"حسم" الإخوانية.. واستراتيجية الذئاب المنفردة.. ومحاولة اغتيال النائب العام المساعد
السبت 01/أكتوبر/2016 - 01:20 م
طباعة
ينتشر مصطلح "الذئاب المنفردة" خلف كل عملية إرهابية جديدة تقوم بها مجموعة غير معروفة أمنيًّا، ويحدث الكثير من الجدل حول هذا المصطلح، خصوصًا بعد العمليات التي حدثت في فرنسا مؤخرا وكذلك في مصر بداية من اغتيال النائب العام المصري "هشام بركات، و"الذئاب المنفردة" هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، كما يطلق هذا الوصف أيضا على هجمات فردية تنفذها مجموعات صغيرة من شخصين إلى خمسة كحد أقصى. وقد تتبنى هذا النوع من الهجماتِ المنفردة جماعاتٌ مسلحة من بينها تنظيم الدولة في العراق والشام "داعش"، مثلما حصل في تبنيه لهجوم باردو في تونس وهجوم أورلاندو في أمريكا.
دلالة المفهوم
بالعودة إلى أصول تسمية "الذئاب المنفردة" يظهر أنها غير مرتبطة فقط بـ"الجماعات الجهادية الإسلامية"، فهي تعبر عن أي شخص يمكن أن يشن هجوما مسلحا بدوافع عقائدية أو اجتماعية أو نفسية أو مرضية أو سياسية، كما فعل اليميني المتطرف أندريه بريفيك في النرويج 2011 حين قتل العشرات احتجاجا على سياسة بلاده في مسألة هجرة الأجانب إليها.
ويقول الخبراء الأمنيون إن المقصود بهذا المصطلح الاستخباري هم الأفراد الذين ينفذون عمليات قتل بشكل انفرادي دون وجود بنية تنظيمية توجهها وتخطط لها، أو يتحركون بتأثير من دعاية تنظيم ما ولكنهم ليسوا مكلفين بهذه المهمة من قبل قيادته بأي طريقة. وغالبا ما يكون هؤلاء أشخاصا عاديين لا يثيرون ريبة في حركاتهم وسلوكهم.
ومن أشكال العمليات التي يمكن أن تقوم بها "الذئاب المنفردة": زرع قنابل ذاتية الصنع في أماكن مختلفة وتفجيرها عن بعد، أو شن هجوم فردي بسلاح يمكن أن يصنع في البيوت أو يُشترى بشكل قانوني، أو تجنيد شخص داخل جهاز حكومي في دولة ما لتنفيذ عملية أمنية نوعية بتخطيط وتمويل ذاتي وبسرية تامة.
و"الذئاب المنفردة" يكون عملها فرديا في الغالب، إذ ينفذ أحدها عادة عملية واحدة ثم يختفي ولا يكون له أي سجل أمني أو تـُعرف له سابقا تصرفاتٌ أو آراء "متطرفة". وإذا كانت خلية فإن عددها لا يزيد على خمسة أفراد يتعاملون بأسماء حركية وليس بأسمائهم الصحيحة، وإذا ما قاموا بإحدى عملياتهم فإنهم يركنون إلى السكون والاختفاء مجددًا.
ويرى خبراء أمنيون أن الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة فردية على شاكلة "الذئاب المنفردة" يمثلون خطرا أكبر من التنظيمات المعروفة مثل تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة والتنظيمات المتفرّعة عنه. ويتوقعون أن يصبح هذا "التكتيك" الجديد -الذي لا يمكن التنبؤ بحدوثه من أقوى الأجهزة الأمنية كفاءة فنيا وبشريا- أكثرَ بروزا في المستقبل.
وفي عام 2015 وصفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية ظاهرة "الذئاب المنفردة" بـ"الكابوس الجديد"، بينما قالت صحيفة ديلي تليغراف البريطانية إن منع "الذئاب المنفردة" من ارتكاب "أعمال إرهابية" يمثل التحدي الأكبر للأجهزة الأمنية في العالم ولا سيما الغرب.
