النفط في ليبيا.. صراع يتجدد بين "حفتر" و"السراج"

الخميس 08/ديسمبر/2016 - 03:08 م
طباعة النفط في ليبيا..
 
فيما يبدو أن الأوضاع في ليبيا بدأت تشهد تصاعدًا ملحوظًا، فبدلًا من أن تعاود الأمور للاستقرار، باتت الأحداث تتوتر يومًا تلو الآخر، وبالأخص بين الحكومتين الحاليتين، فمن ناحيتها تسعى حكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج، إلى استعادة منطقة الهلال النفطي من حكومة الشرق الموالية للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والذي نجح منذ شهرين في السيطرة عليها بالكامل.
خليفة حفتر
خليفة حفتر
ويبدو أن صراعًا جديدًا قد بدأ من أجل السيطرة على موانئ النفط وعلى السلطة بشكل عام بين الفصائل الليبية المسلحة العديدة التي تتنافس في تحالفات متغيرة منذ انتفاضة عام 2011 في ليبيا التي تعمها الفوضى.
وشهدت أمس الأربعاء 7 ديسمبر 2016 منطقة الهلال النفطي اشتباكات مسلحة، بين قوات الوفاق، ووحدات من الجيش الليبي، التي تسيطر على الموانئ النفطية منذ شهر سبتمبر الماضي.
وجاءت هذه الاشتباكات لتعيد معركة النفط في ليبيا بين الفصائل والتشكيلات المُسلحة إلى واجهة الأحداث، وسط تعقيدات مُتشعبة للأوضاع الليبية التي باتت تتجه نحو الصدام بعد تراجع بوادر التوصل إلى تسوية سياسية بين أطراف الصراع توقف حالة الانقسام والتشرذم التي أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار التام.
من جانبها أصدرت غرفة تحرير وتأمين الحقول والموانئ النفطية التابعة لوزارة الدفاع في حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، بيانا رقم 1، قالت فيه: إن وزير الدفاع المفوض العقيد المهدي البرغثي أصدر تعليماته للكتيبة الـ12 مشاة، والكتيبة 71 حرس الحدود، وقوات "الثوار" المساندة لها بتحرير الحقول والموانئ من العناصر التي وصفتهم بـ"المرتزقة"، ليعود النفط إلى كافة الليبيين، وليطمئن الشعب الليبي بشأن تسليم هذه الحقول والموانئ إلى مؤسسات الدولة الليبية والجهات المختصة من دون قيد أو شرط.
في نفس الوقت تبرأ المجلس الرئاسي مما حدث، قائلا: لا صحة لما تتداوله بعض وسائل الإعلام بشأن صدور أي تعليمات أو أوامر لأي قوة كانت بالتحرك نحو المنطقة.
وفي الوقت الذي اعترفت فيه رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي بهذا الهجوم، أكدت على لسان الناطق الرسمي باسمها العقيد أحمد المسماري، أنها تصدت له، واعتبرته محاولة جديدة لإعادة الأوضاع إلى المربع الأول في وقت تغيرت فيه موازين القوى العسكرية على الأرض.
قال العقيد أحمد المسماري، في تصريحات صحافية: إن مجموعات وصفها بالإرهابية، بدأت في الساعة السابعة من مساء الثلاثاء بالتقدم من مدينة الجفرة نحو سرت، وأخرى تقدمت نحو جنوب النوفلية، ثم فتحت جبهة قتالية عند اقترابها من منطقة الهلال النفطي، وبالتحديد غرب منطقة بني جواد، مؤكدًا أن تلك التشكيلات المسلحة تمكنت من دخول منطقة بني جواد، لافتا إلى أنها حاولت صباح الأربعاء دخول منطقة السدرة، غير أن وحدات الجيش الليبي منعتها من ذلك.
وأكد المسماري أن قوات الجيش الليبي نجحت في التصدي لهذا الهجوم، وقد ألحقت بالمهاجمين خسائر بشرية ومادية فادحة؛ حيث تسيطر حاليا على كافة الهلال النفطي.
في سياق آخر ردت قوات شرق ليبيا، بأنها أحبطت محاولة تقدم صوب بعض الموانئ النفطية الكبرى في البلاد الأربعاء؛ حيث شنت غارات جوية على فصيل منافس وأسرت بعض قادته.
يقول متابعون إن الاشتباكات وقعت بعد يوم من انتهاء قوات تقودها كتائب من مدينة مصراتة في الغرب معركة استمرت سبعة أشهر؛ للإطاحة بمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من معقلهم السابق في شمال إفريقيا في سرت مسقط رأس معمر القذافي والتي تبعد أقل من 200 كيلومتر إلى الشمال الغربي من الموانئ النفطية.
فايز السراج
فايز السراج
وقال متحدث باسم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر: إن مقاتلين منافسين انسحبوا بعد سيطرتهم لفترة وجيزة على بلدة بن جواد التي تبعد 30 كيلومترًا غربي ميناء السدر، وإنه تجري ملاحقتهم في المنطقة المحيطة.
في غضون ذلك قالت المؤسسة الوطنية للنفط إنها لم توقف أي عمليات لتحميل الخام لكنها تراقب الوضع عن كثب.
وقال مسئولون: إن الجماعات التي تتقدم صوب الموانئ النفطية في الهلال النفطي الليبي مرتبطة بسرايا الدفاع عن بنغازي التي حاولت هذا العام شن هجوم ضد الجيش الوطني الليبي.
