بعد سيطرة حفتر على منطقة النفط.. تساؤلات حول مستقبل الحوار الليبي
السبت 17/سبتمبر/2016 - 01:13 م
طباعة
مع احتدام الصراع في ليبيا بين أطراف النزاع على السلطة، نجح قائد الجيش الليبي خليفة حفتر في السيطرة على موانئ النفط بمنطقة الهلال النفطي؛ الأمر الذي أدى إلى غضب حكومة الوفاق المناهضة له برئاسة فايز السراج.
سيطرة الجيش الليبي
وسيطرت قوات حفتر بشكل كامل على منطقة الهلال النفطي التي تضم أكبر موانئ التصدير، منها موانئ رأس لانوف والسدر والبريقة، وتمكنت من طرد قوات حرس المنشآت النفطية الموالية لحكومة الوفاق من المنطقة.
وتتصارع الأطراف الليبيىة، للسيطرة على منطقة الهلال النفطي، وهو الهدف الرئيسي الذي جاءت من أجله حكومة الوفاق الوطني المدعومة أمميًا ودوليًا.
وترفض القوات المنبثقة عن مجلس النواب والتي يقودها حفتر، الخضوع لقيادة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، التي تحظى باعتراف دولي.
وفي حالة من الغضب العارمة، دعا رئيس الحكومة، فايز السراج، في بيان له عقب سيطرة حفتر على منطقة الهلال النفطي، جميع الأطراف إلى إنهاء الأعمال الاستفزازية والاجتماع بشكل عاجل على طاولة واحدة للتصدي لقوات حفتر ومناقشة آلية الخروج من الأزمة وإنهاء الصراع.
واعتبر السراج أن ليبيا تمر "بمرحلة مفصلية" في تاريخها، وقال: إن ليبيا في "منعطف حاسم"، بعد الهجوم على الموانئ النفطية، وإن مستقبل البلاد كأمة موحدة أصبح في خطر.
وأضاف: "لن أقبل أن أقود طرفا ليبيا أو أدير حربا ضد طرف ليبي آخر"، في إشارة إلى احتمالية وقوع مواجهات بين قوات حكومته والقوات التي سيطرت على موانئ التصدير.
يأتي ذلك بعد أيام من سيطرة حكومة الوفاق شبه الكاملة على مدينة سرت معقل تنظيم داعش في ليبيا وزيارة فايز السراج للمدينة لأول مرة، بعدما انحسر التنظيم فيها.
في المقابل، أكد حفتر أن سيطرته على المواني النفطية ليس موجهة ضد حكومة الوفاق التي ترعاها الأمم المتحدة، مبررًا الخطوة بتحرير المنشآت النفطية من قبضة ميليشيات سماها "خارجة عن القانون" وتعتمد أسلوب الابتزاز للحصول على أموال طائلة.
ودلل على حديثه بأن هذه القوى أوقفت التصدير منذ فترة طويلة، وأدى ذلك إلى خسارة 100 مليار دولار، وانهيار شبه تام للاقتصاد الليبي، معتبرًا أن العملية ليست سياسية على الإطلاق وتهدف لحماية المنشآت لذلك دعا المؤسسة الوطنية للنفط لتولي شئونها.
ورأى حفتر أن الدول التي أدانت سيطرة قواته على الموانئ النفطية لم تتفهم الهدف الرئيس لهذه العملية، لافتا في الوقت ذاته إلى تفهمه لمخاوفها.
تحذير أممي
في هذا السياق، اعتبر المبعوث الأممي، مارتن كوبلر، أن ما قام به حفتر سيعمق الانقسام في ليبيا وسيحد من تصدير النفط لليبيين جميعا"، مضيفًا أن ثروات ليبيا هي ملك لجميع الليبيين وينبغي أن تتم حمايتها، وتصديرها بشكل قانوني عبر سلطة المجلس الرئاسي وإلا فإن الشعب الليبي سيدفع الثمن، في حين يرى مراقبون أن الخطوة التي أقدم عليها حفتر تعدّ بداية انفراج في الأزمة الليبية.
وحظت هذه العملية العسكرية بدعم الحكومة الموازية المعترف بها دولياً، وكذلك من البرلمان المنتخب الذي يتخذ من مدينة طبرق بالشرق مقراً له؛ حيث أمر عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق، وعبدالله الثني، رئيس الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء، بالبدء في إجراءات استلام المؤسسة الوطنية للنفط للموانئ النفطية في منطقة الزويتينة والهلال النفطي، والتي سيطر عليها الجيش التابع للبرلمان قبل يومين، رغم الانتقادات الدولية.
