بعد زيارة "أهل البيت" لأهم تجمع صوفي بالسنغال.. اختراق إيران الناعم لإفريقيا
الثلاثاء 01/نوفمبر/2016 - 02:29 م
طباعة
كشفت زيارة وفد إيراني إلى السنغال بقيادة أهم مؤسسة دينية وهي المجمع العالمي لأهل البيت، الذي يعد ذراع إيران الدينية لنسج علاقات مع رجال الدين في مختلف العالم، منهج إيراني للتمدد والنفوذ في إفريقيا وخاصة مناطق الغنية بموارد الخام، كما تعد بحثًا عن قوى جديدة بديلة للحركة الإسلامية في نيجيريا بقيادة الزكزاكي والتي تعرضت لمواجهة قوية من الحكومة النيجيرية انتهت باعتقال مؤسس الحركة.
زيارة وفد إيراني لأهم طريقة صوفية وهي الطريقة المريدية، وحضورها أهم تجمع صوفي في غرب إفريقيا يكشف طبيعة التوجه السياسي الإيراني في الحضور والتواجد بالقارة السمراء.
وفد إيراني:
التقى الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت، حجة الإسلام والمسلمين "محمد حسن أختري" خلال زيارته لمدينة "توبا" السنغالية بالخليفة العام للطريقة المريدية للسنغال الشيخ "سيدي مختار امباكي" وتعتبر الطريقة المريدية أحد أهم الطرق الصوفية في الستغال وغرب إفريقيا.
وبلّغ أختري، سلام قائد الثورة والشعب الإيراني إلى شيخ الطريقة المريدية، موجهًا له الدعوة إيران كي يشاهد الأجواء الدينية والثقافية في البلاد.
ومن جانبه رحب الخليفة العام للمريدية بالشيخ أختري والوفد المرافق له، وصرح قائلاً: "إن عقائد وأفكار المريدية قريبة جداً من أفكار الشعب الإيراني".
وقدم "الشيخ مختار امباكي" شكره للأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت، وقال: إن الثورة الإسلامية الإيرانية وقائدها الراحل الخميني يحظيان بمكانة في قلوب السنغاليين.
كما ورحب بأي تعاون بنّاء مع إيران، وطالب بمزيد من التعاون الديني والاقتصادي بين السنغال وإيران.
وتأتي زيارة اختري، إلى السنغال للمشاركة في المؤتمر العام للطريق المريدية، مؤكدًا أن المجمع لديه نية جازمة للتعاون مع التيارات الصوفية في السنغال.
ورافق أختري في زيارته لمدينة طوبى السنغالية مستشار الأمين للمجمع العالمي لأهل البيت في شئون مجلس الشورى "صفي الله رمضانخاني" ، ورئيس القسم الإفريقي للمجمع "أبو الفضل عليزاده"، والسفير "قشقاوي"، والمحلق الثقافي الإيراني في السنغال "السيد حسن عصمتي"، ورئيس شعبة جامعة المصطفى العالمية في السنغال "معتقدي".
وقد التقى الشيخ أختري في رحلته لمدينة طوبى بأمين عام منظمة الشباب المريدية "آتو جاين"، وتفقد اختري مسجد الجامع لمدينة طوبى، وحضر عند قبر مؤسس الطريقة المريدية "الشيخ أحمدو بامبا"، وأجرى مقابلات مع بعض القنوات السنغالية.
الطريقة المريدية:
ويعتبر التجمع الديني الضخم للمريديين بمدينة "توبا" الصغيرة التي تتوافد عليها حشود بشرية كبيرة بهذه المناسبة، أكبر تظاهرة دينية على الصعيد الإفريقي.
فخلال أسبوع كامل، يحيي أتباع الطريقة المريدية ذكرى مؤسس هذه الطريقة الصوفية في جو من الخشوع والابتهال؛ حيث تقام الصلوات وترفع الأدعية في مساجد وأضرحة هذه المدينة. وتستقبل هذه المدينة الصغيرة، في أوج هذه الاحتفالات، يوم الاحتفال بـ"مكال"، أزيد من مليون حاج من مختلف أرجاء السنغال وكذا من الخارج.
وتعتبر الطريقة المريدية أحد أهم الطرق الصوفية بالسنغال، البلد الذي استقر فيه إسلام صوفي. ويعتبر التجمع الديني الضخم للمريديين بمدينة توبا التي تتوافد عليها حشود بشرية كبيرة بهذه المناسبة، أكبر تظاهرة دينية على الصعيد الإفريقي.
