قبيل الانتخابات.. احتدام الصراع بين الإخوان والسلفيين في المغرب

الأربعاء 27/يوليو/2016 - 09:26 م
طباعة قبيل الانتخابات..
 
حالة من الصراع بين التيار الإسلامي في المغرب؛ حيث يخوض حزب العدالة والتنمية المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، حربًا شرسًا وحملة اعتقلات ضد التيار السلفي، مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، والمزمع إجراؤها في 7 أكتوبر المقبل.
وتحمل الانتخابات البرلمانية المقبلة في المغرب، إمكانية حصول تحولات مهمة لجهة إعادة تشكيل المشهد السياسي المغربي، وتحديد أوزان القوى السياسية الفاعلة فيه، ويأمل حزب العدالة والتنمية في تعزيز مواقعه فيها بوصفه حزب سلطة، بالحصول على ولاية جديدة، ولكن صراعته مع التيار السلفي قد تهدد طموحاته الانتخابية.

موجة اعتقالات:

موجة اعتقالات:
أقدمت حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة عبد الإله بنكيران، على حملة اعتقلات ضد رموز التيار السلفي، ويخضع 75 ناشطًا سلفيًّا لتحقيقات من قبل الأمن المغربي في سجن سلا 2.
وقد وجّه نُشطاء من التيّار السلفي اتهامات لاذعة للحكومة، على خلفية الاعتقالات الواسعة التي شملت عددًا منهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب بالقول: إن "حكومة العدالة والتنمية تمارس اضطهادًا ضد التيار السلفي في المغرب داخل وخارج السجون"، ووصفوها بـ"ناكرة الوعود".
وقال المتحدث الرسمي باسم اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين عبد الرحيم الغزالي، في تصريح صحفي: إن الاعتقالات تبقى دورية تنفذها السلطات الأمنية في حق التيار السلفي مرة كل ستة أشهر، مشيرًا إلى أن الغرض من وراء ذلك هو تحيين المعطيات حول التيار السلفي.. لكن يبدو أنها اعتقالات من أجل أن توصل السلطات الأمنية رسالة بأنكم مراقبون، أو توجيه ضربة استباقية وفق اعتقادها.
وعن فِئة الموقُوفِين، كشَف الغزالي أن الأمر يتعلق بمن وصفهم "نشطاء التيار السلفي"، نافيًا أن يكون من ضمنهم نساء أو قاصرون، "أعتقد أن أصغر المعتقلين يبلغ من العمر 20 سنة"، مشيرًا إلى أن الاعتقالات تمت في توقيت زمني موحد على الصعيد الوطني "منذ السادسة صباحًا في المدن والقرى، وانتهت التحقيقات في الساعة السابعة مساء. وتم الاحتفاظ بقرابة 10 نشطاء ومصيرهم هو المحاكمة وإيداعهم سجن سلا2".
ونفى الغزالي أن تكون خلفيات هذه الاعتقالات ذات صلة بأحداث "نيس" الفرنسية الأخيرة، أو بأي سياق دولي، ولا حتى بالخلايا الإرهابية التي أعلنت وزارة الداخلية عن تفكيكها قبل أيام، بل هي اعتقالات دورية، ويمكننا أن نسمع بعد الأشهر الستة القادمة عن توقيف نشطاء آخرين، فقد اعتدنا على هذه الحملات منذ سنوات قبل العمليات الانتخابية.
وحول علاقة ملف "السلفية الجهادية" بوزير العدل والحريات، المصطفى الرميد، قال الغزالي: "لقد تواصلنا مع الوزير مباشرة بعد تعيينه في الحكومة قبل خمس سنوات، فاستقبلنا بمكتبه وطلب منا أن نمنحه مهلة سنة لأجل فتح حوار وطني لحل ملف السلفية الجهادية وفتح ورش إصلاح منظومة العدالة بالمغرب"، مضيفًا أن النشطاء تفاجئوا بعد عام ونصف بتصريح رسمي للرميد يؤكد فيه أن الملف خارج سلطته.
وتابع المتحدث: "لم نتقبل ذلك التحول المفاجئ، فصرنا منذ تلك اللحظة نحمّل مسئولية الاعتقالات والمحاكمات في حقنا للحكومة؛ لأنها تنفذ باسم وزير العدل والحريات، حتى إن الوضع الحقوقي المزري للسجناء تتحمل الحكومة نصيبًا مباشرًا فيه؛ لأن مندوبية السجون وإعادة الإدماج تقع تحت وصايتها"، فيما وصف الحكومة بـ"ناكرة الوعود"، والمسئولة عن "اضطهاد التيار السلفي في المغرب داخل وخارج السجون، والتضييق على إطاره الحقوقي المتمثل في اللجنة المشتركة".

