تظاهرات مقتدى الصدر.. بدء معركة تكسير العظام بين القوى الشيعية

السبت 19/مارس/2016 - 02:46 م
طباعة تظاهرات مقتدى الصدر..
 
دخل العراق مرحلة جديدة من الصراع السياسي، مع إعلان زعيم التيار الصدري ورجل الدين ذو النفوذ السياسي والاجتماعي والعسكري والديني الكبير الاعتصام امام المنطقة الخضراء، في وقت أعلنت في الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي عدم منح أي ترخيص لتنظيم أي اعتصام على مداخل المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد.

"الصدر" يعلن الاعتصام

الصدر يعلن الاعتصام
بدأ اتباع التيار الصدري، الجمعة 19 مارس، اعتصامًا غير مسبوق قبالة بوابات المنطقة الخضراء التي تضم مباني الحكومة العراقية والبرلمان وسفارات أجنبية أبرزها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، في ظل إجراءات أمنية مشددة.
وحث مقتدى الصدر أتباعه بالمشاركة في هذا الاعتصام والتحلي بالانضباط خلال المشاركة ورفع شعارات للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد.
وأصدرت اللجنة التنظيمية المشرفة على الاعتصام الذي دعا إليه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الجمعة تعليمات جديدة للمعتصمين، وفيما دعت إلى الالتزام بالشعارات الموحدة التي تنطوي على المطالبة بـ"الإصلاح"، شددت على ضرورة التعاون التام مع الأجهزة الأمنية والسماح لها بممارسة مهامها.
وقالت اللجنة في بيان لها: إن "على جميع الإخوة المشاركين مع المعتصمين والذين لم يحصلوا على باج المشاركة في هذه الوجبة من الاعتصام ترك مكانات الاعتصام والذهاب إلى مناطقهم وانتظار دورهم في هذه المشاركة الوطنية شاكرين جهودهم وتضحيتهم من أجل نصرة العراق".
وأضافت أن "على جميع الأخوة المعتصمين الحاصلين على باج المشاركة في الاعتصام مراجعة ممثل اللجنة التنظيمية في الموقع المحدد لهم لاستلام السرادق والخيم المخصصة لهم"، داعية المعتصمين إلى "ارتداء اللباس الموحد من قبل اللجنة التنظيمية والذي يحمل شعار علم العراق".
وحثت اللجنة على "الالتزام بالتعليمات التي سبق وأن صدرت من اللجنة وعدم مخالفتها، والالتزام بالشعارات الموحدة التي تنطوي على المطالبة بالإصلاح"، مطالبة في الوقت ذاته المعتصمين بـ"التعاون التام مع الأجهزة الأمنية والسماح لها بممارسة أعمالها لحفظ الأمن وحماية المعتصمين".
وقام آلاف المتظاهرين، اليوم الجمعة، بنصب خيم الاعتصام الذي دعا إليه الصدر، بعد تأدية صلاة الجمعة أمام بوابات المنطقة الخضراء وسط بغداد.
وأصدر الصدر، بيانًا أشاد فيه بتعاون القوات الأمنية، شاكرًا إياها على ذلك التعاون الذي وصفه بأنه "فاق التوقعات"، فيما دعا المعتصمين إلى الاستمرار باعتصاماتهم.
وقال الصدر في بيان تلقت السومرية نيوز نسخة منه، "لا أريد هنا أن أزيد عتبي أو استغرابي من عدم تغطية القنوات الفضائية العراقية والعربية والعالمية لأهم حدث في العراق في هذه الفترة أعني الاعتصام الوطني السلمي أمام بوابات الخضراء لدعم العبادي على إتمام الإصلاحات، بل أريد أن أقدم لهم دعوة مفتوحة وبصورة دورية منظمة لتغطية هذا الاعتصام بما يليق لينقلوا بكل صدق وشفافية بعيداً عن تزييف وتحريق للحقائق كما فعل بعض المحسوبين على الصحافة والصحفيين".
فيما دعا وسائل الإعلام العراقية والعربية والعالمية إلى تغطية هذه الاعتصامات بكل حرية، خاطب وسائل الإعلام تلك بالقول: "كفاكم هجراناً لصوت الشعوب".
وأبدى زعيم التيار الصدري رفضه لموضوع إجراء انتخابات مبكرة، وقال: "لم أطلب إجراء الانتخابات، فلو لم يحقق العبادي وعوده الإصلاحية، سوف أغيره ولديه مرشح هو جعفر الصدر، وليس كثيراً على آل الصدر قيادة العراق".