وتم ترقية اللواء حفتر إلى رتبة مشير، وذلك بعد نحو سنة ونصف من ترقيته إلى رتبة فريق أول.
وتزداد المخاوف من أن تؤدي سيطرة حفتر، على موانئ التصدير بالهلال النفطي، إلى نزاع عسكري جديد بين هذه القوات وتلك الموالية لحكومة السراج.
في هذا السياق، قالت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا إنها ستبدأ العمل "فوراً" لاستئناف صادرات الخام من الموانئ التي سيطرت عليها قوات حفتر.
وعبر رئيس المؤسسة مصطفى صنع الله في بيان عن أمله في "بداية مرحلة جديدة"، وقال: إن الإنتاج قد يزيد إلى ستمئة ألف برميل يومياً من نحو 290 ألفاً يومياً في غضون شهر.
ورحب البيان بتعهدات الجيش الوطني الليبي ورئيس برلمان شرق ليبيا الموالي لحفتر بوضع الموانئ تحت سيطرة المؤسسة الوطنية للنفط.
تخوفات من صراع عسكري
وأكد رئيس المؤسسة أن ميناء الزويتينة الذي يقوم بزيارة له تعرض لبعض أعمال التخريب من قبل المجموعات المسلحة التي كانت تسيطر عليه ولكن هذه الأضرار لا تؤثر على سير العمل بالميناء.
ووصل صنع الله، وعدد من أعضاء مجلس إدارة المؤسسة، ميناء الزويتينة النفطي شرقي ليبيا الذي سيطرت عليه قبل يومين قوات الجيش الليبي.
وقال فتحي المريمي، المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب: إن تعليمات عقيلة صالح لرئيس الحكومة المؤقتة جاءت خلال اجتماع تمّ أثناءه تدارس انتهاء أزمة النفط في البلاد، بعد 5 سنوات من العبث من طرف الخارجين عن القانون الذين يتبعون إبراهيم الجضران قائد جهاز حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الوسطى، والذين أوقفوا تصدير النفط، الأمر الذي أدخل البلاد في أزمة مالية خانقة.
وتنص تعليمات صالح، على أن تُكلف المؤسسة الوطنية للنفط الموحدة، جهاز حرس المنشآت النفطية الشرعي، والذي يقوده العميد مفتاح المقريف، معين من قبل البرلمان قبل أشهر بحمايتها؛ لأن هذه الموانئ تمثل قوت الليبيين ولا يمكن إلا أن تكون تحت تصرف المؤسسة الوطنية للنفط الموحدة.
وتضم منطقة الهلال النفطي أربع موانئ نفطية الزويتينة، البريقة، رأس لانوف، والسدرة، وتقع بين مدينتي بنغازي ألف كلم شرق طرابلس وسرت 450 كلم شرق طرابلس، وتحوي حقولا نفطية يمثل إنتاجها نحو 60 بالمئة من صادرات ليبيا النفطية إلى الخارج.
وقال مسئولون ليبيون: إن سيطرة حفتر على الهلال النفطي لها دلالات بأن جهات أجنبية تدعم حفتر لا تريد للبلاد أن تنهض ويعود إليها نشاطها الاقتصادي وتبقى في حالة تعثر دائم، والآخر هو أنها خطوة غبية ترمي إلى إعادة حفتر للمشهد في وقت تنشغل فيها القوات الموالية لحكومة الوفاق بمعركة طرد تنظيم داعش من مدينة سرت.
وأعلن كل من فتحي المجبري وعلي القطراني، نائبا رئيس المجلس الرئاسي، في بيان أصدراه، دعمهما الكامل لقيام الجيش الليبي باستعادة السيطرة الأمنية على الموانئ النفطية والتحكم فيها.
كما أيدا بيان القيادة العامة للجيش الليبي الذي أوضح أنه لا علاقة للجيش بإدارة النفط وحراسته، وأن ذلك من اختصاص المؤسسة الوطنية للنفط وحرس المنشآت النفطية التابع لمؤسسات الدولة الرسمية.
رفض دولي
في سياق آخر، حذرت حكومات غربية من أن الخلافات بين الليبيين ستكون في صالح تنظيم داعش الإرهابي، ومساعيه إلى إقامة قواعد له على البحر المتوسط قبالة أوروبا.
وأصدرت الولايات المتحدة وخمسة من كبار حلفائها الأوروبيين الداعمين لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بيانًا دعوا فيه كل القوات المسلحة الموجودة في الهلال النفطي للانسحاب الفوري وغير المشروط.
