بعد إقرار الكونجرس لقانون "جاستا".. السيناريوهات الحاكمة للعلاقات الأمريكية السعودية

السبت 01/أكتوبر/2016 - 06:49 م
طباعة بعد إقرار الكونجرس
 
في تطور جديد ربما يعكس مدى الخلاف المكتوم بين الإدارة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، إذ بدأ عدد من أسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر الإرهابية التفاعل مع قرار الكونجرس الأمريكي الذي يسمح للمواطنين الأمريكيين المتضريين من عمليات إرهابية وقعت على الأراضي الأمريكية مقاضات أشخاص ودول أثبتت التحقيقات مسؤوليتهم أو دعمهم لتلك العمليات.
التفاعل من قبل المواطنيين الأمريكيين انعكس فيما أقبلت عليه أرملة أحد ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 على مقر البنتاجون، برفع دعوى قضائية ضد السعودية بعد يومين فقط من إقرار قانون "جاستا" الذي يتيح لضحايا الهجوم مقاضاة الرياض.
كان أوباما وكبار قادة الجيش والاستخبارات حذروا مرارا من أن هذا القانون لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، ويعرض الحكومة الأميركية لقوانين مشابهة، إذ يفتح القانون الأميركي الجديد الباب أمام دول أخرى ومن بينها السعودية لاستصدار قوانين مماثلة، عمل وفق مبدأ المعاملة بالمثل الذي يحكم العلاقات الدبلوماسية، من أجل الرد على هذا الإجراء.
وقال أوباما في مقابلة سابقة مع شبكة "CBS" إذا "أفسحنا المجال أمام أفراد أميركيين لمقاضاة الحكومات بشكل مستمر، فإننا سنفتح الباب أمام مقاضاة الولايات المتحدة من قبل الأفراد في بلدان أخرى".
وبدا أن التوتر هو الذي يحكم العلاقات بين الرياض وواشنطن، حيث اتخذت أميركا العديد من الخطوات والسياسات التي اعتبرتها الرياض ضارة بمصالحها مثل الاتفاق النووي الذي أبرمته أمريكا والدول الست الكبرى مع إيران بشأن برنامجها النووي، فضلاً عن اضطراب المواقف بين البلدين فيما يخص الاوضاع في سورية.
بعد إقرار الكونجرس
وبحسب وكالة بلومبرغ الأمريكية، فقد تقدمت السيدة ستيفاني روس بدعوى قضائية في واشنطن تتهم فيها السعودية بتقديم الدعم المادي لمنفذي الهجمات الإرهابية والتسبب في مقتل زوجها الضابط البحري باتريك دون، إذ كانت حاملا عندما لقي زوجها حتفه في الهجمات.
كما ذكرت بلومبيرغ أن لجنة أمريكية قامت بالعديد من التحقيقات في عام 2004 أثبتت عدم صلة السعودية بالهجمات إلا أن اللجنة الأخرى التي شكلها الكونغرس أشارت إلى احتمال تلقي منفذي هجمات 11 سبتمبر دعما من أحد المسؤولين السعوديين مما أتاح للكونغرس أن يمرر قانون مقاضاة السعودية على الرغم من اعتراض البيت الأبيض.
وأدانت الخارجية السعودية الخميس 29 سبتمبر 2016 إقرار القانون الأمريكي الذي يمكن أسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة السعودية للمطالبة بتعويضات، واصفة المسألة بأنها "مصدر قلق كبير"، وجاء في بيان الخارجية، الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية، أن "من شأن إضعاف الحصانة السيادية التأثير سلبا على جميع الدول بما في ذلك الولايات المتحدة"
كان الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب قد أسقط "فيتو" الرئيس باراك أوباما على القانون المعروف باسم "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف اختصارا باسم "جاستا"، والذي يتيح لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية مقاضاة الحكومة السعودية.
بعد إقرار الكونجرس
واستخدم منفذو هجمات 11 سبتمبر، طائرات مدنية لاستهداف مقر وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن وبرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، في حين فشلت طائرة رابعة في الوصول إلى أهدافها في ولاية بنسلفانيا بسبب اشتباك الركاب مع الخاطفين، و أن 15 من أصل 19 إرهابيا من منفذي هجمات 11 سبتمبر يحملون الجنسية السعودية، وأن بعض الاتهامات تم توجيهها لعدد من المسؤولين الرسميين السعوديين لتقديمهم الدعم المادي.