أدوات "الصدر"

أدوات الصدر
لمقتدى الصدر العديد من الأدوات سواء السياسية أو الدينية أو العسكرية في التعامل مع الحكومة والقوى السياسية الأخرى، فالتيار الصدري يملك كتلة برلمانية في مجلس النواب العراقي، وهي "كتلة الأحرار" والتي لها 34 نائبًا من جملة 328 نائباً بالبرلمان.
كما للصدر مكانة دينية وشعبية؛ خاصة في الأحياء الشيعية الفقيرة ببغداد وجنوب العراق، وتعد مدينة الصدر أبرز معاقله.
ومن أجل ذلك ذكرت تقارير إعلامية عراقية إلى أن الصدر اشترط تولي جعفر الصدر نجل المرجع الديني الراحل محمد باقر الصدر كمرشح لرئاسة الوزراء خلفا للعبادي.
كما يملك الصدر فصيلاً مسلحاً باسم "سرايا السلام" الذي يضم الآلاف من المقاتلين، وتم إنشاؤه عام 2014 كقوة دفاعية عن المساجد والمراقد الشيعية والسنية على حد سواء، وانخرط في القتال ضد تنظيم "داعش" في عدد من مناطق العراق.
علاقات الصدر داخل العراق بمكونات الشعب العراقي الدينية والمذهبية تمنحه حرية ودعم غير معلن في التحرك داخل اللعبة السياسية العراقية، خصوصا مع خصمه اللدود رئيس الوزراء العراقي السابق ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.

الرئاسات الثلاث

الرئاسات الثلاث
من جانبه دعا رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، إلى اجتماع عاجل، اليوم السبت، يضم الرئاسات الثلاث وقادة الكتل السياسية للخروج بحلول للأزمة الحالية.
فيما أصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي، اليوم، أمرًا بتكليف قيادة العمليات المشتركة بفرض الأمن في العاصمة بغداد وتخويلها الصلاحيات اللازمة لذلك، فيما وجه بجعل قيادة عمليات بغداد تحت إمرة العمليات المشتركة.
وشهدت العاصمة العراقية بغداد، انتشاراً أمنياً كثيفاً قرب مداخل "المنطقة الخضراء"، قبل يوم واحد من الاعتصام الذي دعا إليه الصدر.
وانتشرت قوات "مكافحة الإرهاب"، والجيش العراقي في ساحة "التحرير"، وسط بغداد، وعلى الجسور والمداخل المؤدية إلى "المنطقة الخضراء"، وبدأت عمليات تفتيش دقيقة للحافلات.
ويأتي الانتشار الأمني الكثيف بعد تحذير وجهه ائتلاف "دولة القانون"، الذي ينتمي له العبادي، من تنظيم اعتصامات "الصدر" الجمعة.
وقال الائتلاف في بيان له: إن "التظاهر حق دستوري، إلا أن الاعتصامات ونشر السلاح واستخدام القوة ليس دستورياً بل خارجاً على القانون"، محذراً من أن "أي مغامرة ستقضي على كل منجز من الحرية والديمقراطية وتوجهات بناء الدولة".
فيما دعا رئيس ائتلاف الوطنية إياد علاوي، الخميس، جميع الأطراف إلى "ضبط النفس" واعتماد الحوار والتحلي بالصبر، وفيما أشار إلى أن التصعيد بين الأطراف السياسية يخدم "أعداء العراق"، طالب رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بعقد "اجتماع سريع" يضم كل الأطراف لتخفيف "حدة التوترات" والحفاظ على سلمية الاحتجاجات.
وقال علاوي في بيان له: إن "العراق يمر اليوم بمرحلة حرجة جدًّا على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، وهي ظروف مصيرية استثنائية تحتم على جميع القوى السياسية العراقية أن تضع أولوياتها في مقارعة الإرهاب وتحقيق الانتصار السياسي والعسكري الناجز، ومن الأولويات كذلك هو تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي والأمني والإداري والبنيوي الذي هو أمر لا بد منه".
ودعا علاوي، جميع الأطراف إلى "ضبط النفس واعتماد الحوار والتحلي بالصبر"، مطالبًا رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بـ"الدعوة إلى عقد اجتماع سريع يضم كل الأطراف لتخفيف حدة التوترات وتحقيق الهدوء والسكينة وضمان سلامة الجميع والاستجابة لدعوات الاصلاح الحقيقي، والحفاظ على سلمية الاحتجاجات".

