"الإسلاموفوبيا" المصطلح العنصري الذي سيحرق الشرق والغرب
الأحد 26/يونيو/2016 - 11:34 ص
طباعة
تكشف حالة نشر الكراهية ضد الإسلام والمسلمين حقائق مهمة حول حقيقة العديد من الجماعات التي تعمل على نشر مصطلح "الإسلاموفوبيا" في العالم، بل وتستثمر مئات الملايين من الدولارات في صناعته وهو ما كشف عنه تقرير صادر عن "جامعة كاليفورنيا" في مدينة بيركلي الأمريكية، بأن "هناك 33 مجموعة في الولايات المتحدة معادية للإسلام لديها تمويلات وصل مجموعها ما بين عامي 2008 – 2013 إلى 205 ملايين دولار" هدفها الرئيسي نشر الكراهية ضد الإسلام والمسلمين.
ولفت التقرير الذي يحمل اسم "مواجهة الخوف" وأسهم في إعداده كل من مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير"، و"مركز العرق والجنس" في جامعة كاليفورنيا في مدينة بيركلي الأمريكية إلى وجود 74 مجموعة تنشر الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة، وأن من بين هؤلاء يوجد 33 مجموعة على الأقل "تتخذ هدفًا رئيسيًا يتمثل في تشجيع التحيز والحقد على الإسلام والمسلمين"، فيما لم يتطرق التقرير إلى الجهات التي قدمت التمويل وأن هناك قوانين معادية للإسلام في 10 ولايات أمريكية حتى هذا اليوم، إلا أن أياً من هذه القوانين لم يتم إنفاذها بعد عبر إجراءات قانونية بالاضافة إلى استهداف 78 مسجداً، عام 2015، وهو أعلى عدد للحوادث تم تسجيله خلال سنة واحدة منذ بدأت متابعة هذه الأحداث عام 2009.
بدوره قال المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية نهاد عوض: إن الإسلاموفوبيا "بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق، وقد بدأت تأخذ منحىً مميتًا، بعد أن أدت لمقتل عدد من المسلمين في السنوات الأخيرة، ولوحظ تكرار هجمات الكراهية وتخريب المساجد بكثرة، وأن هناك تأثيرًا سلبيًّا لهذه الظاهرة الهدامة على سلامتنا وسلامة الملايين من الأمريكيين وعوائلهم وأطفالهم؛ ولذلك يجب رفض كل أشكال التطرف والكراهية، وأن أكثر الأمثلة حيوية على "التطرف والكراهية"، تتمثل في "هجوم عمر متين على نادٍ ليلي للمثليين في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا، والتي تسبب فيها بمقتل وجرح عدد كبير من الأشخاص"؛ حيث أظهر ردود أفعال كراهية من بينهم المرشح الرئاسي المحتمل عن الحزب الجمهوري دونالد ترمب على هذه الحادثة بكونه "استغلالًا بشعًا لهذه المأساة".
والإسلاموفوبيا يعني التحامل والكراهية والخوف من الإسلام أو من المسلمين، ودخل المصطلح إلى الاستخدام في اللغة الإنجليزية عام 1997 عندما قامت خلية تفكير بريطانية يسارية التوجه تدعى رنيميد ترست، باستخدامه لإدانة مشاعر الكراهية والخوف والحكم المسبق الموجهة ضد الإسلام أو المسلمين وبالبرغم من استخدام المصطلح على نطاق واسع حالياً، إلا أن المصطلح والمفهوم الأساسي له تعرض لانتقادات شديدة وعرف بعض الباحثون "الإسلاموفوبيا" بأنها شكل من أشكال العنصري بينما أعتبره آخرون اعتبروها ظاهرة مصاحبة لتزايد عدد المهاجرين المسلمين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وربطها البعض الآخر بأحداث 11 سبتمبر ونما مع ظهور الإسلاموفوبيا- في كثير من الأقطار الغربية- خطابٌ سياسي يميني متطرف يسعى بشكل حثيث إلى استثمارِ الوضع الدولي المترتب على هجمات 11 سبتمبر وما اتسم به من خطابٍ إعلامي معادٍ للإسلام، والواقع الاجتماعي في الغرب وما يُميزه من مشاكل الهوية والاندماج خاصة بالنسبة للمسلمين والعرب.
