات التي سيدفع ثمنها الشعب اللبناني وحده.
وحسب الأرقام شبه الرسمية اللبنانيين العاملون في الخليج عددهم لا يتجاوز 500 ألف لبناني في الخليج ككل، وفي السعودية وحدها يتراوح العدد بين 250 و300 ألف"، وتم ترحيل 90 مواطنا على الأقل - حتى كتابة هذه السطور -، وسط تنامى الشائعات عن التفكير في انهاء عقود آخرين.
السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري، اتهم مسئولا بالحكومة اللبنانية بارتكاب خطأ أزعج المملكة وأزعج قيادتها، وبالتالي من المفروض أن يعالج هذا الأمر بحكمة وشجاعة، في إشارة إلى امتناع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، أبرز حلفاء حزب الله، عن التصويت على بيانين صدرا عن اجتماعين لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في يناير، دانا هجوم محتجين إيرانيين على بعثات دبلوماسية سعودية في إيران!
يبدو أن لبنان سيكون الملعب الثاني في المنطقة الملتهبة الذى يشهد حربا بالوكالة بين القوى الاقليمية والدولية بعد الملعب السوري، وبالرغم من تنامى النفوذ السعودي في لبنان منذ اتفاق الطائف الذي شمل الأطراف المتنازعة في لبنان  بواسطة سعودية في 30 سبتمبر 1989 في مدينة الطائف وتم إقراره بقانون بتاريخ 22 أكتوبر 1989 منهياً الحرب الأهلية اللبنانية وذلك بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على اندلاعها، إلا ن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عمل على تغير الأمور نوعا ما، فمنذ هذا التاريخ ولا حديث عن إبعاد سوريا عن لبنان، وقد كان، وخرجت القوات السورية بعد اغتيال كثير من الشخصيات اللبنانية المناهضة لبقاء سوريا، وبدأت التلاسن بين السعودية وسوريا على النفوذ  فى لبنان.
لم يفلح سعد الحريري في الحفاظ على النفوذ السعودي كما فعل والده، حيث واجهت حكومته التي رأسها خلال الفترة من 9 نوفمبر 2009 إلى 13 يونيو 2011 صعوبات عديدة، منها اقتصادية واجتماعية وسياسية أيضا، بعد استقالة وزراء حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر بعد طرح موضوع شهود الزور في قضية اغتيال الحريري وطلب إحالتهم للمجلس العدلي، وأدى كل ذلك إلى إعلان وزراء تكتل الإصلاح والتغيير وحركة أمل وحزب الله في 12 يناير 2011 استقالتهم من الحكومة، بعد وصول محاولات تسوية مشكلة المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري إلى طريق مسدود مع رفضه لعقد جلسة لمناقشة القضية، وتبعهم استقالة وزير الدولة عدنان السيد حسين، مؤكدا أن استقالته جاءت لتمكين المؤسسات من تشكيل حكومة جديدة تلبي طموحات الوحدة والاستقرار، ومن ثم ادت استقالة 11 وزيرا إلى فقدان الحكومة لنصابها الدستوري وبالتالي أصبحت مستقيلة.
وبالرغم من محاولات عودة الحريري للمشهد السياسي مرة أخري، في محاولة للتغلب على سطوة ايران وحزب الله على صناعة القرار في بيروت، عبر مبادرة ترشيح سليمان فرنجية رئيس تيار "المردة"، وزير الداخلية اللبناني السابق رئيسا للبنان، فى ضوء شغور منصب الرئاسة فى لبنان لأكثر من 17 شهرا، إلا أن هذه المبادرة لم تنجح بعد، فى ضوء تمسك حزب الله والمتحالفين معه فيما يعرف بمجموعة 8 آذار باستمرار دعم التحالف لترشيح ميشال عون للرئاسة بعد مفاجأة تنازل القيادي الماروني سمير جعجع لعون ، وهو تحالف نشأ في لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، وأقامت الأحزاب التي لها علاقة وثيقة مع سوريا هذا التحالف، في مقابل تحالف 14 آذار الذى يتكون من كبار الأحزاب والحركات السياسية التي ثارت على الوجود السوري في لبنان.
الأوضاع مرشحة للتصاعد في لبنان، في ضوء توحيد الموقف الخليجي احتجاجا على نفوذ ايران عل  المشهد اللبناني من خلال حزب الله تارة، وكذلك نتيجة نجاح قوات حزب الله والعناصر الايرانية التي تحارب مع الجيش السوري ضد المعارضة المسلحة المدعومة من الخليج وتركيا فى الأراضي السورية، واهدار كل المحاولات الرامية لإقصاء الأسد من المشهد السياسي.
ننتظر ما ستقدم عليه ايران خلال الأيام القادمة، بعد أن أصبحت بيروت العاصمة الثالثة التي تنفرد بالسطوة على القرار الصادر منها بعد دمشق وبغداد، مع استمرار المواجهة في اليمن على من يفوز بالسيطرة على صنعاء، وما دور القوى الكبرى فى معالجة تطورات المشهد وخاصة فرنسا التي لديها علاقات قوية مع المسئولين فى بيروت، كذلك بحاجة لمعرفة موقف القمة العربية القادمة من تطورات الأحداث الأخيرة، وهل تنجح موريتانيا في استضافة القمة القادمة بعد اعتذار المغرب ام تتعرض للإلغاء في ضوء التطورات  الأخيرة.
المنطقة أصبحت على صفيح ساخن مع اشتداد المعارك العسكرية، وتصدع العلاقات بين الدول العربية وبعضها، وترك مصير أكثر من 2 مليون لاجئ سوري في لبنان بلا حماية، خاصة أن عودة مزيد من اللبنانيين العائدين من الخليج سيكون حملا ثقيلا على حكومة بيروت التي فشلت في إنقاذ الاقتصاد اللبناني المتعثر نتيجة الأزمات الداخلية والتحديات الخارجية.   

شارك