روسيا مفتاح "الحل" و"تأجيج" الأزمة في الصراع حول حلب

الأربعاء 14/ديسمبر/2016 - 10:30 ص
طباعة روسيا مفتاح الحل
 
 شكل الدور الروسي المحور الرئيسي في الصراع في حلب، كما شكل في الوقت ذاته عنصرًا أساسيًّا في تأجيج الأزمة وحلها في نفس الوقت، فبعد أسابيع من الدماء والقتل والقصف أعلنت روسيا اليوم الأربعاء عن إجلاء 6 آلاف مدني و366 مقاتلاً من حلب خلال الساعات الـ24 الماضية، مع أن مصادر سورية أكدت على أنه تمّ تأجيل البدء بعملية الإجلاء من مدينة حلب السورية لأسباب غير واضحة، وأنه لم يخرج حتى الآن أي مدني أو مقاتل من شرقي مدينة حلب، وأن كل المقاتلين سيخرجون من المدينة، بمن فيهم عناصر "جفش"، وهي جبهة النصرة سابقاً فيما أفاد ناشطون من المدينة عن سريان وقف إطلاق النار على أحياء حلب الشرقية.
 وكان مندوب روسيا في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، قد أعلن سابقاً في اجتماع مجلس الأمن عن "توقف كل العمليات العسكرية في شرق حلب، وأن عملية جيش النظام السوري المدعوم من روسيا في حلب ستنتهي خلال الساعات القليلة المقبلة، وأن المقاتلين ومعهم أفراد أسرهم والمصابون يخرجون حالياً من ممرات متفق عليها إلى وجهات اختاروها بأنفسهم طواعية".
روسيا مفتاح الحل
 هذا في الوقت الذي أعلن مسئول تركي كبير لرويترز أن مسئولين من تركيا وروسيا سيعقدون اجتماعاً اليوم الأربعاء 14-12-2016م في تركيا، لتقييم الوضع في حلب السورية، وذلك بعد أن سيطر جيش النظام وحلفاؤه بالكامل على أحياء انسحب منها مقاتلو المعارضة وسيبحث الاجتماع في احتمال فتح ممر لخروج المقاتلين والمدنيين والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وأن تركيا تواصل جهودها مع الولايات المتحدة ودول أخرى للعمل على إجلاء مقاتلي المعارضة من حلب.
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التشيكي في أنقرة: إن بلاده ستكثف محادثاتها مع روسيا ودول أخرى بشأن حلب، مشيرًا أن هناك حاجة لاتفاق لوقف إطلاق النار من أجل السماح بإجلاء المدنيين، وأن هناك اجتماعاً مرتقباً بين مسئولين من روسيا وتركيا، لكنه قال إنه واحد من اجتماعات مماثلة عدة بين تركيا والمجتمع الدولي بشأن الأزمة السورية.
روسيا مفتاح الحل
وقد تعامل الروس مع حلب بطريقة متناقضة حيث واصل المسئولون السياسيون والعسكريون الروس المعنيون بالملف السوري إطلاق سيل من المواقف المتضاربة بخصوص معركة حلب، وفي نطاق أشمل إزاء الأزمة السورية ككل وحفلت غالبية تلك التصريحات بتناقضات تثير إشارات استفهام كبيرة حول الهدف من ورائها، إذ لا يمكن اعتبارها بمثابة هفوات، بل الأقرب إلى القراءة الموضوعية أنها مقصودة، والغاية منها إرسال رسائل حمالة أوجه إلى عناوين مختلفة، على سبيل جس النبض واستطلاع التغيرات المحتملة في المواقف وردود الأفعال، جنبًا إلى جنب مع إقدام موسكو على عدد من الخطوات والإجراءات العسكرية النوعية لتعزيز حضورها وإظهار جديتها وعدم ترددها في المضي نحو مرحلة أعلى من استخدام الخيار العسكري.