المرجع اليعقوبي:

المرجع اليعقوبي:
فيما دعا المرجع الديني محمد اليعقوبي، السبت، إلى إجراء انتخابات مبكرة بعد تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة حقيقية، مطالبًا بتعديل قانون الانتخابات بالشكل الذي يحفظ إرادة الناخبين.
وقال المرجع اليعقوبي في بيان له، نسخة منه: إن "الساحة العراقية تشهد منذ عدة أشهر حراكاً جماهيرياً للمطالبة بالإصلاح بعد أن استشرى الفساد وغابت الإدارة الكفوءة والتخطيط الصحيح، وحلّ محلها التخبط والفوضى والأنانية وحيازة المغانم على حساب المواطنين الذين أصابهم قلق حقيقي مما يحصل".
وأضاف اليعقوبي أن "المشاريع والأفكار المطروحة تعددت ولكل منها غاياته وأهدافه"، مشيرًا إلى أنه "سبق في تشخيص المشاكل قبل وقوعها واستفحالها ووضع الحلول والبرامج الصحيحة لتحقيق الإصلاح في بيانات عديدة منشورة لم يستفد منها المعنيون مع الأسف".
وتابع أن "من تلك الحلول هي تأسيس مجلس الأعيان والحكماء والخبراء الذي يضم أهل الحنكة والتجربة والحكمة والنزاهة والكفاءة المستقلين عن الانتماءات للعراق أرضاً وشعباً"، لافتًا إلى أنه "حدّد مهام هذا المجلس، ولو قدّر لهذا المشروع أن يأخذ دوره لكان هذا المجلس صاحب الكلمة الفصل في تقييم عمل الحكومة بوزاراتها وهيئاتها وأداء القضاة ومن ثم تقديم ورقة مفصلة لبرنامج الاصلاح، وفق المبادئ الثابتة انطلاقاً من خط الشروع الذي يحافظ على حقوق الشعب ومكتسباته وإنجازاته، وليس بتدمير كل شيء والعودة إلى نقطة الصفر التي تعني الفوضى..".
وأكد اليعقوبي أن "الحل يكون بإجراء انتخابات مبكرة بعد تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة حقيقية من مهنيين وطنيين موضوعيين"، مطالبا بـ"تعديل قانون الانتخابات بالشكل الذي يحفظ إرادة الناخبين وليقول الشعب حينئذٍ كلمته في من يدير شئون البلاد بعيداً عن فرض الإرادات بالقوة".

المشهد العراقي

المشهد العراقي
دخل العراق مرحلة خطيرة في تاريخه السياسي، قد تنهي بشكل كبير نظام بول بريمر والذي أسس في 2003، ليفتح واقعًا جديدًا في البلاد مع بدء مطالب العراقيين بالتغيير والإصلاح وتراجع فرص تيار الإسلام السياسي التي تحكم البلاد منذ 2004.
حركة مقتدى الصدر توضح حجم معركة تكسير العظام الدائرة بين القوى السياسية وخاصة الشيعية منها على السلطة، في ظل ارتفاع حجم الفساد وتراجع المستوى الأمني مع احتلال "داعش" لجزء كبير من الأراضي العراقية.
إذا نجحت ضغوط مقتدى الصدر في الإطاحة برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المحسوب على حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون المدعوم من إيران، فإن مكان حزب الدعوة الإسلامية سيشهد تراجعًا في الحياة السياسية العراقية، ومعها أيضًا يتراجع مستوى نفوذ القوى السياسية الإسلامية بالبلاد، فهل سيكتب لحركة مقتدى الصدر النجاح بإسقاط أهم حزب سياسي إسلامي في العراق من السلطة؟

شارك