الكاتب السوداني "حمور زيادة" للبوابة : تكمن خطورة "داعش" في وجودها كفكرة في كل البلدان العربية

السبت 25/أكتوبر/2014 - 05:09 م
طباعة الكاتب السوداني حمور
 
- بعد الربيع العربي حاولت الولايات المتحدة الاستفادة من الواقع الجديد وتسكين الإسلام السياسي حتى لا يتصدر التطرف إليها لكن هذا فشل.
- المجتمع السوداني يميل للتيارات الصوفية، وهي أصيلة في بنية المجتمع وثقافته.
- المواطن يكره الإسلام السياسي؛ لأنه يحكمه ويعتبره مسئولاً عن سوء أحواله، في نفس الوقت يتبنى خطابه الديني والسياسي حول قتل المرتد مثلاً أو سوء الحكم العلماني الذي سيأتي بالخمور والزنا .
- بمجرد الإعلان عن تحالف دولي لمحاربة داعش برزت أصوات غير إسلامية وجدت صدى في الشارع تشكك في العالم الغربي ونواياه من محاربة التنظيم.
- داعش ليست صناعة غربية في الأساس، والعالم الغربي متضرر من التطرف أكثر منا.

أثار خبر إعلان هيئة علماء السودان دعمها غير المحدود، كما بينت  لترشيح الرئيس عمر البشير لولاية رئاسية مقبلة- موجة من التساؤلات عن مدى تشابك المؤسسات الدينية في صناعة العملية السياسية في السودان ومدى تدخلها في اتجاهات الرأي العام، فكان لبوابة حركات الإسلام السياسي هذا الحوار مع الكاتب الصحفي والروائي السوداني حمور زيادة.
وزيادة هو ناشط سوداني عمل بالمجتمع المدني لفترة، ثم اتجه للعمل العام والكتابة الصحفية، فكتب بصحف عدة كالمستقلة، والجريدة، وأجراس الحرية واليوم التالي، وكان يتولى مسئولية الملف الثقافي بصحيفة الأخبار السودانية. 
عام 2009 تعرض لانتقادات من التيارات المحافظة والإسلامية بالسودان لنشره قصة عن الاعتداء الجنسي على الأطفال، واعتبر جريئاً يكتب ما يخدش الحياء العام للمجتمع، تم التحقيق معه من السلطات وتعرض منزله للاقتحام وأحرق في نوفمبر من نفس العام، ولم تعلن أي جهة مسئوليتها عما حدث بشكل رسمي، بعدها ترك السودان في نهاية نفس العام واتجه للإقامة بمصر في مدينة القاهرة.
وزيادة هو أيضا روائي مرشح لجائزة البوكر العربية لهذا العام وصدر له: سيرة أم درمانية، مجموعة قصصية - عام 2008 عن دار الأحمدي 
الكونج - رواية - عام 2010 عن دار ميريت- النوم عند قدمي الجبل - مجموعة قصصية - عام 2014 عن دار ميريت- شوق الدرويش - رواية - عام 2014 عن دار العين.
في بداية الحوار تم سؤاله: 

- كيف ترى إعلان هيئة علماء السودان دعمها غير المحدود لترشيح الرئيس عمر البشير لولاية رئاسية مقبلة؟ 
* الهيئة كيان حكومي بحت. مواقفها المستقلة تتعلق بفتاوى من شاكلة تحريم التسويق الشبكي، أو عمل الرجال في محلات الكوافير. أما سياسياً فهي تقوم بإصدار فتاوى متسقة تماماً مع مواقف النظام.
ولعل الفتوى الأشهر في تاريخ الهيئة هي فتواها بتحريم سفر الرئيس إلى خارج البلاد عقب صدور قرار الجنائية بضبطه.
الفتوى لم تتعرض للاتهامات الموجهة للرئيس ولا حتى من باب التحقيق فيها أو النصح، لكنها تبنت الموقف الحكومي السياسي عن "الكيد الغربي" و"الاستهداف الأممي" للرئيس المؤمن والتوجه الإسلامي.
هذه الفتوى ضرب الرئيس بها عرض الحائط وتجاهلها. لكنها كانت أحد أشهر الأمثلة على اتساق موقف الهيئة مع النظام.
غير هذا فإنها تكاد تكون منعدمة التأثير، سواء في المرجعية الدينية للأفراد، أو المجال السياسي.
وربما لو سألنا 20 مواطناً في الشارع عن رئيس الهيئة أو عضويتها أو فتوى لها فلن يعرف الإجابة- ربما- أكثر من شخص، وسيكون هذا كثيراً.
- أنت ترى أن فتاوى الهيئة غير مؤثرة على اتجاه الرأي العام في السودان؟ 
* نعم، هي مجرد حاشية على المواقف الحكومية؛ لأن النظام يستمد شرعيته- في خطبه- من الموقف الديني؛ لذلك يهتم أن يكون ضمن أوراقه فتوى دينية، لكنها فتاوى لا تهم الرأي العام.