الحضور السلفي:

والتيار في المغرب له ثلاثة أوجه، هي السلفية التقليدية التي تمثلها جمعية "الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش"، ويرأسها عبد الرحمن المغراوي، والسلفية الإصلاحية التي تضم مستقلين من الجمعية الأولى، وخطباء ودعاة مستقلين، والثالثة السلفية الجهادية.
وقد عبّر أحد رموز التيار السلفي عبد الوهاب رفيقي الملقب بـ"أبي حفص" في أكثر من تصريح صحافي عن تشجيعه للمشاركة السياسية؛ لأن "العمل الحزبي يحتاج لإعداد وتخطيط محكم، ولاحتكاك شعبي جماهيري، وممارسة جمعوية وازنة، سواء في مجال الدعوة إلى الله تعالى، أو العمل الاجتماعي، أو التواجد الإعلامي، وغير ذلك مما كانت تمارسه التيارات السلفية في مصر طوال عقود، وجنت ثمراته اليوم". في المقابل، كان الشيخ محمد الفيزازي صريحاً في ما يتعلق بمراجعة موقفه من السياسة، فأكّد أن ثمة "حاجة ملحّة لتأسيس حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية"، وقال إنه "يجب أن يعلم مَن لا يعلم أننا نحن المصنّفين في زمرة السلفيين على رغم أنوفنا من أحرص الناس على الاشتغال بالسياسة، لا بل نحن سياسيون حتى النخاع...". وتراجع الشيخ الفيزازي أيضاً عن موقفه من الديمقراطية، التي كان يعتبرها "ذلك الصنم"، والتي كان أكّد سابقاً أنها "دين آخر غير دين الإسلام ووجه الآخر للديكتاتورية ". ويقول "أبو حفص" في حوار له مع "التجديد" في مناسبة الإعلان عن مبادرته "أنصفونا": "إن المراجعات ضرورة شرعية، وواجب عقلي، وسمو أخلاقي".
وقد انضم "ابو حفص"وومجموعة من التيار السلفي إلى حزب "النّهضة والفضيلة"، فاجأ عبد الكريم الشاذلي، وهو سلفيّ جهاديّ متشدّد مدان في قضايا إرهاب منذ عام 2003 الجميع بالانضمام إلى حزب "الحركة الديمقراطيّة الاجتماعيّة"، الّذي أسّسه عميد الشرطة المتقاعد محمود عرشان المعروف بقربه من السلطة، بعد انشقاقه عن حزب الحركة الشعبيّة في عام 1997، وتعهّد الشاذلي المعروف بمواقفه السّابقة المكفّرة للديمقراطيّة والانتخابات في تصريحاته بجلب عدد أكبر من السلفيّين إلى الحزب المغمور في الأشهر المقبلة وإقناعهم بالعمل السياسيّ من داخل الهيئات الحزبيّة القانونيّة الموجودة والقطع مع الفكر المتشدّد.

الأكثر اضطهادًا:

الأكثر اضطهادًا:
كما انتقد الشيخ السلفي عبد الكريم الشاذلي، حكومة "عبد الإله بن كيران"، وحملها كامل المسئولية في تدهور حالة المعتقلين السلفيين داخل سجون المملكة، وحرمان من أفرج عنهم من أبسط وسائل العيش الكريم، والتسبب أيضا في معاناة عائلاتهم وإذلالهم أثناء التفتيش بأبواب المعتقلات.
وقال رئيس "الجمعية الوطنية للإصلاح والإدماج": إن المعتقلين السلفيين هم أكثر تعذيبا في عهد حكومة الإسلاميين من أي عهد آخر؛ حيث تحرق لحاهم بالسجون، ويوضعون في زنازن انفرادية للنيل منهم، ويتم الاستهزاء بزوجاتهم المنقبات وتنتهك حرمات أجسادهن أثناء التفتيش، متسائلًا هل نحن في عهد حكومة إسلامية أم في عهد الفراعنة؟
وبرر الشيخ السلفي ذلك بكون إسلاميي العدالة والتنمية أبانوا عن إرادة قوية وعزيمة ثابتة للانتقام من السلفيين داخل السجون، وأيضًا من أولئك الذين أفرج عنهم بحرمانهم من التشغيل، والحيلولة دون إدماجهم في الحياة الاجتماعية والسياسية، حتى يخلو الجو لبن كيران وإخوانه لممارسة السياسة لوحدهم دون منافسة أو مضايقة من أحد، كأنهم هم وحدهم من يفهمون في السياسة، على حد قوله.
وقال في النهاية: إن المغرب في حاجة اليوم إلى شريحة مهمة من مواطنيه وهم السلفية، الذين هم على أهبة الاستعداد للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة وعن نظامه الملكي ومذهبه السني؛ لأن هذه الثوابت المغربية ـ حسب نظره ـ مهددة الآن من مآمرات خارجية يحيكها اليهود والشيعة في العالم.

