بعد سيطرت الأسد على 93% من حلب.. قراءة في خسائر المعارضة للمدينة الاستراتيجية

السبت 10/ديسمبر/2016 - 10:04 م
طباعة بعد سيطرت الأسد على
 
مع اقترب قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد والقوات الرديفة له، حسم معركة حلب، حيث قلت وزارة الدفاع الروسية إن الحكومة السورية تسيطر الآن على 93 % من مدينة حلب، وقال إيجور كوناشنيكوف المتحدث باسم وزارة الدفاع قوله "الناس يغادرون عبر ممرات إنسانية في تدفق مستمر إلى الجزء الواقع تحت سيطرة الحكومة السورية في المدينة... جزء كبير من حلب -‭ ‬93 بالمئة‭ ‬- أصبح اليوم تحت سيطرة الحكومة السورية." ‬‬‬‬
تتابع الأحداث على ذلك النحو يدفع إلى البحث عن تداعات عودة حلب إلى سيطرة الدولة السورية وانتهاء التواجد المسلح لقوات المعارضة والجماعات الإرهابية "داعش" و"النصرة".
وبحسب العديد من المراقبين فإن سيطرة الأسد ستكون فارقة في تغيير شكل قواعد اللعبة في سورية، ليس فقط أنها ستكون كافية على تشجيع العديد من مقاتلي المعارضة السورية على وقف القتال والتخلي عن الحرب ضد الأسد، والدخول في مفاوضات مباشرة معه والجلوس على مائدة المفاوضات كطرف مهزوم في المعركة، إذ انه من المُرجح أن يُعزز الأسد من تواجده في المدينة ولن يسمح بالتخلي عنها تحت أي شكل من الأشكال.

بعد سيطرت الأسد على
وبحسب التقارير العسكرية المتخصصة في كيفية إدارة المعارك على الأرض، فإنه لا تكمن استراتيجية الأسد في استعادة المناطق الاستراتيجية الرئيسية، وتدمير جيوب المعارضة التي تشكل تهديدا للمناطق الأساسية التي يسيطر عليها النظام فحسب، وإنما يحاول التأكيد على ديمومة المكاسب التي يحققها وأن يكون ذلك بمثابة دعم عسكري لموقفه في أماكن مثل حمص ودمشق.
كما يتمثل نقطة ضعف الجماعات المسلحة الموجودة في حلب في افتقارها لقوة جوية، إذ أن قدرة الأسد على استخدام الضربات الجوية الروسية، فضلا عن إلقاء البراميل المتقجرة، لا يمكن للمعارضة تعويضها من دون الحصول على أنظمة صواريخ أرض جو محمولة على الكتف لاسقاط الطائرات.
ويبدو أن الاعتقاد السائد لدى كل الأطراف التي تُقاتل على الأرض في حلب أن تلك المعركة "معركة حلب" وجودية، وان الخاسر فيها سيُمحى من وجه التاريخ إذا خسرها، هو ما يجعل من معركة حلب مصيرية لكل الأطراف التي تقاتل على الأرض، ولعل التصريح الذي أطلقه الأسد في الأيام الاولى للتدخل الروسي العسكري المباشر في سورية وإعلانه أن استعادة حلب هي هدفه الأول هو ما عزز أهمية المدينة بالنسبة لنظام الأسد.

بعد سيطرت الأسد على
ويقتسم نظام الأسد السيطرة على مدينة حلب مع عناصر من المعارضة المسلحة وعناصر آخرى لتنظيم "داعش" و"النصرة"، فيما كانت تبلغ النسبة التي يُسيطر عليها الأسد قبل إعلان روسيا أن الأسد يُسيطر على 93 % من المدينة، نحو 40 %، في حين كانت تسيطر المعارضة على النسبة الباقية من المدينة ويتركز تواجدها في المنطقة الشرقية.

حلب المدينة

حلب المدينة
وتستمد حلب أهميتها الاستراتيجية أنها أكبر المدن السورية، وأكبر المراكز الاقتصادية في البلاد، وهي المدينة السياحية الأولى في البلاد، وكانت الموقع المفضل للعديد من البعثات الدبلوماسية لفترة طويلة من الزمن، وهي واحدة من أقدم المدن في العالم، وقد تمت الإشارة إليها في النصوص المصرية القديمة منذ أكثر من 20 قرن قبل الميلاد.
كما تعود أهمية المدينة السياحية أنه عثور بداخلها على بقايا معبد يعود إلى نهاية الألف الثالث قبل الميلاد في موقع قلعة العصور الوسطى الشهيرة في حلب، وازدهرت حلب سياسيا واقتصاديا خلال القرن الثامن عشر قبل الميلاد قبل أن تسقط في يد الحثيين، وخلال الحقبة الهلنستية، أصحبت حلب موقعا تجاريا هاما بين دول البحر الأبيض المتوسط وبين الشرق، كما أن حلب قد ازدهرت كمركز لحركة القوافل تحت الحكم البيزنطي، وخضعت حلب للحكم الإسلامي في منتصف القرن السابع الميلادي، قبل أن تسقط في يد الإمبراطورية البيزنطية خلال القرن العاشر، ثم يستعيدها الأيوبيون خلال القرن الثاني عشر.
معظم سكان عرب من المسلمين السنة ومعظمهم من العرب مع أقلية سنية كردية وتركمانية، كما حوت المدينة أكبر جالية مسيحية في سوريا، إضافة إلى أقليات شيعية وعلوية.