- في رأيك المجتمع السوداني يميل إلى تيارات الإسلام السياسي، إن كان نعم فأي من هذه التيارات- يعني التيارات المتطرفة والتيارات التي تحمل ظاهريا مشروعا يبدو معتدلا مثل مشروع جماعة الإخوان +أم المؤسسات الدينية الرسمية التي تشبه الأزهر في مصر؟
* المجتمع السوداني يميل للتيارات الصوفية، وهي أصيلة في بنية المجتمع وثقافته.
لكن هذه الميول الدينية القائمة على "محبة الرسول ودينه" مع التعرض لخطاب فقهي تحريمي وخطاب إسلامي سياسي معاد للآخر لفترة ربع قرن أحدثت أثرا، وغيرت كثيراً في المجتمع السوداني.
فبعكس المتوقع أصبح الميل الصوفي/ الديني بيئة خصبة لخطاب الإسلام السياسي. 
لكن المفارقة أن المواطن يكره الإسلام السياسي (لأنه يحكمه ويعتبره مسئولاً عن سوء أحواله)، لكنه يتبنى خطابه الديني والسياسي حول قتل المرتد مثلاً أو سوء الحكم العلماني الذي سيأتي بالخمور والزنا .

- هذه  رؤية معقدة ومتشابكة، أي الرؤيتين مؤثرة بشكل أكبر على بنية المجتمع، النزعة الصوفية أم تبني الخطاب الإسلامي؟
* خليط النزعة الصوفية هو الحاضن الذي سمح لخطاب الإسلام السياسي بالتغلغل مع الوقت.
لاحظي أن النزعة الصوفية هي مجرد عاطفة محبة للدين وللنبي. وليست تصوفاً عميقاً ولا حقيقياً.
هذه النزعة من السهل السيطرة عليها بخطاب فقهي تقليدي يجيد الإسلام السياسي ترويجه.
مما أحدث التناقض عند المواطن. فهو يقبل الخطاب الديني، ويكره حامله.

- في رأيك متى يتم النفور من الخطاب الديني كما تم النفور من حامله؟
* هذه عملية معقدة، تحتاج إما لوعي علماني، أو تطوير الخطاب الديني.
أعتقد أن كل المنطقة العربية تتمنى تجديد الخطاب الديني وهو لا يحدث. أما العلمانية فهي تواجه تحديات كبيرة تبدأ من الفهم السلبي لها في نفوس الناس باعتبارها كفراً، وتنتهي عند تفضيل كل الحكام دوماً تقديم الخطاب الديني للسيطرة على الشعوب. ولا ننسى طبعا أن أزمات الفقر والتخلف تجعل الدين خياراً أكثر تفضيلاً للشخص من العلمانية.
لكن من المؤكد أن المنطقة العربية كلها في سبيلها لهزات معرفية قوية مثلما حدث للغرب في عصر التنوير. وربما كان بروز داعش إحدى هذه الهزات. حيث يرى الناس النموذج المتخيل حاضراً أمامهم. فيعرفون أن ما يؤمنون به فيه مشكلة ما، وعليهم أن يراجعوا تفكيرهم.

- هل ترى أن ما حدث في مصر وسقوط نموذج الإخوان المسلمين كأكبر تيار إسلامي منظم في المنطقة سيلعب دورا في هذه الهزات التي تتحدث عنها؟
* للأسف لا أعتقد، بل أظن أنه قدم دعماً للتيارات الإسلامية في المنطقة. فسوء تقديم 30 يونيو للعالم، وبعض ما حدث بعدها من أمور، أعطت انطباعاً أن الإسلاميين يمكن أن يقبلوا بالديمقراطية ويرفضها غيرهم إذا أتت بهم.
هذا رأي سمعته من علمانيين سودانيين وجزائريين ومغاربة للأسف. وهو يسود في الشارع السوداني.

