محمد ولد صلاحي.. شاهد على «يوميات جوانتانامو»

الخميس 20/أكتوبر/2016 - 02:15 م
طباعة محمد ولد صلاحي..
 
بعد ما يقرب من 14 عامًا في معتقلات وسجون جوانتانامو عاد الاثنين الماضي 17 أكتوبر 2016، آخر موريتاني محمد ولد صلاحي إلى نواكشوط، صاحب كتاب «يوميات جوانتانامو» الذي صدر مرة واحدة في +عشرين، ومهم لأنه أول كتاب يخرج من زنزانة وكتبه صلاحي في زنزانته وباللغة الإنكليزية التي تعلمها واتقنها هناك. ومهم أيضًا لأن السارد فيه هو سجين وليس ضابط شرطة أو محاميًا أو منظمة حقوقية أو لجنة في الكونجرس الأمريكي.

حياته

حياته
ولد صلاحي (45 عامًا) في 31 كانون الأول ديسمبر، 1970 ببلدة صغيرة في موريتانيا، وكان طالبًا مجدًّا وبارزًا في دراسته؛ حيث حصل على منحة لإكمال دراسته في مدينة ديوزبيرج- ألمانيا عام 1988؟، تخرج من جامعة دويسبورج مهندس اتصالات. وقد عمل بعد ذلك في شركات أوروبية عدة ليستقر به الحال سنة 1999 في كندا. لكن تلك الإقامة لم تدم طويلاً؛ لأن المخابرات الأمريكية بدأت تترصده حتى اعتقاله.

في أفغانستان

في أفغانستان
وسافر إلى أفغانستان مرتين في بداية التسعينيات؛ حيث انضم للقتال ضد الاتحاد السوفيتي وهو الجهاد الذي لقي دعما من الولايات المتحدة. بعدها عاد إلى ألمانيا؛ حيث عاش وعمل هناك قبل أن يقرر السفر إلى مدينة مونتريال في كندا.
 وهنا بدأت السلطات الأمنية تراقبه بعد أن قبض على شخص ممن يرتادون المسجد نفسه الذي كان صلاحي يصلي فيه وهو يحمل متفجرات، وكان جزءا مما عرفت بمؤامرة الألفية للقيام بهجمات في أمريكا. 

في المعتقلات

في المعتقلات
قرر صلاحي عام 2000 العودة إلى بلاده؛ حيث ألقت السلطات الموريتانية القبض عليه في طريق العودة بناء على طلب من الأمريكيين وبعد التحقيق معه أفرج عنه. 
بعد أحداث 11 سبتمبر وأثناء تواجده في موريتانيا، تم اعتقال ولد صلاحي ونقله، بطلب من الـ"سي.أي.إيه"، ففي 20 نوفمبر2001 ودع محمد ولد صلاحي والدته وسافر إلى نواكشوط العاصمة الموريتانية وسلم نفسه إلى مركز الأمن للتحقيق معه.
 وفي غضون أيام رحل صلاحي قسريًّا إلى الأردن؛ حيث سجن هناك. وبعد سبعة أشهر من التحقيق معه حيث جرد من ملابسه وعصبت عيناه وقيدت رجلاه نقل بطائرة عسكرية إلى أفغانستان التي قضى فيها أسبوعين وبعدها شحن مرة أخرى إلى معتقل جوانتانامو في أغسطس 2002 وأصبح السجين رقم 720 لتبدأ قصة عذاب عمرها الآن 14 عامًا حتى الإفراج عنه وتسليمه إلى موريتانيا في 17 أكتوبر 2016.