أهمية حلب للأسد ولروسيا

أهمية حلب للأسد ولروسيا
وبرر مراقبون أسباب رغبة الأسد وروسيا في إعادة السيطرة على حلب إلى جملة من النقاط كون أسباب الطرفين متشابهة:
1 - حلب من أهم المراكز الحضرية في البلاد، وثان أكبر المدن السورية بعد دمشق عاصمة الدولة السورية، الأمر الذي يُبرر إلحاح الأسد في إعادة السيطرة على المدينة الاستراتيجية.
2 – الأسد وروسيا يسعيان إلى السيطرة على حلب وأخذها منطلقاً للهجمات على عناصر المعارضة المسلحة والجماعات الإرهابية التي تسيطر على مناطق آخرى شاسعة في سورية.
3 – سيطرة الأسد على مدينتي نبل والزهراء وهما ذات المدينتين اللتين عجز الأسد عن استرادادهما على مدار أكثر من 3 أعوام، سيكون الأسد بذلك نجح في عزل حلب عن ريفها الشمالي، بعد أن نجح في وقت سابق في السيطرة على المداخل الجنوبية للمدينة.
4 – السيطرة على حلب ستقضي نهائياً على طريق الدعم اللوجستي المباشر الذي تقدمه تركيا لجماعات المعارضة عبر حلب، وهو ما يفسر تركيز الأسد وروسيا على السيطرة على حلب بدلا من إدلب وحماة، حيث تستغل تركيا حلب كخط إمداد للمعارضة عبر معبر باب السلام، وممر عزاز، ولعل أهمية سيطرة الأسد على حلب لهذا الهدف يبرر موقفه من ذلك التوجه بدلاً من السيطرة على حماة، ولعل المدينة الاهم التي سينتقل لها الأسد بعد إتمام سيطرته على حلب هي مدينة إدلب، المنفذ الآخر للمعارضة مع تركيا.
5 – سيطرة الأسد على حلب يمنحه فرصة لتحقيق انتصار ضد "داعش" التي يسيطر على الأطراف الشرقية للمدينة، وهو ما يمنحه نقطة إضافية في تعزيز صورته أمام الغرب.
6 – تحدثت تقارير روسية أن سيطرة الأسد على على حلب، سيقوي الموقف الداخلي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين داخل بلاده، في ظل الأزمة الاقتصادية وتراجع العملة المحلية، والتشكيك في جدوى الاستثمار في الحملة الروسية في سورية.

أهمية حلب للمعارضة

أهمية حلب للمعارضة
وأهمية السيطرة على مدينة حلب لا تتوقف على الأسد وفقط إذ أن المدينة تعتبر ذات اهمية استراتيجةي لقوات المعارضة، فالمعارضة تفطن بشكل جيد إلى حجم الخطر الذي يمكن أن تمثله الهزيمة في حلب، ويمكن حصر اهمية مدينة حلب بالنسبة لقوات المعارضة في عدة نقاط بينها:
1 - حلب هي أحد معقلين كبيرين للمعارضة على الحدود الشمالية مع تركيا، والمعقل الآخر هو إدلب. 
2 – المعارضة تعتمد بشكل كبير على حلب وإدلب في تأمين المساعدات والإمدادات العسكرية عبر تركيا، وذلك من خلال معبري باب السلامة وباب الهوى على الترتيب.
3 – المعارضة ترى أن الأسد سيتوجه فوراً إلى إدلب مستغلاً النصر الذي حققه في حلب للإجهاز عليهم هناك.
4 – بعد سيطرة الأسد على حلب فلم يبقى أمام المعارضة سوى طريق إدلب للحصول على الإمدادات من تركيا.
5 – المعارضة تدرك أن "جبهة النصرة" التي غيرت أسمها إلى جبهة "فتح الشام" لها نفوذ في حلب أكبر من النفوذ الذي تمتلكها هي لذلك خسارة المعارضة لحلب بمثابة هزيمة المعركة بكليتها إذ لا يوجد منفذ يمكن للمعارضة من خلاله الحصول على دعم لوجستي.
6 – خسارة المعارضة لمعركة حلب، إضافة إلى كونه نكسة استراتيجية، فإنه يمثل انتكاسة معنوية كبيرة، فالمعارضة تلقت سلسلة من الهزائم المتكررة خلال لافترة الاخيرة بينها خسارة معركة اللاذقية ودرعا وحمص وريفها.

أهمية حلب للنظام التركي والسعودى

 أهمية حلب للنظام
وكما أوضحنا اهمية مدينة حلب لكلٍ من نظام الرئيس بشار الأسد وقوات المعارضة فإن المدينة ذات اهمية كبيرة كذلك للنظامين التركي والسعودي أكبر داعمين للجماعات المسلحة في سورية، ويمكن حصر أهمية حلب لتركيا والسعودية في عدة نقاط بينها:
1 – النظام السعودي يدرك تماماً أن خسارة المعارضة لمدينة حلب يعني خسارة أمام إيران وحزب الله.
2 – النظام التركي يُدرك أن خسارة المعارضة لمدينة حلب سوف يضعها بشكل مباشر في مواجهة مع نظام الأسد وحليفه الروسي.
3 – سيطرة الأسد على حلب يُهدد بتفاقم مشكلة الأكراد في تركيا بشكل أكبر، خاصة مع التقدم المحتمل حزب الاتحاد الديموقراطي، ووحدات حماية الشعب الكردي إلى المناطق التي يسيطر عليها حاليا الجيش السوري الحر والمجموعات الإسلامية بين الحدود التركية والجبهة الأمامية للنظام شمال نبل والزهراء، وهذا من شأنه وضع تلك القوات في مواجهة "داعش" وربما يدفع نحو إغلاق كامل للحدود مع تركيا.
4 – سيطرة الأسد على حلب تعني القضاء نهائياً على الحلم التركي في إقامة منطقة عازلة في حلب.

شارك