"إياد غالي".. من يساري لمؤسس حركة "أنصار الدين" في مالي

الجمعة 18/نوفمبر/2016 - 02:00 م
طباعة إياد غالي.. من يساري حسام الحداد
 
إياد غالي.. من يساري
إياد أغ غالي، الملقب بـ"أبو الفضل"، مؤسس حركة أنصار الدين المالية، وأحد قادة الطوارق التاريخيين، الذي خاض القتال ضد حكومة مالي في تسعينيات القرن الماضي مع الحركة الشعبية للأزواد، واشتهر بدوره الكبير في المفاوضات مع مختطفي الرهائن التابعين للقاعدة، ولد في عام 1954، ينتمي لقبيلة إيفوغاس العريقة وينحدر من مدينة كيدال، بدأ حياته قوميا قريبا من الفكر اليساري.
وعرف إياد أغ غالي من خلال بروزه كقائد يساري لحركة تحرير أزواد بداية التسعينيات، حين قاد حركة الطوارق في حرب مع مالي انتهت بتوقيع اتفاقيات سلام لم تنفذ. 
وبحسب مقربين منه فإن ما عاونه خلال رحلته الفكرية والسياسية إجادته إقامة العلاقات واللعب على التوازنات واستثمار الأحداث، ما مكنه من إقامة علاقات دولية وإقليمية متشعبة.
ووفق متابعين للشأن المالي قالوا: إن هناك أبعادًا عديدة اختلطت بها دعوة إياد غالي وحركته المسلحة، بعضها قبلي وآخر قومي وآخر انفصالي ثم أخيرًا البعد الإسلامي ومنزلة الدين لدى السكان المحليين.

علاقتة بالقذافي

علاقتة بالقذافي
ظل غالي متنقلًا بين العاصمة المالية باماكو، التي تقلد فيها عدة مناصب، وبين دول الجوار لا سيما ليبيا، حيث عقد صداقة وثيقة مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي استمرت حتى مقتل الأخير خلال الثورة الليبية.
قاد غالي قتال متمردي الطوارق ضد حكومة مالي في التسعينيات وكان وقتها أقرب إلى الفكر اليساري القومي منه إلى الإسلامي، وبعد عام من المعارك دخل الطوارق في صلح مع حكومة باماكو بوساطة إقليمية، ليتقلد أغ غالي مناصب حكومية كان بينها منصب قنصل عام في السعودية. 
عندما أصيب العديد من شباب الطوارق في مالي بالجفاف، هاجر أغ غالي إلى ليبيا ثم لبنان وتشاد، وكان عضوا بكتائب العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، وساعده الأخير في الصعود إلى ما وصل إليه الآن.
في هذه الفترة عمل إياد موظفًا إداريًّا في الجزائر وليبيا، وكانت الفرصة السانحة له سقوط النظام الليبي ورحيل معمر القذافي، الذي شكل على مدار سنين عقبة في وجه محاولات الطوارق للانفصال بإقليم أزواد عن حكومة مالي.
 عاد غالي إلى أزواد واتخذ من سلسة جبال "أغرغار" القريبة من "كيدال" في أقصى الشمال مقرًا له، وجمع حوله مئات المقاتلين الطوارق، بينهم جنود وضباط من الجيش المالي ومقاتلون آخرون عادوا حديثًا من ليبيا وعشرات كانوا يعملون مع الجيش الموريتاني، واستجلب كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة.
أسهم غالي في مفاوضات المصالحة التي رعتها الجزائر وأفضت إلى اتفاقيات تمنراست بجنوب الجزائر (1991) التي كان ضمن بنودها إقامة اللامركزية في شمال مالي واستيعاب مقاتلي الطوارق في الجيش المالي، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار بعض المناوشات في بعض أجزاء شمال مالي.
بعد هذا الاتفاق اختفى غالي عن الساحتين السياسية والعسكرية، قبل أن يعاود الظهور مع بداية 2000، ويلعب دورا مهمًّا في وساطات أثمرت، بعد أن دفعت على الأرجح فدًى كبيرة الإفراج عن رهائن غربيين، اتُّهمت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بخطفهم.