وفي ضوءِ هذه العوامل، نشأ شعورٌ عنصري مناوئ للمسلمين والعرب وللإسلام، أذكاهُ الجهل المستحكم بالإسلام لدى فئات واسعة من المجتمعات الغربية، وخطابٌ محرض لدى بعض وسائل الإعلام وآخر متهافت وجاهل بالإسلام لدى أكثر المنابر الإعلامية اعتدالا وسعت الأحزاب اليمينية المتشددة و"الشعبوية" إلى استثمار المناخ اللاحق على هجمات 11 سبتمبر في تكريس الخوف من الإسلام والمسلمين وتوظيفه لغايات انتخابية، فظهرت شعارات منها أسلمة أوروبا والتهديد الإسلامي الخفي، وغير ذلك من الشعارات التي وفرت لليمين المتطرف خطابًا مسموعًا عوضه عن ضعف خطابه السياسي ومحدودية البدائل الاقتصادية والاجتماعية التي يُقدمها.
وتجلت نتائج هذا الخطاب في تنامي الأعمال العدائية ضد المسلمين والعرب وفي حق المساجد ومقابر المسلمين التي تعرضت للتدنيس في أكثر من مناسبة، كما ظهرت مجموعات من شبان اليمين تعتدي بشكل منظم ومنهجي على المسلمين في شوارع وأزقة المدن الأوروبية كلما سنحت لها سانحة وأججت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2007 موجة الكراهية ضد المسلمين، وبات اليمين المتطرف يُروج لفكرة ظالمة مفادها أن الهجرات القادمة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط هي سبب الأزمة، وأن هؤلاء المهاجرين باتوا يُزاحمون الأوروبيين الأصليين في الحصول على فرص ويُكلفون الميزانية العمومية نفقاتٍ باهظة، وفي نفس الوقت يبنون مستقبلهم في بلدانهم الأصلية عبر استثمار ما يجنونه في المهجر ومع موجات اللجوء الكبرى القادمة من سوريا والعراق ودول آسيوية عبر تركيا عام 2016، ازدهر خطاب الكراهية من جديد، وكشفت قراراتُ عددٍ من الدول بإغلاق حدودها مع اليونان ودول البلقان نزعة دفينة للشعور القومي الذي سبق له أن جرَّ على أوروبا ويلاتٍ لا تُحصى.
ولعل تاريخ العلاقات بين الإسلام والغرب، والصراع التقليدي الذي يعود بين الطرفين منذ عهد الحروب الصليبية، والتأثير الأكاديمي والثقافي للحضارة الإسلامية في الإنتاجات الثقافية الغربية، كان لها صدى بالغ التأثير، كما أن كتب المستشرقين والاستعمار الغربي للبلدان العربية والإسلامية والدراسات المسيحية القديمة عن الآفاق المستقبلية للإسلام، وتهديده للكنيسة في أوروبا، ساهم في إرساء صورة نمطية عن الإسلام، والرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقرآن، كما أن الفتوحات الإسلامية في الأندلس والوجود العثماني في أوروبا إلى حدود «فيينا»، كل هذا ساهم في تكوين صورة مخيفة عن الإسلام في العقل الغربي، وخلف آثارًا كبيرة في النفسية الغربية، واستطاع اليمين المسيحي المتطرف في عصرنا الحالي «المحافظون الجدد» في الولايات المتحدة أو الأحزاب اليمينية في أوروبا أن تستفيد منها بشكل كبير وتستغلها لصالحها في بلورة ظاهرة الإسلاموفوبيا، وفق رؤية فكرية للسياسة الخارجية الأمريكية من أجل رسم خارطة جديدة لمستقبل المنطقة وظهور مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية كمحور الشر، أو الشرق الأوسط الجديد أو معاداة السامية، حتى إن قسيسًا في معهد «هارتفورد اللاهوتي» قال بعد انهيار المعسكر الشرقي: «من الشبح الجديد؟» في إشارة للإسلام…إلخ