صراع الصندوق:

صراع الصندوق:
وتأتي حملة الاعتقلات من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية، لسلفي المغرب قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر المقبل؛ حيث يرى مراقبون أن التيار السلفي له حضوره في الشارع المغربي وقد يؤثر بفعل مشاركته السياسية على حظوظ حزب "الإخوان" في الحصول على أغلبية مع المنافسة الشرسة من قبل الأحزاب الليبرالية واليسارية والثورية.
ويوحي المشهد السياسي في المغرب أن تأثير حركة الإخوان المسلمين السياسي تواجه تراجع مستمر، فيما يجد التيار السلفي رواجًا لأفكاره ونشط بما يهدد مكانة الإخوان.
ويمثّل الفوز بالانتخابات المقبلة لحزب العدالة والتنمية فرصةً لا يستطيع التفريط فيها في منطقةٍ تعرّضت فيها أحزابٌ ذات مرجعية مماثلة (إسلامية) لهزات أطاحت بعضها وأقصت أخرى. 
ويهدد السلفيين آمال حزب العدالة والتنمية؛ حيث يشكل السلفيون بمختلف مدارسه قوة لا يستهان بها في العملية الانتخابية ومعركة الصندوق التي اشتعلت قبل بدأ الاقتنراع المزمع في 7 أكتوبر المقبل.
وفي يونيو 2013 أغلقت السلطات الإدارية المغربية، مقرات جمعية "الدعوة إلى القرآن والسنة"، المعروفة بـ"دار القرآن"، وخاصة مقرها المركزي بمدينة مراكش، وهذه الجمعة تعد أهم المؤسسات السلفية في المغرب، وجاء قرار الجمعية، كعقاب من عدم دعم الجمعية لحزب العدالة والتنمية في انتخابات سبتمبر 2011.
وخلال الانتخابات المحلية التي جرت في المغرب خلال سبتمبر 2015، كان هناك صراع على الصوت السلفي بين الأحزاب السياسية المختلفة، وقد طالب حزب الأصالة والمعاصرة (المعارض) من مسئولي جمعية "الدعوة إلى القرآن والسنة" التصويت لمرشحي الحزب؛ من أجل حل المشكل القانوني لجمعية "دار القرآن"، ولكن مؤسس الجمعية الشيخ محمد عبد الرحمان المغراوي، أعلن في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" دعوته المواطنين إلى التصويت على "الأصلح".
فيما دعا سلفيون مقربون من الإخوان إلى دعم مرشحي حزب العدالة والتنمية، وهو ما ييشير إلى أن أصوات السلفيين سيكون لها دور خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة.

المشهد المغربي:

المشهد المغربي:
فيما يبدو أن حزب العدالة والتنمية – الذراع السياسي لجماعة الإخوان في المغرب- يكرر أخطاء إخوته في مصر وتركيا وتونس، بمحاربة الأحزاب السلفية ليبقى وحده ممثلًا للتيار الإسلامي، لا يقف الأمر عند ذلك، بل قد يتهم التيار السلفي بممارسة الإرهاب، في سبيل أن الإخوان تمثل الإسلام المعتدل والجماعات المؤمنة بالدولة الديمقراطية.
التضييق على السلفيين من قبل حزب العدالة والتنمية، يمثل قلق الأخير من الدور الذي يلعبه التيار السلفي في أحداث التغيير في العملية الانتخابية المقبلة، والتي يسعى فيها حزب العدالة والتنمية إلى حشد كل الإسلاميين والأعضاء لضمان الأغلبية البرلمانية في مواجهة الأحزاب المدنية، التي بدأت التحضير جيدًا لمعركة الانتخابية... فهل سينجح السلفيون في توجيه ضربه قاسمة لحزب الاخوان أم أن العدالة والتنمية سينجو من غضب السلفيين في الصندوق؟

شارك