طرده من السعودية

طرده من السعودية
عندما اندلعت حركة التمرد في شمال مالي مجددًا في عام 2006، كلفه الرئيس السابق توماني توري بالمفاوضات مع الطوارق وقد أفضت تلك المفاوضات إلى اتفاقيات الجزائر في أغسطس 2006، وفي 2007 عينه الرئيس مستشارًا قنصليًّا بجدة بالمملكة العربية السعودية.
لكن السلطات السعودية، وبعد فترة وجيزة من عمله، قامت بطرده بعد الاشتباه في دوره وصلاته بتنظيم القاعدة.
وعاد إياد إلى مالي، وبقي متنقلا بين الصحراء وليبيا حتى اندلعت الثورة الليبية التي دفعت بأعداد كبيرة من الطوارق إلى العودة إلى مالي بعد أن غنموا أسلحة ضخمة كان القذافي قد سلحهم بها للقتال معه، ليعود أغ غالي مع مجموعة كبيرة مدججة بشتى أنواع الأسلحة إلى شمالي مالي.
ووفق تقارير عالمية فقد قام الطوارق عام 2006 بعملية تمرد في مالي، والذي قام رئيس مالي السابق خلالها بتشكيل ميليشيا مشتركة من العرب والطوارق، وجعل على رأسها محمد أغ غامو، وهو من قبيلة تابعة لقبيلة إيفوغاس التي ينتمي إليها غالي، أصبح غامو ورجاله سادة منطقة كيدال، وهذا ما دفع بإياد إلى محاولة استرجاع مجد قبيلته من خلال تأسيس حركة مسلحة هي أنصار الدين.
ساعد غالي في إطلاق 14 أوروبياً أغلبهم من الألمان، كانوا مختطفين من قبل مجموعة مسلحة مرتبطة بالقاعدة في الجزائر؛ حيث تقول مصادر إنه أصبح ثرياً بعد أن تلقى عمولات نظير وساطات قام بها لإطلاق رهائن.

تأسيس "أنصار الدين"

تأسيس أنصار الدين
سافر غالي إلى باكستان عدة مرات؛ حيث تأثر بجماعات التبليغ في باكستان التي عقد معها صلات واسعة، وأطلق إياد من وقتها لحيته، وأصبح شبه منعزل عن الناس، ملازمًا لمنزله في معقله كيدال شمالي مالي.
في منتصف عام 2011، تدرج في علاقاته بالحركات المسلحة؛ حتى أسس حركة "أنصار الدين" الداعية لإقامة الشريعة في دولة مالي بقوة السلاح، وهي حركة تصف نفسها بأنها إسلامية سلفية، تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وإعادة الاعتبار لمكانة علماء الدين، فضلًا عن مطالب محلية تتعلق بحرية وحقوق سكان أزواد.
مع انهيار نظام القذافي، عاد "أسد الصحراء" إلى أزواد وبدأ بتجميع المقاتلين الطوارق ليكونوا نواة الحركة التي سيطرت فيما بعد على مناطق واسعة من شمال مالي.
وتشكلت غالبية الحركة من الطوارق، لكن الطابع الإسلامي جلب لها أنصارًا من مختلف المكونات العرقية في المنطقة، بل ومن دول الجوار.

علاقته بالقاعدة

علاقته بالقاعدة
في أواخر 2011 لم يكن لدى إياد أغ غالى وحركته سوى ثلاث سيارات، بينما كان لدى الحركة الوطنية لتحرير أزواد عشرات المركبات المختلفة، فقرر أن يتقرب من تنظيم القاعدة حتى يحصل منه على الدعم.
 في نوفمبر 2011 دخلت الحركة في تنسيق مباشر مع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، أشبه ما يكون بالتنسيق القائم بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان، كما دخلت معها في نفس التنسيق حركة "التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا"، التي انشقت حديثًا عن تنظيم القاعدة، وفي أواخر شهر يناير 2012.
 بدأت الحركة عملياتها المسلحة في أزواد بهجوم على مدينة أغلهوك غرب كيدال، حيث سيطرت على قاعدة عسكرية هناك، قبل أن يتمكن مقاتلوها من اقتحام قاعدة آمشش العسكرية قرب مدينة تساليت واستولوا على كميات كبيرة من الأسلحة والآليات العسكرية.
وفي 27 يناير 2012، قالت صحيفة ( Zénith Balé) المالية: إن إياد غالي، وصل برفقة سبعة وهم مصابون بشكل بالغ بقذائف صاروخية، إلى مستشفى برج المختار بالجزائر، قرب الحدود مع مالي، دون أن تحدد طبيعة إصابة زعيم حركة أنصار الدين. وتعافى إياد غالي ـ على ما تأكد من تتابع الأحداث فيما بعد ـ وكان أول ظهور مصوّر له مع أعضاء حركته في شريط فيديو أذيع في مارس 2012.
وأشار متحدث باسم الحركة، آنذاك، إلى غالي بلقب القائد وظهر إياد في شريط الفيديو وهو يتفقد المقاتلين، ويؤمّهم في الصلاة، وأعلن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة؛ حيث أسس مجالس محلية تسير شئون المدن والبلدات التي سقطت في يد مقاتليه.