واستنادًا إلى هذه المعطيات، يمكن القول: إن الإعلام الجماهيري في الغرب، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، تسيطر عليه وكالات الإعلام الغربية وأجهزة الاستخبارات والمنظمات الصهيونية، وتؤثر فيه مراكز الدراسات الكبرى، باعتباره أداة قوية تؤثر في مجتمعات الديمقراطيات الغربية، كان له الدور الكبير في التشهير بظاهرة الإسلاموفوبيا، والتحذير من خطر الجاليات الإسلامية في فرنسا، والحد من ظاهرة الهجرة، والدعوة إلى وقف بناء المساجد ومحاربة الزي الإسلامي. إذن فظاهرة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة وفي أوروبا ـ فرنسا نموذجًا ـ من بين أهم الظواهر التي تسترعي انتباه كبار الأكاديميين والباحثين في الغرب؛ كون هذه الظاهرة تفاقم من أزمة الجالية المسلمة في الغرب، وما يرتبط بها من مشاكل اندماج وانصهار في المجتمع الغربي، وتهدد مفهوم المواطنة وتنذر بصراع الهويات، والجذير بالذكر أن الجمعية المناهضة للإسلاموفوبيا تستقبل قرابة 2000 ملف في السنة من الضحايا، كما أنها جاءت نتيجة التنظير الفكري والفلسفي لكبار مفكري اليمين المسيحي تجاه العرب والمسلمين، ولكنها صارت مشتركة بين اليمين المسيحي والتيار الليبرالي في الغرب كما يظهر ذلك واضحًا في كتاب فرانسيسكو فوكوياما «نهاية التاريخ»، إذ يرى في الأصولية الإسلامية أنها تشكل أكبر عائق في طريق المنظومة الديمقراطية الليبرالية.
إن طروحات المحافظين الجدد في أمريكا والأحزاب اليمينية في أوروبا من أهم الأطروحات الفكرية التي ساهمت في تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، وتعزيزها لدى الإنسان الغربي، من خلال التنظير لنظام عالمي جديد يلي الحرب الباردة، وهو ذلك العالم المليء بالاحتراب، خاصة بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، وهذا يعني أن الصراع الحضاري- حسب هنتنغتون- سيكون مبنيًا على أسس دينية تتداخل فيه الثقافة والدين والسياسة في مجال جيوسياسي كما أن بعض ممارسات التيارات الإسلامية العقائدية، أسهمت أيضا في إنتاج خطاب يميني متأزم أتاح المجال لإعادة نظرية هنتنغتون، وقد مكنت الأحداث المحافظين الجدد ـ صمويل هنتنغتون ـ من تسطيح الرد حول تساؤلات الشعب الأمريكي: لماذا يكرهوننا؟ وتم تقديم المسلم في إطار الإسلاموفوبيا على أساس أنه يمثل القوى المعادية للحضارة الأمريكية.
ـ أما في أوروبا، فقد تم تقديم الإسلاموفوبيا على أنها الشماعة الكبيرة التي تعلق عليها النخبة السياسة الأوروبية فشلها، كما هو الحال في فرنسا، مثل ارتفاع البطالة ومشاكل الهجرة، وأن الجالية المسلمة في أوروبا (فرنسا نموذجًا) تشكل تهديدًا كبيرًا لقيم المساواة والحرية والأخوة التي تعتبر من المرتكزات التي تأسست عليها الجمهورية الفرنسية، وأصبحت تظهر هناك بعض المصطلحات الجديدة كـ«الكزينوفوبيا» و«الاستبدال الكبير» grand remplacement الذي وظفه الكاتب الفرنسي الكبير المعروف بعدائه للإسلام «رونوكامي»أو من خلال بعض المؤلفات ككتاب (انتحار فرنسا) لـ«إريك زيمور»، أو من خلال تشريع بعض الإجراءات في المنظومة القانونية كقانون حظر الحجاب أو حظر المآذن في فرنسا وسويسرا.
مما سبق نستطيع التأكيد على"الإسلاموفوبيا" ما هو إلا مصطلح عنصري سوف يحرق الشرق والغرب معًا، وأنه يكشف عن حالة نشر الكراهية ضد الإسلام و المسلمين، وأن من يقف وراءه هي جماعات مصالح لا هدف لها سوى تخريب العالم .