وتعود الخطورة في ظاهرة "الذئاب المنفردة" إلى أن الأجهزة الأمنية في أي دولة تتدرب عادة على سبل مراقبة وإحباط العمليات التي قد تنفذها هيئة منظمة لها قيادة تخطط ومجندون ينفذون، ولها بصمة واضحة تـُعْرف بها وتساعد في مراقبتها إن تحركت والوصول إليها إن نفذت، كما يمكن ردعها بضرب قواعدها وقيادتها وممتلكاتها.
أما في حالة العمليات التي تقوم بها "الذئاب المنفردة" فإن أجهزة الأمن تفقد المعلومات الكافية التي تمنحها السيطرة والتحكم في مجريات العمليات والمسارعة بإحباطها، لأنها في مواجهة عمليات فردية لا تستطيع توقع أين وكيف ستحدث؟ وليس لديها سجل معلوماتي عن منفذيها، ولا طرف خيط كفيل بإحباط ما سيأتي منها في قادم الأيام لأن المخطط لكل عملية هو منفذها.
"حمس" الإخوانية ومحاولة اغتيال النائب العام
النائب العام المساعد زكريا عبدالعزيز
وقد تبنت حركة «حسم» المنتمية لجماعة الإخوان الإرهابية محاولة اغتيال النائب العام المساعد زكريا عبدالعزيز في التجمع الأول عند أطراف القاهرة مساء أول من أمس بسيارة مُفخخة، انفجرت قرب منزله مستهدفة موكبه بعد مروره بدقائق.
ونجا عبدالعزيز وأفراد حراسته من التفجير الذي سُمع دويه على بعد بضعة كيلومترات. وجُرح في الهجوم خفير في المنطقة مُكلف بحراسة بعض المنازل فيها.
و«حسم» حركة مسلحة تحوم شكوك حول خروجها من رحم «الإخوان المسلمين»، وترفع شعار «بسواعدنا نحمي ثورتنا». وتبنت الحركة في الشهور الماضية هجمات إرهابية عدة، لكن هذا الهجوم أبرزها، إذ استهدف مسئولاً قضائياً كبيراً ونُفذ بسيارة مُفخخة أوصلها التنظيم إلى العاصمة، وفي منطقة يسكنها عدد من المسئولين البارزين.
وقالت وزارة الداخلية في بيان إنه «عقب مرور سيارة النائب العام المساعد وقوة الحراسة المرافقة له من شارع أحمد شوقي في منطقة البنفسج في التجمع الأول في القاهرة الجديدة، انفجرت سيارة مفخخة متوقفة على جانب الطريق». وأضافت: «لم تترتب على الحادث أي إصابات بالنائب العام المساعد أو قوة الحراسة المرافقة، فيما أصيب أحد المواطنين الذي يعمل خفيراً في المنطقة تصادف وجوده أثناء الانفجار وتم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج».
وفور وقوع الهجوم انتقلت قيادات الأمن والبحث الجنائي والنيابة العامة ونيابة أمن الدولة العليا إلى موقعه. وجمع خبراء الأدلة الجنائية عينات من موقع الهجوم، وشوهدت أجزاء من السيارة على بعد أمتار من موقع انفجارها، ولم يتبق منها إلا جزء من نصفها الأمامي، وتناثرت بقية الأجزاء في قطع صغيرة محترقة، في مؤشر إلى شدة التفجير.
وأغلقت قوات الأمن منطقة التفجير في الحي الراقي الذي يضم منازل عدة يسكن بعضها مسئولون بارزون، لفرضية سهولة تأمينها بسبب هدوئها اللافت.
ودان مجلس الوزراء التفجير. وقال إن «تلك الأعمال الإجرامية لا تزيدنا إلا إصراراً على حماية الوطن والمواطنين واجتثاث الإرهاب الآثم من جذوره»، مضيفاً أن «الوقت حان لبناء شراكة دولية للقضاء على ظاهرة الإرهاب الأسود الذي أصبح يطاول عواصم كثيرة، ويهدد الإنسانية من دون تفريق بين ديانة أو جنسية أو عرق». ودانت مؤسسات عدة رسمية وسياسية الهجوم.
