بعد تحرير الفلوجة.. تخوفات تسيطر على "السُّنة" من انتقامات طائفية
السبت 18/يونيو/2016 - 03:08 م
طباعة
بعد مضي نحو شهر على بدء معركة تحرير منطقة الفلوجة العراقية، من قبضة داعش، أخيرًا تحررت المدينة ومعظم مدن الأنبار؛ حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أمس الجمعة 17 يونيو 2016، أن قوات الأمن العراقية استعادت السيطرة على معظم مدينة الفلوجة، وأن تنظيم "داعش" لم يعد يسيطر سوى على "جيوب صغيرة" فيها.
بدء المعركة
بدأت القوات العراقية في مايو الماضي الاستعدادات لتحرير الفلوجة، من أيدي التنظيم الإرهابي، وأعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، آنذاك عن انطلاق عملية عسكرية طال انتظارها لتحرير مدينة الفلوجة من قبضة تنظيم "داعش"، وتم تكليف الفريق عبدالوهاب الساعدي بقيادة عملية التحرير.
وقال العبادي في هذا التوقيت: "إن عملية تحرير مدينة الفلوجة، معقل التنظيم، قد بدأت، متوعداً الدواعش بهزيمة نكراء"، لافتًا إلى أن "ساعة تحرير الفلوجة دقت، واقتربت لحظةُ الانتصار الحاسم وليس أمام داعش إلا الفرار".
وأشار في كلمة متلفزة عبر القناة الرسمية الفضائية العراقية: "نعلن لأبناء شعبنا العزيز أن علم العراق سيرتفع عالياً فوق أرض الفلوجة"، مؤكداً أن "اليوم سنمزق رايات الغرباء السود الذين اختطفوا هذه المدينة".
وكانت الفلوجة أول مدينة عراقية تقع في أيدي "داعش" في يناير 2014، أي قبل ستة شهور من اجتياح التنظيم مساحات واسعة من العراق وسوريا المجاورة.
وكانت ذكرت بوابة الحركات الإسلامية في تقرير سابق لها، أن الفلوجة رغم أنها أول مدينة دخلها وسيطر عليها تنظيم "داعش" في يناير 2014 أي منذ أكثر من عامين، ولم تحظ باهتمام الإعلام.
وتعد الفلوجة هي مدينة رمز قصفت خلال حرب الكويت من قبل طيران التحالف الذي أخرج الجيش العراقي من الكويت، وشهدت معارك ضارية "أدت لدمار كبير وخسائر كبيرة في الأرواح للجيش الأمريكي ناهزت المئة قتيل، كما لها رمزيتها الدينية حيث يوجد فيها أكثر من مئتي مسجد".
وقال العبادي في كلمة متلفزة مقتضبة: "لقد وعدنا بتحرير الفلوجة وها قد عادت الفلوجة، قواتنا أحكمت سيطرتها على داخل المدينة لكن هناك بعض البؤر التي تحتاج إلى تطهير خلال الساعات القادمة".
وأضاف العبادي أن القوات الأمنية وفت بوعدها وحررت الفلوجة، قائلًا: "لقد ضحت قواتنا من أجل مدينتكم ومن أجل إعادة النازحين إلى هذه المدينة، ونريد أن يكون أمن وسلام في هذه المدينة وهدفنا هو صيانتكم وصيانة جميع العراقيين، وها هم العراقيون من كل محافظات العراق يضحون بأنفسهم".
وفي نفس السياق أفاد المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية العميد سعد معن بأن مركز مدينة الفلوجة أصبح محررًا من سيطرة تنظيم "داعش".
وقال العميد معن للصحفيين: "نعم، مركز مدينة الفلوجة تم تحريره، والقوات الأمنية متواجدة هناك، هذا وأكد قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت تحرير مركز مدينة الفلوجة".
وقال التلفزيون العراقي الرسمي الجمعة: إن القوات العراقية استعادت مبنى البلدية في الفلوجة من أيدي تنظيم "داعش" فيما يرمز لسيطرة الحكومة على المدينة التي تقع إلى الغرب من بغداد وتبعد عنها مسافة ساعة بالسيارة، وذلك بعد نحو أربعة أسابيع من بدء الهجوم.