مخاوف من تداعيات قرار الكونجرس:

مخاوف من تداعيات
ومن بين المخاوف الأمريكية من تداعيات إقرار القانون، ما قاله نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، مارك تونر، حيث أعرب عن خشيته على الجنود والدبلوماسيين الأمريكيين في الخارج بعد إلغاء الكونجرس الأمريكي لفيتو الرئيس، باراك أوباما حول قانون "جاستا."
تصريحات تونر جاءت خلال مقابلة له على محطة CNN  حيث قال: "عبرنا منذ البداية عن قلقنا حول هذا التشريع، بالطبع نحن نتفهم ونتعاطف مع ما يثير قلق عائلات ضحايا هجمات الـ11 سبتمبر 2001 والذين عانوا الكثير ولكن الأمر لا ينتهي هنا فقط."
وأضاف المتحدث الأمريكي قائلا: "على الجهة المقابلة هناك قلق حول أمن وسلامة جنودنا ودبلوماسيينا والموظفين الأمريكيين الآخرين في الخارج لصالح الأمن القومي الأمريكي، ونحن نؤمن بأن هذا القانون قد يعرض هؤلاء للخطر."
وتابع تونر قائلا: "المصطلح الذي يثير قلقنا هو الحصانة السيادية (لهؤلاء الأمريكيين) وهذا الأمر لا يقلقنا وحدنا وحسب بل أن المسؤولين السعوديين أيضا عبروا عن قلقهم حول هذا القانون أيضا".

نص قانون "جاستا":

نص قانون جاستا:
المادة الأولى، تعتبر أن "الإرهاب الدولي" يعتبر مشكلة خطيرة تهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية.
فيما اعتبرت المادة الثانية، أن الإرهاب الدولي يؤثر سلباً على حركة التجارة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره يلحق ضررا بالتجارة الخارجية وينسف استقرار السوق ويضيق على حركة سفر المواطنين الأمريكيين إلى خارج البلاد، وعلى قدوم الزائرين الأجانب إلى الولايات المتحدة.
أما المادة الثالثة،  فاعتبرت بعض المنظمات الإرهابية الأجنبية (دون أن تسميها) تنشط من خلال أفراد أو مجموعات تابعة لها في جمع مبالغ ضخمة خارج الولايات المتحدة وتوظيفها لاستهداف الولايات المتحدة.
المادة الرابعة، أوضحت، أن من الضروري معرفة الأسباب الموضوعية وأبعاد المسؤولية القانونية حول الأفعال التي تحض على تقديم المساعدة وتدعو للتحريض والتآمر تحت الفصل "113 ب" من الباب "18" من القانون الأمريكي.
المادة الخامسة قالت إن الأشخاص أو الجهات أو الدول التي تساهم أو تشارك في تقديم دعم أو موارد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لأشخاص أو منظمات تشكل خطراً داهماً وارتكاب أعمال إرهابية تهدد سلامة مواطنى الولايات الأمريكية أو أمنها القومي أو سياستها الخارجية أو اقتصادها ، يتوقع جلبها للمثول أمام المحاكم الأمريكية للرد على أسئلة حول تلك الأنشطة.
واعتبرت المادة السادسة، أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية مصلحة حقيقية في توفير الأشخاص أو الجهات التي تتعرض للإصابة جراء هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة بالمثول أمام النظام القضائي من أجل رفع قضايا مدنية ضد أولئك الأشخاص أو الجهات أو الدول التي قامت بتقديم دعم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أشخاص أو منظمات تعتبر مسؤولة عن الإصابات التي لحقت بهم.

الغرض من القانون هو:

الغرض من القانون
ويستهدف القانون: توفير أوسع نطاق ممكن للمتقاضين المدنيين تماشياً مع دستور الولايات المتحدة للحصول على تعويض من الأشخاص والجهات والدول الأجنبية التي قامت بتقديم دعم جوهري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لأفراد أو منظمات تعتبر مسؤولة في أنشطة إرهابية ضد الولايات المتحدة.، 
المادة الثالثة: مسؤولية الدول الأجنبية عن الإرهاب
لن تكون هناك دولة أجنبية محصنة أمام السلطات القضائية الأمريكية في أي قضية يتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من دولة أجنبية نظير إصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات أو نتيجة لحالات وفاة تحدث داخل أمريكا وتنجم عن فعل إرهابي أو عمليات تقصيرية أو أفعال تصدر من الدول الأجنبية أو من أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه بغض النظر إذا كانت العمليات الإرهابية تمت أم لا.
ومنحت هذه المادة المواطن الأميركي حق تقديم دعوى ضد أي دولة أجنبية .
ووفقاً للمادة (4) من القانون فإنه تم بشكل عام تعديل الفصل (2333) من المادة (18) من القانون الأمريكي الخاصة بالحصانة السيادية للدول الأجنبية بإضافة النص التالي "يؤثر التعديل الذي تم في هذه المادة على حصانة الدول الأجنبية تحت أي قانون آخر ، وذلك حسب تعريف هذا التعبير الوارد بالمادة 1603 من الباب (28) من القانون الأمريكي.
وتحدثت المادة (5) من القانون عن وقف الدعاوى لحين انتهاء المفاوضات مع الدول، ويقول نصها : 
تملك المحاكم سلطة قضائية حصرية للبت في أي قضية تخضع بموجبها دولة أجنبية للقضاء الأمريكي، كما يحق للمدعي العام التدخل في أي قضية تخضع بموجبها دولة أجنبية للسلطة القضائية للمحاكم الأمريكية، وذلك بغرض السعي لوقف الدعوى المدنية كلياً أو جزئياً.
ومنح القانون المحاكم الأمريكية حق وقف الدعوى ضد أي دولة أجنبية إذا ما شهد وزير الخارجية بأن الولايات المتحدة تشارك بنية حسنة مع الدولة الأجنبية المدعي عليها بغية التواصل إلى حلول للدعاوى المرفوعة على الدولة الأجنبية أو أي جهات أخرى مطلوب إيقاف الدعاوى المرفوعة بشأنها .
وحدد القانون مدة إيقاف الدعوى بأن لاتزيد عن 180 يوماً، كما يحق للمدعي العام مطالبة المحكمة بتمديد فترة إيقاف الدعوى لمدة 180 يوماً إضافية.
وفي المادة السادسة أكد القانون إنه في حال تبين أن نصوص القانون أو أي تعديل تم بموجبه أو أي شرط أو أي نص باطل ، تظل باقي أحكام القانون والتعديلات التي تتم بموجبه سارية، وعدم بطلان الأحكام على أي شخص آخر يمر في حالات مغايرة.

توقعات برد سعودي:

توقعات برد سعودي:
وبعد الخطوة الامريكية، رجّح مراقبون ان تكون هناك عدة خطوات سعودية لمواجهة القانون، حيث يقول مراقبون إن تخفيف التعاون الأمني بين الجانبين، والذي شهد تناميا وتنسيقا عاليا في السنوات الماضية خصوصا في مكافحة الإرهاب، من المؤكد انه سيقل خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن قدرة السعودية تقليص التعاملات التقليدية في الاستثمار والتجارة مع أميركا، والاعتماد على منتجات دولية ومحلية، وهو أمر مبرر بعد أن "فقدت العلاقات بين البلدين وديتها ومرونتها".
ومن الممكن أن تتخذ السعودية خطوة تصعيدية أخرى تتضع الإدراة الامريكية في مأزق، إذ لوحت السعودية خلال مناقشة القانون أبريل الماضي بسحب أرصدتها من النظام المالي الأميركي.
كما أشار مراقبون إلى أن تنويع السعودية شراكاتها وتحالفاتها الدولية بعد القرار أمر وارد، فيما اعتبر آخرون أن الخطوة الامريكية ربما تكون للابتزاز ومحاولة السيطرة، فالاتجاه شرقا وشمالا يعني مزيدا من بناء الجسور مع القوى العالمية العريقة والصاعدة".
وعلى الصعيد الاقتصادي قد تتجه السعودية إلى مواصلة تنويع سلتها الاستثمارية وعلاقاتها التجارية والتركيز أكثر على العالمين العربي والإسلامي والاقتصادات الكبرى، "وهنا تبرز العلاقات الإستراتيجية مع تركيا واليابان والهند وكوريا والصين وإندونيسيا كنموذج لهذا التوجه".
ومن المُرجح كذلك أن تقوم الرياض في الدفع قانونيا أمام المحاكم الأميركية بعدم الاختصاص، "نظرا لتعارض هذا القانون مع القانون الدولي المتعارف عليه منذ مئات السنين واتفاقية فيينا التي وقعتها الولايات المتحدة فيما يخص الحصانة السيادية"، ومن الممكن أن تقوم الرياض بتحصين هذه الأرصدة وتحويلها إلى أوقاف لصالح الشعب السعودي، و"تسييل" ونقل ما يمكن نقله لأسواق أخرى وتجنب الاستثمار في أميركا.

شارك