النائب العام السابق هشام بركات
وعبدالعزيز هو النائب العام المساعد لشئون التفتيش القضائي، ولا يتصل مجال عمله في شكل مباشر بقضايا الإرهاب. واغتيل في يونيو 2015 النائب العام السابق هشام بركات بتفجير مماثل استهدف موكبه في حي مصر الجديدة شرق القاهرة.
وحركة «حسم» التي تبنت الهجوم، ظلت غير معروفة لفترة طويلة، لكنها سعت إلى ترسيخ وجودها بإعلان مسئوليتها عن هجمات عدة آخرها استهداف عبدالعزيز. وظهر أن الحركة أرادت تأكيد مسئوليتها عن الهجوم فنشرت صوراً لمنزل النائب العام المساعد، وسيارته أثناء سيرها وخلال توقفها أمام المنزل، ولكشك الحراسة أمام منزله، ولفرد أمن من المكلفين بحراسته. وقالت إنها «صور الرصد العملياتي للهدف». كما نشرت صورة واحدة للسيارة المفخخة أثناء انفجارها في مواجهة منزل عبدالعزيز، لتأكيد ضلوعها في الهجوم.
وسبق لتلك الحركة أن تبنت محاولة اغتيال المفتي السابق على جمعة قرب منزله في السادس من أكتوبر عند أطراف القاهرة، بإطلاق الرصاص صوبه من أسلحة آلية، وتبنت أيضاً قتل شرطي في أحد الشوارع الرئيسة في السادس من أكتوبر. ونشرت صوراً للعمليتين.
وقالت الحركة في بيان نشرته عبر موقعها على الانترنت: «تمكنت فرقة التفجيرات المركزية في حركة حسم من استهداف موكب النائب العام المساعد زكريا عبدالعزيز عثمان بسيارة مفخخة قرب منزله ووسط حراساته المشددة بعد تخطي المكامن… كان ذلك وفق رصدنا العملياتي وقت مرور الموكب وليس بعد دقائق».
وهددت الحركة أفراد القوات المسلحة والشرطة والإعلاميين بالقتل. وتوعدت بالاستمرار في استهداف القضاة «الذين يرسلون المئات، بل الآلاف، إلى منصات الإعدام والسجن المؤبد»، في مؤشر إلى مساندة الحركة جماعة «الإخوان» التي يُحاكم غالبية قادتها وعدد كبير من أعضائها.
العميد خالد عكاشة
وتعليقًا على هذه العملية الإرهابية قال العميد خالد عكاشة، مدير المركز الوطني للدراسات السياسية والأمنية: إن هذه العملية الإرهابية تأتي في إطار الإفلاس من جانب العناصر الإرهابية، ومحاولة منهم للظهور بأنهم ما زالوا يرهبون قوات الأمن وقادرين على المواجهة، موضحًا أن الحادث الإرهابي يتزامن مع عمليات تصعيد إعلامي من قبل تنظيم الإخوان الإرهابي التي من أبرزها دعوات التظاهر يوم ١١ نوفمبر.
وأشار إلى أن التصدي الأمني هو الخطوة الأولى لمواجهة تلك المحاولات، مع ضرورة أن تكون الأجهزة الأخرى في الدولة حاضرة، وحذر من وجود مخطط لاستهداف قيادات «الصف الثاني» من المسئولين.
اللواء حمدي بخيت
وأوضح اللواء حمدي بخيت، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، أن منطقة التجمع الأول من المناطق المفتوحة، ومن السهل الاقتراب منها وتنفيذ العمليات الإرهابية، مشيرًا إلى أن السبب الرئيسي لعودة العمليات الإرهابية هو القصور الأمني، وضعف الاحتياطات الأمنية، واستشعار الأجهزة الأمنية بعدم التهديد، مؤكدًا أن «لجوء العناصر الإرهابية إلى استعمال العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، لأنهم لا يستطيعون المواجهة على الأرض».