وذكر التلفزيون أن الشرطة رفعت العلم العراقي فوق المبنى وتواصل ملاحقة مسلحي "داعش" الذين يسيطرون على أجزاء أخرى من المدينة.
كما أعلن قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت، عن توجه القوات المشتركة لتحرير ما تبقى من مدينة الفلوجة بعد فرض السيطرة على مركز مدينتها.
وقال الفريق جودت في بيان: "إن القوات المشتركة تتقدم باتجاه تحرير أحياء مدينة الفلوجة كافة بعد انهيار خطوط صد دفاعات إرهابيي داعش وهروبهم من أرض المعركة".
وكانت أفادت وزارة الدفاع العراقية في بيان الجمعة 17 يونيو بتحرير منطقة العرسان جنوب شرق الفلوجة بشكل كامل، ورفع العلم العراقي عليها.
وقالت الدفاع العراقية: "إن فرقة المشاة 17 نجحت في تحرير المنطقة، وعثر أفرادها خلال البحث والتفتيش على عدد من المدافع والصواريخ والعتاد التي تركها مسلحو "داعش" بعد اقتحام قطعات الفرقة المناطق التي كانت تسيطر عليها هذه الجماعات".
وورد في بيان الوزارة أن طائرات التحالف الدولي دمرت ضمن قاطع قيادة عمليات تحرير نينوي 5 عجلات تابعة لتنظيم داعش ومخازن وعتادا، وبالإضافة إلى مقتل 10 من عناصر التنظيم في قاعدة القيارة، وتدمير مصنع للتفخيخ قرب قرية جحلة في ناحية القيارة.
ونجحت قيادة عمليات تحرير نينوى بفتح عدة ممرات آمنة ليتم عبرها خروج المدنيين؛ حيث نزح ومنذ الساعات الأولى لفتح هذه الممرات أكثر من 394 عراقيا من قرى الحاج علي باتجاه القطعات العسكرية المتواجدة في قرية خرائب جبر؛ حيث قدمت لهم هذه القطعات المساعدات الطبية والإنسانية والمواد الغذائية ومن ثم جرى نقلهم إلى مخيمات النازحين.
رفع الأعلام فوق المباني
وفي تطور ميداني لمعركة الفلوجة، أعلن قائد عمليات تحرير الفلوجة عن تحرير المجمع الحكومي من قبضة تنظيم داعش بشكل كامل ورفع الأعلام العراقية فوق مبانيه.
وقال الفريق عبد الوهاب الساعدي: إن قوات جهاز مكافحة الإرهاب والرد السريع والشرطة الاتحادية تمكنت من تحرير المجمع الحكومي وسط الفلوجة بالكامل ورفع العلم العراقي فوقه.
وأضاف قائد عمليات تحرير الفلوجة عن السيطرة على منطقة حي نزال وسط المدينة، فيما لفت إلى أن مقاومة عناصر داعش أضحت ضعيفة داخل مركز الفلوجة بسبب انهيارهم.
يذكر أن القوات الأمنية أنهت الخميس 16 يونيو تحرير منطقة جبيل وشارع 60 ومنطقة حي الرسالة داخل الفلوجة، من تنظيم "داعش".
ورغم تأكيد الحكومة على اقتصار دور ميليشيات الحشد الشعبي على المداخل دون دخول المدينة، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي نقلت صورًا لتلك الانتهاكات، كما أن المواقف تصاعدت، حتى من داخل الحكومة ضد هذه الميليشيا التي وصفت بـ الإرهابية.
ويرى محللون أن نجاح القوات العراقية في مهمتها في الفلوجة سيقوي من موقف رئيس الوزراء لدى واشنطن وطهران، ذلك أن الإدارة الأمريكية عملت خلال الأسابيع الماضية على الدفاع عن حكومة العبادي التي كانت مهددة بالانهيار؛ بسبب ضغوط الشارع، فيما بإمكان هذا الإنجاز الذي تحقق بإسناد جوي أمريكي أن يخفف من سطوة إيران التي أرسلت الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس ليعيّن مستشاراً لبغداد حسب بيانات حكومة بغداد.