ويرى مراقبون أن الجيش الوطني الليبي يقوده خليفة حفتر الذي أصبح رمزًا لفصائل الشرق، بينما يشن حملة عسكرية ضد الإسلاميين وخصوم آخرين منذ أكثر من عامين.
وقال رئيس المجلس عقيلة صالح: إن "ميليشيات تابعة لتنظيم القاعدة وأخرى محلية تتبع وزارة دفاع المجلس الرئاسي تحركت بهدف تدمير مقدرات الشعب الليبي من منشآت وحقول نفطية بمنطقة الهلال النفطي"، معتبرًا أن "هذا العمل الإرهابي نسفٌ لكل المحاولات الرامية إلى تحقيق التوافق، ويمثل خرقاً جسيماً جديداً للاتفاق السياسي".
وقال: "هذا العمل الإرهابي يؤكد عدم صدق ذلك المجلس الرئاسي ووزارة دفاعه التي نفت في السابق أي نية للهجوم على منطقة الهلال النفطي".
كما أضاف: "هذا العمل يؤكد أن المجلس الرئاسي مجرد كيان واقع تحت سيطرة الميليشيات المسلحة المحلية والمتطرفة، ويقدم دليلاً إضافياً للمجتمع الدولي على عدم حسن نوايا تلك التيارات المسيطرة على المجلس الرئاسي".
وتشير المعطيات إلى هجوم مضاد محتمل على الموانئ النفطية من جانب قوات منها الفصيل الذي أخرج منها في سبتمبر وكتائب مقربة من الإسلاميين ومدعومة من مصراتة ومنافس لحفتر عيّن وزيرا للدفاع في حكومة الوفاق الوطني في طرابلس التي يقودها فايز السراج وتدعمها الأمم المتحدة، وفق تكهنات المحللين.
في هذا الصدد، دعا مبعوث الأمم المتحدة ورئيس بعثتها للدعم في ليبيا مارتن كوبلر إلى التهدئة في منطقة الهلال النفطي ومحيطها، معلنًا ترحيبه بالبيان الذي أصدره المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.
وقال كوبلر الأربعاء في تغريدة عبر حسابه على تويتر: "الهجمات على المنشآت النفطية تزيد من تقويض الاستقرار والاقتصاد الليبي".
وأعلنت التشكيلات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق الوطني إنها تمكنت من السيطرة على منطقة بني جواد، في حين أكد المسماري أن سلاح الجو الليبي شارك في هذه الاشتباكات، حيث استهدف، صباح الأربعاء، مجموعة سيارات بالقرب من منطقة النوفلية غرب الموانئ النفطية، ما أسفر عن تدمير عدد منها.
النفط في ليبيا..
وأشار إلى أن قوات الجيش رفعت حالة التأهب في منطقة الهلال النفطي، وأعلنت النفير العام، في الوقت الذي تقوم فيه طائرات سلاح الجو بطلعات استطلاعية غرب وجنوب منطقة رأس لانوف وستتعامل مع أي هدف حسب قواعد الاشتباك والأوامر الصادرة لها.
فيما أكدت مصادر عسكرية ليبية، أن اشتباكات عنيفة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة منها صواريخ من نوع "جراد" دارت في محيط بن جواد، حيث تضاربت التصريحات بين تأكيد القوات الموالية لحكومة الوفاق سيطرتها على جزء من الموانئ النفطية، ونفي وحدات الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر ذلك، حيث أكدت نجاحها في صد هجوم مسلح شنته ميليشيات وجماعات إرهابية.
وقال محمد الصادق القبايلي الناطق الرسمي بفرع جهاز حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الوسطى والشرقية التابع لقوات الجيش الوطني: إن اشتباكات اندلعت على مشارف بلدة بن جواد، موضحًا في تصريحات صحافية، أن القوات المهاجمة استخدمت الصواريخ من نوع جراد في محاولتها السيطرة على الهلال النفطي، لافتا إلى أن كتائب الجيش الليبي المتواجدة في مدينة أجدابيا، تحركت بسرعة للتصدي لقوات أخرى وصلت جنوب غرب أجدابيا بحوالي 50 كيلومترا على متن 80 سيارة مسلحة.
وتخشى الأوساط السياسية الليبية من أن تكون هذه الاشتباكات مقدمة لتصعيد عسكري جديد يستهدف السيطرة على الموانئ النفطية وفي إطار الصراع على السلطة في ليبيا.
وعكس الصراع أثارًا سلبية على موانئ النفط؛ حيث ما زال أقل من مستوى 1.6 مليون برميل يوميا الذي كانت تنتجه ليبيا العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول.
ونجح الجيش الليبي بقيادة حفتر في 11 سبتمبر الماضي، بعملية "البرق الخاطف" في السيطرة على أربعة من موانئ الهلال النفطي ضد إبراهيم الجضران قائد حرس المنشآت النفطية سابقا الموالي لحكومة الوفاق الوطني، لإنهاء وقف العمل في ثلاثة موانئ وزيادة إنتاج النفط إلى مثليه ليبلغ نحو 600 ألف برميل يوميًّا.
وحاول الجضران الذي ينتمي إلى قبيلة المغاربة الكبيرة، استعادة سيطرته على الموانئ النفطية من خلال هجوم مسلح، لكنه لم فشل في ذلك، ليدخل بذلك الصراع في مشهد جديد أظهر حفتر كلاعب رئيسي في المعادلة العسكرية والسياسية في ليبيا.

شارك