 حيث أعلنت روسيا في 18 أكتوبر الأول 2016م عن تعليق طلعات الطيران الحربي الروسي والسوري في سماء حلب، وأعلنت بعدها هدنة إنسانية لمدة أربعة أيام (من 20- 24 أكتوبر 2016م ووفقا لما أعلنه المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في 28 أكتوبر2016م رفض الرئيس بوتين استئناف الغارات الجوية الروسية على مدينة حلب، حيث رأى على حد ما نقله عنه بيسكوف أن "استئناف الضربات الجوية على حلب غير ضروري الآن"، وربط بوتين ذلك بما أسماه "إعطاء الولايات المتحدة الوقت اللازم لفصل الجماعات الإرهابية عن المعارضة المعتدلة، والسماح للمقاتلين والمدنيين بمغادرة حلب"، المقصود بالطبع الأحياء الشرقية منها التي تسيطر عليها المعارضة. بيد أن بوتين شدد على أنه "في حال دعت الحاجة فإن روسيا ستستخدم كل الوسائل المتاحة لها" لدعم قوات النظام السوري.
روسيا مفتاح الحل
كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره القبرصي في 31 أكتوبر 2016م ، أن بلاده "تعتبر جميع المسلحين في أحياء حلب الشرقية، أهدافًا مشروعة، لارتباطهم بجبهة النصرة" وفي السياق ذاته قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 1 نوفمبر2016م: "إن فشل الغرب في كبح جماح الإسلاميين المتشددين في سوريا تسبب في إرجاء استئناف محادثات السلام لأجل غير مسمى". وأضاف شويغو، في اجتماع لمسئولين عسكريين روس، "حتى ندمر الإرهابيين في سوريا من الضروري أن نعمل معا وألا نضع قيودا على عمل شركائنا، لأن المقاتلين يستغلون ذلك لمصلحتهم" بينما أكد المتحدث باسم الكرملين، في اليوم ذاته، أن "الهدنة لا تزال قائمة في الوقت الراهن، والعمل مستمر الآن لضمان خروج المدنيين وإجلاء الجرحى من حلب الشرقية، وخلق الظروف اللازمة لإيصال المساعدات الإنسانية"، وسخر بيسكوف من خبر أوردته صحيفة "تايمز" البريطانية حول توقيع الرئيس بوتين على خطة لاجتياح أحياء حلب الشرقية.
لا يقف التناقض عند حدود التصريحات، بل أيضًا يبرز تناقض صارخ في المعلومات والإجراءات المتخذة، فوفقًا لما قاله رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، فاليري غيراسيموف، في 2 نوفمبر 2016م "المسلحون- المقصود مقاتلو المعارضة- يتكبدون خسائر كبيرة، ولم يعد بإمكانهم الهروب من مدينة حلب"، ولا ينسجم مثل هذا القول مع الاستعدادات والحشود العسكرية الكبيرة التي أعلنت عنها وقامت بها موسكو مؤخرًا وكان من الملاحظ أن حدة التناقضات في تصريحات المسئولين الروس ارتفعت على أبواب استحقاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبقيت على حالها بعد الفوز غير المتوقع لدونالد ترمب الذي راهن عليه الكرملين، واعتبر أن نجاحه مكسب كبير لموسكو، في حسابات ربما ستكتشف موسكو لاحقا أنها مراهنة ينطبق عليها المثل الشعبي العربي القائل: "حسابات الحقل شيء وحسابات البيدر شيء آخر".
روسيا مفتاح الحل
  ووصلت حدة التناقض في تصريحات الروس إلى درجة جعلت المحللين يردونها إلى واحد من أمرين لا ثالث لهما: إما أن تكون نتيجة حالة تخبط تعيشها القيادة الروسية، وإما أن تكون تكتيكات تمنح موسكو مساحة كبيرة للمناورة، ولا تلزمها بأي شيء قبل التوصل إلى صفقة مع الولايات المتحدة والغرب"، إلا أن انخراط موسكو في الأعمال القتالية دعما للجيش النظامي  ومن المتوقع أن تستمر حالة التناقض في تصريحات المسئولين الروس إزاء الأزمة السورية، لكن الثابت في رسائل موسكو أنها تريد المساومة، وأي تصعيد قد يحدث مستقبلا يندرج في ممارسة ضغوط لتحسين الموقع التفاوضي
 مما سبق نستطيع التأكيد على أن الدور الروسي المحور الرئيسي في الصراع في حلب شكل عنصرًا أساسيًّا في تأجيج الأزمة وحلها في نفس الوقت، وأن التدخل الروسي المتزايد أدى إلى تغير موازين اللعبة في معركة السيطرة على المدينة الاستراتيجية. 

شارك