وينبع هذا الإقبال الكبير من الحب والتقدير الكبيرين اللذين يحظى بهما الشيخ أحمدو بمبا مباكي، الولي الصالح الذي طبع بعمق الحياة الروحية في السنغال، وعرف بمعارضته الشديدة للاحتلال الأجنبي، وهو ما كلفه النفي من بلاده سنة 1895.
ويعد أحمدو بمبا مباكي، واسمه الحقيقي هو أحمد ابن محمد ابن حبيب الله، شيخًا ورعًا وعالمًا جليلا ينحدر من أسرة أنجبت عددًا من الأولياء. وأصبح الشيخ، المعروف أيضًا باسم "خادم الرسول"، إحدى الشخصيات البارزة في الإسلام الصوفي بمنطقة غرب إفريقيا من خلال تأسيسه للطريقة المريدية.
ونذر الشيخ أحمدو بمبا مباكي، الذي يسميه مريدوه أيضًا "سيرين توبا" (ولي توبا)، حياته للعبادة وذكر الله والوعظ والإرشاد. كما عرف بمقاومته للاستعمار الفرنسي الذي كان ينهج سياسة قائمة على طمس الهوية الدينية لشعوب المنطقة. ونظرًا لقدرته الكبيرة على تعبئة أتباعه ضد الاستعمار، اعتقلته السلطات الاستعمارية ونفته سنة 1895 إلى الجابون.
وبعد عودته المظفرة من منفاه، قام بمبا مباكي ببناء المسجد الأكبر لتوبا الذي شيدت حوله مدينة صغيرة حملت نفس الاسم وتحتضن ضريحه.
إيران وصوفية إفريقيا:
يتعاظم الوجود الإيراني في إفريقيا عبر العديد من الوسائل في مقدمتها التشيع والاقتصاد والعلاقات مع الطرق الصوفية وقبائل الإفريقية المؤثرة.
فقد اتسع نطاق العلاقات الإيرانية الإفريقية بشكل كبير منذ بداية الألفية الجديدة. وعلى سبيل المثال تمتلك إيران سفارات في أكثر من 30 دولة إفريقية. وفي منتصف 2010 عقدت القمة الإفريقية الإيرانية في طهران بمشاركة ممثلين عن 40 دولة إفريقية بينهم رؤساء ووزراء ودبلوماسيون ورجال أعمال، وبذلك أصبحت إفريقيا ساحة رحبة للنشاط الاقتصادي والعسكري والسياسي الإيراني بهدف تحقيق مشاريع كبرى للهيمنة، وبسط نفوذها، مما يخلق لها ولاءات في القارة السمراء، مما يشكل تهديدًا لدول العربية.
ويعد نسج علاقات مع الطرق الصوفية أهم الطرق للنفوذ الإيراني إلى إفريقيا، فقد أكد باحثون ومختصون أن الطرق الصوفية بدأت تأخذ لنفسها موطئ قدم، جديد في المشهد السياسي في القارة الإفريقية، خصوصًا في السنغال ومالي ونيجيريا ودول المغرب العربي.
ويرى باحثون أن الحضور القوي للصوفية ببعض الدول الإفريقية في المشهد السياسي يشكل أحد أهم أبرز الملامح السياسية بهذه الدول، خصوصا دولة السنغال، لافتين إلى أن الصوفية أدت على مدار السنوات الأخيرة دوراً حاسمًا في توجيه البوصلة السياسية بإفريقيا، وقد عملت الأنظمة على استغلالها في حل الكثير من العقد والتجاذبات السياسية المحلية.
وقد استغلت إيران رفض الطرق الصوفية للمد الوهابي السعودي؛ حيث تم إغلاق مجموعة من المعاهد في غرب إفريقيا، وحاولت إيران عدم الدخول في صراع مع الطرق الصوفية عن طريق الاستثمارات الاقتصادية والتجارية مؤخرًا، والترويج لفكرة أن التنظيمات الجهادية في الساحل هي نتاج للمد السعودي في المنطقة، وهو ما ترفضه المجتمعات المسلمة في إفريقيا لما لحقها من ضرر مادي ومعنوي عقودًا من الزمن. وتقلص النفوذ السعودي في غرب إفريقيا.