في معتقل جوانتانامو

في معتقل جوانتانامو
في معتقل جوانتانامو يتساءل ولد صلاحي في كل حين عن السبب وراء اعتقاله وإيداعه المعتقل، ولا جواب على هذا السؤال، وعندما يسأل «ما هي الاتهامات الموجهة إلي؟» فلا يجد جوابًا أيضًا. 
ويشعر بالغضب عندها ويكتب أن عليه أن «يكون كلبا، ويمشي مثل الكلب وتنبعث منه رائحة الكلب وينبح مثل الكلب بل عليه أن يتحول إلى كلب». 
تعرض ولد صلاحي في معتقله لتعذيب ممنهج ومتواصل من الطراز الذي أنيط عنه اللثام مؤخرًا إثر رفع السرية من قبل الكونجرس الأمريكي عن وثائق تتعلق بأساليب التعذيب التي استعملها السجانون في جوانتانامو، والتي كانت عرضة للإدانة الشديدة في مجلس النواب الأمريكي لتنافيها مع الدستور الأمريكي الذي تأسس على قاعدة حقوق الإنسان وحمايتها. 
كان ولد صلاحي من الذين تعرضوا لبرنامج خاص في التعذيب الذي أقره شخصيًّا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد وأطلق عليه اسم: المشاريع الخاصة. ويتضمن هذا البرنامج الخاص الذي أعد خصيصًا للسجناء في جوانتانامو، وسائل مبتكرة للتعذيب، منها إخضاع السجين للعزلة الكاملة، ومنعه لفترات طويلة من النوم، وكذا التحرش الجنسي بالسجناء، ووضعهم في أوضاع مجهدة، وتهديدهم بالقتل لهم أو لأقرب ذويهم. 
وقد خضع ولد صلاحي لكل هذه الوسائل غير القانونية في التعذيب وهدد بقتله أو قتل أمه عشرات المرات. أما ممثلو القضاء العسكري الذين امتنعوا عن محاكمة ولد صلاحي فقد عزوا قرارهم هذا إلى كون السجين قد تعرض لحملة من التعذيب الشديد؛ وكذا لأنهم- وبكل بساطة- لم يعثروا على أي دليل يمكنهم من توجيه الاتهام له.
وأدت برامج التعذيب إلى حالة من الهلوسة لـ"ولد صلاحي" يقول "بدأت بالهلوسة، وسماع أصوات واضحة جدا، وسمعت أصواتا قادمة من عائلتي وهم يتحدثون عن يومهم وحياتهم العادية، سمعت صوت قارئ القرآن، وموسيقى بلدي، وبعد فترة وجيزة أخذ الحرس يستخدمون هذه الهلوسات ويقلدونها بصوت ساخر، شجعوني على ضرب الحارس والتخطيط للهرب، لكنني لم أسايرهم مع أنني لعبت لعبتهم".
 ويضيف في كتابه "يوميات جوانتانامو": قالوا: "لقد سمعنا أصواتا تشبه أصوات الجن، أجبت- صحيح ولكنني لم أسمعهم، فقد كنت على وشك خسارة عقلي". ولم يخسره ففي وجه الوحشية واللا إنسانية حافظ ولد صلاحي على كرامته وعقلانتيه، وفي وجه الخوف والإحباط تمسك بالأمل، وأمام الظلم تميز بالعفو، فقد كتب في نهاية كتابه إنه لا يحمل في نفسه أي ضغينة ضد أي شخص ورد اسمه في الكتاب وكان مسئولا عن سجنه بل وطالبهم بقراءته وتصحيح أخطاء وردت فيه، إن وردت «ويحلم يوما بالجلوس معهم حول إبريق شاي والتعلم من بعضهم البعض» بدلًا من التعذيب".

قرار أمريكي بالإفراج عنه

قرار أمريكي بالإفراج
في العام 2010 أصدر قاض فيدرالي أمرًا قضائيًّا بإطلاقه فورًا، ولكن الحكومة الأمريكية استأنفت ضد القرار. ولا توجد أي إشارة عن نية الحكومة الإفراج عنه. ويحاول صلاحي الإجابة على السؤال حيث يقول: إن الولايات المتحدة بعد «كل العمل المضني وتجميع أعداد من السجناء من غير المقاتلين (العزل) وجدت نفسها أمام مشكلة لكنها لا تريد الكشف عن كل العملية». وفي النهاية يرى ولد صلاحي أن تجربة السجن أو الأزمة تكشف عن الأحسن والأسوأ في البشر وكذا الدول «وعليه فهل نجحت أمريكا في الامتحان الذي تعرضت له بسبب هجمات 2001 الإرهابية؟» لم ينته الامتحان بعد وهناك الكثير الذي تعلمنا تجربة جوانتانامو كبشر وقادة.
وقد بررت الحكومة الأمريكية اعتقاله بناء على قانون استخدام القوة العسكرية عام 2001 حسبما نقل عن المتحدث باسم وزراة الدفاع العسكرية (البنتاجون). وفي المقابل قالت محامية ولد صلاحي "نانسي هولاندر": إن «محمد لم توجه إليه أبدا أي تهمة. ولم توجه له الولايات المتحدة تهمة لجرم ارتكبه، ولا توجد جريمة ضده، فليست القضية أنهم لم يجدو دليلا يدينه بل لا يوجد هناك دليل ضده، ويمكن أن أصف حالته أنه في متاهة قانونية مروعة، وهذا تراجيدي ويجب أن يعود لبلاده». 
كما دشن اتحاد الحريات المدنية الأمريكي بحملة تواقيع على الانترنت تدعو للإفراج عن صلاحي. وقالت هينا شمسي مديرة المشروع الوطني للاتحاد «محمد صلاحي رجل بريء قامت الولايات المتحدة بتعذيبه ومعتقل بدون حق قانوني لأكثر من عقد، ولا يمثل تهديدا على الولايات المتحدة ولم يشارك بأعمال عدوانية ضدها». وأضافت «نطالب الحكومة بوضع حد لعذاب محمد الطويل، ونطالبها بالتوقف عن متابعة قضيته والإفراج عنه بدون تأخير. ونأمل أن ينضم إلينا كل شخص ممن حركت قصة محمد والتعذيب الذي تعرض له واعتقاله غير القانوني والمطالبة بالإفراج عنه».