- لكن لا تنكر أن هناك حصارا للتيارات الإسلامية، وتفتيت أو تهاوي شعبيتها بعد سقوط الإخوان خاصة بعد توحش ممارسات تيارات الإسلام السياسي عقب 30 يونيو، وما زاده ظهور الوجه الإرهابي للمعارضة الإسلامية في سوريا وتوحشها على هيئة داعش؟
* أعتقد أن الناس تفرق بين "الإسلام السياسي" و"الجماعات المتطرفة" مثل داعش وغيرها.
هناك بالتأكيد كراهية وخوف من الجماعات المتطرفة، حتى غير العنيفة مثل السلفيين، لكن جماعات الإسلام السياسي كالإخوان أمرها مختلف قليلاً عند رجل الشارع.

- كيف؟
* جماعات الإسلام السياسي في أغلبها غير متطرفة دينيا بمعنى أنها غير متزمتة في تعاملها.
يصافحون النساء، يحضرون الحفلات الغنائية، ربما يحبون الشعر والقصة. هم متكيفون اجتماعياً إلى حد كبير. بعكس التيارات السلفية والجهادية.
هذا التكيف الاجتماعي هو ما يجعل الناس تفرق بينهم وبين غيرهم بالتأكد.
- لكن هذه الجماعات تحمل في طياتها نفس المنهج الفكري للجماعات المتطرفة ، ألا ترى ذلك... يعني مثلا كانت هناك تصريحات من أعضاء في الإخوان تحدثوا عن تطبيق الحدود وعن وضع المرأة وعن التشريعات والقوانين التي تخدم التطرف خاصة في منطقة الإبداع مثلا؟
* أنتم تتكلمون عن أمر "منهجي"، بينما الناس تحكم بما تراه وتعايشه.
من المؤكد أن الإخوان قد غزتهم السلفية. هناك صور قديمة لقيادات الإخوان في مصر في الأربعينيات والخمسينيات وهم في مناسبات زواج مع راقصات.
لكن بعد الهجرة إلى السعودية واليمن هرباً من عبد الناصر تغير الأمر. الفكر السلفي غزا جماعات الإسلام السياسي بشدة. منه أتى كلام مثل تطبيق الحدود وغيرها.
لكن حتى هذا ستجدون الإخوان فيه أكثر تردداً من غيرهم؛ لأن جماعات الإسلام السياسي براجماتية، وتؤمن بالتدرج، وأفكارها عن "المجتمع الرسالي" هي أفكار غائمة ومشوشة، بينما الجماعات السلفية والجماعات المتطرفة نصوصية جداً.
نلاحظ فقط الفرق بين حكم الإخوان في السودان لـ 25 عاماً لم يقطعوا فيها يد شخص واحد رغم كلامهم عن الشريعة، ولا استطاعوا أن يُجلسوا النساء في بيوتهن. رغم التضييق والقوانين القمعية. بينما داعش في شهور طبقت "المنهج كاملاً".

- بمناسبة الحديث عن داعش، هل ترى أن المجتمع السوداني قابل لتطبيق هذا المنهج الداعشي أو على الأقل مُبارِك لهذا المنهج المتطرف؟ أم أنه بعيد بشكل ما عن هذا المنهج؟ مثلا يقال إن المجتمع المصري به بعض الميول أو جزء يميل إلى التطرف، لكن ككل أو كوحدة كلية يرفض التطرف ولا يصلح تدعيشه كما يقال؟! 
بشكل أوضح هل تطبق وجهة النظر هذه على السودان؟
* أي مجتمع عربي سيقبل بعضه بداعش.
العراق كحضارة وثقافة ربما تكون أكثر عراقة من مصر، ومن السودان. والشام هي من هي في الثقافة، ورغم ذلك نجحت داعش في السيطرة على أجزاء كبيرة منها. جزء لتقبل المواطنين هذا الفكر، وجزء لاستسلامهم.
لو تكلمت عن الحضر السوداني بصفة عامة فغالباً لن يتقبلوا بالمنهج الداعشي، لكن في النهاية نحن كلنا نحمل البذرة.
اليوم هناك أستاذ بجامعة الخرطوم يخطب الجمعة في السودان ويبشر بداعش ويعلن الولاء لها.