7 ملايين شيعي
ووفقًا لتقارير عدة يعتنق ما يقرب من 7 ملايين مسلم إفريقي المذهب الشيعي، ويتركز حوالي 70% منهم في نيجيريا والسنغال وكوت ديفوار، ووصلت إيران إلى هذه النتيجة بعد عمل منظم يعكس مشروعًا حقيقيًا في المنطقة عبر ثلاث مراحل رئيسية بدأت بالمساعدات في قطاعي التعليم والصحة، إلى دعم آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لتصل في السنوات الأخيرة إلى التعاون مع الحكومات والإشراف على بناء مشاريع ضخمة في خمس دول أهمها نيجيريا، غانا، البنين والنيجر والسنغال، هذه الأخيرة تعتبر القناة الدبلوماسية المباشرة لإيران في المنطقة، والتي شهدت بناء حوزة علمية بجوار جامعة دكار، وهي تمنح الطالب شهادة تعادل الثانوية، كما أن هناك المركز الثقافي الإيراني في مالي. ومن الملاحظ أن الجاليات الشيعية اللبنانية تسهم بدور كبير في نشر التشيع بين الأفارقة، كما هو الحال بالنسبة لساحل العاج.
ولعل أبرز مثال في هذا السياق هو تجربة الحركة الإسلامية في نيجيريا أو "حزب الله النيجيري" بزعامة الشيخ إبراهيم الزكزاكي الذي قام بزيارة مدينة قم الإيرانية وتلقى تمويلا إيرانيا ليحول جماعته بعد ذلك إلى جماعة جهادية تحارب الحكومة العلمانية وتسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وفقا للنموذج الإيراني. وتنتشر جماعة الزكزاكي في ولايات الشمال ولا سيما في كانو وكادونا وزاريا. وتعتمد هذه الجماعة في تجنيد أعضائها على خريجي بعض جامعات الشمال النيجيري المسلم مثل جامعة أحمدو بللو وعثمان دان فوديو. وأحسب أن الرؤية الإيرانية ترمي إلى خلق قواعد محلية موالية لإيران باعتبار مرجعية حوزتها الدينية من أجل الضغط على الحكومات الوطنية والعمل في مواجهة المصالح الغربية في إفريقيا.
فى 2006، كشفت إحدى وثائق (ويكيليكس) المسربة أن الولايات المتحدة تلقت تقريرًا استخباراتيًّا من سفارتها في دار السلام أن يورانيوم الكونغو ربما يمر من تنزانيا عن طريق شركتين سويسريتين للشحن ثم يصل إلى إيران، يفسر هذا بعدها الاهتمام الأمريكي الشديد بتوقيع اتفاقية مع الكونغو، تهدف إلى منع الاتجار في المواد النووية بهدف قطع الطريق على طهران. وفي عام2007، تم اكتشاف اليورانيوم في غينيا على يد الشركة الأسترالية مورتشيسن يونايتد؛ مما أدى إلى تحولها من دولة هامشية لمحط أنظار الدول النووية، حينها بدأت إيران مباشرة في برنامج للتعاون الاقتصادي مع غينيا.
ايران وإفريقيا:
ومما سبق يتضح أن المسعى الإيراني في التوسع بالساحل الإفريقي يندرج ضمن السيطرة على الحديقة الخلفية للدول العربية السنية، ومحاولة التمكن من العمق الاستراتيجي لدول شمال إفريقيا بالتحالف مع القوى الغربية التي أبدت تنازلات عديدة لدولة إيران بعد الاتفاق النووي.
وعليه يمكن القول: إن الاختراق الإيراني لإفريقيا الذي يعتمد على دوافع سياسية واقتصادية معلنة ترمي إلى التعدد العلاقات والحلفاء لا تقتصر على الشرق "روسيا – الصين" أو عربية" سوريا- الجزائر" أو أمريكا اللاتنية ، ولكن تشمل إفريقيا التي تعتبر سوقًا اقتصاديًّا للسلع الإيرانية وأيضًا موردًا هامًّا من موارد "اليورانيوم" ومناجم الذهب والماس والمواد الخام المختلفة التي تدعم أي اقتصادي لأي دولة طامحة إلى القوة والنفوذ.
فالاستراتيجية الإيرانية لها أياد غير ناعمة كذلك، حيث إنها تتورط في تصدير الأسلحة لمناطق الصراعات الإفريقية بغية تحقيق مصالح سياسية واستراتيجية. ولا تقتصر الحركة الإيرانية على ما هو سياسي واقتصادي وعسكري فقط في إفريقيا، ولكنها تقوم على رافعة مذهبية وثقافية كي تستطيع من خلالها تثبيت الأقدام بعد كسب نفوس وقلوب الأفارقة.