وقالت الدول الست: إن "حكومات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة تدين الهجمات التي استهدفت في نهاية الأسبوع موانئ الزويتينة وراس لانوف والسدرة والبريقة النفطية في ليبيا".
وشدد البيان على أن النفط ملك للشعب الليبي ويجب بالتالي أن تديره حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة والتي يوجد مقرها بطرابلس.
وتعتبر الدول الكبرى حكومة الوفاق الوطني الجهة السياسية الشرعية الوحيدة في ليبيا، ولا تعترف بسلطة ما تسمى "الحكومة الموازية" التي تتخذ من مدينة البيضاء في الشرق مقرًّا وترفض تسليم السلطة.
ومنذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، يعيش قطاع النفط في ليبيا تراجعًا مستمرًّا، إذ انخفضت معدلات الإنتاج اليومي من نحو 1.6 مليون برميل يوميًّا إلى نحو 200 ألف برميل، لتصبح ليبيا- أغنى دول إفريقيا بالنفط مع احتياطي يبلغ 48 مليار برميل- أقل دول منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" إنتاجًا في العام 2015، بحسب أوبك.
ولدى ليبيا أكبر مخزون للنفط في إفريقيا، وتعتمد على إيراداته في تمويل أكثر من 95% من خزانة الدولة، وتمول منها بشكل رئيسي رواتب الموظفين الحكوميين، ونفقات دعم السلع الأساسية والوقود، وكذلك عدد من الخدمات الرئيسية مثل العلاج المجاني في المستشفيات.
ويرى مراقبون أن هجوم حفتر على موانئ النفط جاء عقب أقل من أسبوع من زيارة الجنرال لموسكو؛ حيث أكد حفتر حينها لمس تفهم كبير من الجانب الروسي لما يدور في ليبيا، واصفًا روسيا بأنها من "أبرز الدول المناهضة للإرهاب".
تفويض دولي لمصر
في هذا السياق، تسعى الدول الغربية التي فشلت في رعاية حوار بين الفرقاء الليبيين أن توكل مهمة إدارة الملف الليبي إلى مصر التي استضافت خلال الأيام الماضية شخصيات ليبية مختلفة، رغم أنها لا تخفي انحيازها للفريق خليفة حفتر قائد الجيش الليبي الذي يسيطر على مواقع مهمة بالشرق.
وجاءت زيارة فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، إلى القاهرة في سياق التفويض الدولي لمصر بالبحث عن أرضية حوار بين حكومة الشرق وحكومة الوفاق، مع مراعاة المستجدات العسكرية الأخيرة في الهلال النفطي.
وقد أعلن سامح شكري، وزير خارجية مصر، أمس الجمعة، تأييد بلاده التام لتحرك القوات المنبثقة عن مجلس النواب المنعقد شرقي ليبيا، للحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد، وتأمين الثروات البترولية.
وأوضح شكرى، أن "مصر ستولي أيضًا أهمية قصوى بخصوص ضرورة عودة الاستقرار إلى ليبيا، وتحقيق الوفاق الوطني من خلال تنفيذ اتفاق الصخيرات"، مؤكدًا أن بلاده "تدعم الجيش الوطني الليبي القوات التي يقودها خليفة حفتر بكل ما يحمله من شرعية".
تشكيل حكومة مصغرة
وفي سياق مواز، كشف محمد الطاهر سيالة، المفوض بمهام وزير الخارجية بحكومة الوفاق الوطني الليبية، المدعومة دوليًّا، أن المجلس الرئاسي بصدد تشكيل حكومة مصغرة لعرضها على مجلس النواب لنيل الثقة.
وقال سيالة خلال لقائه وزيرة الخارجية الفنزويلية، ديلسي رودريجز، خلال قمة عدم الانحياز في كراكاس: "إن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني يعمل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار وتهيئة الأجواء للمصالحة الوطنية الشاملة، وبصدد تشكيل حكومة مصغرة لعرضها على مجلس النواب لنيل الثقة"، وفقًا لما نقلته بوابة الوسط الإخبارية الليبية عن المكتب الإعلامي للوزير.
وكان مجلس النواب الليبي صوت الشهر الماضي على عدم منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني التي تشكلت بموجب اتفاق الصخيرات الذي تم التوصل إليه في شهر ديسمبر أول الماضي، ويجب أن تنال حكومة الوفاق الثقة كي تحل محل الحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب.
وتعتبر سيطرة حفتر على منطقة النفط بداية انفراج للأزمة، في ظل الصراعات الدائرة من هنا وهناك، وقد يؤدي ذلك إلى فرار الجماعات المسلحة التي تسعى إلى السيطرة على منطقة النفط منذ دخولها البلاد.