وقد حرصت بغداد على إدارة التقدم في الفلوجة بشكل يمنح القوات العسكرية احتكار المعلومات التي كانت تقدم بشكل رسمي من خلال كبار الضباط.
تخوفات من أزمة طائفية
وتساءل مراقبون عن السر الذي يقف وراء سقوط المدينة وتوقف المقاومة داخلها، وماهية الخطط المقبلة التي يعدها التنظيم للردّ على سقوط المدينة.
وفي سياق متصل، تبحث الحكومة العراقية والأحزاب الشيعية القائدة لها عن جني عائد إعلامي ودعائي من وراء عملية استعادة الفلوجة للتغطية عن الأزمة الخانقة في البلاد على مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، ولصرف النظر عن الفشل العام في تسيير شئون الدولة ولإلهاء المطالبين بالإصلاح، لكن الأثمان الإنسانية الباهظة للعملية وما تخللها من اضطهاد للسكان المحليين على أيدي الميليشيات الشيعية، ومن فشل في تلبية احتياجات النازحين، تحوّلت كلّها إلى دعاية مضادّة ضد القائمين على شئون الحكم في العراق.
وجاءت الأزمة الحالية في المطالبات بحماية سكان المدينة من عمليات انتقام طائفي متوقّعة استنادًا إلى اتهامات مسبقة لهم باحتضان تنظيم داعش والتعاون معه، خصوصًا أن العملية العسكرية في الفلّوجة تتم بمشاركة ميليشيات شيعية، كانت قد شرعت فعلا في الانتقام من سكان المدينة عندما سيطرت على بعض المناطق المحيطة بها.
كما انهالت المطالبات لحكومة بغداد بالمزيد من العناية بالنازحين الذين يعانون ظروفًا قاسية في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة في ظل ظروف مناخية تتميز بارتفاع شديد في درجات الحرارة.
وتخطى عدد النازحين حتى الخميس 68 ألف شخص وفقًا لبيانات الأمم المتحدة التي قدرت في الآونة الأخيرة عدد سكان الفلوجة بـ90 ألف شخص.
وقال شهود: "إن تنظيم داعش أعلن عبر مكبرات الصوت أن بإمكان السكان المغادرة إن أرادوا دون أن تتضح دوافعه لذلك".
وحذر ساسة وقادة رأي من أن إلحاق الأذى بالسكان الذين ينتمون إلى الطائفة السنية واسع، وستكون له آثار سلبية على وحدة وتماسك المجتمع العراقي في مرحلة ما بعد داعش.
وأكد نداء وجهه المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني وجود مخاوف حقيقية على سكان الفلوجة؛ حيث دعا على لسان ممثله عبدالمهدي الكربلائي خلال خطبة صلاة الجمعة في النجف المقاتلين إلى التحلي بأعلى درجات الانضباط وفق المعايير الإسلامية والإنسانية في مناطق القتال وخاصة مع من يسلم نفسه ويترك القتال في ساحة المعركة.
كما حذر المقاتلين من أن يكون هدفهم الانتقام أو الاعتداء أو غير ذلك.
وكانت أنباء كثيرة قد تواترت بالتزامن مع الحملة العسكرية على الفلوجة بشأن انتهاكات خطرة بحق مغادرين للمدينة خلال عمليات اعتقال، وتحقيق مع المئات من هؤلاء بذريعة البحث عن عناصر مفترضين لداعش بصدد التسرّب ضمن النازحين.
وتستعد القوات العراقية لبدء المرحلة الثانية لعمليات تحرير الموصل، فجر اليوم السبت؛ حيث تستهدف المرحلة الثانية من العملية تحرير القيارة، التي تضم مطارًا عسكريًّا، وجعلها مرتكزًا نحو الموصل.