السيطرة على مالي

السيطرة على مالي
في 22 مارس 2012 وقع انقلاب عسكري على السلطة في العاصمة المالية باماكو وأطاح بالرئيس آمدو توماني توري، بدا أن شمال مالي الصحراوي الشاسع يسقط تحت سيطرة الحركات الطوارقية المسلحة، الأمر الذي استغلته الجماعة المسلحة وسيطر مقاتلو حركة أنصار الدين على مدينة تمبكتو في 3 أبريل 2012، وبعد أيام من هذا الحدث في أبريل 2012 وجّه أغ غالي بيانًا إلى سكان تمبكتو عبر إذاعة محلية، قال فيه: إن المجاهدين، في إشارة إلى القاعدة والجماعات الجهادية في المنطقة اجتمعوا مع أنصار الدين وتعاهدوا على نصرة الحق وإقامة الدين ورفع الظلم عن المظلومين، وجمع شمل المسلمين، وتوحيد كلمتهم على كلمة التوحيد، داعيًا السكان إلى مساعدتهم في ذلك.
وقال غالي: إن من وسائلهم لتحقيق هذه الأهداف الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم جهاد الممتنعين عن تطبيق الشريعة. 
وفي 26 مايو 2012 وقّعت أنصار الدين اتفاقًا مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد وهي حركة لا تتخذ الطابع الديني الذي تتصف به أنصار للدين، وتسعى للانفصال بإقليم أزواد نصّ على إقامة اتحاد بينهما تحت مسمى المجلس الانتقالي لدولة الأزواد الإسلامية، لكن خلافات حالت دون تنفيذ مشروع الاتحاد.
تحول الصراع في مالي من عرقي إلى صراع تهيمن عليه حركة أنصار الدين بفضل الأسلحة القادمة من ليبيا بعد الثورة، ويعتمد القادم على مهارات غالي كقائد عسكري وسياسي والتي استعرضها في صراعه مع حركة تحرير أزواد -حلفائه السابقين- التي تنشد دولة علمانية.
وعلى الرغم من أن غالي كان رجلًا يسعى دائمًا لتوفير ملذاته الخاصة، إلا أنه تحول ليصبح زعيماً لتنظيم القاعدة في مالي، وبدأ يحقق حلمه بفرض الشريعة الإسلامية، وتم حظر الموسيقى والتدخين في المناطق الخاضعة لسلطته في شمال مالي، وفق فورين بوليسي.
وعاقبت قوات أنصار الدين النساء اللاتي لا يرتدين لباسًا محتشمًا، ووضعت الحركة قوائم بأسماء غير المتزوجات وتقدم الأموال للرجال والنساء ليتزوجوا، وكان من لا ينصاع لمطالبهم يواجه العقاب بالرجم وقطع الأيدي وغيرها.
وفي مدينة تمبكتو هدمت قوات الحركة مقابر الصوفية القديمة، وهي أماكن تصنفها منظمة اليونسكو كجزء من التراث العالمي.
وبعد النجاح الذي أحرزه إياد وحلفاؤه في التوحيد والجهاد والقاعدة، رأى أغ غالي بعد طرد حركة تحرير أزواد أن بإمكانه التوسع، وأن مدنًا في وسط مالي مثل دوانزا وكونا وهمبري لا تحظى بحماية كافية من الجيش المالي المتهالك، ما وسع أطماعه وجعله يزحف مع أنصاره إلى هذه المدن القريبة من موبتي؛ حيث القاعدة العسكرية الفرنسية.
 ورفع غالي علم تنظيم القاعدة في مدينة "تمبكتو" الصحراوية في مالي آنذاك، وأصبح بشكل مفاجئ يسيطر على ثلثي البلاد التي تعتبر أكبر دولة في غرب إفريقيا.

إدراجه على قوائم الإرهاب

إدراجه على قوائم
من المعروف أن دول الغرب أصبحت في غاية التوتر من تمدد وتوغل الجماعات الإرهابية في العالم؛ ما أدى إلى قلق غربي من النفوذ الذي أصبح يتمتع به غالي حتى اليوم، وجماعته المسلحة "أنصار الدين"، واحتمالات أن يتورط الغرب في حرب جديدة هناك على غرار الحرب التي يغرق بها في أفغانستان، وناقش آنذاك الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، مواجهة إياد غالي وإسقاطه.
في 26 فبراير 2013، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إياد أغ غالي في قائمة الإرهاب، ليصبح أول "أصولي" من الطوارق يدخل هذه القائمة، التي تضم مجموعات أعضاء تنظيم القاعدة في الصحراء، مثل الجزائريين مختار بلمختار، وعبدالمالك دروكدال.
وترتب على إضافة اسم غالي لهذه اللائحة تجميد أي أموال محتملة له في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى منع المواطنين الأمريكيين من التعامل معه.
وحسب ما جاء في بيان الخارجية الأمريكية آنذاك فإن أغ غالي هو زعيم حركة أنصار الدين، المنظمة الناشطة في مالي والتي تتعاون بشكل وثيق مع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مشيرة إلى أنه أسس أنصار الدين على أساس أفكاره المتطرفة، وحسب البيان فإن أعضاء أنصار الدين يقومون بمضايقات وعمليات تعذيب وأعمال انتقامية ضد المواطنين الماليين الذين لا ينصاعون للقانون الذي فرضوه عليهم قبل تدخل القوات الفرنسية في المنطقة في يناير 2013.

شارك