- في رأيك ما هو الحل.. أو متى تنكسر هذه الموجة؟
* ككل شيء ستأخذ مداها الأعلى وتنحسر. الامبراطوريات نفسها تنحسر، فما بالك بالفكر المتطرف.
المشكلة أن فكرنا ومجتمعاتنا تحمل حاضنا أصيلا لهذه الأفكار؛ مما يعقد الأمور.
بمجرد أن أعلن عن تحالف دولي لمحاربة داعش حتى برزت أصوات غير إسلامية ووجدت صدى في الشارع- تشكك في العالم الغربي الذي يريد خوض هذه المعركة. البعض اعتبر أن داعش صنيعة غربية أصلاً للوصول للحظة كهذه. والبعض اعتبر الغرب يتحجج بداعش ليضرب سوريا! فكرة صراع الحضارة والتقدم مع الرجعية والوحشية غير واردة في العقل الجمعي عندنا.
وإذا تقدمت الحملة الدولية سنجد من يتكلم عن عداء الغرب للإسلام.
جذور الأزمة ممتدة داخلنا.
لكنها ستنتهي.. لا يمكن تحديد وقت، هذه أمور وتفاعلات تأخذ عقودا. لكن أعتقد أنها بداية نهاية الركود العقلي والمعرفي الذي عشناه لمئات السنين.

- بالمناسبة أنت لست مع رأي أن داعش بالأساس صناعة غربية أو على الأقل استوحشت بدعم غربي؟
* بالتأكيد لست معه. هذا الرأي يتجاهل أن قبل داعش كان هناك المجاهدون الأفغان؛ فلدينا تاريخ طويل في الجماعات والحركات المتطرفة.
هذه الجماعات بنت ثقافتنا وكتبنا. وبنت فشل دولنا في تبني مشاريع مواطنة وتقدم.
طبعا هناك فرق بين أن تكون داعش وغيرها صناعة غربية وبين أن تستفيد من التناقضات الدولية.
السياسة والعلاقات الدولية وحتى العمل المخابراتي ليس خطوط مستقيمة.
منظمة أيلول الأسود التي كانت تقتل الإسرائيليين كان لها مصالح مع السي أي إيه. رغم حلف الموساد مع المخابرات الأمريكية.
داعش يمكن في لحظة معينة أن تتلقى تمويلا أو دعما من السعودية، أو أمريكا، أو الحكومة العراقية نفسها. هناك تعقيدات كثيرة تحدث على الأرض وليست الأمور بتلك السطحية والمباشرة. لكن هذه التعقيدات لا تجعل داعش صنيعة غربية.
والمؤكد أن داعش وأمثالها هم خطر على العالم الغربي أكثر من خطورتهم على العالم العربي والإسلامي.
أين تقع العمليات الارهابية؟ من المواطنين المستهدفين؟ ما هي الدول التي تتعرض مصالحها التجارية للاستهداف؟
العالم الغربي متضرر من التطرف أكثر منا؛ لأنه من جهة هو العدو المباشر في رأيهم وكلهم يحلم بأن يطأ البيت الأبيض بخيله، ومن ناحية أخرى لأن الغرب لديه حقيقة ما يخسره.
بعد الربيع العربي ظنت الولايات المتحدة أنه من الممكن الاستفادة من الواقع الجديد وتسكين الإسلام السياسي في المنطقة ليصبح حاجزاً دون وصول التطرف إليه. لكن هذا فشل.

- أخيرا، في النهاية أنت مبدع وقد كنت من أوائل الذين تضرروا من الفكر المتأسلم الذي أودى بك في النهاية الى ترحيلك من بلدك .. كيف ترى دور المبدع الآن في ظل هذه الموجة الإسلامية والضغوط الثقافية والاجتماعية التي يتعرض لها في التغيير؟
* ما يحدث أكبر من قدرة المبدع أصلاً. أقصى أثر للمبدع في عالمنا قد يكون هو "أثر الفراشة"، أما التأثير المباشر فلا أظن.
لأن المبدع محارب من السلطة؛ للعلاقة الشائكة المعروفة بين المثقف والسلطة.
ويقلق منه الناس لخصومته الطبيعية مع التراث الديني داخلهم.

- ما الذي تراه يميز المبدع عن غيره في عملية التغيير؟
* كما أنه قد يعتبر طبقياً بعيد عن الفقراء، حتى لو حمل همهم، لكن هذا البعد الطبقي يجلب عليه كراهية باعتباره "باشا" يتكلم كلاما فلسفياً في وسط يموت جوعا..
الخيال هو ما يميز المبدع..
المبدعون لهم خيال، ورؤية، هم من يحلمون بغد أفضل أو على الأقل بواقع مغاير، بينما أغلبية الناس تميل لتكريس الواقع والتعامل معه كما هو. 

شارك