وشدد على ضرورة مراجعة الخطط الأمنية في المناطق شديدة الحساسية، وزيادة الترتيبات الأمنية حتى لا تعود التفجيرات والعمليات الإرهابية، إلى جانب ضرورة أن تستشعر الأجهزة الأمنية التهديد بشكل دائم، حتى تستطيع إبطال مثل هذه العمليات. وتابع: «كان يجب أن يكون هناك مسح كامل مستمر في منطقة التجمع، للوقوف على أي جسم غريب، إضافة إلى وجود كاميرات مراقبة لرصد أي عمليات إرهابية ومراقبة محور التحرك بالنسبة للجماعات الإرهابية».
اللواء محمد نورالدين
بينما قال اللواء محمد نورالدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن التفجير الأخير لا يعبر عن عودة التفجيرات المفخخة مرة أخرى، خصوصا أنها الحادثة الأولى منذ مقتل النائب هشام بركات، مؤكدًا أن الجماعة الإرهابية لديها اعتقاد في عداء القضاء والأمن، مشيرًا إلى أن الأجهزة الأمنية لن تخاف من المحاولات المتكررة للإرهابيين في ظل عزيمة قوية لمواجهة الإرهاب والقضاء على جذوره، وقال: «الحل في تطبيق مبدأ العدالة الناجزة بدلًا من التراخي في محاكمة قيادات الجماعة الذين يصدرون أوامرهم من داخل السجون»، منتقدًا التأجيل المستمر للمحاكمات لمدة ثلاث سنوات، معلقًا: «من أمن العقاب أساء الأدب»، واستدل بدور الزعيم جمال عبدالناصر في مواجهة القيادات الإرهابية، وهو ما أدى إلى هروبهم والقضاء على الإرهاب في عهده.
وأكد أنه لا يطالب بإغفال العدالة المطلقة، ولكن الناجزة، حتى يصبح لدى الإرهابيين عبرة مؤكدة على مصيرهم، لافتًا إلى أن الجانب الأمني جيد والقوات تقوم بدور مقدر في مواجهة أعضاء الجماعة الإرهابية على مستوى الجمهورية، مؤكدًا أن إلقاء التهم على التقصير الأمني يعكس جهلا بالأوضاع التي تواجه رجال القوات المسلحة والشرطة، مؤكدًا أن دول العالم تعانى الإرهاب ولا نجد من يلقى العبء على الجهاز الأمني بها، ولكن الدعم النفسي والمادي للأجهزة الأمنية هو الأسلوب المتبع في تلك الدول.
ونوه بأن الحل في توفير دوائر قضائية متخصصة لمحاكمة الإرهابيين أو محاكم أمن الدولة، بدلًا من الاعتماد على القضاء المدني البطيء، مشيرًا إلى أن أسلوب السماح الذي تتبعه الحكومة في مواجهة الإرهابيين لن يساعد في حل الأزمة التي تهدد المجتمع على مدى خمس سنوات متتالية، لافتًا إلى ضرورة الانتباه إلى التجربة المصرية في مواجهة الإرهاب في التسعينيات بالمحاكمات العسكرية، التي قضت عليه، مشيرًا إلى أن رد الفعل الضعيف من جانب الدولة هو السبب في استمرار هؤلاء الإرهابيين في جرائمهم تجاه الوطن، مؤكدًا أن الظروف الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية.
وفى السياق ذاته، قال العميد خالد عكاشة، مدير المركز الوطني للدراسات السياسية والأمنية: إن هذه العملية الإرهابية تأتي في إطار الإفلاس من جانب العناصر الإرهابية، ومحاولة منهم للظهور بأنهم ما زالوا يرهبون قوات الأمن وقادرين على المواجهة، موضحًا أن الحادث الإرهابي يتزامن مع عمليات تصعيد إعلامية من قبل تنظيم الإخوان الإرهابي التي من أبرزها دعوات التظاهر يوم ١١ نوفمبر، مشيرًا إلى أن التصدي الأمني هو الخطوة الأولى لمواجهة تلك المحاولات، مع ضرورة أن تكون الأجهزة الأخرى في الدولة حاضرة.