في موريتانيا

في موريتانيا
والاثنين 17 أكتوبر وصل "ولد صلاحي" إلى موريتانيا، بعد 14 عامًا في السجن، وأعلنت وزراة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في وقت لاحق نقل صلاحي مما خفض عدد المقيمين بجوانتانامو إلى ستين رجلاً. لم يتهم صلاحي خلال الأربعة عشر عاماً من السجن في جوانتانامو بأية جريمة.
وقد قررت المراجعة الإدارية التي أجريت يوم 14 يوليو 2016 الخاصة برواية جلسة الاستماع لإطلاق السراح المشروط أنه لا يشكل "تهديداً مستمراً لأمن الولايات المتحدة." وجاء ذلك بعد قرار قاضٍ فيدرالي أمريكي في عام 2010، ثم استأنفته وزارة العدل لاحقًا بحجَّة ضرورة إطلاق سراح صلاحي لعدم وجود أدلة كافية تدينه بتهمة ارتكاب اعتداء. 

يوميات جوانتانامو

يوميات جوانتانامو
وعلى مر السنين، عزز صلاحي لغته الإنجليزية من خلال كتابته بخط يده لتجاربه في جوانتانامون ففي السنة الثالثة من اعتقاله، بدأ صلاحي بكتابة يومياته، واصفاً فيها حياته قبل مغادرته بيته، في 28 نوفمبر عام 2001، واختفائه في سجن أمريكي، ومن ثم «رحلته اللانهائية حول العالم» سجناً وتحقيقاً، وأخيراً حياته اليومية كسجين في جوانتانامو. 
ودون ذلك في كتابه "يوميات جوانتانامو"، والذي ساعده وكلاؤه على نشره وكشف السر؛ حيث إن الجيش الأمريكي يعد الذكريات الشخصية للمعتقلين معلومات سرية.
وأصبح كتاب "يوميات جوانتانامو"، الذي يروي قصة اعتقال ولد صلاحي وتعذيبه وحياته في المعتقل، على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة بعد نشره بداية 2015.
وتُعد هذه أول سيرة ذاتية ينشرها سجين أثناء تواجده في المعتقل، وتُرجم هذا الكتاب إلى عدة لغات وبيع في أكثر من 20 دولة، والشهر المقبل سيتم نشر النسخة العربية من هذه المذكرات من قبل "دار الساقي" في بيروت.
هِنا شمسي، وهي إحدى محاميات وِلد صلاحي ومسئولة "برنامج الأمن الوطني" في "اتحاد الحريات المدنية"، تقول: إن فكرة الكتاب بدأت حين كان صلاحي يكتب رسائل تفصِّل تجربته لمحاميه ليساعدهم في تمثيله بصورة أفضل في المحكمة.
وتضيف: "استغرق الأمر سبع سنوات من التفاوض والدعاوى القضائية ضد الحكومة لغاية أن تمكَّنا من نشر الكتاب. وحتى بعد كل هذا، قامت الحكومة بحذف أكثر من 2500 عبارة وكلمة منه"، كاشفةً أن العبارات والكلمات المحذوفة تشير في معظمها إلى أسماء المحققين والحراس، لكن بعض الأجزاء المحذوفة هي قصائد كتبها ولد صلاحي. وأبقت جميع نسخ الكتاب بترجماتها المختلفة على هذه "البقع السوداء" التي تذكر القارئ بشكل مستمر بمدى عملية الرقابة.
" يوميات جوانتانامو" غنيّة بالكثير من اللحظات الإنسانية، وتلك الفكاهية والمحزنة. وأحيانا كل ذلك في آن واحد، كما كتب ولد صلاحي في الفقرة التالية عن عملية نقله عبر الطائرة من معتقل إلى آخر:"انتابني شعور رهيب عنما وضعوا في أذني سدادات شبيهة بسماعات الأذن، ظننت أنها طريقة أمريكية جديدة لامتصاص المعلومات من الدماغ وإرسالها مباشرة إلى كمبيوتر رئيسي لتحليل المعلومات. لم أكن خائفا مما يمكنهم امتصاصه من دماغي، لكني كنت خائفا من الألم الذي قد أعانيه خلال الصدمات الكهربائية، كان الأمر سخيفا، فحين ينتابك الخوف لا تعود أنت أنت، بل تصبح طفلا صغيرا مرة أخرى". 
 وقد أطلقت PEN الأمريكية على كتاب يوميات لـ"ولد صلاحي" "وثيقة ذات أهمية تاريخية".

شارك